تابعنا على

إنتاجات الشيخ بحوث ودراسات

النجم الثاقب في الدفاع عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب .

بسم الله الرحمن الرحيم

النجم الثاقب في الدفاع عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب .

 

الحمد لله رب العالمين وصل الله على نبينا محمد وآله وصحبه

 أما بعد :

فهذه قصة الصحابي ثعلبة بن حاطب – رضي الله عنه – وما ورد فيها من الأقوال من حال القصة والاعتماد عليها وبطلانها من حيث الإسناد ومن حيث مصادمتها للنصوص الصحيحة الثابتة (( متناً))

بيان القصة في كتب التفسير عند قوله تعالى – : ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ )) سورة التوبة الآيات ( 75- 77)

وفي القصة عن أبي أمامة أن ثعلبة بن خاطب الأنصاري : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أدع الله أن يرزقني الله قال : ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ثم رجع إليه فقال : يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالا قال ويحك يا ثعلبة أما تريد أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والله لو سألت أن يسيل لي الجبال ذهبا وفضة لسالت ثم رجع إليه فقال : يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالا والله لئن أتاني الله مالا لأوتين كل ذي حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت عنها أزقة المدينة فتنحى بها وكان يشهد الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إليها ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة فتنحى بها فكان يشهد الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إليها ثم نمت فتنحى بها فترك الجمعة والجماعات فيتلقى الركبان ويقول ماذا عندكم من الخبر ؟ وما كان من أمر الناس ؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } قال : فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقات رجلين رجل من الأنصار ورجل من بني سليم وكتب لهما سنة الصدقة وأسنانها وأمرهما أن يصدقا الناس وإن يمرا بثعلبة فيأخذا من صدقة ماله ففعلا حتى ذهبا إلى ثعلبة فأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صدقا الناس فإذا فرغتما فمرا بي ففعلا فقال : والله ما هذه إلا أخية الجزية فانطلقا حتى لحقا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله } إلى قوله { يكذبون } قال : فركب رجل من الأنصار قريب لثعلبة راحلة حتى أتى ثعلبة فقال ويحك يا ثعلبة هلكت أنزل الله عز وجل فيك القرآن كذا فأقبل ثعلبة ووضع التراب على رأسه وهو يبكي ويقول : يا رسول الله يا رسول الله فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقته حتى قبض الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر قد عرفت موقعي من قومي ومكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقبل مني فأبى أن يقبله ثم أتى عمر رضي الله عنه فأبى أن يقبل منه ثم أتى عثمان رضي الله عنه فأبى أن يقبل منه ثم مات ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنه))[1]

حال القصة من حيث الإسناد :

القصة لها ثلاث روايات :

الأولى عن أبي أمامه الباهلي أخرجها ابن جرير في تفسيره ( 10-130) وابن الأثير في أسد الغابة ( 1/ 282- 285) وابن عبد البر في الاستيعاب ( 1/ 201) وابن حزم في المحلى ( 11/ 208) وإسنادها ضعيف جداً لأنها من طريق علي بن يزيد الألهاني قال فيه البخاري (( منكر الحديث )) وقال النسائي ( متروك ) وعلى كل حال فالكلام فيه شديد وما قال فيه البخاري منكر الحديث فهو مما لا يصح في الشواهد والمتابعات .

الثانية : عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أخرجها ابن جرير ( 10/ 130) وإسنادها ساقط بمرة لا يساوي عند أهل الحديث بعرة لأنه مسلسل بالعوفيين وهم ضعفاء .

الثالثة : عن الحسن البصري وأخرجها ابن جرير ( 10/ 132) وهي من طريق عمرو بن عبيد عن الحسن وهذا الإسناد ضعيف جداً ( أي لا يصح في الشواهد والمتابعات )) وفيه علل :

  • عمرو بن عبيد قال فيه النسائي ( متروك ) ليس بثقة لا يكتب حديثه وقال ابن معين ( لا يكتب حديثه ) وقال أيوب ويونس ( كان يكذب ) وقال أبو حاتم (متروك الحديث ) وقال الفلاس ( عمرو متروك صاحب بدعة ) وقال ابن حبان ( وكان عمرو بن عبيد داعية إلى المعتزلة ويشتم أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ويكذب مع لك في الحديث توهما ً لا عمداً )) .

  • إن هذه القصة مرسلة والمرسل من قسم الضعيف وذلك لأن الحسن وهو البصري تابعي وبهذا يثبت أن القصة لا يعتمد عليها وهو قول أكثر أهل العلم من المحدثين كالحافظ الذهبي وابن حجر والطحاوي وابن حزم والبيهقي وابن الأثير والقرطبي والعراقي والهيثمي ومحدث العصر الشيخ ناصر الدين الألباني وغيرهم فجزاهم الله خيراً .

بيان بطلانها : متناً وذلك لمصادمتها النصوص الصحيحة الثابتة .

أولاً : ذكر الله في أنه أعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه ومما فسر المفسرون معنى التعقيب أنه زادهم نفاقاً فوق نفاقهم فيفهم منه أن الذي عاهد الله في الآية قد كان منافقاً من قبل فزاده الله نفاقاً فوق نفاقه الأول . وثعلبه – رضي الله عنه – لم يكن منافقاً من قبل بل كان مؤمناً وفتنة المال طارئة فقط إذا افترضنا صحة الرواية ثم إن قوله تعالى (( … فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ…)) سورة التوبة آية ( 77).

أي يوم القيامة وهذا أيضاً منقوض برجوع ثعلبة إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ليتوب فإنه دليل على عدم بقاء النفاق معه طيلة حياته .

ثانياً : مخالفتها لقوله – تعالى – ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً )) سورة النساء آية (17)

ولقوله – صلى الله عليه وآله وسلم – كما في سنن الترمذي وابن ماجه أن ثعلبة جاء تائباً ولم يقبل منه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وأكد توبته فجاء إلى أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ولم يقبلوا منه وأخبروه أن الله لم يقبلها وهذا خلاف النصوص القاطعة بقبول التوبة ولو بلغت الذنوب عنان السماء .

ثالثاً : مخالفتها للأحاديث الثابتة الواردة في مانع الزكاة فإنه قد ثبت عنه – صلى الله عليه وآله وسلم – كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بسند حسن في الرجل الذي منع الزكاة فقال : خذوها وشطر ماله وبينما القصة المروية تؤكد أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – سكت ولم ينفذ هذا الحكم في ثعلبه وكذلك الصحابة – رضي الله عنهم – مع أن أبا بكر – رضي الله عنه – قاتل ما نعي الزكاة ومقالته مشهورة وهي قوله : (( والله لو منعوني عناقاً أو عقالاًَ كانوا يؤدونه لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لقاتلهم عليه .

رابعاً : إن ثعلبة – رضي الله عنه – ممن شهد بدراً وأهل بدر قد غفر الله لهم وأوجب لهم الجنة كما في الحديث (( … إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ))[2]

ومن كان في هذه المنزلة كيف يعقبه الله نفاقاً إلى يوم القيامة ؟ ويختم له بالنفاق ثم يوجب له الجنة فإذا تبين لنا حال هذه القصة وأنها مكذوبة علمنا الخطأ الجسيم الصادر من أولئك الذين يسبون هذا الصحابي الجليل وأن ما يصدر من بعض الخطباء والوعاظ من ذكر هذه القصة إنما هو نتيجة جهلهم بعلم  الحديث الذي سار عليه علماؤنا – رحمهم الله – من حيث نقدهم للأسانيد هذا وقد نهى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عن سب أصحابه وخاصة أهل بدر – رضي الله عنهم – ومنهم ثعلبة بن حاطب – رضي الله عنه- فقال – صلى الله عليه وآله وسلم – : ((لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه))[3]

فالواجب على كل مسلم يحب الله ورسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – إذا سمع من يسرد هذه القصة ويدندن بها ويسب هذا الصحابي الجليل – رضي الله عنه – أن ينصحه ويبين له أن هذه القصة لا تصح لا من حيث الإسناد ولا من حيث المتن وذلك بالتي هي أحسن والله أعلم .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

وكتب / د. عقيل بن محمد المقطري

[1] – المعجم الكبير 8/ 218

[2] – البخاري 3/1095

[3] – البخاري 3/1343

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق