السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
سيدي الفاضل..
بخصوص القبول بخطيب عمره 64 عاماً وأنا 46 عاماً.. ولقد توكلت على الله بعد الاستخارة واستشارة صفحتكم الكريمة وأبديت رغبتي لأهلي بقبول هذا الخاطب.. ولكن هوجمت بالرفض والتعنت من والدتي وأخي ورفضه بحجة سنه وشكله.. علماً بأنهم سبق لهم رفض كل خاطب بحجج مختلفة حتى وصلت لهذا السن بدون زواج.. وبصعوبة شديدة وافقوا على أن يأتي لبيتنا، وعاملوه معاملة سيئة جداً فاتصل بي الخاطب ورفض إتمام الزواج لأهانة كرامته ولأنه وجد من أمي غلّ وحقد في كلامها، وقال لي إن أهلك لا يريدوا تزويجك أبداً للاستفادة من راتبك.. وطلب مني أن يلجأ لأي فرد كبير بالعائلة إذا كنت أرغب في إتمام الزواج.. وأنا ليس لي أحد بالدنيا لا أهل ولا أصحاب يمكن الاعتماد عليهم..
لقد استخرت الله كثيراً، ولكن بعد إنهاء الموضوع لا أنقطع عن البكاء وأشعر بغصة وحزن شديد جداً، ولا أحد يشعر بي، وأمي قاسية لم تهتز لبكائي، وأخي سلبي ومن مصلحتهم ألا أتزوج.
اختيار اللجوء للقضاء أو لأحد كبير غير وارد بالنسبة لحالتي..
برجاء الدعاء لي بتفريج كربي ونصيحتي بما أفعله مع تعنت أهلي.. وهل أتزوج من هذا الخاطب رغماً عن أهلي علماً بأنه أهانني وأهان أهلي بعد ما حدث له في بيتنا رغم رجائي له بالصبر معهم حتى يتزوجني وبعدها فليفعل ما شاء ولن أجبره على الاتصال بهم بعد الزواج.
آسفة للإطالة ولكن الله وحده يعلم بما في قلبي من حزن وهمّ وكرب.. أشعر أن شبابي ضاع ولم يعد لي أي فرصة، بلا ذنب جنيته.. فلم أتبطر أبداً على أحد تقدم لي، ولكن أهلي هم السبب وأنا يتيمة بلا أب ولا أهل غيرهم. أرجو الدعاء والنصيحة. وهل ما حدث من باب نتيجة الاستخارة أم من الظلم؟ وهل ترك الخاطب لي معناه عدم تمسكه بي وإصراره عليا؟
وجزاكم الله خيراً
الجواب:
فمرحبا بك أختنا الكريمة وردا على استشارتك أقول:
الزواج رزق من الله يسير وفق قضاء الله وقدره فإن كان لك رزق في هذا الباب فسوف يأتيك رغما عن أنوف الجميع يقول تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
الرضا بالقضاء والقدر جزء من الإيمان لا يكتمل إيمان العبد إلا به وإذا أحب الله عبدا ابتلاه وعظيم الجزاء يكون مع عظم البلاء ففي الحديث: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره وحذار أن تتسخطي وإلا فالجزاء من جنس العمل.
الحزن والبكاء لا يفيد شيئا ولا يقدم ولا يؤخر بل يزيد من ضيق الصدر وليس هناك أفضل من الرضا بقدر الله كما تقدم فالرضا يشرح الصدر ويبعث على الأمل ويجعل اللسان تلهج بالشكر لله تعالى.
كوني متفائلة فالتفاؤل يبعث الأمل ويشرح الصدر ويفتح الآفاق وكان من أحلاق النبوة حب التفاؤل.
المؤمن يتقلب بين أجري الشكر والصبر كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن).
أرى أن هذا الرجل الذي تقدم لك كبير في السن ولعل الله صرفه عنك رحمة بك كونك صليت صلاة الاستخارة وفوضت أمرك إلى الله ليختار لك ما فيه الخير ولعل الله يسوق لك من هو خير منه.
من كان من نصيبك فلن يستطيع أحد أن يمنعك من الزواج به لأن مشيئة الله هي النافذة قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
لا ينبغي أن تقفي مكتوفة الأيدي في حال تقدم لك شخص ورفض أهلك طالما وعندك وسائل مشروعة كاللجوء إلى القضاء بدعوى عضل ولي أمرك.
أرى أن تقتربي من أمك وأخيك أكثر وتبيني لهم حالتك ومعاناتك وحاجتك للزواج وتبيني لهما أنك في حال تزوجت لن تتخلي عنهما وسوف تخصصي لهما قدرا من راتبك شهريا لأن بعض الأهل لا يهمه سوى مصلحته ولو على حساب سعادة الآخرين من أفراد الأسرة.
الله وحده هو قاضي حوائج عباده فعليك باللجوء إليه وخاصة أثناء سجودك فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد يقول عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فإنه حري أن يستجاب لكم ) وفي الثلث الأخير من الليل حين ينزل إلى السماء الدنيا فينادي عباده (هل من طالب حاجة فأقضيها له).
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أعظم أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
وثقي صلتك بالله تعالى واجتهدي في تقوية إيمانك وأكثري من العمل الصالح فذلك من أعظم أسباب جلب الحياة الطيبة كما وعد الله بذلك فقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
نسأل الله تعالى أن يفرج همك ويرزقك زوجا صالحا يسعدك ويلين قلب أخيك وأمك إنه سميع مجيب.


اضافة تعليق