السائـل: عامر2016-02-02 11:10:21
السلام عليكم..
أنا شاب عربي مسلم، مغترب عن وطنه منذ ثمان سنوات، وفي كل شهر أخصص مبلغًا ماليًا لأهلي شهرياً، وأساهم في جميع احتياجاتهم ومناسباتهم، تزوجت -والحمد لله- لدي ولد وبنت، وأنا لا أمتلك بيتًا في بلدي الأصلي، ولا أنكر أن التزامي تجاه أهلي قد أثر علي بشكل كبير في تأخير ملكيتي لشقة أو بيت، ساءت الظروف وغيرت عملي، أثناء هذه الفترة رجعت إلى بلد الأصلي، وقد اشتريت نمرة أرض للمستقبل، هنا بدأت المشاكل من والدي تحديدًا، وهو يعترض على شرائي لها، ويريد أن أبني بيتًا فوق بيت العائلة، علمًا بأن لي أخوة متزوجين يسكنون معه، وفي هذه الفترة التي مررت بها قررت الرجوع إلى بلد الاغتراب مرة أخرى، وهنا بدأت المشكلة الثانية بأن والدي يريد مني أن ألتزم معه مرة أخرى غير التزامي قرابة ثمان سنوات ماضية، وعندما علم بأني أفكر ببناء بيت على أرضي، قاطعني وأصبح في كل اتصال يجرحني ويجرح زوجتي، ويشتم أنسابي، على اعتبار أن زوجتي تحرضني على السكن بعيدًا.
مع العلم أني أنا من يريد أن يستقل ببيت بعيد عن العائلة حفاظًا على حريتي الشخصية، وأسرار عائلتي، وبعيدًا عن التدخلات من قبل والدي؟ تكرارًا ومرارًا شرحت له ظروفي، وأني أريد أن أستفيد من غربتي، وأني لم أقصر ولن أقصر معه، لكن ليتركني أختار حياتي كما أريد، وهو يرفض ويتهمني بالعقوق، علمًا بأن لدي ستة أخوة، ذكور اثنان في أوروبا، وواحد في الخليج، وأنا والآخرون في بلدي الأصلي، والدي لديه راتب تقاعدي، ووالدتي فقط معه، ويجبر إخوتي الذين يسكنون معه مقاطعتي، وكذلك يجبر والدتي حتى ألين وأبني فوق بيت العائلة وألتزم معه ماديًا شهريًا!
خلاصة مشكلتي:
1. مغترب منذ ثمان سنوات وليس لدي بيت، وملتزم ماديًا شهريًا، وفي جميع مناسبات العائلة، ومررت بظروف قاسية لم يرحمني أحد، منذ أشهر، والآن يريدني الالتزام معه بالإجبار شهريًا.
2. أحب زوجتي وأولادي، وأبي يحرمني من التفكير بمبدأ الاستقلال ببيت بعيد عن العائلة، ويتهمني بالعقوق!
3. أبي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الجميع وفيّ أنا تحديداً، لدرجة إذا سافرت زوجتي لبلدي زيارة” كيف لديه ظروف، وزوجته تذهب إجازة إذن هو لديه نقود ومعه أما من أجلنا فيقول لا أملك شيئًا، ويعايرني بكل تصرف مادي أتصرفه، خصوصًا لو تعلق الأمر بزوجتي، كما أضيف أن أبي في زيارات زوجتي لأهلي يجرحها من خلال تدخله بعائلتها، ونقده الجارح لأهلها، وتجريحي بكلام قاس أمامها، ويتفنن في نقدي والكلام على لزوجتي، مع أني أحب أهلي وأحترمهم!
4. لي الآن 9 شهور وزوجتي في بلدي الأصلي كي أوفر قسط المدرسة والإيجار، وما لدي وزاد من النقود هو لتأسيس بيت بعيدًا عن أهلي، وأبي يضغط من هذه الناحية علي بأني وحدي وزوجتي عند أهلها؛ إذن أنا أوفر مالًا كثيرًا، فما الحجة بأن لا يلتزم معي شهريًا ويطلب؟ من الجميع مقاطعتي أنا وزوجتي؛ لأنه يقول لهم: “طالما يريد الذهاب للسنة وحده فهذا يعني أنه لا يريدنا ونحن لا نريده ولا نريد زوجته حتى بزيارة” ومنذ أسبوع زوجتي ذهبت زيارة لبلدي الأصلي، بلغني أحد من أهلي أن لا تأتي زوجتك عن بيت الوالد!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. شكراً على تكرّمكم بطلب الاستشارة من موقعكم “مستشارك الخاص” وثقتكم بنا، آملين في تواصلكم الدائم مع الموقع، وبعد:
فجوابًا على استشارتك أقول:
– أذكرك بأن والديك كانا سببًا في وجودك، كما أذكرك بمعاناتهما منذ أن حملتك أمك، وحتى وصلت إلى ما وصلت إليه، وأنت اليوم أب وترى ما تعانيه من أجل أبنائك، فالوالدان لهما حقان على الأبناء: حق سبب الإيجاد، وحق التربية.
– لقد قرن الله طاعة الوالدين بتوحيده فقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) فيجب عليك أن تكون مطيعًا لوالديك بارًٍا بهما وإياك أن تغضبهما حتى لا تصيبك دعوتهما فدعوتهما مستجابة.
– أفضل ما ينفق المرء على نفسه ثم على من يعول، والوالد له حق حتى ولو كان لديه من المال ما يفيض عن حاجته إذا طلب من ابنه، يقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا, كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً) والوالدان يدخلان في لفظ الأهل، وروى عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا رسول الله إن لي مالًا ووالدًا، وإن والدي يجتاح مالي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم).
– النفقة على الوالدين وإن كانا أغنياء تدخل في البر والصلة والمصاحبة في المعروف، كما قال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ ) وقال تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ).
– لا يمكن أن تجازي والديك عما قاما به تجاهك مهما أنفقت عليهما، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) والمعنى:( أي لا يقضي حقّه عليه ويكافئه ) وكما قال ابن عمر لذلك الرجل الذي حمل أمه على ظهره من اليمن وأتى بها سيرًا على الأقدام إلى مكة وطاف بها حول بيت الله الحرام، فقال الرجل لابن عمر هل أديت حقها؟ فقال له: كلا ولا زفرة من زفراتها.
– لابد أن تكون على يقين أن برك بأبيك جزاؤه أن تبرك أبناءك عند كبرك، واجعل نفسك في مقام والدك، وأنك تطلب من ولدك مالًا لكنه يرفض ذلك، فماذا يكون شعورك والجزاء من جنس العمل، وقد قيل: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم).
– عقوق الوالدين عقوبته معجلة في الدنيا يقول صلى الله عليه وسلم: (بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق) فحذار من العقوق.
– ببر الوالدين تنال الخير والبركة؛ لأن دعوتهما مستجابة: لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعواتٍ يُستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده).
– رضى الوالدين من رضى الله وسخطه في سخطهما لقوله صلى الله عليه وسلم (رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) فعليك أن تطلب رضى والدك وإياك أن يسخط عليك.
– يمكنك الجلوس مع والدك والتفاهم معه بخصوص بناء البيت وتذلل بين يديه، واخفض له جناح الذل؛ فوالدك أكثر الناس حبًا لك وحرصًا على سعادتك، وما طلبه منك أن تبني لنفسك بيتًا فوق بيته إلا من محبته لك ورغبته في أن تكون قريبًا منه.
– استعن بوالدتك في التفاهم مع والدك، وبين لها وجهة نظرك، وما كنت تريد فعله، وبين لها موافقتك على ما يريد منك والدك، وما المانع أن تبني بيتًا لك ولأولادك فوق بيت والدك، شريطة أن يكتب لك صكًا بأنه ملك لك، ومن مالك الخالص، ويوقع على ذلك والدك ووالدتك وجميع إخوانك؛ وذلك تحسبًا لأي نزاع بينك وبين إخوانك في المستقبل.
– إن لم يوافق والدك على كتابة الصك فيمكنك في هذه المرحلة أن تؤجل بناء البيت، مقابل كسبك لرضى الوالدين، واجمع المال وأودعه في مصرف إسلامي؛ فلعل والدك يغير رأيه فيما بعد أو يحدث الله بعد ذلك أمرًا، واستمر في إعانة والدك في مصاريفه يبارك الله لك في رزقك.
– اصبر على والدك ولا تتضجر من تصرفاته، وإن كانت في نظرك خاطئة، وتذكر قول الله تعالى: (لَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).
– تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد وفي أوقات الإجابة أن يلين الله قلب والدك؛ فلعلك توافق ساعة إجابة.
– وصيتنا لك بتوثيق صلتك بالله، فحافظ على الفرائض، وأكثر من الأعمال الصالحة تنل الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
– نسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد في قضيتك هذه أو في غيرها.
أسأل الله لك دوام التوفيق.
والله الموفق.
اضافة تعليق