تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

فضل العلم والعلماء

تعد صفة العلم من صفات الكمال لله جل وعلا، وقد وصف الله بهذه الصفة أيضاً رسله لما آتاهم من الكتب المنزلة عليهم، وهذا العلم هو ما تركه الأنبياء بين أممهم ليروا به الطريق إلى الله تعالى، وهذا العلم النبوي هو الذي يرفع الله به من يرفع، لذا ورد الحث على تلقيه وجعله فريضة على كل مسلم …

خطبة بعنوان : ( فضل العلم والعلماء)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

فإن الله تعالى قد وصف نفسه بل سمى نفسه بالعليم ووصف نفسه بالعلم هذه الصفة التي تعد من صفات الكمال ووصف الله تعالى بذلك رسله وأرسلهم بالعلم فما من نبي من الأنبياء إلا وأنزل الله تعالى معه كتاباً وجعل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم – خاتم الأنبياء والرسل وجعل دينه ناسخاً للأديان وكتابه ناسخاً لما قبله من الكتب((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) سورة الجمعة آية (2) قال : ويعلمهم الكتاب أي القرآن والحكمة أي سنته صلى الله عليه وآله وسلم – كانوا في جهل وفي غواية وفي عمى كانوا في ظلمات الجهل وفي ظلمات الشرك فهم أجهل الناس بربهم سبحانه وتعالى – ويعيشون أظلم الظلم وهو الشرك بالله تعالى – فجاء هذا النبي الخاتم الرءوف الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم – هادياً ومعلماً للناس يعلمهم أمور دينهم ولم يبعث صلى الله عليه وآله وسلم من أجل أن يقرر مبادئ دنيوية وإن كان الأصل في هذا الجانب أنه مباح يجوز تعلم الأمور الدنيوية المحضة وقد يتوجب على مجموعة من الناس من المسلمين أن يتعلم ذلك صحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم – كان أمياً ومعنى أمياً أنه كان لا يكتب ولا يحسب وبعض الناس يقول : الأمي هو الذي يقرأ ولا يكتب وهذا غلط القراءة غير والكتابة غير فالأمي هو الذي لا يكتب ولا يحسب أما القراءة فلا القراءة يقرأ العامي ولذلك جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا هكذا ))[1] . يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ولهذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم – قارئاً كان يقرأ القرآن ((فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)) سورة القيامة آية (18) ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم – كان هذا الأمر معجزة أميته كانت معجزة لأنه لو كان قارئاً أو كان يكتب لقيل أنه قرأ ذلك في كتب الأولين ولكنه لما كان أمياً لا يعلم شيئاً مما دار وحصل في الأمم السالفة وكذلك لا يمكن أن يطلع على أمور آتية في علم الغيب إلا لأن الله تعالى أطلعه على ذلك ولهذا استدل اليهود على نبوته صلى الله عليه وآله وسلم – بأنهم سألوه عن أشياء من علم الغيب كما في الحديث ((أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال ( أخبرني به جبريل آنفا ) . قال ابن سلام ذاك عدو اليهود من الملائكة قال ( أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد ) . قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ) . قالوا خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام ) . قالوا أعاذه الله من ذلك فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك فخرج إليهم عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قالوا شرنا وابن شرنا وتنقصوه قال هذا كنت أخاف يا رسول الله))[2] فكان صلى الله عليه وآله وسلم أمياً لكن لا يعنى هذا أن الأمة تتأسى به في أميته فلقد جاء صلى الله عليه وآله وسلم- بالعلم وأمر من أمر بتعلم الكتابة وتعليمها وأمر من أمر بتعلم لغة اليهود واللغات الأخرى من أجل أن يكونوا مترجمين بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم – يسمعون إلى كلام الوفود والسفراء ويقرءون الكتب التي ترد إليه صلى الله عليه وآله وسلم – من الملوك والسلاطين في ذلك الزمان والآيات والأحاديث المتكاثرة التي وردت في كتاب الله تعالى تمدح العلم والعلماء وتحث على العلم لم ترد إلا في العلوم الشرعية في علم الكتاب والسنة أما في الأمور الدنيوية فهذا شيء آخر ولقد كان صلى الله عليه وآله وسلم – أمر أصحابه رضي الله عنهم – في مرة من المرات ألا يلقحوا النخل كما في الحديث (( . رأى قوما يلقحون النخل . فقال ما يصنع هؤلاء ؟ ) قالوا يأخذون من الذكر فيجعلونه في الأنثى قال ( ما أظن ذلك يغني شيئا ) فبلغهم فتركوه . فنزلوا عنها . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( إنما هو الظن . إن كان يغني شيئا فاصنعوه . فإنما أنا بشر مثلكم . وإن الظن يخطئ ويصيب . ولكن ما قلت لكم قال الله – فلن أكذب على الله))[3] وهذا فيه دليل على أن العلوم الدنيوية نحن أخبر فيها كون هذا الإنسان يتعلم علوم إدارية يتعلم في الكمبيوتر يتعلم في الكيمياء في الفيزياء في الجيولوجيا في الطيران في علم البحار مباح لك أن تختار هذا العلم على حسب الرغبة لكن هناك قاسم مشترك هو ما سندندن حوله وهو ما لا يسع المسلم جهله وما لا يتم الواجب إلا به وهذا هو ما حث عليه القرآن والسنة يقول الله تعالى (( …  قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ))

 سورة الزمر آية (9) هذا مدح لمن يتعلم ولو مسألة ما. لا يستوي هذا الشخص مع الجاهل في هذه المسألة هذا في مرتبة عليا وذاك في مرتبة سفلى . وقال سبحانه وتعالى (( … يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )) سورة المجادلة آية(11) فالله تعالى يرفع من يشاء درجات لا بالدرجات الدنيوية لا بالمناصب ولا بالمال ولا بالجاه وإنما يرفع من يرفع بعلمه وإن ارتفع بعض الناس بجاههم أو مالهم فإنما هذه الرفعة في هذه الدنيا فقط ولعلها تسقط وتطيح في أي وقت من الأوقات فإذا انتهى ماله أعرض الناس عنه

وهكذا جاهه وملكه أنت الآن إذا جئت إلى مسئول أو ذكرت مسئولاً من المسئولين اشرأبت إليه الأعناق ونظرت إليه الأحداق لكن إذا ذهبت وظيفته صار إنساناً عادياً خلاص لا يطرق بابه وليس له حراس ولا شيء من هذا القبيل وانمحى ذكر انتهت القضية لكن العالم يحتاج إليه الناس على سبيل الدوام منذ الصغر إلى أن يلحد في قبره ولذلك فرق بين يرفع في هذه الدنيا لماله ولجاهه أو منصبه وبين من يرفع بعلمه إذا قارنا بين التاجر والعالم نجد بون شاسع مع أن هذا في مكان رفيع وذاك في مكان رفيع لكن رفعة العالم أعظم من رفعة صاحب المال من ذلك مثلاً : صاحب المال حينما يحوز هذا المال فإنه يعيش في قلق يحرسه ويحميه ويخشى من الإنفاق منه لأنه إذا أنفق منه في نظره نقص وإذا سافر مستحيل أن ينقل جميع ما عنده من المال والعقار بالطائرة والسيارة وبالباخرة من أجل أن يكون تحت نظره بخلاف العالم فإن علمه لا يخشى من كثرة الإنفاق منه فكلما أنفق من علمه ازداد وإذا انتقل إلى أي بلد فعلمه ينتقل معه لا يخاف عليه من لص ولذلك قال من قال :

 يزيد بكثرة الإنفاق منه                            وينقص إن به كفاً شددتا

ثم إن هذا المال الذي اكتسبه صاحبه لا ينزل معه القبر بخلاف العلم فإنه ينزل مع صاحبه كما قال صلى الله عليه وآله وسلم – ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له))[4] فيرجع اثنان ويبقى واحد وهو العمل ولهذا كان ابن حزم رحمه الله يتغنى لما أراد أعداؤه وخصومه أن يشوا به وأن يحرقوا كتبه فقال لهم :

 فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي                تضمنه القرطاس بل هو في صدري

يبيت معي حيث استقلت ركائبي                    وينزل إن أنزل ويدفن في قبري

فالحاصل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حث على تلقي العلوم الشرعية وجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة يقول صلى الله عليه وآله وسلم – ((طلب العلم فريضة على كل مسلم))[5] أي ومسلمة لأن لفظة مسلم يدخل فيه ومسلمة ليس المقصود من هذا الحديث تعلم الفقه والأصول والتفسير وما شاكل ذلك لا بل يدخل في كل مسألة يريد الإنسان أن يعمله وللأسف الشديد مثلاً هنالك بعض الرجال وبعض النساء يأثمون لأنه توجب عليهم أن يتعلموا مسألة ما ولم يتعلموها يعني مثلاً : البنت إذا بلغت إلى سن البلوغ فإنه يتوجب عليها أن تتعلم أحكام الحيض مش تتعلم أحكام الحيض لما يأتيها الحيض أو بعد أن يأتيها بعد كذا سنة حتى تتدخل هذه المرحلة وهي على علم . شاب أراد أن يتزوج ما يجوز له أن يقبل على الزواج حتى يتعلم أحكام الزواج. شخص أراد أن يتاجر وجب عليه أن يتعلم أحكام التجارة أنا أتكلم على التاجر صاحب الأموال والمعارض وكذلك صاحب العربية الذي يبيع للناس البطاط والطماطم والجزر والموز والتفاح يحرم عليه أن يقدم على بيع هذه المواد حتى يتعلم أحكام الشرع في هذا وإلا صار غشاشاً والنبي صلى الله عليه وآله وسلم (( … ومن غشنا فليس منا))[6] تجد بعض الناس ربما يشتري مواد أقرب إلى الفساد وتظل معه قترة بل تفسد عليه ثم بعد ذلك يغش الناس بها ولعل بعض الناس يصاب بسموم ويمرض نتيجة غش هذا الإنسان وبيعه للطماطم والبطاطس الفاسد ليش ؟ لأنه لم يتعلم أحكام الشرع في هذه المسألة ولو تعلم أحكام الشرع لعلم أنه أهون عليه من أن يرمي هذه المواد التي ظلت معه أربعة أيام خمسة أيام وصارت فاسدة في القمائم أهون من أن يبيعها على الناس ويغشهم إذاً هذه مسائل يتوجب على كل إنسان قبل أن يقدم على أي عمل من الأعمال أن يتعلم أحكام الشرع في مثل هذه القضايا فهذا هو المقصود من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم لأنه عندنا مثلاً قضايا الفقه لا يلزم على العامي أن يتعلم أحكام الفقه كلها إنما يلزمه ما تستقيم به وتصح به عبادته لكن نحث الناس على أن يتعلموا ذلك فضول زائد أما طالب العلم الذي يريد أن يتصدر لتعليم الناس والإفتاء فهذا يلزمه أن يتعلم هذه العلوم ويؤصلها لكن يبقى عامة الناس يلزمهم أن يتعلموا أحكام العبادة التي لا تصح عبادتهم إلا بها لهذا تجد مثلاً عامة الناس ربما قطع شوطاً من عمره ستين سنة وسبعين سنة وهو يخل في صلاته وهذا والله عياذاً بالله – يعني تشويه لصورة المسلم الحق وتشويه لصورة الإسلام أن يصل الإنسان إلى هذا السن وهو لا يزال يجهل أحكام الصلاة أحكام الطهارة أحكام الصيام بل يجهل معتقده فإذا جئت تسأله مثلاً ما حكم الطواف حول القبور ؟ لا يجيب وربما وقع في المحظور ما حكم النذر لابن علوان والطواف حول قبره والتمسح به ؟ ربما لا يجيب وربما أجاب بالمحظور وقال هذا جائز وهذا ولي الله ولو سألته عن مدح المشركين وتعظيمهم الانبهار بما عند المشركين ذم المسلم ومدح الكافر لو جدت أكثر المسلمين يجهلون مثل هذه القضايا ولم يعلم هذا المسكين أن هذه القضايا تخدش في إيمانه فيتوجب عليهم أن يتعلموا ما لا يسع المسلم جهله في كثير من القضايا في جانب العبادة والمعتقد والسلوك والمعاملات إلى آخر ذلك . فمثلاً عامة الناس يحرم عليهم أن يجهلوا ربهم ولا يستطيع الإنسان أن يتعلم أحكام معرفة الله عز وجل – إلا إذا تعلم مبادئ العقيدة يعني مثلاً لا يجوز لمسلم أن يجهل أن الله يعلم وأنه يراه وأنه يسمع ما يتكلم به وأن الله يرضى عن المؤمنين وأنه يغضب على الكافرين وأنه سبحانه وتعالى – يضع الموازين القسط يوم القيامة وأنه تعالى لايظلم أحداً مثل هذه القضايا لا يسع المسلم أن يجهلها لو قيل لإنسان الله تعالى قيوم وإلا ليس بقيوم ما يجوز أن يجهل يعلم وإلا ما يعلم لا يجوز أن يجهل فهذه مسائل يجب على عامة الناس أن يتعلموها ويحرم جهلها يعني مثلاً أركان الوضوء يجب على كل إنسان أن يتعلمها أركان الصلاة واجبات الصلاة مبطلات الصلاة هذه القضايا يجب على كل مسلم أن يتعلمها وتعلمها بالطبع بمشقة وبجهد وبتر حال أحياناً من هذا المسجد إلى المسجد الآخر حتى يتعلم تلك الأحكام التي أوجب الله تعالى عليه أن يتعلمها ولهذا جاء في فضائل العلم أحاديث متعددة من ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم – ((من سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة))[7] أي مسألة تتعلمها وتسعى من أجل تعلمها فهذا التعلم يجعله الله تعالى طريقاً إلى الجنة . ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم – (( … وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه))[8] ومن ذلك قول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم – ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما قبعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به))[9] ويقول صلى الله عليه وآله وسلم – ((((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له))[10] فالعلم الذي ورثه الإنسان سواء كان في مؤلفات أو في أشرطة هذا يصل إليه بعد موته من الحسنات والأجور ما الله تعالى به عليم ولهذا كانت حسنات هذه الأمة كلها في ميزان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم – ولقد حرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم – وأباحه في أمرين فقال : ((لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها))[11] والمقصود هنا بالحسد التنافس وقال صلى الله عليه وآله وسلم – ((الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا))[12] ويقول صلى الله عليه وآله وسلم – ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين… ))[13] مفهوم الحديث أن من لم يرد الله به خيراً لم يفقهه في الدين . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم – (( … وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم…))[14]

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم – ((نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع))[15] لعل الشخص الذي تبلغه هذا الحديث يكون أوعى منك يعني يعض الناس يكون مثل المسجل يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم – حديثاً أو يقرا حديثاً ثم يحفظه ثم يبلغه إلى شخص آخر فيكون هذا الشخص الآخر أفقه منه ويستفيد من هذا الحديث أكثر .

 العلم أيها الإخوة : مما ينبغي أن نتواصى به وأن نحث الناس عليه ومن ذلك تعلم الكتابة ولهذا فإن الدول على مستوى العالم كله تحارب الأمية لما فيها من الأضرار وديننا الحنيف جاء لمحاربة الأمية وجاء ليحث على العلم والقراءة وتعلم الحساب وما شاكل ذلك فالمنظمات الدولية بمختلف أشكالها وألوانها وإن زعمت أنها تبدل جهداً تشكر عليه لكن ليعلم العالم كله أن ديننا سبقهم في إعطاء الإنسان حقوقه وفي إعطاء الحيوان حقه وفي إعطاء كل ذي حق حقه الآن هناك منظمات تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان ومنظمات تدعي أنها تدافع عن حقوق الحيوان لكن الإنسان في الحقيقة تشكيله وتصنيفه تختلف من بلد إلى آخر لكن الإسلام لما طرح حقوق الإنسان طرحها للجميع للأسود والأبيض والعربي والعجمي ولما طرح حقوق الحيوان كذلك سبق المنظمات الدولية كلها يكفينا في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه حمار قد وسم في وجهه فقال ( لعن الله الذي وسمه))[16] وذكر أيضاً شرعنا مادحاً لرجل وفي رواية بغي سقي كلب ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه

: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ) . قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا ؟ قال ( في كل كبد رطبة أجر))[17] هذه حقوق الحيوان وفي حديث آخر مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه قال ” اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة))[18] فشرعنا سبق هذه المنظمات كلها في حق الحيوان وفي حق الإنسان ومن جملة ما حث على إعطاء هذا الإنسان حقه في التعليم حثه ورغبه ليكون الأمر طواعية في الإنسان أن يتعلم ولهذا فإنه يا أيها الإخوة : ينبغي على كل إنسان أن يستحث نفسه وأن يستنهض همته من أجل تلقي العلم لا أقول أن الناس ينبغي عليهم أن يبقوا على ما هم عليه العوام يستمعون فقط المحاضرات هذه همة صح لكنها همة هابطة قليلة نحن نريد همماً أعلى من هذا أن يصير هذا الإنسان يقرأ ويكتب ويحسب من أجل أن تتوسع مداركه ولا يقولن إنسان لقد بلغت من الكبر عتياً أنا خلاص لا أصلح للتعليم يكفيني هذا القدر والحمد لله كما يقول بعض العامة أنا من البيت إلى المسجد ومن المسجد إلى البيت لا ما يكفي هذا . ابن حزم العالم الأندلسي الكبير بل قبل هذا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم – من هم ؟ أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة رضي الله عنهم – يعني كثير من أصحابه الذين كانوا أسس هذا الدين ودعائمه كانوا من الكبار ومع هذا لم يتوانوا ولم يكسلوا في تلقي العلم أنظر إلى مسجد أبي يكر الصديق رضي الله عنه – مسند طويل عريض أبو هريرة رضي الله عنه أسلم متأخراً ومع هذا كان من همته في طلب العلم الشيء الكثير فمسند أبي هريرة رضي الله عنه من أكبر والمسانيد مع أنه أسلم متأخراً وجاء وهو كبير في السن بل كان من همته أنه قال : يا رسول الله إنني أتلقى عنك العلم ويفلت علي أدعو الله أن يحفظني العلم هذه همة أدعو الله أن يحببني للناس وأن يحبب الناس إلي ولذلك كان حب أبي هريرة رضي الله عنه – علامة من علامات الإيمان وبغضه علامة من علامات النفاق من الذي يبغض أبي هريرة اليوم ؟ الروافض الشيعة الاثني عشرية في إيران ومن شاكلهم ليش ؟ لما تحمله من العلم يهدم معتقداتهم الفاسدة ولذلك كان في احد قولي أهل العلم فيمن يسب الصحابة ويبغضهم أنه كافر مارق من دين الله تعالى كما قال الله تعالى ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ…)) سورة الفتح آية (29) هؤلاء الصحابة الكبار الأجلاء ما رفع الله درجتهم وأعلى ذكرهم إلا بصحبتهم للنبي صلى الله عليه ,آله وسلم- وتلقيهم العلم قلنا أن أبا هريرة رضي الله عنه – طلب وهو كبير في السن ما قال الحمد لله يكفيني أني أسلمت وانقضت نفسي من النار ولكن كان بإمكانه أن يذهب إلى الأسواق وينافس الناس في دنياهم فعنه رضي الله عنه – أنه قال : إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة أعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه ( إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول ) . فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء))[19]

ولقد كان عبد الله بن عمرو بن العاص أكثر الناس حديثاً مني لأنه كان يكتب ولا أكتب معاذ بن جبل رضي الله عنه – جاء في فضله أنه يأتي يوم القيامة أنه يقدم العلماء برتوة – أي رمية بحجر . عبد الله بن مسعود رضي  بالرغم ما كان يحصل بينه وبين عمر من المماحكة في بعض المسائل لكن عمر لما كان يذكر ابن مسعود كان يقول عنه : كنيف ملئ علماً أعود فأذكر قصة ابن حزم أبوه كان وزيراً وأبناء الوزراء يعيشون في ترف عجيب السيارات الفارهة والقصور العالية والجسم الناعم والريح الطيب لكنه يوم من الأيام على حسب العادة يعني الحمد لله يصلي دخل المسجد بعد العصر دخل مع جنازة ابن حزم جلس نظر إليه عالم نظرة هذا ابن وزير هذا قم صل ركعتين أما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم – ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))[20] فقام يصلي ركعتين وروح مرة ثانية جاءت جنازة قام ابن حزم يريد أن يصلي تحية المسجد جاءه عالم آخر قال له : قف لا تصلي ممنوع أما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم – يقول ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس))[21] قال : إنا لله وإنا إليه راجعون هذا يقول لي : قم صلي وهذا يقول : لا تصل هذا له دليل وهذا له دليل وهذه من المسائل التي للعلماء فيها صولة وجولة يجوز الاختلاف فيها وإن كان الراجح في هذه المسألة قول الإمام الشافعي رخمه الله أن الصلاة إذا كانت لسبب يجوز حتى في أوقات الكراهة مثل تحية المسجد مثلاً فقال ابن حزم وكان كبير في السن قال : ذلحين أنا مع مكانتي هذه أجلس على هذه الحال يلعب الناس بي لا والله لأطلبن العلم وشمر عن ساعد الجد حتى صار علماً من الأعلام وصار له مذهب وصار له أتباع وصار مفتي ومتحرر وصار مناطحاً لكثير من علماء عصره وصارت له مؤلفات مع كبر سنة لم يبلغ هذه المرتبة إلا لعلو همته فلا يقول الإنسان أنا خلاص بلغت من الكبر عتياً خلاص إلى هنا وقف لا عمرك خمسون سنة ستون سنة أطلب العلم يا أخي شمر عن ساعد الجد خذ القلم خذ الدفتر وتعلم زاحم الناس في حلقات العلم في حلقات الذكر حتى تصل إلى مرتبة عالية والعلم ليس له نهاية وليس له سن محدود . ذكر عالم من العلماء لا يحضرني الآن اسمه لكن مرض مرضاً شديداً ودخل عليه طلابه وهو في سكرات الموت فقال لطلابه ذكرونا بالعلم قال أحدهم : يا شيخ حدثتنا عن فلان عن فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم – قال : كذا وكذا قال : أنت قال : حدثتنا يا شيخ عن فلان عن فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم – قال : كذا وكذا حتى أتى الدور عليه قال : وأنا أحدثكم أيضاً بحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم – قال : ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة))[22]

ثم مات الحاصل أيها الإخوة أن العلم أبوابه واسعة جداً وأهم هذه العلوم هي العلوم الشرعية التي لا يسع المسلم جهلها أقل الأحوال أنه يلم بهذا لا صح ولا يجوز بل يحرم على الإنسان أن يجهل قضايا الأمور التي لا تصح الصلاة إلا بها نواقض الوضوء وأركانه وأركان الصلاة ومبطلاتها عمومات العقيدة السليمة الولاء والبراء وما شاكل ذلك لا يجوز للإنسان أن يدخل في أي عمل من الأعمال حتى يتعلم ما يل وما يحرم ولا يقدم عليه إلا بعد أن يلم بهذه المسألة إلماماً كاملاً . أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا لما يحبه ويرضى وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح . والحمد لله رب العالمين.


[1] – البخاري 2/675

[2] – البخاري 3/1433

[3] – سنن ابن ماجه 2/825

[4] – سنن الترمذي 3/660

[5] – صحيح الترغيب والترهيب 1/17

[6] – مسلم 1/99

[7] – سنن الترمذي 5/ 28

[8] – مسلم 4/2074

[9] – البخاري 1/42

[10] – سنن الترمذي 3/660

[11] – البخاري 1/39

[12] – البخاري 3/1238

[13] – البخاري 1/39

[14] – سنن أبي داود 2/341

[15] – سنن الترمذي 5/34

[16] – مسلم 3/1673

[17] – البخاري 2/833

[18] – سنن أبي داود 2/27

[19] – البخاري 2/721

[20] – البخاري 1/391

[21] – مسلم 1/567

[22] – سنن أبي داود 2/207

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق