تابعنا على

المقالات المقالات والخواطر

(نحو أخوة فاعلة أمام التحديات المعاصرة )

الأخوةةإذا وجد في المسلم إيمان وتقوى ولم يوجد بجانبه إخوة صادقة وصداقة مخلصة فهو إيمان ناقص وتقوى مزعومة .

مقال بعنوان : (نحو أخوة فاعلة أمام التحديات المعاصرة )

 

إن الأخوة  في الله – عز وجل- نعمة جليلة ومنحة إلهية يقذفها الله في قلوب المخلصين من عباده والأصفياء من أولياه .

قال الله تعالى : (( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) سورة الأنفال آية (63)

وقال سبحانه : (( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) سورة آل عمران آية (103) والأخوة قوة إيمانية في النفس تورث الشعور العميق بالعاطفة والمحبة والاحترام والثقة  المتبادلة  مع كل من تربطك وإياه أواصر العقيدة الإسلامية ووشائج الإيمان والتقوى .

فهذا الشعور الأخوي الصادق يولد في نفس المؤمن أصدق العواطف النبيلة  وأخلص الأحاسيس الصادقة في اتخاذ مواقف إيجابية من التعاون والإيثار والرحمة والعفو والتنفيس وقت الشدة والتكافل عند العجز وفي اتخاذ مواقف سلبية من الابتعاد عن كل ما يضر بالناس  في أنفسهم وأموالهم و أعراضهم وكرامتهم الإنسانية .

إن الأخوة في الله ملازمة للإيمان كما قال تعالى : (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ …))

 سورة الحجرات آية ( 10)

والصداقة ملازمة للتقوى قال تعالى : (( الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ)) سورة الزخرف (67) .

 فإذا وجد في المسلم إيمان وتقوى ولم يوجد بجانبه إخوة صادقة وصداقة مخلصة فهو إيمان ناقص وتقوى مزعومة .

أما كون الإيمان ناقص فلأن النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[1]

وأما كونها تقوى مزعومة فلأن الله يقول : (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) سورة المائدة آية (2)

إن النفس الإنسانية القائمة على الإيمان الممتزجة بالتقوى بمجرد أن تلتقي مع من يماثلها أو يشاكلها تشعر بالأنس في أول لحظات اللقاء وتحس بالصفاء في أو لحظات التعارف.

أما النفس المنطوية على الجبن المتأصلة على الفساد فلا تتوافق مع النفس المطمئنة.

يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين : (( الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ))[2]

 فإذا اتضحت لنا معالم الأخوة في الله فعلينا أن نحققها عمليا ولنكن فيما بيننا متراحمين ولنجعل  الشدة على أعدائنا كما قال ربنا  جل في علاه : (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ…)) سورة الفتح آية (29)

 إن الأمة اليوم تواجه تحديات عظيمة من قبل الأعداء تحديات عقدية وتحديات اقتصادية وتحديات إعلامية .

قام الأعداء  برسم خطط محكمة  لمحاربة الدعوة  إلى الله بشتى الطرق والوسائل لقد حاول تجفيف منابع الدعم الذي بسببه تنطلق وتنتشر  الدعوة إلى الله – عز وجل- فقام بسن قانون ما يسمى ((بغسيل الأموال )) وألزم الحكومات الأخرى بتطبيقه وأدرج كثيرا من المنظمات  والمؤسسات والجمعيات ضمن قائمة الإرهاب فجمد أرصدتها بل  وسعى لأقفالها وإنهاء نشاطها  وتم له شيء من  ذلك .

ضغط على البلاد الإسلامية من أجل تغيير المناهج الدراسية وحصل مراده فرض اختلاط الجنسين في التعليم وأغلق المدارس والمعاهد الدينية  .

وقيد حركة الدعاة إلى الله وهم يطمحون إلى جعل  خطبة الجمعة مجرد حلقة نقاش لا قدسية لها ترتفع الأصوات ويسود اللغط وكأننا تحت قبة البرلمانات ويريدون أن تكون المرأة كالرجل تخطب بالناس وتؤم في الصلاة …..الخ .

بينما المسلمون يتطاحنون  فيما بينهم ويتآكلون  ولا يزالون متهاجرين  متخاصمين بسبب خلافات فرعية لا تفسد للود قضية أدى الخلاف فيها إلى ما نرى من العداوة والبغضاء وانمحاء معالم الأخوة في الله- عز وجل .

إن الأخوة في الله والاجتماع واجب محتم وفريضة شرعية وضرورة واقعية وإن المسائل الخلافية الواقعة ليست إلا مجرد اجتهادات .

لا ترقى في الغالب إلا إلى المستحبات فتحصيل الواجب أولى من تحصيل المستحب  هذه منهجية سار عليها سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم أجمعين-  بل أحيانا كانوا يتركون الجائز من أجل بقاء الألفة والأخوة ويرون أن ذلك أمر حتم بل وصل بهم الحال إلى التنازل عن الحق أحيانا :

ومن أمثلة ذلك :

1-    حين اختصم الناس في قراءة القرآن قام عثمان- رضي الله عنه- بجمع المصاحف وأحرقها إلا مصحفا واحدا مع أنه كان كل فرد وكل قبيلة مصيبة وعلى حق وخير لكن لما أفضى ذلك إلى الخصومة وخدش الأخوة عمل ما عمله- رضي الله عنه- من أجل سد هذا الباب .

2-    حين حاول اليهود إشعال نار الفتنة بين المسلمين حتى قال المهاجري ياللمهاجرين وقال الأنصاري ياللأنصار وكادوا أن يقتتلوا جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال لهم : (( ما بال دعوى جاهلية )) . قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال ( دعوها فإنها منتنة ))[3]     فطلب منهم ترك هذه المسميات مع أنها مشروعة وذلك لأنها أفضت إلى التخريب المذموم .ٍ

3-    الرجلان اللذان اختصما في مسجد رسول الله – عليه الصلاة والسلام- على دين وارتفعت أصوتهما وتوغرت صدورهما أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الدائن أن يتنازل عن نصف الدين وأمر المدين أن يقوم فورا بالسداد كل ذلك حفاظا على روح الأخوة .

لقد وضع بعض الجهال المتعصبين حواجز منيعة حالت دون التآلف و التقارب بين المسلمين تحتاج إلى كسرها من قبل شباب هذه الأمة إن لم يسبقهم إلى ذلك القادة الزعماء وأعني بهم قادة وزعماء العمل الدعوي .

ومن أهم هذه المعوقات والتي سأذكرها إجمالا.

1-    الحزبيات والو لاءات الضيقة .

2-    التربية المنحرفة.

3-    التقليد الأعمى.

4-    تسليم القيادة لأنصاف المثقفين.

5-    تنحية العلماء عن القيام بدورهم التعليمي والتربوي عند بعض الحركات .

6-    التنافس غير الشريف المفضي للتنازع .

7-    الأفهام الخاطئة والأفكار المنحرفة والتعصب لها .

8-    رفض الحوار والنقاش مع الأخر .

9-    التفتيش عن الأخطاء وتضخيمها .

10-الإصغاء للنمامين .

11 – السخرية بالآخرين وتزكية النفس .

 

وهناك معوقات كثيرة أخرى لو استطعنا تجاوزها لعادت مياه الأخوة إلى مجراها الطبيعي ولصار للمسلمين شوكة وريح وصارت لهم صولة وجولة ولما استطاع أعداؤنا  أن يمرروا مخططاتهم.

 أسأل الله تعالى أن يردنا إلى دينه ردا جميلا وأن يوفقنا لكل خير إنه سميع مجيب



[1] – البخاري 1/ 14

[2] – البخاري 3 / 1213

[3] – البخاري 4/1861

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق