بسم الله الرحمن الرحيم
شركات التأمين التعاونية والتجارية
الشيخ : عقيل بن محمد بن زيد المقطري
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين ، وبعد :
فإن شركات التأمين التي تعمل بالنظام التجاري ، نزلت في هذه الأيام ميدانياً إلى المدن ، والقرى تروّج بين العاملين في القطاعات العامة والمختلطة ، وخاصة قطاع التعليم ، تروّج بينهم التأمين على الحياة من المخاطر المتوقعة ، كالإعاقات أو الموت ، وتدلس عليهم أنه تأمين تكافلي تعاوني . ونظراً لأن كثيراً من المسلمين يعلمون أن هذه الشركات قائمة على التأمين التجاري الربوي القماري المحرم ؛ فقد كثر الاتصال وإرسال الأسئلة لأهل العلم يستفتون فيه هذه المسألة ، ولكن للأسف الشديد فإن كثيراً منهم وقع في فخ هذه الشركات .
ولقد اتصل بي كثير من الناس ، أكثرهم من المدرسين ، وأرسلوا إليّ بالأوراق التي توزع لهم . وبعد التحري وجدت أن هذه الشركات التي نزلت تروّج لنفسها ، ليست قائمة على النظام التكافلي ، بل هي تعمل بالنظام التجاري . وبراءة للذمة أحببت أن أكتب هذه الأسطر ، فأقول :
ما هو التأمين؟
التأمين : عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمّن له – أو المستفيد الذي اشترط تأمينا لصالحه – مبلغاً من المال مقطوعاً أو شهرياً في حال حدوث الحادث ، أو تحقق الخطر الموضح في عقد التأمين ، مقابل قسط ، أو أي دفعة مالية يؤديها المؤمّن له للمؤمِّن .
وينقسم التأمين إلى قسمين : تجاري وتعاوني .
ما هو التأمين التعاوني؟
التأمين التعاوني أو التكافلي : هو اشتراك مجموعة من الناس بمبالغ مالية على جهة التبرع ؛ لتعويض من ينزل به ضرر ، ولا يقصد من دفع المبالغ الاسترباح , وإن عجز المبلغ المدفوع عن تغطية الضرر دفع الأعضاء المشتركون ما نقص ، وإن زاد استحقوا استرداد الزائد .
وهذا النوع من التأمين أشبه بالصناديق والجمعيات التعاونية التي لا تهـدف إلـى الربح ، وقد انتشر في بلاد المسلمين صناديق التأمين الخاصة ، مثل ما هو حاصل في نقابات المهن المختلفة (كسائقي السيارات ، والعاملين في المؤسسات والجامعات ، والمهن الطبية …إلخ) .
وتقوم هذه الصناديق على أسس ، أهمها :
1- التبرع .
2- خدمة الأعضاء .
3- الإدارة ، وتكون من الأعضاء المشتركين .
ويدخل ضمن التأمين التعاوني ، ما يطلق عليه التأمين الاجتماعي الذي من أبرز صوره :
أ- التأمين على العجز الدائم ، أي أن يفقد العامـل قـدرته على العمـل جـزئياً أو كلياً .
ب- التأمين على الشيخوخة أو التقاعد .
ج- التأمين على الصحي … إلخ .
إن التأمين التجاري لمّا نظر إليه العلماء بتمعّن وتفحّص وجدوه محرماً ؛ لأنه مشتمل على الغرر والربا والقمار والتجارة .
وهذا هو بيان هذه المسائل الأربع :
أولاً – الغرر :
تعريف الغرر : الغرر هو المخاطرة التي لا يدرى أيحصل الشيء أم لا ، كبيع الطير في الهواء ، كأن يقول شخص لآخر مثلا : سأرمي هذه الطيور التي في السماء ، فما سقط فهو لك بألف ريال . فلا يدري أتقتل الرصاص أم لا ؟ أتقتل قليلا أم كثيرا ؟
والغرر ما كان له ظاهر وباطن ، ظاهر يغري المشتري ، وباطن مجهول لا تُدرى عاقبته .
والغرر أنواع :
1- غرر كثير : وهذا يؤثّر في الحكم ، فعقود المعاوضات المشتملة على الغرر الكثير فاسدة محرمة .
2- غرر يسير : وهذا لا يؤثر في الحكم بالإجماع ، كعدم معرفة أساس البيت المشترى .
3- غرر متردد بين الكثير واليسير : وهذا محل اجتهاد عند العلماء ، فمنهم من يرى كثرته فيعطيه حكم الكثير ، ومنهم من يراه يسيراً فيعطيه حكم اليسير .
والتأمين التجاري غرره كبير ، فربما دفع الشخص أول قسط ، ثم حدث له حادث فيستحق المال الكثير ، وربما دفع أموالا طائلة ولا يستلم شيئاًَ . . في أكثر صور التأمين ، وهذا يدل على تحريمه .
ثانياً – الربا :
وجه الربا في التأمين التجاري ، أنه شراء مال بمال ، فالمؤمِّن يشتري بمال قليل مالا كثيرا .
ثالثاً – القمار :
ووجه المقامرة أن المؤمَّن يدفع المال وقد يحصل على العوض ، وقد لا يحصل ، وهذا في أكثر صور التأمين التجاري .
رابعاً – الاتجار في التأمين التجاري :
يضاف إلى هذا أن التأمين التجاري يقصد به الاتجار والاسترباح من قبل شركات التأمين ، ويكون مقصود المؤمَّن له أن يحصل على التعويض عن الخطر ، أو تقليل أضرار ما نزل به .
وهذه فروق جوهرية بين التأمين التجاري المحرم والتأمين التكافلي المباح ، ولا يوجد في التأمين التعاوني قمار ولا ربا ولا غرر ولا اتجار .
وإليك بعض الفوارق الجوهرية الأخرى :
|
م |
التأمين التعاوني |
التأمين التجاري |
|
1 |
أساسه التبرع |
أساسه المعاوضة |
|
2 |
أمواله ملك للمشتركين جميعاً |
الأموال ملك لشركة التأمين |
|
3 |
شركات التأمين التعاوني شركات خدمات تدير العمليات التأمينية وتستثمر أموال المشتركين مقابل مبلغ مقطوع ، أو نسبة من الأقساط ، أو نسبة من عائد الاستثمار |
شركات تجارية تدير أعمال نفسها ، وتستثمر أموالها وأموال المشتركين لصالحها . |
|
4 |
طرفا العقد : المشترك وشركة التأمين باعتبارها ممثلة لهيئة المشتركين ، وهذه الهيئة اعتبارية أو حكمية لازمة لترتيب أحكام عقد التأمين |
طرفا العقد هما : المؤمّن وشركة التأمين التجارية التي تعمل لصالح نفسها . |
|
5 |
هيئة المشتركين : وهي تمثل المشتركين ، وهي هيئة اعتبارية يدفع أعضاؤها الأموال للمشتركين التي تدير عمليات التأمين ، وتستثمر الأموال نيابة عنهم ، ووجود هذه الهيئة مهم من الناحية الشرعية ، وهذا أشبه ما يكون بشركات المضاربة . |
وهذا ليس موجوداً في شركات التأمين التجارية ، بل هي عقود ثنائية بين الشركة من جهة والمؤمن من جهة أخرى . |
|
6 |
في شركات التأمين التعاوني محل عقد التأمين شيئان : الأول : القسط : وهو التبرع الذي يدفعه المشترك مرة واحدة أو على أقساط بما يتناسب مع نوع الخطر المؤمّن منه ، وهو لا يتبرع بكامل القسط ، وعوائد استثماره ، بل بما يكفي لدفع التعويضات المطلوبة من الشركة خلال المدة ، والباقي يمكن توزيعه على أفراد جماعة المشتركين على شكل فوائد تأمين بعد أن تخصم الاحتياطيات لصالح جميع المشتركين ، وللمتبرع أن يضع من الشروط ما يراه مناسباً لتبرعه إذا كانت هذه الشروط مشروعة . الثاني : التعويض : وهو التعويض على الأضرار الفعلية التي تصيبهم حين تتحقق الأخطار المؤمّن عليها ، والمؤمن يستحق هذا التعويض مع أنه متبرع ؛ لأنه شرطه في تبرعه ، والشروط في التبرعات جائزة . |
في شركات التأمين التجارية تستمر الأقساط إلى ما لا نهاية له . وإذا لم يسدد قسطاً ثم حدث له حادث لا يستحق التأمين ؛ لكون وثيقة التأمين منتهية ، لكونه لم يجدد التأمين . وتشترط شركات التامين استمرار الوسائل الواقية من وقوع الحوادث ، وإذا حدث تفريط فيها فلا يستحق صاحبها التعويض ، مثل : إلزام سائقي السيارات بطفايات الحريق . فإذا حرقت سيارته ، وعند الكشف تبين أنه لا يملك طفاية ، أو كانت غير صالحة ؛ فلا يستحق التأمين . |
|
7 |
توزيع الفائض التأميني على المشتركين ، وهو يتمثل في المبلغ المتبقى من دفع التعويضات والالتزامات ، مضافاً إليه فوائد الاستثمار . |
وشركات التأمين التجاري ليس عندها هذا البند ، بل جميع الفوائد والأرباح ملك لها . |
|
8 |
المشاركة في الخسارة ، فإذا لم تكف الأموال في تعويض الأضرار النازلة مع بعض المشتركين ، فإنه يوزع المبلغ المتبقى على المشتركين ، كل على حسب نسبة ما دفعه . |
شركات التأمين التجاري هي التي تتحمل أي خسائر ، ولذا فإنها تؤمن على نفسها في شركات خارجية توقعاً لحدوث أي خسارة . |
|
9 |
تفصل أموال حملة الأسهم عن أموال حملة العقود . |
الأموال مختلطة . |
من خصائص التأمين التعاوني :
1- اجتماع صفتي المؤمِّن والمؤمَّن له لكل عضو .
2- أعضاء هذا التأمين متضامنون في تغطية المخاطر التي تصيب أحدهم أو بعضهم .
3- تغير قيمة الاشتراك : وهذه إحدى خصائص هذا التأمين ؛ نظراً لأن كل واحد منهما مؤمِّن ومؤمَّن عليه . من أجل هذا ؛ كان الاشتراك المطلوب من كل عضو عرضة للزيادة أو النقص ، تبعاً لما يتحقق من المخاطر سنوياً ، وما يترتب على مواجهتها من تعويضات .
التكييف الفقهي للتأمين التعاوني :
يشتمل التأمين التعاوني على خمسة عقود متداخلة :
1- عقد تأمين جماعي : ويتمثل بالاتفاق التعاوني التكافلي ، القائم على أساس التعاون والالتزام ، وتبادل التضحية ، وتقاسم آثار الأخطار .
2- عقد هبة : وهو التبرع الذي يقوم به الأعضاء ليدفع لمن تضرر منهم .
3- عقد وكالة : وهو ناشئ بين المؤمّنين وشركات التأمين .
4- عقد المضاربة : حيث تقوم شركة التأمين باستثمار أموال الأعضاء ، وتقسيم الأرباح بين الشركة والأعضاء وفق أحكام الشرع الحنيف .
5- عقد الكفالة : ويكون ذلك حين يكون إجمالي أموال المستأمنين لا تكفي لدفع حقهم من التعويضات للمتضررين ، فتقوم الشركة بدور الكفيـل عن المستأمنين ، فتتكفل بتحمل الالتزامات المالية المستحقة للمتضررين في أموال الشركة قرضاً حسناً ، لتستردها من أموال المستأمنين بعد ذلك .
وبهذا التكييف يتضح أن التأمين التجاري ، التي تقوم به شركات التأمين العاملة ، مغاير تماماً للتأمين التعاوني ، وأن ما نزلت به بعض الشركات إلى الساحة ليس هو التأمين التكافلي ، لا من قريب ولا من بعيد .
وعليه فقد أفتت المجمعات الفقهية بحرمة التأمين الشائع ، والذي تقوم به شركات التأمين العاملة في طول البلاد الإسلامية وعرضها ، وأباحت التأمين التكافلي الذي تنطبق عليه الشروط والمواصفات التي ذكرتها .
وهذه هي فتاوى المجمعات الفقهية وبعض أهل العلم على تحريم التأمين التجاري :
1- أكد جمهور الفقهاء على تحريم التأمين على الحياة ، في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عام 1965م ، والمؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي بمكة عام 1976م ، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة عام 1404هـ ؛ حيث تم قياس التأمين على الحياة على التأمين التجاري .
2- مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة عام 1985م .
3- مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشر بدبي (الإمارات العربية المتحدة) عام 1426هـ .
4- مجلس هيئة كبار العلماء في المملــكة العربية السعوديــة في دورته العاشـرة 4 / 4 / 1397هـ .
5- اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكــة العربية السعـودية فتـوى رقم (19406 ، 19399) .
6- المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء .
7- الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي عام 1913هـ .
8- السيد سابق في فقه السنة (3 / 266) .
9- بحث في مجلة البيان العدد (184) .
10-الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الحلال والحرام ص 257 .




اضافة تعليق