تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

رحيل رمضان

لقد عرفنا في رمضان أن من أراد أن يحقق تقوى الله – عز وجل – إنه لا يمكن أن تحققها بغير الله عز وجل بغير هذا الطريق هو الذي تحقق تقوى الله عز وجل صوم، صلاة، قراءة القرآن ،صلاة القيام، الدعاء والتضرع ،النفقة، الرفق بالأيتام ومعاونتهم، رسم البسمة على شفاهم، هذه الطريق هي التي تحقق السعادة في هذه الحياة ويوم يقوم الأشهاد …

خطبة بعنوان : رحيل رمضان

العناصر:

1-    فوائد رمضان 2- رمضان والطريق إلى الله 3- ما بعد رمضان 4- رمضان جامعة نتعلم فيها 5- زكاة الفطر 6- صيام الست من شوال.

 أما بعد :

 عباد الله :

 ها هو شهر رمضان أوشك على الرحيل من بين هذه الأمة هذه الأيام المعدودة التي قال الله عنها :((…أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ…)) سورة البقرة آية (184).

أوشكت على مفارقة المسلمين وأوشك هلال شوال على الظهور هذا الشهر الكريم استبشر المسلمون بمقدمه لأن هذا الشهر عودهم الله سبحان وتعالى على أن ينالوا من بركاته وخيراته ولقد اغترف من اغترف من بحر هذا الشهر الكريم جمع من خلق الله سبحانه وتعالى استفادوا من هذا الشهر الكريم فوائد جمة اتخذوه مدرسة لإصلاح القلوب مدرسة للتنافس في الطاعات بشتى أنواعها.

راقبوا فيها قلوبهم أصلحوها عززوا فيها الإيمان والتقوى وذلك هو مراد الله سبحانه وتعالى من عباده في هذا الشهر المبارك :((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) سورة البقرة (183).

فلقد نال من هذه الآية تحقيق التقوى جمع كبير من أبناء هذا الأمة فنموا تقواهم لله تبارك وتعالى وعرفوا الطريق لتقوى الله عز وجل التي هي رأس مال المسلم والتي هي المطلوب من العبد في حياته.

 إن تحقيق هذه التقوى لله عز وجل ليس المراد من خلق الناس أن يتنافسوا في الدنيا بل أن تتحقق العبودية لله عز وجل التي هي سر وجود العباد في هذه الأرض: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) )) سورة الذاريات الآيات (56-57).

 لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخيره ربه أن يكون ملكا نبيا وبين أني يكون عبدا نبيا رسولا فاختار أن يكون عبدا رسولا يشبع يوما ويجوع يوماً عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ((أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة ثلاث مرات فلما كانت ليلة الثانية قال :يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي؟

 قال :فركب ومشيت حتى انتهى إليهم فنزل عن دابته وأمسكت الدابة ووقف عليهم أو قال: قام عليهم.

 فقال :ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس أتت الفتن كقطع الليل يركب بعضها بعضا الآخرة أشد من الأولى فليهنكم ما أنتم فيه ثم رجع فقال :يا أبا مويهبة إني أعطيت أو قال: خيرت مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي فقلت بأبي وأمي يا رسول الله فأخبرني قال لأن ترد على عقبها ما شاء الله فاخترت لقاء ربي عز و جل فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا))[1]

ولو كانت هذه الدنيا محبوبة لذاتها لاستجمعها النبي عليه الصلاة والسلام فلقد خيره ربه ولقد كان بالإمكان أن يجعله الله تعالى كما جعل سليمان ملكا وسخر الله عز وجل له كل ما في الأرض.

ولكنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يزرع وأن يغرس وأن يسطر لهذه الأمة منهاجا لتعرف سر وجودها على وجه الأرض من أجل أن تحقق العبودية لله تعالى.

 وإلا لكان قدوة وأسوة صلى الله عليه وسلم في أن يستجمع من لذات هذه الدنيا ما لذ وطاب وليس هذا أمر محرما .

ولكن أقول أن هذا سر وجودنا على ظهر هذه الأرض أن نحقق العبودية لله تعالى وأن نحقق تقوى الله سبحانه وتعالى وهذه العبادات هي التي تحقق هذه التقوى وهذه العبادات هي المظهر العام لمن أراد أن يحقق العبودية لله عز وجل.

 لقد عرفنا في رمضان أن من أراد أن يحقق تقوى الله – عز وجل – إنه لا يمكن أن تحققها بغير الله عز وجل بغير هذا الطريق هو الذي تحقق تقوى الله عز وجل صوم، صلاة، قراءة القرآن ،صلاة القيام، الدعاء والتضرع ،النفقة، الرفق بالأيتام ومعاونتهم، رسم البسمة على شفاهم، هذه الطريق هي التي تحقق السعادة في هذه الحياة ويوم يقوم الأشهاد .

وإلا فكم من غني جمع الدنيا بحذافيرها ولكنه يعيش في تعاسة وقلبه مظلم لأنه لم يعرف الله سبحانه تعالى كم من الناس ما عرف هذا الطريق.

 ولذلك قال :بعض سلف هذه الأمة وهو يذكر ما يجده من لذة الإيمان ولذة تقوى الله سبحانه وتعالى لو عرف الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من الراحة والله لجالدونا عليها بالسيوف.

 ويقول بعضهم : ((ما يصنع أعدائي بي؟!! أنا جنتي وبستاني في صدري أنّى رحلت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة)).

أنا جنتي في صدري يعني جنة الإيمان من لم يدخلها في الدنيا لم يدخلها في الآخرة.

لقد تعودنا في رمضان وعرفنا السبل والطرق التي تحقق لنا راحة الصدر .

كل واحد منا في هذه الحياة يسعى لتحقيق راحة صدره وعرفنا من خلال عامنا كله عرفنا أنه لا طريق لتحقيق هذه المآرب إلا بالقرب من الله والتذلل والخضوع له سبحانه – وتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى .

 نعم تجمع المال فترتاح لكنها ليست راحة كراحة أن تسجد لله تعالى سجدة واحدة ليس كراحة أن تقرأ آية من كتاب الله ليس كراحة إن تضع ريالا في يد متعففة ليس كسعادة  أن تقوم لله تعالى فتدمع عينك ويخشع قلبك تلك هي الراحة الحقيقة والسعادة الأبدية التي من أراد ها فقد عرف طريقها في هذا الشهر المبارك .

عرفنا وتعلمنا في رمضان كيف يكون المسلم  أنموذجا في أخلاقه صبرنا على بعض الجهال الذين كانوا في ألفاظهم شيء من الفظاظة كم صبرنا على تلك الألفاظ وقلنا : اللهم إني صائم كم من الناس من جهل علينا فقلنا : سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين هذه الطريق طريق ينبغي أن يسلكها المسلم طيلة عامه لقد تعودنا كيف نضبط أعصابنا عما حرم الله عز وجل .

إن الطعام والشراب والامتناع عنه هو محرم علينا في نهار رمضان كيف تعودنا على أن نمتنع عن محارم الله عز وجل هي من الأصل أشياء مباحة ينبغي علينا أن نتعلم طيلة أيامنا أن نتعفف ألا تمتد أيدينا إلى حرام أو أن نلقي لقمة في أجوافنا أو في أجواف أبنائنا من الحرام ينبغي أن نتعلم تلك العفة التي تعلمناها في رمضان كيف لا نعتدي على أعراض الناس وكيف لا نعتدي على أموال الناس وكيف لا نعتدي على حقوق الناس .

هذه المعالم ليست في رمضان فحسب إن من الناس من يتقيد الآن ليعود أسدا مفترسا وليعود وحشا كاسرا بعد رمضان ليجبي الأموال وليعوض عما أنفقه في شهر رمضان في الحقيقة أمثال هؤلاء لم يستفيدوا من رمضان ولم يكون صومهم أو طاعتهم في رمضان إلا مجرد روتين ولو فعلوا ما فعلوا ولو تظاهروا ما تظاهروا به إن من علامات قبول الحسنة أن يوفق العبد لأداء الحسنة بعدها ومن علامات الشقاوة أنه يتبع الحسنة بالسيئة ويتبع السيئة بالسيئة هذه علامة من علامات الشقاء ومن علامات الرد .

 أيها الإخوة الفضلاء :

 قد تعودنا في رمضان كيف نضبط أعصابنا تعودنا كيف نضبط أوقاتنا كيف نؤدي صلواتنا جماعة في بيوت الله عز وجل رأيت كيف كان الناس يمشون براحة وسعة صدر فيأتون رغبة ورهبة إلى بيوت الله عز وجل أليس رب رمضان هو رب بقية الشهور لماذا لا يهرع الناس حينما يسمعون الأذان في غير رمضان .

في رمضان كانوا يغلقون أبواب محلاتهم ويذهبون إلى بيوت الله عز وجل لأداء الطاعة وقد لمست كثير من الناس كيف يبارك الله لهم في أموالهم في رمضان وكيف أدرت عليهم تجارتهم بالمال الوفير.

إن الله تعالى حين ينظر إلى عباده أنهم غيروا من حياتهم وغيروا من سلوكهم يغير الله سبحانه وتعالى من أحوالهم والله سبحانه وتعالى هو القائل: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)) سورة الرعد آية (11).

 تعود المسلمون كيف يبذلون في سبيل الله تعالى في رمضان وإن كان في هذا شيء من الضيق على النفس ومن الإحراج لها ومن الإلزام لها على أن تخرج من مالها لوجه الله تعالى تعطي هذا وتتصدق على هذا وترسم البسمة على شفاه هذا تدعم هذه الجهة وتلك الأخرى كل ذاك تقرب إلى الله- عز وجل- سواء كان هذا المال مما وجب إخراجه أو مما كان مندوبا مستحبا فرأيت الناس تتظافر جهودهم في هذا الجانب ويبذلون بسخاوة ورب ريال سبق ألف ريال ورب ألف ريال سبقت مليون ريال يخرجها الإنسان وهو بحاجة إليها لكنه يدخره ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتي بقلب سليم .

عرفنا أيها الإخوة الفضلاء :

الطريق إلى الله تعالى لمن أراد أن يلزمها والله لو أن هذه الأمة بقيت على حالها في رمضان لرأيت الأمور تتغير رأسا على عقب و لرأيت الفضل من الله يبارك وتعالى يجود على هذه الأمة و لكان ذلك سببا في إخراجها مما هي عليه من التدني والانحطاط ومن ذهاب ريحها وانكسار شوكتها وهوانها على أعدائها لأن الله تبارك تعالى قدر رسم وجعل هذا المنهج رباني :((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)) سورة الرعد آية (11).

 على كل حال رمضان كان مدرسة متكاملة في جميع مناحي الحياة في الأخلاق وفي السلوك في العبادة في التكامل في الانضباط في إقامة الشعائر في تلاوة كتاب الله في الدعاء والتضرع في طول القيام بين يدي الله عز وجل كل هذا الأمور تعلمنا ها من هذا الشهر الكريم و ياليتنا نستمر على هذا الطريق . الذي وجدنا فيه الراحة ووجدنا فيه السعادة قليل هم أولئك الذين ضاقت صدورهم برمضان وذلك لأن هؤلاء تمردوا على الله سبحانه وتعالى في الأصل ولهذا ضاقت عليم الأرض بما رحبت حين هل رمضان بهلاله وحينما رأوا البشر والسعادة في وجوه المسلمين تحولت عليهم الأمور إلى ضيق وضنك لأنهم في الأصل يسعون إلى ذلك الطريق الذي لا يوصلهم إلا إلى التعاسة وإلا إلى الشقاوة عياذا بالله تبارك وتعالى من ذلك .

فيا ليتنا بهذا الطريق ياليتنا نجعل لأنفسنا جدولا يوميا لمثل هذه الأعمال التي واظبنا عليها في هذا الشهر الكريم نواصل قراءة القرآن أيها الأحبة لنجعل لأنفسنا وردا يوميا من تلاوة القرآن وقتا لمحاسبة النفس ولتطهيرالقلب الذي تطهر في هذا الشهر المبارك ولذا من طهر قلبه وجدت صدره منشرحا ووجدت نورا يدب في وجهه ووجدت الخشوع والخضوع ووجدت دمعه تجري لسماع تلاوة كلام الله – عز وجل- هذا القلب الذي تطهر في رمضان يجب العناية به لأن هذا القلب هو محل نظر الله – عز وجل- ربنا تعالى لا ينظر إلى صورنا و لا إلى أجسامنا ولكنه ينظر إلى القلوب والأعمال فإذا صح القلب حسن وشفي فإن العمل يكون عملا صالحا ولهذا قال صلى الله عليه الصلاة والسلام :((الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))[2]

فليكن هنالك دواء وعلاج بوحي نستخدمه لهذه القلوب :((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) سورة الرعد آية (28).

ورد يومي كعلاج من رب الأرض والسموات من الحكيم العليم الذي خلق وهو يعلم ماذا يحتاجه هؤلاء الخلق والله لو أن طبيبا قرر لمريض علاجا يستعمله يومينا حتى يتوفاه الله – عز وجل- لالتزم به ولو كان فيه ما فيه من  المشقة والمرارة على النفس لالتزمه .

إن هذا علاج رباني للأجسام والقلوب لمن أراد أن يشفى من مرض قلبه ومن مرض بدنه: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) سورة الرعد آية (28).

وقال تعالى : ((وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً )) سورة الإسراء آية (82).

فهو علاج يومي نستخدمه .

هذا العلاج أباح الله تعالى لك أن تجزأ هذا العلاج بالطريقة التي تراها إما أن تأخذه دفعة واحدة وإما أن تأخذه على دفعات فلك أن تقرأ وردك اليومي بعد صلاة الفجر ولك أن تجزئه بعد الصلوات أو في أوقات الفراغ حسب ما تيسر لك لكن علاج نافع وناجع بإذن الله عز وجل.

أن يكون لك ورد يومي في المحاسبة قبل أن تنام ما ذا صنعت في هذا اليوم ؟

ما هي الحسنات التي اكتسبناها في هذا اليوم وما هي السيئات التي اقترفناها في هذا اليوم فإذا حاسبنا أنفسنا قبل أن نحاسب سوف تصلح الأحوال بإذن الله تعالى وسوف تسد الأبواب والطرق التي توصلك إلى غضب الله وسنفتح السبل والطرق واسعة مشرعة التي توصلنا إلى الله عز وجل وتوصلنا إلى رضوانه وإلى جناته وإلى غفرانه و إلى النظر إلى وجهه الكريم سبحانه تعالى.

ورد يومي نحاسب فيه أنفسنا بعد رمضان وإن تولى فإن المسلم الصيام عنده لا ينقطع كان من هدية صلى الله عليه وآله صيام الاثنين وصيام الثلاثة الأيام البيض وصيام بعض الأيام الفاضلات مثل: عاشوراء ، العشر من ذي الحجة وهكذا كان صلى الله عليه سلم ملازما للصيام فلقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس))[3]

 وهكذا كان صلى الله عليه وسلم لأن الصيام يحقق هذا المعني  وهذا المغزى الذي هو سر حياتنا في هذه الحياة الدنيا فياليتنا نجعل لأنفسنا مثل هذا البرنامج ولو كان مصغرا من أول يوم من شهر شوال أن يكون لنا وقت يسير للدعاء ووقت يسير للقيام لأن نصلي صلاة الليل كما أوصى الله النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه :((أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على الوتر ))[4]

وجاء عند مسلم : ((اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ في بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا))[5]

 هكذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون في البيت ورشة عمل دائم لتلاوة القرآن حلقة في البيت وما شاب عليه الطفل يشيب عليه وهو سنة ماضية فطر عليها ودرج عليها الناس.

 هكذا أيها الإخوة الفضلاء :

 ينبغي أن نتعلم من هذا الشهر أمورا تكون خطة عمل سنوية من أراد أن ينفذ هذا ما عليه إلا أن يخطط لنفسه.

الدول تخطط لنفسها خططا قريبة المدى وخططا بعيدة المدى خطط خمسيه وخططا ربما تستمر إلى خمس عشر سنة أو إلى عشرين سنة ونحن ينبغي علينا أن نكون لنا خطط أقرب من ذلك خطط على مدار الدقيقة الواحدة يمكن أن ينفذها كثير من الأعمال التي تقربك إلى الله – عز جل – لسنا بحاجة إلى من  يعلمنا كيف نتكسب وإن كان هذا باب من الأبواب التي طرقها العلم وفتح آفاق ومجالات كثيرة لمن أراد أن يستزيد من هذه الدنيا ولا عيب في هذا فنعم المال الصالح للرجل الصالح كما قال النبي عليه الصلاة والسلام .

أقول قولي هذا واستغفر الله.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذي اصطفى                              وبعد:

أيها الإخوة الفضلاء:

 ينبغي أن ننتبه جميعا لشعيرة من شعائر الله تعالى فرضها رسولنا صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر قال:(( فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر وأنثى من المسلمين))[6]

هذه الفريضة التي لا ينبغي أن نتهاون بها وينبغي أن تقوم بها من اليوم في صحيح البخاري عن نافع عن ابن عمر يؤدي زكاة فطره قال: متى ينتصب من يكلف بقبضها قال: ومتى كان يكلف قال: قبل العيد بيوم أو يومين  وهي كما جاء في حديث أبي سعيد إنها صاع من تمر أو زبيب أو أقط وهو الحليب المجفف أو بر أو شعير))[7].

 وورد في بعض الروايات من دقيق ومن سلت وهو الحب الذي ليس فيه قشر.

 على كل حال الفقهاء ينصون على إنها من غالب قوت البلد والقوت هو ما يقتات به ولهذا لا تخرج من الفواكه ولا تخرج من السكر مثلا فإنه ليس بقوت هذا الذي هو الذي درج عليه أهل العلم.

 ولهذا كان يستحب كثير من أهل العلم أن يخرجها المرء بنفسه عن الفقير أو يخرجها للوكيل إن كان الفقير غير موجود فله أن يخرجها لوكيله يضعها عنده.

وآخر وقت لأدائها قبل أن يصلي الأمام صلاة العيد فإذا صلى فإنها لا تكون بعده إلا صدقة من جملة الصدقات لكنها لا تسقط فإذا نسي المرء فإنه متى ذكرها أخرجها ويعفو الله ربنا تبارك وتعالى عنه وتكتب له إن شاء الله تعالى زكاة فطر لكن من تعمد تأخيرها حتى يخرج الوقت فإنها لا تكون له إلا صدقة من جملة الصدقات ما منا إلا وقد حصل لصومه شيء من الحرج والنقص فإن هذه الصدقة تكون طهره للصائم وتكون جبرا للنقص الذي حصل في صيامه  وهي طعمه للمساكين  والفقراء والمساكين وهم أولئك الذين يتعففون وهم الذين لا يسألون الناس إلحافا إياكم أن تؤدوها لمن لا يستحقها فإن الذين يطرقون الأبواب ويجوبون الشوارع أكثر هؤلاء في الحقيقة لو جئنا نحصر ما عندهم لو جبت عليهم الزكاة لا أقول زكاة الفطرة بل زكاة المال .

إن الفقراء والمساكين الذين يحتاجون إلى عطفك ويحتاجون إلى رحمتك هي تلك الأسرة المتعففة التي أغلقت على نفسها الأبواب والتي تتضور الجوع لقد كان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على أن يعتنوا بجيرانهم وأنت أعلم بالفقير والمسكين والمتعفف ذلك الذي تقع الصدقة حين تضعها تقع في موقعها ويتقبلها الله تعالى بيمينه ويربها لك كما تربي أي حيوان من حيواناتك حتى تجدها يوم القيامة عند الله تعالى كالجبل العظيم .

أيها الأخ في الله:

اعلم أن مثل هذا الأمر يجب أن تعني به من الآن وأن تتأكد من أنك قد أخرجت زكاة فطرك وهي كما قلنا صاع والصاع يساوي تقريبا بالوزن اثنين كيلوا وأربعين جراماً .

هذا يجزئك بإذن الله تعالى وتحسب لك زكاة  فطر تكون قد أديتها.

 أنا متأكد أن بعض الناس يقول هل يجزئ إخراجها مالا ؟

 أقول أيها الإخوة :

 أن النبي- صلى الله عليه وسلم – نص على الطعام ولم ينص على المال وكان بإمكانه أن ينص على المال هذا لو أردنا أن نتكلم على مسألة شرعية ونتكلم عن قضية فيها قال الله تعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالنبي عليه الصلاة والسلام ما كان عاجزا عن أن يقول قيمة ذلك نقدا فقد كان النقد معلوما عند هم.

 ولهذا نص الإمام الشافعي رحمة الله – وكان موفقا هو وغيره كالإمام أحمد والإمام مالك رحمهم الله نصوا على أن التخصيص على الحديث يقتضي التنصيص ولهذا لا ينبغي الخروج عن هذا النص النبوي نعم لو أن الإمام رتب مثل هذه القضية ووضع لجنة أمينة يرتضيها الناس ويعلمون إنها ستودي للناس زكاة فطرهم كما أراد الله تبارك وتعالى.

 وطلب منهم أن يدفعوها مالا لهذه اللجنة وتقوم بعد ذلك بشراء المواد العينية سواء كان في رمضان أو بعد رمضان ثم توزع بعد ذلك على الفقراء والمساكين لكان هذا الأمر وجيها.

لكن كثيرا من الناس هذا أمر ليس سرا يحتاجون أن نزرع مثل هذه الثقة في أنفسهم بأن تشكل لجان موثوق بها تؤدي هذا الصدقات إلى مستحقيها هذه الزكاة لا تشق بها طرق ولا تبنى بها مستشفيات إنها من أجل إشباع الفقير والمسكين فقط وهو بأمس الحاجة إلى أن يأكل لقمة العيش .

هذه المسألة مسألة المال نص عليها الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى وهو إمام لا نقول فيه إلا خيرا وهو من الأئمة المجتهدين لكن أقول أيها الإخوة :

إن جمهور أهل العلم على أنها تخرج طعاما ولا بأس أن تخرج إلى الوكيل أو إلى من يشتري بها طعاما لتوزيعه على الفقراء والمساكين هذا هو خلاصة الأمر من دفع مالا وكان ليس عنده القدرة على أن يعود فيشتري دقيقا فهي مجزأة بإذن الله من أخذ وقطع عليه من راتبه وهو لا يملك غير راتبه وليس عنده القدرة على أن يزكي مرة أخرى فليس عليه شيء أن شاء الله تعالى ويحسب عند الله تعالى أنه قد أخرج زكاة ماله ولكن هذا هو الأحوط وبالإمكان أن ترتب وتشكل لجنة . الدولة ليست عاجزة على أن تشكل لجنة موثوقة لتستقبل الأموال من الناس وتكفي الناس الهم وسيدفع الناس لها زكاة فطرهم وغير ذلك وهم واثقون آمنون من أنها ستصل إلى مكانها الصحيح على الوجه الذي أراده الله وأراده رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 أمر آخر وهو قضية التكبير في عيد رمضان ليلا من دخول هلال شوال فإذا علم دخول الشهر مثلا عند المغرب أو بعد العشاء يبدأ التكبير من ذلك الوقت وينتهي بقيام الإمام لصلاة العيد أما إذا أكمل الناس شهر رمضان ثلاثين فإنهم لمجرد أن يسلم الأمام من صلاة المغرب فيبدأ التكبير وينتهي عند قيام الإمام لصلاة العيد خلافا لصلاة الأضحى فإنها تستمر إلى ثالث أيام التشريق .

لا أنسى أن أذكر الإخوة بأن صيامهم لشهر رمضان هو بمثابة صيامهم لعشرة أشهر لأن الحسنة بعشر أمثالها وتكملة للعام شرع النبي صلى الله عليه وسلم صيام ستاً من شوال فقال: ((من صام رمضان، ثم أتْبَعَه بِسِت من شَوَّالٍ؛ فكأنما صام الدهرَ ))[8]

وصيام الست من شوال يبدأ من ثان أيام العيد لكن هل يجوز التفريق نعم يجوز أن توزع هذه الأيام خلال شهر شوال ويجوز أن تصومها دفعة واحدة وهل يقضي من كان عليه قضاء قيل أن يصوم الست من شوال أو أنه يباشر صيامه الست من شوال كلا الأمرين جائز والأفضل أن يبدأ الإنسان بالقضاء ثم يصوم الست من شوال لكنه لو صام الست من شوال وأخر القضاء يجوز له أن يفعل ذلك ولا حرج عليه بإذن الله تعالى ؟.

آمل من الأخوة الكرام :

كما إنهم حاولوا فعلا و رسموا البسمة في شفاه أهلهم أن ينظروا إلى الفقير والأيتام والأسر المتعبة فيرسموا البسمة في شفافهم قبل يوم العيد قبل أن تتساقط دموعهم يوم أن يروا الناس يخرجون وهم لابسون لثيابهم عليهم البشر والسرور والسعادة والفرح فمن أراد أن يستظل بظل الله تعالى من أراد أن يحشر تحت لواء محمد صلى الله علي وسلم فعليه أن يرسم البسمة في شفاه الأيتام والأسر الفقيرة والمتعففة.

 وأخيرا : إخوانكم في جامعة الإيمان تلك الجامعة الفتية التي تخرج علماء ودعاة يدعون إلى الله عز وجل على بصيرة وعلى علم معلوم أنها تحتاج إلى دعمكم المبارك وهي جامعة تدرس العلوم الشرعية التي أشهد شهادة لله عز وجل ألقى بها الله أنها على خير وأنها على بركة وعلى اعتدال ووسطية بعيدة عن التطرف وبعيدة عن التشدد مهما قال عنها أعداؤها لكنها ليس عندها أوقاف وليس عندها من الدعم ما يمكنها من دوام الاستمرار فلقد كان بداية مشوارها كان الدعم يأتيها من الداخل والخارج لكن كثير من الناس صار يرهب ويخاف على نفسه وأمواله خصوصا بعد تلك الهجمة الشرسة على دين الله تبارك وتعالى حتى إنهم يخافون أن يؤدوا من زكاة أموالهم الواجبة على مثل هذه المراكز التي تخرج علماء يخدمون شريعة الله عز وجل وهي لا تزال

تدرس طلابا للعلم ذكورا وإناثا تحت هناجر لم يتسن لها أن تبني فصولاً وقاعات دراسية كبقية الجامعات لكن ليس هذا هو المطلوب . المطلوب هو أن يخرج علماء ودعاة إلى الله عز وجل فقد كان علماؤنا الأوائل يتخرجون من تحت الشجر ويتخرجون من المساجد فلا عيب أن تكون جامعة تدرس تحت هناجر لكنها بأمس الحاجة إلى أن يدعم طلابها كي يستمروا أن يدعموا بما يهيئ لهم الطعام والشراب كذلك المدرسون بما يسير لهم أن يعيشوا العيشة الكريمة فأدعوا نفسي وإخواني إلى التبرع لهذه الجامعة الطيبة المباركة . وأسأل الله عز وجل – أن يخلف على المنفقين خيراً وأن يبارك لهم في أموالهم وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم يوم القيامة .

.والحمد الله رب العالمين



[1] – مسند أحمد1/488

[2] – البخاري1/28

[3] – سنن الترمذي 3/122

[4] – البخاري 1/395

[5] – مسلم 2/187

[6] – البخاري 2/548

[7] – سنن النسائي  الكبرى 2/28

[8] – سنن أبي داود2/299

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق