تابعنا على

إنتاجات الشيخ بحوث ودراسات

حكم التأمين على الحياة وغيرها..

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين , وبعد: فإن شركات التأمين التي تعمل بالنظام التجاري نزلت في هذه الأيام ميدانياً إلى المدن والقرى تروج بين العاملين في القطاعات العامة والمختلطة وخاصة قطاع التعليم تروج بينهم التأمين على الحياة من المخاطر المتوقعة كالإعاقات أو الموت – وتدلس عليهم أنه تأمين تكافلي تعاوني, ونظراً لأن كثيراً من المسلمين يعلمون أن هذه الشركات قائمة على التأمين التجاري الربوي القماري المحرم فقد كثر الاتصال وإرسال الأسئلة لأهل العلم يستفتون في هذه المسألة ولكن للأسف الشديد فإن كثيراً منهم وقع في فخ هذه الشركات.

ولقد اتصل بي كثير من الناس أكثرهم من المدرسين وأرسلوا إليّ بالأوراق التي توزع لهم وبعد التحري وجدت أنّ هذه الشركات التي نزلت تروج لنفسها ليست قائمة على النظام التكافلي بل هي تعمل بالنظام التجاري وبراءة للذمة أحببت أن أكتب هذه الأسطر فأقول:

ما هو التأمين؟

التأمين عقد يلتزم المؤمِن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمَن أو المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال مقطوعاً أو شهرياً في حال حدوث الحادث أو تحقق الخطر الموضح في عقد التأمين مقابل قسط أو أي دفعة مالية يؤديها المؤمَن له للمؤمِن.

وينقسم التأمين إلى قسمين: تجاري , وتعاوني.

ما هو التأمين التعاوني:

التأمين التعاوني أو التكافلي هو اشتراك مجموعة من الناس بمبالغ مالية على جهة التبرع لتعويض من ينزل به ضرر ولا يقصد من دفع المبالغ الاسترباح وإن عجز المبلغ المدفوع عن دفع الضرر دفع الأعضاء المشتركون ما نقص وإن زاد استحقوا استرداد الزائد.

وهذا النوع من التأمين أشبه بالصناديق والجمعيات التعاونية التي لا تهدف إلى الربح وقد انتشر في بلاد المسلمين صناديق التأمين الخاصة مثل ما هو حاصل في نقابات المهن المختلفة ( كسائقي السيارات, والعاملين في المؤسسات كالجامعات, والمهن الطبية, …الخ ).

وتقوم هذه الصناديق على أسس أهمها:

1- التبرع.    2- خدمة الأعضاء.    3- الإدارة تكون من الأعضاء المشتركين.

ويدخل ضمن التأمين التعاوني ما يطلق عليه التأمين الاجتماعي الذي من أبرز صوره:

أ‌-      التأمين على العجز الدائم أي أن يفقد العامل قدرته على العمل جزئياً أو كلياً.

ب‌-                         التأمين على الشيخوخة أو التقاعد.

ج- التأمين على الوفاة , ويكون لصالح ورثة المتوفى.

د- تأمين إصابات العمل.

إن التأمين التجاري لما نظر إليه العلماء بتمعن وتفحص وجدوه محرماً؛ لأنه مشتملٌ على الغرر والربا والقمار والتجارة,وهذا هو بيان هذه المسائل الأربع:

أولاً  : الغرر:

تعريف الغرر: الغرر هو المخاطرة التي لا يدرى أيحصل الشيء أم لا كبيع الطير في الهواء يقول شخص لآخر : سأرمي هذه الطيور التي في السماء فما سقط فهو لك بألف فلا يدري أتقتل الرصاص أم لا , أتقتل القليل أم الكثير.

والغرر أنواع:

1- غرر كثير: وهذا يؤثر في الحكم فعقود المعاوضات المشتملة على الغرر الكثير فاسدة ومحرمة.

2-  غرر يسير: وهذا لا يؤثر في الحكم بالإجماع كعدم معرفة أساس البيت المشترى.

3- غرر متردد بين الكثير واليسير: وهذا محل اجتهاد عند العلماء فمنهم من يرى كثرته فيعطيه حكم الكثير, ومنهم من يراه يسيراً فيعطيه حكم اليسير.

والتأمين التجاري غرره كبير فربما دفع الشخص أول قسط ثم حدث له حادث فيستحق المال الكثير, وربما دفع أمولاً طائلة ولا يستلم شيئاً في أكثر صور التأمين وهذا يدل على تحريمه.

ثانيا : الربا:

وجه الربا في التأمين التجاري أنه شراء مالٍ بمال, فالمؤمن يشتري بالمال القليل المال الكثير.

ثالثاً : القمار:

ووجه المقامرة :  أن المؤمن يدفع المال وقد يحصل على العوض وقد لا يحصل, وهذا في أكثر صور التأمبن التجاري.

رابعاً : الإتجار في التأمين التجاري:

يضاف إلى هذا أن التأمين التجاري يقصد به الاتجار والاسترباح من قبل شركات التأمين ويكون مقصود المؤمن له أن يحصل على التعويض عن الخطر أو تقليل أضرار ما نزل به.

وهذه فروق جوهرية بين التأمين التجاري المحرم والتأمين التعاوني التكافلي المباح, فلا يوجد في التأمين التعاوني قمار ولا ربا ولا غرر ولا اتجار.

وإليك بعض الفروق الجوهرية الأخرى:

م التأمين التعاوني التأمين التجاري
1- التأمين التعاوني أساسه التبرع. التأمين التجاري أساسه المعاوضة.
2- أموال التأمين ملك للمشتركين جميعاً. ملك لشركات التأمين.
3- شركات التأمين التعاوني شركات خدمات تدير العمليات التأمينية وتستثمر أموال المشتركين مقابل مبلغ مقطوع أو نسبة من الأقساط أو نسبة من عائد الاستثمار. شركات تجارية تدير أعمال نفسها وتستثمر أموالها وأموال المشتركين لصالحها.
4- طرفا العقد : المشترك وشركة التأمين باعتبارها ممثلة لهيئة المشتركين وهذه الهيئة اعتبارية أو حكمية لازمة لترتيب أحكام عقد التأمين. طرفا العقد: المؤمن وشركة التأمين التجارية التي تعمل لصالح نفسها.
5- هيئة المشتركين: وهي تمثل المشتركين وهي هيئة اعتبارية يدفع أعضاؤها الأموال للشركة التي تدير عمليات التأمين وتستثمر الأموال نيابة عنهم, ووجود هذه  الهئية مهم من الناحية الشرعية, وهذا أشبه ما يكون بشركات المضاربة. وهذا ليس موجودا في شركات التأمين التجاري بل هي عقود ثنائية بين الشركة من جهة والمؤمن من جهة أخرى.
6- في شركات التأمبن التعاوني محل عقد التأمين شيئان: 

الأول: القسط : وهو التبرع الذي يدفعه المشترك مرة واحدة أو على أقساط بما يتناسب مع نوع الخطر المؤمن منه, وهو لا يتبرع بكامل القسط وعوائد استثماره بل بما يكفي لدفع التعويضات المطلوبة من الشركة خلال المدة والباقي يمكن توزيعه على أفراد جماعة المشتركين على شكل فوائض تأمين بعد أن تخصم الاحتياطيات لصالح جميع المشتركين وللمتبرع أن يضع من الشروط ما يراه مناسبا لتبرعه إذا كانت هذه الشروط مشروعة.

الثاني: التعويض: وهو التعويض عن الأضرار الفعلية التي تصيبهم حين تتحقق الأخطار المؤمن عليها والمؤمن يستحق هذا التعويض مع أنه متبرع لأنه شرطه في تبرعه والشروط في التبرعات جائزة.

في شركات التأمين التجاري تستمر الأقساط إلى ما لا نهاية له. 

وإذا لم يسدد قسطاً ثم حدث له حادث لا يستحق التأمين لكون وثيقة التأمين منتهية لكونه لم يجدد التأمين وتشترط شركات التأمين استخدام الوسائل الواقية من وقوع الحوادث و
إذا حدث تفريط فيها فلا يستحق صاحبها التعويض, مثل إلزام سائقي السيارات بطفايات الحريق, فإذا حرقت سيارته وعند الكشف تبين أنه لا يملك طفاية حريق أو كانت غير صالحة فلا يستحق التأمين.

7- توزيع الفائض التأميني على المشتركين وهو يتمثل في المبلغ المتبقي بعد دفع التعويضات والالتزامات مضافاً إليه عوائد الاستثمار. وشركات التأمين التجاري ليس عندها هذا البند بل جميع الفوائض والأرباح ملك لها.
8- المشاركة في الخسارة فإذا لم تكفِ الأموال في تعويض الأضرار على بعض المشتركين فإنه يوزع المبلغ المتبقي على المشتركين كل على حسب نسبة ما دفعه. شركات التأمين التجاري هي التي تتحمل أي خسائر ولذا فإنها تؤمن على نفسها في شركات خارجية توقعاً لحدوث أي خسارةٍ ومعلوم أن الشركات الخارجية تشتغل بالربا والقمار والأعمال المحرمة الأخرى ، فكيف يجوز أرباب شركات التأمين لأنفسهم التعامل مع هذه الشركات الخارجية .
9- تفصل أموال حملة الأسهم عن أموال حملة العقود. الأموال مختلطة.

خصائص التأمين التعاوني:

1-        اجتماع صفتي المؤمن والمؤمن له كعضو.

2-        أعضاء هذا التأمين متضامنون في تغطية المخاطر التي تصيب أحدهم أو بعضهم.

3-   تغير قيمة الاشتراك: وهذه إحدى خصائص هذا التأمين نظراً لأن كل واحدٍ  فيهم مؤمن ومؤمن عليه من أجل هذا كان الاشتراك المطلوب من كل عضو عرضة للزيادة أو النقص تبعاً لما يتحقق من المخاطر سنوياً وما يترتب على مواجهتها من تعويضات.

التكييف الفقهي للتأمين التعاوني:

يشتمل التأمين التعاوني على خمسة عقود متداخلة :

1-   عقد تأمين جماعي: ويتمثل بالاتفاق التعاوني التكافلي القائم على أساس التعاون والالتزام وتبادل التضحية وتقاسم آثار الأخطار.

2-        عقد هبة: وهو التبرع الذي يقوم به الأعضاء ليدفع لمن تضرر منهم.

3-        عقد وكالة: وهو ناشئ بين المؤمنين وشركة التأمين.

4-   عقد المضاربة: حيث تقوم شركة التأمين باستثمار أموال الأعضاء وتقسم الأرباح بين الشركة والأعضاء وفق أحكام الشرع الحنيف.

5-   عقد الكفالة: ويكون ذلك حين يكون إجمالي أموال المستأمنين لا تكفي لدفع حصتهم من التعويضات للمتضررين فتقوم الشركة بدور الكفيل عن المستأمنين فتتكفل بتحمل الالتزامات المالية المستحقة للمتضررين من أموال الشركة قرضاً حسناً لتستردها من أموال المستأمنين بعد ذلك.

 

وبهذا التكييف يتضح أن التأمين التجاري التي تقوم به شركات التأمين العاملة مغايراً تماماً للتأمين التعاوني وأن ما نزلت به بعض الشركات إلى الساحة ليس هو التأمين التكافلي لا من قريب ولا من بعيد.

وعليه فقد أفتت المجمعات الفقهية بحرمة التأمين الشائع الذي تقوم به شركات التأمين العاملة في طول البلاد الإسلامية وعرضها و أباحت التأمين التكافلي الذي تنطبق عليه الشروط والمواصفات التي ذكرتها.

وهذه هي فتاوى المجمعات الفقهية وبعضاً من أهل العلم على تحريم التأمين التجاري:

1-    أكد جمهور الفقهاء على تحريم التأمين على الحياة في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عام 1965م والمؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي بمكة عام 1976م والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة عام 1404 هـ حيث تم قياس التأمين على الحياة على التأمين التجاري.

2-    مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجده عام 1985 م .

3-     مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشر بدبي ( الإمارات العربية المتحدة ) عام 1426هـ

4-              مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة 4 / 4 / 1397هـ .

5-              اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية, فتوى رقم (17406) , ( 19399) .

6-              المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء .

7-              الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي عام 1413 هـ .

8-              السيد سابق في فقه السنة (3/ 266 ).

9-              بحث في مجلة البيان العدد (184) .

10-        الشيخ الدكتور / يوسف القرضاوي في كتابه الحلال والحرام ص257 .

 

وكتبه / عقيل بن محمد المقطري

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق