العقلانيون الجدد أفراخ العلمانية:
د. عقيل المقطري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فعادة ما يظهر أفراخ الفرق الضالة في أوقات ضعف الأمة وتفرقها ونشوب الحرب بينها وغياب دور أهل العلم فيظهر من يوالي أعداء الله ويسعى في تحقيق مآربهم في هز ثوابت الأمة وزعزعة ثقة الأمة بعلمائها وأئمتها وقادتها الأبرار لاهثين وراء السلطة والشهرة والمال ومدح الأعداء لهم ومحاولة تمكينهم من التسلط على أمة الإسلام ومن هؤلاء الأفراخ من يكون من داخل الحركات الإسلامية ليكون كلامهم أنكأ وجرحهم أشد كما قال الأول:
وظلم ذوي القربى أشد مرارة *** على النفس من وقع الحسام المهند
لقد جرت عادة أعداء الإسلام على مناهضة القيم والثوابت الإسلامية خوفا من أن تتأثر قيمهم المعوجة بقيم الإسلام التي تطمح لها الأنفس الأبية السوية كما فعل قوم لوط حين قالوا عن لوط وأتباعه من المؤمنين (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) وقال قوم شعيب: (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) وقال قوم صالح: ( يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) وكما قالت قريش : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) وخوف اليهود والنصارى والشيوعيين والبوذيين وغيرهم اليوم هو الخوف من أن يغير الإسلام قيمهم ولذلك يستخدم أعداء الإسلام عدة وسائل لتحقيق مآربهم منها النيل في حملة الشريعة ودعاتها ومحاولة تشويه صورتهم وزعزعة ثقة الناس بهم فمن ذلك ما فعلته قريش بنبينا عليه الصلاة والسلام حيث أشاعت عبر وسائل إعلامها أنه ساحر ويعلمه بشر وما جاء به إنما هو أساطير الأولين وقالوا في معجزة انشقاق القمر (إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) ولما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وسمعوا منه ذلك فرحوا بهذا فأتوا إلى أبي بكر مسرعين لعلهم يثنونه عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ألم تسمع إلى ما يقول صاحبك فقال لهم وما يقول قالوا يقول إنه أسري به إلى بيت المقدس في ليلة وأصبح على فراشه في مكة فقال رضي الله عنه إن كان قال ذلك فقد صدق فما استطاعوا أن يزعزعوا إيمان أبي بكر.
ولما تخلف من الصحابة من تخلف عن غزوة تبوك وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاطعة الثلاثة الذين صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بذلك ملك غسان فأرسل إلى كعب بن مالك برسالة يقول له فيها قد بلغنا أن صاحبك قد قلاك فالحق بنا نواسك فقال رضي الله عنه وهذا من البلاء فأحرق الورقة بالتنور ولم يستجب للملك بل ثبت على دينه وعلى البلاء الذي هو فيه حتى أتاهم الفرج من عند الله تعالى وتاب الله عليهم.
وكم حاول أهل النفاق النيل من الدين ابتداء من حادثة الإفك إلى محاولة زرع الخوف والشك بين المسلمين.
ولما باءت كل هذه المحاولات بالفشل عمد اليهود والنصارى لتفريخ فرق عقائدية كثيرة لغرض تشكيك المسلمين في دينهم كالقدرية والجهمية وما شاكل ذلك وبرز في وقت توافر الصحابة عبد الله بن سبأ اليهودي الذي ادعى في علي الألوهية ولكن علماء الإسلام كانوا لهم جميعا في المرصاد فبينوا مكرهم وردوا عليهم وفضحوهم فما قامت لهم قائمة وإن كان قد بقيت لهم باقية إلى يومنا هذا ومنذ زمن وأعداء الملة يناصبون الإسلام العداء ويحاولن تشويهه تارة بتشوية صورة أهل العلم وتارة بإيجاد فرق تنتسب للإسلام وتقوم بأعمال تشوه بالإسلام كما فعلت أمريكا حين أوجدت تنظيم الدولة في العراق والشام وتعود الهجمة اليوم بصورة جديدة وذلك عبر العلمانية والحداثيين وأفراخهم الجدد الذين ينكرون سنة النبي صلى الله عليه وسلم تارة ويسقطون علماء الإسلام الذي فسروا القرآن أو بينوا معاني السنة تارة أخرى ويطالبون من المسلمين عدم الاعتماد على تفسير علماء الإسلام لكتاب الله تعالى فلا يعتدون بتفسير الطبري ولا ابن كثير ولا ابن أبي حاتم ولا أقوال الصحابة ولا التابعين بل يقولون نقرأ القرآن ونفسره بحسب فهمنا وما علم هؤلاء الذين تحركهم منظمات دولية ممولة أن لتفسير القرآن الكريم وشرح السنة النبوية أصولا وقواعد وضوابط وضعها أهل العلم وأنه من المستحيل أن يتخلى عنها المسلمون لكلام من كرمته هذه المنظمات بجائزة نوبل أو شخص آخر يطمح إليها إن هؤلاء الذين ينادون بتفسير القرآن والسنة كل بحسب فهمه ألا يعرفون العواقب الوخيمة لدعوتهم هذه فأي فهم يؤخذ به إذا تركت للناس الحرية لفهم القرآن كل بحسبه وهل من ينادي بهذا كتوكل كرمان ومروان الغفوري ومن نحى نحوهم يستطيعون التفريق بين الفعل والفاعل وهل يفرقون بين الحال والبدل وهل يعرفون المطلق والمقيد والمجمل والمبين والخاص والعام أقول جازما إن هؤلاء من أجهل خلق الله تعالى بكلام العرب فضلا عن البلاغة والبديع والمعاني والبيان وأما أصول الفقه فلربما لم يسمعوا باسمه فضلا عن أن يفرقوا بين الواجب والمستحب والمحرم والمكروه والناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والخاص والعام وأما علم الحديث فو قرئ عليهم لعدوه من الطلاسم فضلا أن يستطيع أحدهم التفريق بين الحديث الصحيح والضعيف من أجل هذا تجرأ هذا النوع من أفراخ العلمانية فطعنوا في صحيح البخاري لكون أحاديثه لا تتوافق مع أهوائهم وأهواء أسيادهم.
لقد جعل علماؤنا شروطا للمفسر الذي يريد أن يفسر كلام الله تعالى فقالوا إنه لا بد أن يكون ملما بالقراءآت وبعلم الحديث واللغة وأصول الفقه وهذه العلوم تحت كل واحد منها علوم أخرى فهل مروان الغفوري وتوكل كرمان وأشباههم يعرفون ذلك أم أن أحدهم ربما لا يحسن تلاوة القرآن فضل عن إتقانه لأحكام التجويد.
إن الابتعاد عن هذه الأصول ترك لمعظم الأحكام الشرعية المبنية على ذلك وفتح الباب لاستيراد القوانين الوضعية لزعمهم أن الشريعة لم تشتمل على تلك الأحكام التي هدموها بمذهبهم الدخيل.
فدعواهم أن لكل شخص الحق أن يفهم القرآن بفهمه الخاص به فتح لباب التناقض والتشهي والاختلاف والهرج والمرج فكيف يستقيم بعد ذلك شرع ومن هنا سيتداعون لوجوب عمل ضابط يضبط الناس فلن يجدوا سوى استيراد قوانين الغرب الكافر وهذا ما يصبون إليه امتثالا لمطالب ساداتهم من أعداء الإسلام والمسلمين.
ويا ترى هل سيسمحون لجماعات العنف والإرهاب كداعش مثلا أن يفسروا القرآن بفهمهم الخاص بهم دون التعرض لهم أو السخرية منهم أم أن التفسير الذي يريدونه هو ما يريده الأسياد.
ثم لا أدري كيف سيفسر هؤلاء قول الله تعالى: (أقيموا الصلاة) كم صلاة نصلي لأن القرآن لم يذكر عددها ولا كم ركعاتها وكيف سيفسرون قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) فإن القرآن لم يبين أكثر أحكام الحج والعمرة فهل سيرخصون للناس ترك لباس الإحرام لأنه لم يرد في القرآن وهل سيسقطون المواقيت لأنها لم تذكر وماذا سيقولون في الطواف حول البيت وبين الصفا والمروة وكيف سيفسرون قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) هل سيخرجون بتفسير جديد يبيح للناس أكل لحوم الحمير والأسود والنمور والصقور والكلاب والقطط لأن المحرم في القرآن في ظهر هذه الآية هو الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير فقط وكيف سيفسرون قول الله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بعد ذكر المحرمات من النساء هل سيخرج هؤلاء الأفراخ بتحليل جمع الرجل بين المرأة وخالتها أو المرأة وعمتها أم ماذا سيقولون.
وأخيرا أقول ستتحطم رؤوس القوم كما تحطمت رؤوس من قبلهم وستبقى صخرة الإسلام شامخة
كنطح صخرة يوما ليوهنها ***** فما وهاها وأوهى قرنه الوعل
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.




اضافة تعليق