قد وصف الله- سبحانه وتعالى نبيه الكريم – عليه الصلاة والسلام – وأثني عليه فقال:(( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) سورة القلم آية (4)، وهذه شهادة من الله تكفي لمعرفة شخصية النبي- صلى الله عليه وسلم – وسلوكه الذي يتصف به، ولقد حصر وقصر رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – مبعثه على تكميل الأخلاق فقال عليه الصلاة والسلام :( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)…
خطبة بعنوان : النبي علية الصلاة والسلام زوجاً
العناصر:
1- كفي بالله مزكياً.2-حلمه – عليه الصلاة والسلام – مع أزواجه .3-المرح النبوي مع زوجاته.4-مشاورة النبي- عليه الصلاة والسلام – لزوجاته.5-عدله صلى الله عليه وسلم بين نسائه.6-مواقف نبوية في حسن المعاملة.
الحمد لله رب العالمين أرسل إلينا أفضل الرسل وأنزل علينا أخر الكتب وجعلنا خير أمة أخرجت للناس أحمده وأشكره على نعمه التي لا تحصى وأشهد أن لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ترك أمته على المحجة البيضاء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه وسلم تسليما كثيرا.
أما يعد:-
عباد الله :
قد وصف الله- سبحانه وتعالى نبيه الكريم – عليه الصلاة والسلام – وأثني عليه فقال:(( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) سورة القلم آية (4).
وهذه شهادة من الله تكفي لمعرفة شخصية النبي- صلى الله عليه وسلم – وسلوكه الذي يتصف به.
ولقد حصر وقصر رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – مبعثه على تكميل الأخلاق فقال عليه الصلاة والسلام :(( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق))[1]
وقالت عائشة – رضي الله عنها – حين سألت عن خلقه عليه الصلاة والسلام ((كان خلقه القرآن ))[2]
إن العلاقة الخاصة بين الزوج و زوجته وعلاقة الرجل الأسرية بأهله هي التي تبرز وتظهر حقيقة شخصية الرجل وتوازنه في علاقاته فلا يكفي أن يكون الإنسان خارج بيته حليماً وديعاً وفي بيته ذئبا وأسداً فهذا من التناقض الصارخ في مع أهل البيت(( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي))[3]
فالشخص الذي يكون في بيته حنونا رؤوفا بأبنائه بارا بأهله فهو إنسان يستحق التقدير.
وصف الله- سبحانه وتعالى – نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم))[4]
إنه الحلم والأناة والرفق منه- عليه الصلاة والسلام- بأمته وأكثر ما يظهر هذه الأخلاق مع أزواجه والدليل على ذلك:
ما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (( أن نساء النبي عليه الصلاة والسلام كن يجتمعن في كل ليلة في بيت صاحبة النوبة منهن فدخلت زينب بيت عائشة فمد يده فتقاولتا حتى ارتفعت أصواتهما فمر أبو بكر فسمعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أحث في أفواههن التراب وجاءت الصلاة فخرج صلى الله عليه وسلم ولم يكلمهما ولكن أبا بكر عاد بعد الصلاة فعنف عائشة ))[5]
فانظر إلى صبره- صلى الله عليه وسلم – وحلمه على ما بدر من أزواجه و تخاصمهن أمامه دون أن يعنف إحداهن.
وإليكم مثالا آخر في حلمه – عليه الصلاة والسلام – فعن عائشة رضي الله عنها : ((أن نساء النبي عليه الصلاة و السلام كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الآخر فيه أم سلمة وسائر نساء النبي عليه الصلاة والسلام وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عليه الصلاة والسلام لعائشة فإذا كان عند أحدهم هدية يريد أن يهديها لرسول الله عليه والصلاة والسلام آخرها حتى يكون رسول الله في بيت عائشة فكلم حزب أم سلمة أم سلمة فقلن لها : كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول: من أرد أن يهدي إلى رسول صلى الله عليه وسلم هدية فليهديها حيث كان من بيوت نسائه فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل شيئا ..
وفي المرة الثالثة قال لها: (( لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة )).
فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ثم أنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال :(( يا بنيه ألا تحبين ما أحب )).
قالت : بلى.
ثم أرسلن زينب بنت جحش فأته فأغلظت وقالت : ((أن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي قحافة فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تكلم ؟
قالت : فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتها قالت : فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وقال (إنها بنت أبي بكر))[6].
بل إن الحلم النبوي العظيم بهذا الحديث الشريف الذي ما أعلم لو حدث لأحدنا تراه ما يصنع في ذلك عندما بعث إلى النبي- صلى الله عليه وسلم – بطعام فجاءت عائشة ورمت الصحفة فوقعت فجمع النبي عليه والصلاة والسلام ما جمع وقال :(( كلوا غارت أمكم غارت أمكم))[7]
ففي هذا الحديث واعظا لنفوسنا ومعلما لنا كيف كان بأبي هو وأمي – صلى الله عليه وسلم – يتعامل مع أزواجه.
وهكذا كان – عليه الصلاة والسلام – مثالا للطف والأنس والمرح تقول عائشة -رضي الله عنها :(( خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال: للناس تقدموا فتقدموا ثم قال : لي تعالي أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال: للناس تقدموا فتقدموا ثم .
قال : تعالي أسابقك فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك))[8]
وجاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن عروة بن الزبير قال قالت عائشة
: والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكى أنظر إلى لعبهم ثم يقوم من أجلى حتى أكون أنا التي أنصرف فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو ))[9]قال القاضي عياض وفيه حسن خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهله وكرم معاشرته..
ولننتقل إلى صفحة أخرى من صفحات حياته – عليه الصلاة والسلام – ولننظر كيف كان -عليه الصلاة والسلام – يشاور نسائه فبعض الأزواج ربما ينظر إلى المرأة على أنها أدني منه في مستوى التفكير والإدراك وكذلك فإنه لا يمكن أن يخطر على بال أحدهم أن يستشير زوجته في شأن من شؤون حياته بينما كان النبي عليه الصلاة و السلام – وهو قدوة للمسلمين لم يكن يجد مانعا من استشارة زوجته أم سلمه -رضي الله عنها في أهم وأخطر حوادث المسلمين السياسية عندما امتنع أصحابه – رضي الله عنهم – عن نحرهم وحلق رؤوسهم فأشارت إليه أن ينحر هديه ويحلق رأسه فلما راءوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا.
أما عدله – عليه الصلاة والسلام – بين نسائه فكان نموذجا للعدل بينهن برغم من أن الله أنزل عليه قوله:(( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَوْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً )) سورة الأحزاب آية (51).
حتى في مرضه – عليه الصلاة والسلام – فكان يقول: (( أين أنا غدا أين غدا))[10]
و مع ميل قلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعائشة إلا أنه لا يسكت عن خطأ عائشة :((فعند ما صنعت أم سلمة طعاما وأرسلت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ففلقت عائشة الصحفة فارسل رسول الله عليه الصلاة والسلام بصحفة عائشة إلى أم سلمة))[11]
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا أراد سفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وكان يقسم لكل امرأة منهم يومها وليلتها غير سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي رضي الله عنها تبتغي بذلك رضى رسول الله عليه الصلاة والسلام ))[12]
بل إن النبي – عليه الصلاة والسلام – عنده من الرأفة والرحمة ومراعاة المشاعر ما يدل على حسن تبعله عليه الصلاة والسلام وحسن معاشرته لنسائه فعندما تأتيه زوجته وهو معتكف فيجلس معها ويحدثها في معتكفه ساعة ثم يقوم معها يردها إلى قريب بيتها..
يؤخر النبي- عليه الصلاة والسلام -الجيش للبحث عن قلادة أسماء التي فقدت من عائشة رضي الله عنها .
ومن أسباب السعادة الزوجية مراعاة الزوجة لمشاعر زوجها فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها كانت تذهب إلى أرض الزبير التي كانت تبعد عن بينها مسافة فتأتي بالنوى للفرس تدقه له ففي إحدى المرات عند عودتها قابلت النبي- عليه الصلاة والسلام – وهو راكب دابته ومعه نفر من أصحابه فأناخ النبي عليه الصلاة والسلام – البعير ودعاء أسماء للركوب خلفه فقالت أسماء : فاستحيت وذكرت الزبير وغيرته فلما علم النبي – عليه الصلاة والسلام – أنها استحيت مضى فلما عادت إلى البيت قصت على الزبير ما حدث فقال لها : والله لحملك النوى على رأسك أشد من كونك معه))[13]
فنجد هذه المرأة الصالحة لعلمها بشدة غيرة زوجها تراعي مشاعر زوجها وفي هذا درس بليغ لكل مسلمة ترجو الله و اليوم الآخر وهو أن المرأة إذا علمت أن زوجها يتكدر من صفة ما أو تصرف ما لا يحل لها أن تخالفه وتأتي بما يكدر مزاجه ويحزنه..
وهذا من الوفاء لاسيما أنه مفتاح الجنة بالنسبة للمرأة أو أحد مفاتحها كما في الحديث مرفوعا (( أنظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك))[14].
فمكانة الزوج عظيمة جدا و مراعاة مشاعره في الغضب والفرح أمر بديهي لكل مؤمنة تريد رضي ربها والجنة..
وكذلك ينبغي على الزوج أن يراعي مشاعر المرأة أثناء حملها وكذلك وضعها وأيضا أثناء حيضها فذلك دليل على حسن المعاشرة..
إليك أخي الكريم أختي الكريمة مواقف نبوية غاية في الرقة وحسن المعاملة والاحترام:
فقد روى الشيخان عن صفية – رضي الله عنها – أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدث عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام معها حتى إذا بلغت المسجد عند باب أم سلمه مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله عليه وسلم فقال: عليه الصلاة والسلام (( على رسلكما إنها صفية بنت حيي )) .
فقالا سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما فقال : النبي عليه الصلاة والسلام :(( أن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا))[15]
وموقف آخر عن أنس -رضي الله عنه – قال : ثم خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر فرأيت النبي عليه الصلاة والسلام يحوي لها (أي صفية ) وراءه ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب))[16]
فحبيبنا محمد – عليها لصلاة والسلام – يعلم البشرية أسس الاحترام وآدابه وليس هذا خاصا بالإنسان بل حتى بالحيوان .
فالاحترام منهج وسلوك يعمل به الشرفاء .
فهلا أيها الإخوة تأسينا بنينا- عليه الصلاة والسلام – في جميع حياته وجميع أموره حتى تسعد حياتنا وتتحقق المودة والرحمة والسكينة التي ذكرها الله- عز وجل – في الزواج قال تعالى :(( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) سورة الروم آية (21).
ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما والحمد لله رب العالمين.
[1] – مسند أحمد 2/381
[2] – مسند أحمد 6/216
[3] – سنن الترمذي 5/709
[4] – سورة التوبة آية (129)
[5] – مسلم 2/1084
[6] – البخاري 2/911
[7] – سنن النسائي 7/71
[8] – أحمد 6/39
[9] – مسلم 2/607
[10] – البخاري 5/2001
[11] – سنن النسائي 7/70
[12] – سنن أبي داود 2/603
[13] – فتح الباري 9/319
[14] – أحمد 4/341
[15] -مسند أحمد 6/337
[16] سنن البيهقي 9/125- فتح الباري 7/479




اضافة تعليق