تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

توجيهات في استغلال العشر الأواخر

هلموا للاستثمار في العشر الأواخر انهلوا من معينها صياماً وقياماً ودعاءً وتضرعاً وتذللاً وقرآناً وصدقة وغير ذلك من الأعمال اختلوا بلياليها دعاءً وتضرعاً وخشوعاً لنناجي فيها الخالق ونتعرض لنفحاته…

خطبة بعنوان : توجيهات في استغلال العشر الأواخر

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار  

أيها المسلمون :

نحن في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك هذا الشهر الكريم الذي جعل الله – تعالى – فيه من النفحات ومن الخير والبركة ومن المغفرة والرحمة والعتق من النار وجعله كذلك موسماً للتنافس في الطاعات والتسابق في القربات إنهن ليالي مباركة هن أعظم ليالي العام على الإطلاق فيها سوق للتجارة مع الله – تعالى – للتنافس بين المؤمنين أيها يكسب أكثر لقد كان رسولنا – صلى الله عليه وآله وسلم – يحي هذه الليالي ويقدرهن تقديراً كبيراً كان يحيها جميعاً وربما كان لا ينام في مثل هذه الليالي المباركة قالت عائشة رضي الله عنها

: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره))[1]

شهر رمضان أوشك على الارتحال مضت عشره الأوائل ومضت عشره الأواسط وها نحن قد قطعنا بعضاً من أيام العشر الأواخر ويوشك أن يرتحل فهل حاسبنا أنفسنا ماذا صنعنا في العشر الأوائل وهل استدركنا في العشر الأواسط وماذا نحن صانعون في العشر الأواخر

ترحل الشهر والهفاه وانصرما        واختص بالفوز بالجنات من خدما

إنها أيام وليالي تعد بأصابع الكف فهل من مشمر وهل من مستثمر

عشر وبالحسنات كفك تزخر               والكون في لألاء حسنك مبحر

هتفت للقياك النفوس وأسرعت             من حوبها بدموعها تستغفر .

أيها الصائمون :

هلموا للاستثمار في العشر الأواخر انهلوا من معينها صياماً وقياماً ودعاءً وتضرعاً وتذللاً وقرآناً وصدقة وغير ذلك من الأعمال اختلوا بلياليها دعاءً وتضرعاً وخشوعاً لنناجي فيها الخالق ونتعرض لنفحاته صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ((افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم))[2]

في هذه العشر يذرف الصادقون المشتاقون إلى الله – تعالى – الذين أحرقت الذنوب أكبادهم وقلوبهم يذرفون الدموع خوفاً ووجلاً من الله – عز وجل – تلهج ألسنتهم بالدعاء خوفاً وطمعاً

دمع تناثر بل قل مسبل هطل          والقلب من حسرة مستوحش خجل

ودع حبيبك شهر الصوم شهر تقى    وهل تطيق وداعاً – أيها الرجل ؟

أيها المسلمون :

 لقد كان هدي النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في العشر أكمل الهدي فعن عائشة رضي الله عنها قالت

: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله))[3]

شد المئزر يعني كناية عن اعتزاله لنسائه وأحيا ليله بحثاً عن ليلة القدر وتعرضاً لنفحات الله – تعالى – واستغلالاً للدقائق والثواني الغالية في هذه العشر المباركات يناجي ربه خاصة في الثلث الأخير من الليل هذا دأبه – صلى الله عليه وآله وسلم – وأيقظ أهله لم يتركهم غافلين ولم يتركهم في النوم يغطون بل أراد منهم أن يتعرضوا كذلك لنفحات الله – تبارك وتعالى – وأراد منهم أن يأخذوا من الأجر بنصيب في هذه الليالي المباركة كان دأبه – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه يحث الناس على الطاعة في هذه الليالي كان يقوم بهم ولو خشيته – صلى الله عليه وآله وسلم  – من أن تفرض عليهم صلاة القيام لقام بهم الشهر كله ولكنه خشي أن تفرض عليهم فصلى بهم ليالي في ليلة من الليالي قام بهم قياماً طويلاً حتى قال ذلك الصحابي خشينا الفلاح وقيل وما الفلاح ؟ قال : السحور لطول قيامه – صلى الله عليه وآله وسلم – بالناس إن لنا في رسولنا – صلى الله عليه وآله وسلم – أسوة حسنة ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)) سورة الأحزاب آية  (21)

وشدوا المئازر وأحيوا الليال ولتذرفوا العين دمع الندم فرب غفور رحيم ودود حليم كريم كثير النعم .

أيها المسلمون الصائمون الراكعون الساجدون الحامدون الشاكرون القائمون أيها المنفقون أيها التائبون أيها المعتكفون بشراكم بهذه الليالي المباركة فتقربوا إلى الله – تعالى – بالفرائض قبل النوافل واستدركوا ما فاتكم من الفضل في العشر الأواسط والأوائل – أيها المؤمنون – هذا نداء لي أولاً ولمن فرط فيما مضى من الشهر ثانياً لا تزال الفرصة سانحة والتجارة مع الله رابحة فالعشر الأواخر هي خلاصة الشهر المبارك وفيها ليلة من حرمها فهو المحروم من حرم خيرها فقد حرم خيراً كثيراً .

عشر حباها إله العرش مكرمة           فيرحم الله من ضاقت به السبل

هو الرءوف بنا هل خاب                ذو أمل يدعو رحيماً بقلب ذله الخجل

معاشر الصائمين إن لنا في نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – أسوة حسنة في كل أمورنا فلقد كان – صلى الله عليه وآله وسله وسلم – جواداً وكان كريماً وكان رءوفاً وكان رحيماً وكان أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبريل – عليه السلام – يتدارس معه القرآن فلرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أجود بالخير من الريح المرسلة هذا الخير كما أسلفنا خير عميم وجود واسع ليس بالمال فحسب هذا نوع من أنواع الجود وليس الجميع يجده ولكن الجود أوسع جود بالمال وجود بالخلق وجود بالجاه وجود بالنفع وجود بكف الأذى والضرر وجود بالعلم وجود بصلة الأرحام وجود بتفقد الأحوال أحوال الفقراء والأرامل والمتعففين الذين لا يسألون الناس ألحافاً وليس الفقير الذي يتجول بين الناس والذي تكفيه اللقمة واللقمتان ولكن الفقير الذي لا يصل إليه الناس ولا يعرفه الناس ذلك هو الفقير الذي يحتاج منك إلى أن تطرق بابه وتكفكف دمعته وتربت على كتفه وتمسح على شعر رأسه ذلك اليتيم الذي فقد أباه الذي لا يجد من يطعمه لأنه متعفف ذلك هو الفقير الذي تحتاج إلى أن تجود بمالك وخلقك وكرمك في هذا الشهر المبارك .

يا معشر التجار يا معشر الموسرين يا من منَ الله عليهم بالمال إن من أجل العبادات في شهر رمضان الإنفاق وإخراج الزكاة وتفضل العبادة بفضل وقتها ففضل الوقت الآن أداء صلاة الجمعة لا فضل لقراءة القرآن ولا فضل للدعاء ولا فضل للإصلاح بين الناس الفضل الآن لأداء صلاة الجمعة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) سورة الجمعة آية (9)

هذا هو وقتها إذا أذن المؤذن فأفضل العبادة ترديد الأذان ليس قراءة القرآن ولا الدعاء ولا شيء من ذلك فلكل وقت عبادته ويختلف من شخص لآخر هذا النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يسأله رجل بأي شيء تأمرني قال : لا يزال لسانك رطباً بذكر الله – تعالى – يأتي الآخر فيقول له : أنفق في سبيل الله فيأتي آخر فيقول : الجهاد في سبيل الله – تعالى – فيأتي آخر فيقول : بر بوالديك لأنه يعرف أن هذا الإنسان موسر فعمله هنا وأن ذاك فقير فقال : سبق المفردون قيل من هم يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات قالوا يا رسول الله : إن من إخواننا من له أموال يسبقنا في القربات فينفقون من أموالهم ونحن لا مال لنا فيقول لهم – صلى الله عليه وآله وسلم – : أتريدون أن تسابقوهم ؟ أتريدون أن تكونوا في مصافهم فيقولون نعم : فيأمرهم بذكر الله تعالى .

 يا معشر المسرين يا من منَ الله تعالى – عليكم بفضله وكرمه إن من أجل العبادات في هذا الشهر إخراج الزكاة وخاصة في هذه العشر لفضل الشهر ولفضل العشر فأروا الله من أنفسكم القوة والسماحة وطيب نفس ورضا في أداء هذه الطاعة وأداء هذه القربة عباد الله لقد اختصنا الله – تعالى – في هذه العشر بليلة عظيمة إنها ليلة مباركة أنزل الله – تعالى – فيها القرآن ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )) سورة الدخان الآيات ( 3-4)

إنها ليلة القدر ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)) سورة القدر الآيات (1-5)

هذه الليالي المباركات ستنقضي وستمر كلمح البصر هذه العشر يتنافس فيها التجار في عمل الدنيا ولا عيب ولا عتب يتنافسون في عرض بضائعهم يتنافسون في جلب الزبائن يتنافسون في الكسب يتنافسون في التنزيلات يتنافسون في عرض بضائعهم وهذا عمل وهذا تنافس لكن أين المتنافسون في عمل الآخرة ؟ أين الداخلون في سوق الآخرة ؟ أين التوازن من هؤلاء الناس ؟ هل هم متوازنون في حياتهم ؟ هل يعطون للدنيا حقها ويعطون للآخرة حقها ؟ يجب أن يكون هناك توازن في حياة المسلم ويجب أن يكون هنالك حرص على عمل الآخرة الباقي على عمل الدنيا الفاني كسب الآخرة هو الباقي وأما كسب الدنيا فأنت تكسبه لغيرك لا تجمعه لنفسك عملك الذي تتكسبه في الدنيا بمادة الدنيا يزول ولا يبقى إلا ما قدمته لله – تعالى – أين الأغنياء وأين الأثرياء وأين من جمع الملايين وأين من جمع المليارات أين من جمعها من حلها وأين من جمعها من الحرام أين من نهب أين من سرق أين أين أين ذهبت تلك الأرصدة ؟ أنزلت معه في قبره لم يخرج من قبره إلا بكفن وترك المال هو من سيحاسب عنها وورثته يأكلونها حلالاً لا يحاسبون عليها هو المحاسب وأما هؤلاء أتاهم رزق حلال ساقه الله – تعالى – إليهم ابتلاءً لينظر ماذا يصنعون بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد :

 ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ؟ إنه عمل مبارك في هذه الليلة لذلك كان شدة حرص رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – من أجل إدراك هذه الليلة المباركة العبادة فيها تعدل ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر أي بركة وأجر العمل فيها فلننوع الأعمال من صلاة وقيام ودعاء وتضرع وصدقة وقراءة للقرآن ننوع الأعمال حتى يكون لنا من كل باب نصيب خير من ألف شهر أي ثلاث وثمانين سنة وزيادة وفضل الله – تعالى أعظم من ذلك قيامها سبب في غفران الذنوب من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم له من ذنبه هذه الليلة ليلو مباركة والله إنه لمحروم من حرم أجر هذه الليلة ومن تشاغل عنها .

 يا ليلة القدر آمالاً نعانيها              ومن محياك يا ليلة زانها الرحمن جملها

فيها العطاء وما أدراك ما فيها         فيها السلام من الهادي تردده ملائك

نزلت والروح حاديها                   يا ليلة وهب الفتاح قائمها غفرانه

ألف شهر لا يساويها                  قد خصها الله بالقرآن تذكرة

فيها السعادة                          في أسمى معانيها

أخبرنا – صلى الله عليه وآله وسلم – أن ليلة القدر تكون في العشر وتكون في الوتر من العشر بل قد تكون في الشفع من الوتر من العشر لماذا عميت علينا هذه الليلة من أجل أن نعمل من أجل أن نلتمس من أجل أن نجتهد ولو أنه جعلها في ليلة محددة لاجتهد الناس فيها وترك البقية وهنا يتجلى ويظهر المشمرون المجتهدون من أجل أن يحصل الإنسان على هذا الأجر بكده وعمله واجتهاده وليلة القدر من المسائل الفقهية التي اضطربت فيها الأقوال اضطراباً شديداً فقد بلغت أقوال العلماء في القول فيها إلى نحو أربعين قولاً ولكن الصحيح في هذا أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر شفعاً ووتراً ولكن أرجى ما تكون في الليالي الوتر والدليل على هذا أنها تنتقل من يوم لآخر في العشر أنه – صلى الله عليه وآله وسلم – وافاها في أحد الأشهر في رمضان في ليلة واحد وعشرين قال : أراني أسجد فيها على ماء وطين فأمطرت السماء ليلة واحد وعشرين وصلى الفجر وكانت الأرض مبتلة فالتصقت التراب بأنفه – صلى الله عليه وآله وسلم – ومرة جاءت في ليلة سبع وعشرين وكان عبد الرحمن بن عوف يقسم بالله – تعالى أنها ليلة سبع وعشرين لكن حمل هذا القول على أنها كانت في تلك الليلة من تلك السنة فهي تتنقل ولها علامات ذكرها – النبي – صلى الله عليه وآله وسلم منها :

أن ليلتها ليلة معتدلة فلا هي حارة ولا هي باردة وليلة لا صخب فيها ولا قتل فيها ولا إراقة للدماء فيها .

من علاماتها كذلك أن صبيحتها تطلع الشمس فاترة لا شعاع فيها بمعنى أنه يمكنك أن ترى الشمس بعينك فلا تضرر من رؤيتها كأنها قطعة قمر بل يستمر هذا الحال إلى أن تنتصف بل تكاد أن تغرب وأنت تراها من دون أن تصاب بأي أذى أو إعياء في النظر إليها ونحن عرفناها أو لم نعرفها فمن قام العشر الأواخر أدرك ليلة القدر بأذن الله – تعالى – وفي حديث عائشة قالت : قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني))[4]

كلام عام جامع دقيق هو المطلوب وهو عين الهدف ما هدفنا في هذه الحياة ؟

هدفنا أن ندخل الجنة وأن نجنب النار فإذا عفا الله عنا باعدنا عن النار وأدخلنا الجنة .

يا أيها المؤمنون :

 جدوا في طلبها وشمروا للظفر بها وبفضائلها واستغلوا ساعاتها ودقائقها وثوانيها هذه الليلة التي ستأتي ليلتنا هذه القادمة ليلة وتر ليلة الثالث والعشرين وما يدرينا فلعلها تكون ليلة القدر لقد كان من صفات السابقين الأولين طيلة العام أنهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون .

أيها الإخوة الأفاضل- أيها المؤمنون :

الاعتكاف سنة مؤكدة من سننه – صلى الله عليه وآله وسلم – من تمكن من الاعتكاف في العشر كاملاً فهذا من فضل الله – تعالى – ومن لم يتمكن فليس أقل من أن يعتكف بعض الأيام ومن لم يستطع فليس أقل من أن يعتكف الليالي فيجوز للمسلم أن يعتكف ولو ليلة قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه  – قال : إني كنت نذرت أن أعتكف ليل ة في المسجد الحرام وأنا على الجاهلية قال : أوف بنذرك نذر في طاعة مع أنه في حال كفر فاعتكف ليلة فيجوز أن يعتكف المسلم ليلة وأفضل الاعتكاف في المساجد الثلاثة كما في الحديث ((لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة))[5]

أي لا اعتكاف تام الأجر لكثرة الناس ولعظم الأجر في هذه أسأل الله – تعالى – أن يحرر المسجد الأقصى ويأتي بعد ذلك المساجد التي تقام فيها الجمع حتى لا يضطر المعتكف أن يخرج إلى مسجد الجمعة فإذا كان مسجد الجمعة بعيداً وكان لا يجد من يوصل إليه طعامه وشرابه وملبسه فلا باس أن يعتكف في المسجد التي تقام فيه الصلوات الخمس وإذا حانت الجمعة فيخرج في الساعة الأخيرة من أجل أن يأتي إلى المسجد ليصلي الجمعة ثم يعود بعد ذلك إلى معتكفه

أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم من النار وجميع المسلمين .

والحمد لله رب العالمين .



[1] – مسلم 2/832

[2] – السلسلة الصحيحة 4/ 511

[3] – البخاري 2/ 711

[4] – الترمذي 5/ 534

[5] – السلسلة الصحيحة 6/289

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق