(ولم يسجل التاريخ حادثة واحدة تفيد أن دين الإسلام وقف أمام العلم أو وقف أمام التعليم بل كان على مر العصور مشجعا ومهيئا الأجواء وأن يظهروا في هذه الميادين لأولئك المبدعين والمخترعين أن يبدعوا وأن يظهروا في هذه الميادين وأن يكون لهم قصب السبق في كل ميدان علمي وفي كل اكتشاف ) .
العناصر:
1- إقبال العام الدراسي الجديد 2- فضل العلم 3- ضرورة اهتمام الأمة الإسلامية بالعلم 4- الحضارة الإسلامية حضارة علم 5- أهمية اقتران العلم بالتربية 6- فضل العلماء والمعلمين 7- واجب الأمة تجاه العلماء والمعلمين .
أما بعد :
عباد الله :
فما أسرع انقضاء الأيام وما أسرع مرورها هذه الإجازة الصيفية قد انتهت ومضت أيامها وها هي المدارس والجامعات تفتح أبوابها وتستقبل أبناءنا الطلاب وآباءنا وزملاءنا المدرسين الذين يستقبلون عاما حافلا بالعلم والجد والمعرفة الكثيرة لا تظن أنها أيام قليلة مضت ولكن لو أتيت إلى الحقيقة لعلمت أن ربع السنة مضي استفاد منه من استفاد فتحصل على بعض العلوم فأخذ شيئا من القرآن الكريم أو حفظ طرفا من سنة النبي عليه الصلاة والسلام أو أخذ بعضا من الدورات العلمية التي تعينه في حياته وبعضهم ذهبت تلك الأيام هدرا وذهبت سدى سيسأل عنها بين يدي الله عز وجل فلن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع منها عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وهذه الأيام من العمر.
وأكثر طلابنا من هذا الصنف ومن هذه الطبقة أقول : استفاد من هذه الإجازة من استفاد وخسر فيها من خسر هذه الأيام ولت ولن تعود أبدا.
إن الحريص على عمره والحريص على وقته هو الذي يكون شحيحا في هذه الأوقات ويكون بخيلا بها أبخل ما يكون لأنه يوقن ويعلم أن هذه الأيام هي العمر ,وهي رأس المال.
فمن استثمر ذلك فيما يفيد فقد فاز وأفلح ومن استثمرها في غير ذلك فقد خسر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أيها الإخوة الفضلاء:
لاشك أن عاما مضى من الدراسة ظهرت نتائجه غير مشرفة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تدني التعليم .
ويدل كذلك على أن همم الطلاب هابطة وأن كثيرا منهم غير مبال بالعلم ولا بالتعليم وقد يدل كذلك على عدم تحمل بعض المدرسين للمسئولية التي أنيطت على كواهلهم، إن العالم اليوم ينادي بمنظماته ومؤسساته على ضرورة الأخذ بالعلم وعلى ضرورة مكافحة الفقر ومكافحة الجهل ومكافحة الأوبئة ومكافحة الإرهاب وما شاكل ذلك إنه ير أن السبيل إلى ذلك هو الأخذ بزمام العلم وحق له أن يقول ذلك لأن العلم هو الذي ينور البصائر وهو الذي ينير الدروب والطرق وهو الذي يحفظ الأفكار من الانحراف والانسياق وراء الشهوات إن الأخذ بالعلم بشقية أمر لازم وضرورة متحتمة .
العلم الشرعي إضافة إلى العلم الدنيوي الخادم للعلم الشرعي والخادم للحضارة الإنسانية لا بد من الأخذ بهما سواء .
إن ديننا الحنيف هو الدين الوحيد الذي يدعو إلى العلم ويدعو إلى الاكتشاف ويدعو إلى الاختراع ويدعو إلى الإبداع .
ولم يسجل التاريخ حادثة واحدة تفيد أن دين الإسلام وقف أمام العلم أو وقف أمام التعليم بل كان على مر العصور مشجعا ومهيئا الأجواء وأن يظهروا في هذه الميادين لأولئك المبدعين والمخترعين أن يبدعوا وأن يظهروا في هذه الميادين وأن يكون لهم قصب السبق في كل ميدان علمي وفي كل اكتشاف.
فلقد سجل التاريخ مئات من الاختراعات في عصر قوة هذه الأمة وفي عصر نهضتها سجل التاريخ مئات من الاختراعات التي سبق فيها علماء الإسلام علماء الغرب بل كانوا يفدون إلى بلاد المسلمين من أجل أن يتعلموا لكن أمتنا تقهقرت وتراجعت عن الأخذ بزمام المبادرة.
فأخذها غيرنا فطورها وأبدع فيها ولا يزال العالم الغربي إلى يومنا هذا ينهل من المعارف والعلوم والاختراعات والاكتشافات التي أبدع فيها علماؤنا في شتى المجالات سواء كان في ميدان الطب أو الهندسة أو الصيدلة أو الجراحة أو غيرها من العلوم الدقيقة والاختراعات والإبداعات التي أبدع فيها علماؤنا ولا مجال هنا لذكر أولئك العلماء الذين اكتشفوا ما أودع الله في هذه الطبيعة فضرب علماؤنا في كل ميدان بنصيب لكنه كما قلت تراجعت هذه الأمة ولم تنفق في ميادين البحث العلمي وأخذ الغرب بزمام المبادرة فطوروا هذه العلوم .
وما هذه الاكتشافات وهذه الاختراعات وهذا الإبداع حتى سمي هذا العصر بعصر ثورة العلوم وعصر ثورة التقانات والاكتشافات والاختراعات لكنه لم يزل يأخذ بتلك المبادئ التي سطرها علماؤنا الأقدمون ولا يمكن لهذه الأمة بل ولا لأي أمة من الأمم أن تتقدم أو تتطور أو تصير أمة ذات سيادة وذات قيادة ما لم تأخذ بزمام العلم .
العلم المقصود به هنا الذي يكون أخذاً للعلم في يد والإيمان في يد أخرى وإلا لما نفعت تلك العلوم .
فماذا أصنع بعالم أو بحضارة أخذت بالعلم وبلغت به مدى بعيد
لكنه مجتمع مادي لا ينظر إلا لذاته يريد أن يكسب المال من أي طريق حلالا كان أ و حراما ولا ينظر إلى فقير ولا إلى محتاج فماذا أصنع بمثل هذه الحضارة ماذا أصنع بمثل هذه الأمم التي ربما ترمي بآلاف الأطنان من المواد الغذائية إلى قاع المحيطات والبحار وهي ترى ملايين من البشر يموتون جوعا بحجة المحافظة على استقرار السعر ثم هي تنادي بمحاربة الفقر كيف يحارب الفقر في مجتمع متعلم هو يصنع مثل هذا، ماذا أصنع بمجتمع أخذ بالعلم لكنه صفر في الإيمان مجتمع إباحي أباح كل رذيلة فإذا بالأمراض تنتشر كيف يمكن لهذه المجتمع أن يكافح الأوبئة إذا كان هو المتسبب فيها ماذا أصنع بمجتمع متعلم لكنه يفسد الأرض ويفسد البيئة من حوله كل ذلك من أجل أن يلبي شهواته .
ماذا أصنع بمجتمع متعلم لكنه لا يستحي أن ينشر الأوبئة لتنتقل الأمراض.
كل ذلك من أجل أن يتحرك اقتصاده ومن أجل أن ينتج اللقاحات لتلك الأوبئة ولا يمكن أن يكون العلم بهذه المثابة مخرجا للشعوب ما لم يقترن بالإيمان.
أيها المؤمنون :
إن ديننا يدعو إلى العلم ويدعو لاستخراج خيرات هذه الطبيعة من أجل أن يستفيد منها المجتمع بأسره مسلمه وكافره .
ديننا يدعو للتعايش يدعو للسلم يدعو للاجتهاد في تحصيل العلم .
إن ديننا يرفع من شأن العالم ويرفع من شأن طالب العلم .
يقول الله عز وجل : ((فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)) سورة طه آية (114).
فما أمر من الاستزادة من شيء مثل الأمر بالاستزادة من العلم .
قال سبحانه : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )) سورة المجادلة آية (11).
ويقول صلى الله عليه وسلم : ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ))[1]
أيها الآباء أيتها الأمهات أيها الطلاب أيها المعلمون:
إن الواجب أن تكون حلقات العلم والتربية متواصلة يحرم أن يحدث الانفصام في هذه الجوانب ويحرم على البيت أن تنقطع عن المدرسة وعن متابعة الأبناء ومتابعة سلوكهم وتحصيلهم كما يحرم على المعلم أن لا يضطلع بالمسئولية التي تحملها و أن يستخف بالأمانة التي ألقيت عليه .
وهكذا إذا توصلت هذه الحلقات وربي الطالب في البيت على احترام المدرس وعلى احترام ا لمُدَرِّسة وعلى احترام المَدرَسَة والجامعة.
مهما حصل من المدرس أو المدرسة من القسوة على هذا الولد فإنه يجب أن يحمي جناب المعلم وأن تبقى هيبته وأن يبقى احترامه موجودا في نفس الآباء أو في نفس الطلاب إذا سقطت مكانة ومهابة المدرس فعلى العلم السلام .
إذا كان الأب أو الأم ربما يذهب إلى المدرسة لشكوى أتته من ابنه فيذهب إلى ذلك المدرس فيهينه أمام زملاءه وأمام الطلاب.
إن على العلم السلام إن على الولد السلام لا يمكن أن يستفيد الولد ولا يمكن أن ينهض العلم نعم ينبغي أن يكون هناك نصح وتناصح بين أولياء الأمور وبين المدرسين إن حدث منه قسوة ولكن لا يجوز أن تسقط مهابة أولئك المدرسين وأن على المدرس أن يضطلع بمسئوليته وهو مقدم على عام دراسي جديد عليه أن يعلم أن الله تعالى كرمه وشرفه و أن الله تعالى أعطاه ميراثا ما بعده ميراث إنه ميراث النبوة وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا ا لعلم فمن أ خذ به أ خذ بحظ وافر.
إن الأمة قد ألقت بفلذات أكبادها إلى هؤلاء إنه ليست هناك مسئولية أعظم من مسئولية الحفاظ على العقول والمحافظة على الأفكار وحفظها من أي فكر دخيل بحرفها عن الصراط المستقيم .
إن التربية مقدمة على العلم وعلى التعليم لكن في الآونة المتأخرة للأسف الشديد ذهبت التربية بعيدا وبالتالي ضعف العلم .
إن الأبناء لينظرون إلى المدرسين بأنهم قدوة في عقيدتهم وفي فكرهم وفي مظهرهم فإذا دخلت أيها ا لمدرس إلى غرفة التدريس وأغلقت بابك وابتعدت أعين مدير المدرسة عنك فأعلم أن الملائكة معك تسجل عنك كل شيء ولتعلم فوق هذا وقبله أن الله تعالى معك أو أن الله يراك إن هؤلاء ا لأبناء يرقبون فيك إذا وجد منك شيء من التناقض ما بين ما تلقيه وما بين ما تعيشه فعيب عليك أن تكون في هذا التناقض.
يجب عليك أن تكون قدوة وقدوتك في هذا رسولك صلى الله عليه وسلم ذلك المعلم الأول الذي نجح في هذا الباب كما يقول مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِى الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ. فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّى سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبِأَبِي هُوَ وَ أمي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي قَالَ: (( إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شيء مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ))[2]
وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ مَا دَرَيْتُ شَيْئًا قَطُّ وَافَقَهُ ، وَلاَ شَيْئًا قَطُّ خَالَفَهُ رِضَاءً مِنَ اللهِ تَعَالَى بِمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ لَتَقُولُ: لَوْ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا مَا لَكَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟
يَقُولُ : دَعُوهُ ، فَإِنَّهُ لا يَكُونُ إِلَّا مَا أَرَادَ اللهُ ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أنْ تُنْتَهَكَ لِلَّهِ حُرْمَةٌ ، فَإِذَا انْتُهِكَتْ للَّهِ حُرْمَةٌ ، كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ غَضَبًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَا عُرِضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ قَطُّ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِيهِ سَخَطٌ ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِيهِ سَخَطٌ كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ))[3]
هكذا كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا كآباء وكمدرسين قدوة الناس أجمعين قال الله تعالى:(( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) سورة الأحزاب آية (6).
أيها الأخوة الفضلاء:
أن واجب الآباء كما أسلفت أن يربوا أبناءهم على احترام المدرس وعلى احترام المدرسة وعلى احترام أثاث المدرسة وممتلكات المدرسة على احترام هذه الصروح العلمية على أنها أماكن لها قدسيتها ولها احترامها فبها يتعلمون العلم وتتربى الأجيال وهي منطلق الحضارات وهي مقر صناعة المدرسين والمربين هي محط أنظار الشعوب كلها.
إن الأمم غير أمة الإسلام ترقب مخرجات التعليم في هذه الأمة لكن لا يمكن أن تكون هذه الأمة مؤثرة في غيرها ما لم تأخذ بزمام العلوم التي صارت ضرورة في هذه الحياة.
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد والرشاد أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين وبعد:
أيها المؤمنون إن مما يجب على الآباء والأمهات أن يحثوا أبناءهم على تحصيل العلوم وأن يعينوهم على تحصيلها وأن يقوموا بشئونهم التي تشغلهم عن طلب العلم وإن لنا في سلفا الصالح أسوة وقدوة :
الإمام مالك من الذي لا يعرف ا لإمام مالك من المسلمين ؟
مالك بن أنس إمام دار الهجرة صاحب ذلك المذهب الذي ذاع صيته وانتشر في الآفاق هذا الرجل الذي كان أمة السبب العظيم بعد الله تعالى بلوغه درجة الإمامة .
أمه كانت تهيئه وتقول يا نبي اذهب إلى مجالس ربيعة بن عبد الرحمن الشهير بربيعة الرأي وخذ منه الأدب قبل العلم وكانت حركاتهم وسكناتهم كلها تربية وكلها علم حتى لقد كان الإمام مالك يقول : والله إني كنت أترفق في فتح الصفحة حتى لا يسمع الشيخ صوتها احتراما وإجلالا له وما رآني شيخي يوما أشرب أمامه الماء إجلالا له.
أين نحن اليوم من هذا الطراز من طلاب العلم ومن المتعلمين هنالك من الأبناء من يهين مدرسه ومن يضرب مدرسه ومن يلعن مدرسه وربما كان هذا اقتداء بأبيه أو أمه الذين حين ذكر له ذلك المدرس فعل وفعل سبه ولعنه وربما أخذ بيد ولده فذهب إلى المدرس خاصة إذا كان في مدرسة أهلية فسب ذلك المدرس وأهانه أما هيئة التدريس لا يمكن أن ينتفع الطالب ولا يمكن أن ينتفع المجتمع إذا كان بمثل هذه الوضعية .
اليوم كثير من أبناءنا يتسللون عن التعليم ويهربون بل ربما كان الآباء هم المشجعون على أن ينفر ويهرب الأبناء من المدرسة بحجة أن الوضع قاتم وأن الاقتصاد مدمر وأن على الأبناء واجب في أن يعنوا الآباء وأمهاتهم على لقمة العيش.
لكن الأولين كان عندهم شظف من العيش وكانوا يعيشون في مثل وضعنا بل أشد وكان الآباء والأمهات هم الذين يعنون الأبناء على تحصيل العلوم.
سفيان الثوري -رحمة الله تعالى عليه – :
أحد الأئمة المبرزين وأحد العلماء الكبار في هذه الأمة أوشك ِأن يترك التعليم لأن أ باه توفي فرأى أن عليه مسئولية في أن يتكسب ويعين أمه وإخوانه فقالت له أمه تلك المرأة التي تنظر إلى المستقبل نظرة ثاقبة يابني اطلب العلم وأنا أعينك بمغزلي وفعلا كانت تخرج وتغزل وتبيع وابنها يطلب العلم حتى صار إماما وحتى صار الناس يتوافدون إليه من جميع الآفاق.
اليوم ربما الأب أو الأم آخر عهدهم بالمدرسة وآخر عهدهم بتعليم ابنهم أن سجلوه هذا أن ذهب بنفسه واختار المدرسة التي تليق بولده كي يسجله لكن لو سأل كثير من الناس أنفسهم كم زرنا مدير المدرسة وكم مرة تعرفنا على طاقم التدريس .
وكم مرة تفقدنا أحوال أنباءنا إن المدارس تحوي على آلاف الطلاب وفيها أصناف وألوان من الطلاب هذا مؤدب في قمة الأخلاق وهذا في غاية من سوء الخلق والأولاد يختلطون بهذا وذلك ولا شك أن الصاحب ساحب .
وكم من الآباء والأمهات من يزور هذه المدارس ومن يتعرف على الأبناء ومن ينظر في تحصيل الأبناء ومن يعين هؤلاء الأبناء على تحصيلهم وعلى دراستهم ربما بعض الأمهات تستنكف أن تضع كأسا من الشاي أو القهوة لهذا ا لولد كونه يذاكر درسه أو يحل واجباته بل تقول له : اذهب فاصنع بنفسك .
لا بد أن يكون هناك تعاون إذا أردنا لأمتنا أن تنهض وما يدريك لعل سببا من أسباب نهضة هذه الأمة يخرج من بين يديك ويخرج من أسرتك.
إن من أخطر ما تواجهه قلاع التعليم ومنابع المعرفة أولئك الذين تسللوا إليها من المنافقون والمندسين من أصحاب الأفكار الهدامة الذين ليس لهم هم إلا أن ينشروا كيف يقتدي أبناؤنا بالغرب في انحلاله وانحطاطه ورذيلته كيف ينشرون موالاة الغرب كيف ينشرون الغش في التعليم وفي اختبارات الطلاب.
ولقد سمع كثير منكم أن التعليم الثانوي والأساسي الناجحون فيه في العام المنصرم 35% فقط وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على أن التعليم قد قتل يوم انفصمت حلقاته ويوم لم يقم كل إنسان بالمسئولية التي كلف بها.
إن واجب الأمة أمام هؤلاء المدرسين إكرامهم واحترامهم ونشر فضائلهم وإنزالهم المنزلة التي تليق بهم وإعطائهم من المرتب ما يكفيهم ويكف أنفسهم من أجل أن يتفرغوا لعملية التعليم .
لكن أمة لا تحترم معلمها ولا تحترم علمائها أمة لا تستحق التقدير ولا تستحق أن تكون قائدة للأمم.
أيها الأبناء الطلاب:
إن بعضكم ربما يشعر بالحزن لأنه غدا سيذهب إلى المدرسة أو إلى الجامعة.
لماذا تحزن؟
ربما يحزن لثقل المادة وربما يحزن لسوء المعاملة التي يجدها ربما يحزن لأشياء أخرى .
لكنه إذا نظر في الجانب الآخر لو نظر إلى الغرب ربما ظن أن حياة الغرب رقص وغناء وموسيقى وزنا وفجور وما شابه ذلك .
هذا النوع والنمط من الحياة إنما هو نمط شريحة من الناس في تلك البلاد ولكنك إذا نظرت إلى ما حولك في مسجدك أو في بيتك أو في شارعك وجدت أن كل شيء مأخوذ من بلاد الغرب هذا مصنوع في أوربا وهذا مصنوع في أمريكا وهذا مصنوع في الصين وهذا مصنوع في روسيا وهلم جر.
وقليل قليل تلك الصناعات التي ربما تصنع ليست صناعة كلية وإنما يعاد صناعتها أو تحول صناعتها في بلدك ذلك لأننا نشعر بالحزن إذا ذهبنا إلى مدارسنا لأننا نشعر بالحزن إذا ذهبنا إلى جامعاتنا لأننا نشعر بالحزن حين نذهب لتحصيل للعلم .
ولا تظن أن الغرب حياته كلها هكذا الغرب اليوم مسيطر ومهيمن على الدول برمتها لأنه أخذ بزمام العلم ولا يمكن لهذه الأمة أن يعود لها مجدها وحضارتها ما لم تأخذ بزمام العلم .
أيها الأبناء الطلاب :
تعلمون جميعا أن اليابان دمرت بالقنابل الذرية وإلى يومنا هذا لا تزال تعاني من تلك القنابل الذرية التي ألقتها أمريكا على هيروشيما ونجازاكي وغيرها ومع هذا تعلمون أن التعليم في اليابان لا تنفق عليه اليابان مليما واحدا التعليم كله على أولياء الأمور يدفعون كل ما يحتاج إليه الطالب في المدارس وفي الجامعات ومع هذا فإن ذلك البلد الذي دمر في وقت ما صار ينافس الغرب وصارت بضاعته من أرقى البضاعات وصار في مقدم الركب وصار مؤثرا في الحياة لأنه أخذ بزمام العلم حتى صار الناس يتفاخرون إذا ملكوا شيئا مصنوعا في اليابان لماذا ؟
لأن هؤلاء الناس تقدموا وأخذوا زمام ا لأمور والتقنيات فوصلوا إلى مرتبة عالية وسوف تستمرون لا شك في هذا الميدان.
أيها الأبناء :
إياكم أن تشعروا بالحزن حين تذهبون إلى مدارسكم وإلى جامعاتكم بل ارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى المستقبل البعيد .
نسأل الله عز وجل أن يكون منكم بانيا للحضارة الإسلامية المرتقبة اللهم أنفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما يا رب العالمين .
[1] – مسلم 4/2074
[2] – مسلم 2/70
[3] – المعجم الكبير للطبراني 2/243
اضافة تعليق