تابعنا على

الاستشارات الاستشارات الواردة إلى الموقع

اقرأ لكثير من الشيوخ اذا جاءهم شخص ليشتكي قالو انها الذنوب ! وان حالك سيئة فيأتيهم الشخص مهموماً فيزيدون همه ويؤنبون ضميره حتى لو كان الشخص لا يرتكب كبائر او ذنوب كثيرة، فهل اذا كان الشخص يتعبد ليل نهار سيكون سعيد؟ وسيشفى وتحل مشاكله؟ ولماذا لا يرى الناس ذلك في الملتزمين؟ عوائل تعيسة وشخصيات مضربة كارهه للمجتمع . ولماذا بعض الشيوخ نظرتهم ضيقة جداً ونصائحهم مكرره فيشخصون الجميع بنفس السبب ويعالجون بنفس النصائح ، المجتمع وبالذات الحديث لم يعد يستمع لرجال الدين الا في الاحكام الشرعية ويلجؤون لمختلف الاساليب الحديثة الفعالة لتغير حياتهم وحل مشاكلهم وتحسين انفسهم ، فانا ادعو الله وآخذ بالاسباب لتحسين مزاجي وانشراح صدري وحل مشاكلي واقرأ في مختلف العلوم واحصل نتائج رائعة !
فهل انا على خطأ وكان الصحيح ان اتعبد واصبر واصبر حتى ينفرج همي؟ برأيي هذا هو سبب تأخر الامم الاسلامية في التطور والتعليم وانشغالهم بالحروب . فالمسلمون باتو يخافون من تغيير طرقهم في الحياة ويخافون  العلوم الحديثة .. فهل الاسلام حقاً ضد التطور والتعلم واستعمال الاساليب والحلول الجديدة ؟

الجواب:

فمرحبا بك وردا على استشارتك أقول:

الذنوب من أسباب الهموم والتعاسة في الحياة وليست هي السبب الوحيد فإن وجد من يحصر كل ما يحصل للعبد بالذنوب فهذا خطأ أيا كان القائل والتجني على العلماء والمشايخ والمستشارين وتحميل كلامهم فوق ما يحتمل أمر محرم.

كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام هو الفصل في هذه المسائل يقول تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ) ويقول عليه الصلاة والسلام : (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) فانظر كيف ربطت التعاسة والحرمان من الرزق بالذنوب والمعاصي والإعراض عن شرع الله.

كانت هزيمة المسلمين بعد انتصارهم في غزوة أحد بسبب ذنب ارتكبه بعض الصحابة وهو أنهم خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا من الجبل ولما سألوا عن السبب أنزل الله تعالى قوله: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

فساد الحياة في هذه الدنيا وانعدام السعادة ووجود القلق والاقتتال بين الناس وغلاء الأسعار وغير ذلك كله بسبب الذنوب يقول تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

مهما تعبد العبد فإن البلاء سيحل به فقد يكون البلاء ليس بسبب الذنب بل هو امتحان من الله للعبد يقول تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن).

قد يعمل العبد الذنوب الكبيرة والكثيرة ولا يعاني من المشاكل الظاهرة ويكون ذلك استدراجا من الله له كما قال تعالى: (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ).

البلاء والمصائب في المتدين أكثر من غيره وتلك سنة الله تعالى واختبار وتمحيص له وحين سأل سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).

العمل بالأسباب لتحسين الحياة أمر مشروع وتلك الأسباب قد يجهلها أو بعضها بعض أهل العلم كما يجهل العوام الأحكام الشرعية التي يعلمها المشايخ والتي ذكرت أنهم يلجئون إلى أهل العلم فيها.

لكل علم رجاله ولا بأس أن يستفيد المسلم حتى من الكافر الذي يمتلك علما دنيويا يستفيد منه المسلم في تحسين حياته.

لا تحمل في نفسك كل هذا على أهل العلم فهم أدوا ما يعرفون وإن كان ليس كل ما يحتاجه العامة ولم يدع أحد منهم أنه حاز الكمال ولم يمنع فيما أعلم أحد منهم الاستفادة من العلوم الأخرى حتى لو كانت من كافر لا يؤمن بالله العظيم بل إن الله تعالى قد ذكر عنهم أنهم يعلمون عن هذه الحياة الدنيا لكنهم لا يعلمون عن أمر الآخرة شيئا فقال سبحانه: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).

كونك تدعو الله وتأخذ بالأسباب لتحسين مزاجك وانشراح صدرك وحل مشاكلك وتقرأ في مختلف العلوم وتحصل على نتائج طيبة أمر محمود شرعا وعقلا وهذا ما ذكرته لك في السابق لكنك لا تستطيع أن تقول إنك قد ألممت بكل العلوم لا العلوم الدنيوية ولا الشرعية بحيث لا تحتاج إلى العودة لغيرك.

لست مخطئا في سلوك تلك الطريقة التي ذكرتها ولم يقل أحد من الناس لا من المشايخ ولا غيرهم أنك تمكث في مكانك وتتجه للتعبد والصبر حتى تنفرج همومك فالشرع لم يأمر بهذا أبدا بل أمر باتخاذ الأسباب والتدابير المباحة والمتاحة وليس المكان مناسبا لسرد الأدلة التي تدل على ذلك مع كثرتها لكني أذكر لك منها قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله فتداووا عباد الله) وقوله: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغذو خماصا وتروح بطانا) فانظر كيف أرشدنا ديننا للعمل بالأسباب فما أعظمه من دين جمع بين مصلحة الدنيا والأخرى.

سبب تأخر المسلمين ليس هو عدم الأخذ بالعلوم الحديثة أو الخوف منها بل هو أكبر من ذلك والإسلام ليس ضد العلم والتطور بل هذه شبه أعداء الإسلام التي تنطلي على ضعفاء العقول ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بشئون دنياكم) فجعل الباب مفتوحا لتطوير أمورنا الدنيوية ألم يأخذ بمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق مع أنها فكرة استعملها الفرس في الحروب ألم يبدع أجدادنا في علم النفس والجبر والفيزياء والطب والفلك وغيره.

أخيرا أخي الكريم أنصحك أن تزن الأمور بالميزان الصحيح ولا تعمم الكلام وترمي به جزافا وكن على يقين أن كل كلام يصدر من الإنسان فسوف يسأل عنه بين يدي الله تعالى كما أوصيك ونفسي بتقوى الله في السر والعلن وأسأل الله لك التوفيق.

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق