برنامج الإسلام دين الحياة (إذاعة تعز )
الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء وأثرها على شخصياتهم
إعداد وتقديم : د . عقيل بن محمد المقطري
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين أيها المستمع الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بك في برنامج (الإسلام دين الحياة ) وموضوع حلقتنا لهذا الأسبوع هو:(الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء وأثرها على شخصياتهم)
تنشأ الأساليب غير السوية والخاطئة في تربية الطفل، إما لجهل الوالدين في تلك الطرق أو لإتباع أسلوب الآباء والأمهات والجدات ، أو لحرمان الأب أو الأم من اتجاه معين فالأب عندما يَنحرم من الحنان في صغره تراه يغدق على طفله بهذه العاطفة أو العكس، بعض الآباء يريد أن يطبق نفس الأسلوب المتبع في تربية والده له على ابنه وكذلك الحال بالنسبة للأم .
الاتجاهات غير سوية والخاطئة التي ينتهجها الوالدان أو أحدهما في تربية الطفل والتي تترك بآثارها سلباً على شخصية الأبناء وسنذكر في هذه الحلقة من برنامجكم ( الإسلام دين الحياة )بعض الأساليب الخاطئة في التربية:
أولاٌ التسلط أو السيطرة :
ويعني تحكم الأب أو الأم في نشاط الطفل والوقوف أمام رغباته التلقائية ومنعه من القيام بسلوك معين لتحقيق رغباته التي يريدها حتى ولو كانت مشروعة، أو إلزام الطفل بالقيام بمهام وواجبات تفوق قدراته وإمكانياته، ويرافق ذلك استخدام العنف أو الضرب أو الحرمان أحيانا وتكون قائمة الممنوعات أكثر من قائمة المسموحات، كأن تفرض الأم على الطفل ارتداء ملابس معينة أو طعام معين أو أصدقاء معينين.
ظنا من الوالدين أن ذلك في مصلحة الطفل دون أن يعلموا أن لذلك الأسلوب خطر على صحة الطفل النفسية وعلى شخصيته مستقبلا ”
” ونتيجة لذلك الأسلوب المتبع في التربية يحدث ما يأتي :
1) ينشأ الطفل ولديه ميل شديد للخضوع وإتباع الآخرين
2) لا يستطيع أن يُبدع أو أن يفكر
3) عدم قدرته على إبداء الرأي والمناقشة
4) تكوين شخصيته قلقة خائفة دائما من السلطة تتسم بالخجل والحساسية الزائدة .
5) تفقد الطفل الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرارات وشعور دائم بالتقصير وعدم الانجاز .
6) وقد ينتج عن إتباع هذا الأسلوب طفل عدواني يخرب ويكسر أشياء الآخرين، لأن الطفل في صغره لم يشبع حاجته للحرية والاستمتاع بها.
ثانيا الحماية الزائدة :
يعني قيام أحد الوالدين أو كلاهما نيابة عن الطفل بالمسؤوليات التي يفترض أن يقوم بها الطفل وحده، حيث يحرص الوالدان أو أحدهما على حماية الطفل والتدخل في شؤونه فلا يتاح للطفل فرصة اتخاذ قراره بنفسه وعدم إعطاءه حرية التصرف في كثير من أموره : كَحل الواجبات المدرسية عن الطفل أو الدفاع عنه عندما يعتدي عليه أحد الأطفال
وقد يرجع ذلك بسبب خوف الوالدين على الطفل لاسيما إذا كان الطفل الأول أو الوحيد أو إذا كان ولد وسط عديد من البنات أو العكس فيبالغان في تربيته .
وهذا الأسلوب بلا شك يؤثر سلبا على نفسية الطفل وشخصيته فينتج عن ذلك ما يأتي:
أ) ينمو الطفل بشخصية ضعيفة غير مستقلة
ب) يعتمد على الغير في أداء واجباته الشخصية وعدم القدرة على تحمل المسؤولية ورفضها
جـ) إضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتقبل الإحباط
د) كذلك نجد هذا النوع من الأطفال الذي تربي على هذا الأسلوب لا يثق في قراراته التي يصدرها ويثق في قرارات الآخرين ويعتمد عليهم في كل شيء.
هـ) ويكون نسبة حساسيته للنقد مرتفعة.
عندما يكبر يطالب بأن تذهب معه أمه للمدرسة حتى مرحلة متقدمة من العمر يفترض أن يعتمد فيها الشخص على نفسه.
وتحصل له مشاكل في عدم التكيف مستقبلا بسبب أن هذا الفرد حرم من إشباع حاجته للاستقلال في طفولته ولذلك يظل معتمدا على الآخرين دائما .
ثالثا الإهمــــــال:
يعني أن يترك الوالدان الطفل دون تشجيع على سلوك مرغوب فيه أو الاستجابة له وتركه دون محاسبته على قيامه بسلوك غير مرغوب، وقد ينتهج الوالدان أو أحدهما هذا الأسلوب بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر لهم والإسلام حدد هذه المسؤولية ففي الحديث النبوي عن ابن عمر -رضي الله عنهما.
: أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- : قال ( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )
فالأب يكون معظم وقته في العمل ويعود لينام ثم يخرج ولا يأتي إلا بعد أن ينام الأولاد والأم تنشغل بكثرة الزيارات والحفلات أو في الهاتف أو على الانترنت أو التلفزيون و تهمل أبناءها، أو عندما تهمل الأم تلبية حاجات الطفل من طعام وشراب وملبس وغيرها من الصور .
والأبناء يفسرون ذلك على أنه نوع من النبذ والكراهية والإهمال فتنعكس بآثارها سلبا على نموهم النفسي
ويصاحب ذلك أحيانا السخرية والتحقير للطفل فمثلا عندما يقدم الطفل للأم عملا قد أنجزه وسعد به، تجدها تحطمه وتنهره وتسخر من عمله ذلك، وتطلب منه عدم إزعاجها بمثل تلك الأمور التافهة كذلك الحال عندما يحضر الطفل درجة مرتفعة ما في أحد المواد الدراسية لا يكافأ ماديا ولا معنويا بينما إن حصل على درجة منخفضة تجده يوبخ ويسخر منه ، وهذا بلا شك يحرم الطفل من حاجته إلى الإحساس بالنجاح ومع تكرار ذلك يفقد الطفل مكانته في الأسرة ويشعر تجاهها بالعدوانية وفقدان حبه لهم
وعندما يكبر هذا الطفل يجد في الجماعة التي ينتمي إليها ما ينمي هذه الحاجة ويجد مكانته فيها ويجد العطاء والحب الذي حرم منه
وهذا يفسر بلا شك هروب بعض الأبناء من المنزل إلى شلة الأصدقاء ليجدوا ما يشبع حاجاتهم المفقودة هناك في المنزل
وتكون خطورة ذلك الأسلوب المتبع وهو الإهمال أكثر ضررا على الطفل في سني حياته الأولى بإهماله ,وعدم إشباع حاجاته الفسيولوجية والنفسية لحاجة الطفل للآخرين وعجزه عن القيام بإشباع تلك الحاجات
ومن نتائج إتباع هذا الأسلوب في التربية ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل كالعدوان والعنف أو الاعتداء على الآخرين أو العناد أو السرقة أو إصابة الطفل بالتبلد الانفعالي وعدم الاكتراث بالأوامر والنواهي التي يصدرها الوالدين.
مستمعي الكرام ومن الأساليب الخاطئة أيضا وهو الأسلوب الرابع:
التدليل:
ويعني أن نشجع الطفل على تحقيق معظم رغباته كما يريد هو، وعدم توجيهه وعدم كفه عن ممارسة بعض السلوكيات الغير مقبولة سواء دينيا أو خلقيا أو اجتماعيا والتساهل معه في ذلك.
عندما تصطحب الأم الطفل معها مثلا إلى منزل الجيران أو الأقارب ويخرب الطفل أشياء الآخرين ويكسرها لا توبخه أو تزجره بل تضحك له وتحميه من ضرر الآخرين ، كذلك الحال عندما يشتم أو يتعارك مع أحد الأطفال تحميه ولا توبخه على ذلك السلوك بل توافقه عليه .
وقد يتجه الوالدان أو أحدهما إلى إتباع هذا الأسلوب مع الطفل إمّا لأنه طفلهما الوحيد أو لأنه ولد بين أكثر من بنت أو العكس، أو لأن الأب قاس فتشعر الأم تجاه الطفل بالعطف الزائد فتدلله وتحاول أن تعوضه عما فقده أو لأن الأم أو الأب تربيا بنفس الطريقة فيطبقان ذلك على ابنهما .
ولاشك أن لتلك المعاملة مع الطفل آثار على شخصيته، ودائما خير الأمور الوسط لا إفراط ولا تفريط وكما يقولون الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده فمن نتائج تلك المعاملة أن الطفل ينشأ لا يعتمد على نفسه غير قادر على تحمل المسؤولية بحاجة لمساندة الآخرين ومعونتهم ، كما يتعود الطفل على أن يأخذ دائما ولا يعطي وأن على الآخرين أن يلبوا طلباته وإن لم يفعلوا ذلك يغضب ويعتقد أنهم أعداء له ويكون شديد الحساسية وكثير البكاء .
وعندما يكبر تحدث له مشاكل عدم التكيف مع البيئة الخارجية ( المجتمع ) فينشأ وهو يريد أن يلبي له الجميع مطالبه يثور ويغضب عندما ينتقد على سلوك ما يعتقد الكمال في كل تصرفاته وأنه منزه عن الخطأ ، وعندما يتزوج يُحَمّل زوجته كافة المسؤوليات دون أدنى مشاركة منه ويكون مستهترا نتيجة غمره بالحب دون توجيه .
خامسا إثارة الألم النفسي:
ويكون ذلك بإشعار الطفل بالذنب كلما أتى سلوكا غير مرغوب فيه أو كلما عبر عن رغبة سيئة، أيضا تحقير الطفل والتقليل من شأنه والبحث عن أخطاءه ونقد سلوكه .
مما يفقد الطفل ثقته بنفسه فيكون مترددا عند القيام بأي عمل خوفا من حرمانه من رضا الكبار وحبهم
وعندما يكبر هذا الطفل فيكون شخصية انسحابية منطوية غير واثق من نفسه يوجه عدوانه لذاته، وعدم الشعور بالأمان، يتوقع الأنظار دائمة موجهة إليه فيخاف كثيرا لا يحب ذاته ويمتدح الآخرين ويفتخر بهم وبإنجازاتهم وقدراتهم أما هو فيحطم نفسه ويزدريها.
سادسا التذبذب في المعاملة :
ويعني عدم استقرار الأب أو الأم من حيث استخدام أساليب الثواب والعقاب فيعاقب الطفل على سلوك معين مرة ويثاب على نفس السلوك مرة أخرى
وذلك نلاحظه في حياتنا اليومية من تعامل بعض الآباء والأمهات مع أبناءهم فمثلا : عندما يسب الطفل أمه أو أباه نجد الوالدين يضحكان له ويبديان سرورهما ، بينما لو كان الطفل يعمل ذلك العمل أمام الضيوف فيجد أنواع العقاب النفسي والبدني
فيكون الطفل في حيرة من أمره لا يعرف هل هو مصيب أم مخطئ فمرة يثيبانه على السلوك ومرة يعاقبانه على نفس السلوك
وغالبا ما يترتب على إتباع ذلك الأسلوب شخصية متقلبة مزدوجة في التعامل مع الآخرين ، وعندما يكبر هذا الطفل ويتزوج تكون معاملة زوجته متقلبة متذبذبة فنجده يعاملها برفق وحنان تارة، وتارة يكون قاسي بدون أي مبرر لتلك التصرفات وقد يكون في أسرته في غاية البخل والتدقيق في حساباته ، ودائم التكشير أما مع أصدقائه فيكون شخص آخر كريم متسامح ضاحك مبتسم وهذا دائما نلحظه في بعض الناس .
ويظهر أيضا أثر هذا التذبذب في سلوك أبناءه حيث يسمح لهم بإتيان سلوك معين في حين يعاقبهم مرة أخرى بما سمح لهم من تلك التصرفات والسلوكيات.
أيضا يفضل أحد أبناءه على الآخر فيميل مع جنس البنات أو الأولاد وذلك حسب الجنس الذي أعطاه الحنان والحب في الطفولة .
وفي عمله ومع رئيسة ذو خلق حسن بينما يكون على من يرأسهم شديد وقاسي وكل ذلك بسبب ذلك التذبذب فأدى به إلى شخصية مزدوجة في التعامل مع الآخرين .
سابعا التفرقة:
ويعني عدم المساواة بين الأبناء جميعا والتفضيل بينهم بسبب الجنس أو ترتيب المولود أو السن أو غيرها.
نجد بعض الأسر تفضل الأبناء الذكور على الإناث أو تفضل الأصغر على الأكبر أو تفضل ابن من الأبناء بسبب أنه متفوق أو جميل أو ذكي وغيرها من الأساليب الخاطئة
وهذا بلا شك يؤثر على نفسيات الأبناء الآخرين وعلى شخصياتهم فيشعرون بالحقد والحسد تجاه هذا المفضل وينتج عنه شخصية أنانية يتعود الطفل أن يأخذ دون أن يعطي ويحب أن يستحوذ على كل شيء لنفسه حتى ولو على حساب الآخرين ويصبح لا يرى إلاّ ذاته فقط والآخرين لا يهمونه ينتج عنه شخصية تعرف مالها ولا تعرف ما عليها تعرف حقوقها ولا تعرف واجباتها .
والإسلام عالج هذه القضية بأحسن أسلوب وأروعه فعن عامر أن النعمان بن بشير حدثه : أن أباه انطلق به إلى رسول الله – صلى الله عليه و سلم- يحمله فقال يا رسول الله إني أشهدك أنى قد نحلت النعمان كذا وكذا فقال )) أكل ولدك نحلت قال : لا قال: فأشهد غيري ثم قال: أليس يسرك أن يكونوا في البر سواء قال: بلى قال: فلا إذا))
قال: أبو عبد الله البخاري ليس الشهادة من النبي – صلى الله عليه و سلم رخصة
قال الشيخ الألباني : صحيح
ثامنا الإسراف في القسوة:
” للصرامة والشدة مع الطفل وإنزال العقاب فيه بصورة مستمرة وصده وزجره كلما أراد أن يعبر عن نفسه أضرار منها:
1- قد يؤدى بالطفل إلى الانطواء أو الانزواء أو انسحاب في معترك الحياة الاجتماعية
2- يؤدى لشعور الطفل بالنقص وعدم الثقة في نفسه
3- صعوبة تكوين شخصية مستقلة نتيجة منعه من التعبير عن نفسه
4- شعوره الحاد بالذنب
5- قد ينتهج هو نفسه منهج الصرامة والشدة في حياته المستقبلية عن طريق عمليتي التقليد أو التقمص لشخصية أحد الوالدين أو كلاهما
تاسعا الإعجاب الزائد بالطفل :
حيث يعبر الآباء والأمهات بصورة مبالغ فيها عن إعجابهم بالطفل وحبه ومدحه والمباهاة به
ولهذا الأسلوب أضرار كثيرة منها :
1- شعور الطفل بالغرور الزائد والثقة الزائدة بالنفس
2- كثرة مطالب الطفل
3- التضخيم من صورة الفرد عن ذاته ويؤدى هذا إلى إصابته بعد ذلك بالإحباط والفشل عندما يصطدم مع غيره من الناس الذين لا يمنحونه نفس القدر من الإعجاب .
أيها المستمع الكريم أخيرا أقول: لن يكون هناك إصلاح في الأمة الإسلامية ، إلاّ عن طريق حل جذري لكل هذه السلبيات الخاطئة في تربية الأطفال، وذلك بغرس العقيدة في المربين أنفسهم، وإرشادهم إلى الطريقة الصحيحة في تربية أبنائهم ، بعد أن يعترف الوالدان بتقصيرهم نحو تربية أبنائهم، فبدون اعتراف بالخطأ لا يمكن عمل الصواب نلتقي في حلقة قادمة بإذن الله – وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .





اضافة تعليق