بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أعتذر مسبقا على الإطالة ولكن ما لي من سبيل آخر.
أنا فتاة في الثامنة عشر من العمر، رباني والداي على حفظ كتاب الله والالتزام منذ الصغر. لكن شاء الله أن أصابني بابتلاء أبعدني عنه وعن كتابه، دمرني نفسيا، حتى وصل بي الأمر أن بدأت بإيذاء نفسي- عفاكم الله.
بدأ الابتلاء من سبع سنوات وبدأت بإيذاء نفسي السنة الماضية. كنت أعلم أن مصابي كان بسبب بعدي عن ربي، ومع ذلك ما ارتدعت.
منذ شهرين، وقعت في ابتلاء أكبر، قادني إلى وسائل التواصل الإجتماعي- والتي كان والدي قد رباني على الابتعاد عنها- كانت صفحة نتحدث فيها عن مسلسلات الرسوم المتحركة.
بعد أسبوع من استخدامي لها، التقيت فيها بشاب، سألني عن مصابي وساعدني فيه شيئا فشيئا.
بفضل ربي ومنته، أعادني للصلاة، فما ضاع مني فرضا بعدها. أعادني لكتاب ربي الذي كنت قد هجرته بعد ما ختمته. حتى أنه جعلني أصوم النافلة. شيئا فشيئا، أوقفت إيذاء نفسي، وبدأت اتعلق بربي وألجأ إليه في كل أموري. استغرق ذلك شهر. أعدت له إحسانه وساعدته في أمر قد ألمه. وبعد فترة من تواصل ما تخطى حدود الشرع، لم احتمل ثقل المعصية وأخبرته أني سأقطع التواصل بحكم أنها خلوة لا ترضي الله. وما تواصلنا بالصوت أبدا.
استغرق الأمر بضع أيام حتى قطعنا الحوار ولكنه طلب يدي للزواج في نهايته، فاجأني الأمر، و لكنه أقنعني به. أعطيته رقم والدي بطلب منه، شريطة ان لا يتصل به قبل انتهاء العام الدراسي وقبولي في الجامعة التي يتمناها والدي.
وبالفعل قطعنا الاتصال تماما، وأغلقت صفحة التواصل التي كنت قد فتحتها وصببت تركيزي على دراستي وتوبتي.
كيف أعلم أن ربي قد قبل توبتي؟
هل علي أن أعوض ما فاتني من فروض؟ أم أكتفي بصلاة النافلة؟
ما هي كفارة إيذاء نفسي؟ وماذا أفعل إن أتتني الرغبة في تكرار الأمر، هل أتوضأ وأصلي ركعتين؟
ما حكم إخفائي كل هذا عن والداي؟ مع العلم أني سأخبرهم بالحقيقة كاملة إن قدر ربي وتم الأمر. ولكن لظروف معينة، يستحيل إخبارهم بما حدث الآن.
ما حكم ما وقع بيني وبين ذلك الشاب؟ لم نتخطى حدود الأدب والأخلاق طوال الحوار، فهل يكون نكاحه باطل لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم “ما بني على باطل فهو باطل”؟
كيف أثبت على توبتي؟ أخشى العودة إلى طريق الضلال.
كيف أعلم أن ذلك الشاب لا يخدعني؟ كيف أوقن أن كل هذا ليس فقط مجرد امتحان من ربي؟ رأيت منه ما يجعلني أثق به، ولكن قصر فترة التعارف يرعبني ويرهبني. حاولت إقناعه بالعزوف عن الأمر، لكنه أبى وبشدة.
هل ميل قلبي لذلك الشاب حرام؟
أرسلت له صورة لي وأنا في حوالي الثالثة عشر من العمر، أي قبل ارتدائي النقاب، وكنت في الصورة بحجابي. فهل علي إثم في ذلك؟
احترت في أمري فاستخرت، فقادني ربي إليكم، أعتذر مرة أخرى على الإطالة.
جزاكم الله خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب:
فنحمد الله الذي وفقك فعدت إلى جادة الصواب وجزى الله خيرا ذلك الشاب الذي كان سببا في إعادتك إلى طاعة ربك ويعد هذا الشاب من الرجال القلائل الذين عندهم شيم الرجولة وليس من الذين يعبثون بأعراض بنات المسلمين.
كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وإذا تاب العبد من الذنب قبل الله توبته إن تحقق في العبد شروط التوبة النصوح وهي الإقلاع عن الذنب والندم على ما فعل والعزم على عدم العودة مرة أخرى.
من أسماء الله تعالى التواب ومن صفاته أنه يتوب على من تاب قال تعالى: (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) ويقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ).
لست بحاجة لقضاء الصلوات التي تركتها في الفترة الماضية لأنها كثيرة وفي قضائها مشقة كبيرة والقاعدة عند أهل العلم أن المشقة تجلب التيسير وإنما عليك أن تكثري من النوافل.
ليس لإيذاء النفس أي كفارة وإنما عليك كثرة الاستغفار وتنويع الأعمال الصالحة وإن سول لك الشيطان ونفسك الأمارة بالسوء ذلك مرة أخرى فبادري للاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ولا بأس أن تتوضئي وتصلي ركعتين أو تبادري بقراءة القرآن الكريم.
لا تخبري والديك ولا أحد من الناس بما فعلت فقد سترك ربك فلا تهتكي ستر الله ولست بحاجة لإخبارهم لأنه لا مصلحة من وراء ذلك بل مفسدة ذلك قد تكون كبيرة وعظيمة ولو لم يكن إلا أن مكانتك عند أهلك ستسقط ويكفي أنك تبت من ذلك كله.
يكفيك أنك قطعت التواصل مع ذلك الشاب وأكثرا من الاستغفار وزواجه منك إن تم فهو صحيح.
أكثري من دعاء (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك) وتحيني أوقات الإجابة كوقت السجود فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وما بين الأذان والإقامة والثلث الأخير من الليل وسلي الله تعالى الهداية والثبات على الدين وجاهدي نفسك على أداء الأعمال الصالحة فمن جاهد نفسه هداه الله كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم فإنه من وسائل الثبات على الدين.
أنصحك أن ترتبطي في مدرسة أو دار لتحفيظ القرآن الكريم فذلك من أسباب زيادة الإيمان وكسب صديقات صالحات يدلونك على الطاعات ويعينونك على فعلها.
بما أن هذا الشاب جاد في التقدم لخطبتك من أهلك فلا أعتقد أنه يريد أن يخدعك لكني أنصحك بالتحري عن صفاته في فترة الخطوبة وعلى وليك أن يكون حريصا على ذلك وأهم الصفات أن يكون صاحب دين وخلق ثم بقية الصفات التي تكون سببا في الألفة واستدامة العشرة.
احذري من الخلوة به أو الخروج معه في فترة الخطوبة أو تبادل الكلام الغزلي والعاطفي كون فترة الخطوبة لا تحل لكما ذلك.
الحياة كلها امتحان ولعل الله أراد بك خيرا فكم من محنة وراءها منح عظيمة ولعل فترة الخطوبة واجتهاد وليك في التعرف على هذا الشاب تبدد مخاوفك.
أنصحك أن تصلي صلاة الاستخارة وتدعي بالدعاء المأثور وتتوكلي على الله فكونك تكلين الأمر لربك يختار لك ما يشاء سيريح بالك ولن يختار الله لك إلا ما كان خيرا لأن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.
إن سارت الأمور بيسر وسهولة فذلك يعني أن الله اختاره ليكون زوجا لك وإن تعقدت الأمور وانسدت الأبواب فذلك دليل أن الله صرفه عنك فكوني راضية بما سيقدره الله لك.
مجرد الميل القلبي ليس فيه شيء إن شاء الله ما لم يتحول ذلك إلى عمل خارج إطار الزوجية.
إرسالك الصورة يعد من جملة الأخطاء التي ارتكبت في الفترة الماضية فلا تكرري ذلك في المستقبل.
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب ذهاب الهموم وغفران الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
حافظي على ورد من القرآن الكريم يوميا وداومي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى أن يتوب علينا جميعا وأن يثبتنا على دينه وأن يهيئ لك من أمرك رشدا إنه سميع مجيب.


اضافة تعليق