تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

دروس وعبر من هجرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم .

فإن لله تعالى –  سنناً في هذا الكون هذه السنن لا تتحول ولا تتبدل وهذه السنن ينبغي على المسلم أن يأخذ منها الدلائل والعبر لأنها توصل إلى الخير…

خطبة بعنوان : دروس وعبر من هجرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم .

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

فإن لله تعالى –  سنناً في هذا الكون هذه السنن لا تتحول ولا تتبدل وهذه السنن ينبغي على المسلم أن يأخذ منها الدلائل والعبر لأنها توصل إلى الخير ولأنها حياة مجربة من سار في نفس الدرب والسبيل والطريق وصل إلى نفس النتيجة ونحن في بداية عام هجري جديد ينبغي على المسلم ألا يسير على وتيرة واحدة في حياته لأنه مما لا شك فيه أن الطرق والوسائل والأساليب التي قد جربت وتوصل إلى نتائج فاشلة لا يمكن بحال من الأحوال أن توصل إلى نتائج إيجابية ولابد في حياة المؤمن أن تكون له بدائل في حياته فليس ثمة شيء له طريق واحد إلا جنة الله تعالى – ورضوانه أما بقية الأعمال فينبغي للمسلم في حياته قبل أن يقدم على أي عمل أن يوجد البدائل لأنه إذا وصل إلى طريق مسدود في هذا السبيل وجب عليه أن ينطلق إلى سبيل آخر لعل بغيته تكون في هذا السبيل وبالتالي فإن المسلم قد جرب في حياته أموراً هذه الأمور لا شك أنه جرب فيها أن هذا السبيل لا يوصله إلى نتائج إيجابية وبالتالي فمن العقل أن يتجنب هذا السبيل مرة أخري ولا يطرق هذا الباب مرة أخرى وعليه أن يفتش ويسأل أهل التجربة والخبرة عن الوسائل التي توصل إلى هذه النتيجة على سبيل المثال لو أن تاجراً أو صاحب معمل جرب عاملاً في أمر ما فوجد أنه فاشل ووجد أنه لا يثمر فليس من العقل أن يبقيه في هذا المكان نعم قد يحوله إلى عمل آخر لعله يبدع لأن هذا العمل ليس مما يهواه فينقله إلى قسم آخر أو إلى وظيفة أخرى ليجرب حتى لا يخسره ويخسر أهله هذا المصدر من مصادر الرزق فإن وجده قد أبدع إذاً فقد سلك الطريق الصحيح وإلا فينظر في وسيلة ثالثة وإلا فبعد ذلك يمكن له أن يستغني عنه ومن الخبل وسوء التوفيق أن ينظر في شخص ناجح منتج أمين ثم يذهب من أجل أن ينقله إلى مكان آخر ويأتي بشخص لا يعرف العمل فيبتدئ من الصفر ويذهب هذا الإنسان إلى مكان آخر يبتدئ فيه أيضاً من الصفر وهكذا ليس هذا من العقل نحن في حياتنا – أيها المسلمون – أجدر وأحق بأن نخطط لحياتنا وأن نقدم البدائل والوسائل والأساليب لنكون ناجحين في حياتنا في طاعاتنا في تربية أبنائنا في سلوكنا في كل أمر من الأمور يجب علينا أن نسير على هذا المنوال ومن هنا فإن لنا في سيرة رسولنا – صلى الله عليه وآله وسلم – الأسوة الحسنة كما قال الله تعالى – ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) سورة الأحزاب آية  (21)

عادة الخطباء والوعاظ على رأس كل سنة هجرية يتحدثون عن هجرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لكن من الخطأ أن يفهم الناس في بداية هذا محرم حدثت الهجرة هذا من الغلط لم يهاجر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في بداية شهر محرم إنما هاجر في ربيع الأول بل المحققون منهم على أنه هاجر في 12 عشر من ربيع الأول كيوم ميلاده – صلى الله عليه وآله وسلم – ومن الخطأ أن يفهم الناس أن هجرته – صلى الله عليه وآله وسلم – في شهر محرم هذا من الغلط ومن الخلط والخبط ومن أيضاً عدم تفهيم الخطباء والوعاظ للناس في هذه المسألة من المسائل لكن الناس اعتادوا على هذا ولسائل أن يسأل إذاً فلم يؤرخ الناس بالهجري ؟ ولم ابتدأت السنة في شهر الله المحرم ؟ السبب في هذا أن بداية العام الهجري هو شهر الله المحرم ولأن الزمان كما تحثنا في الأسبوع في زمنه – صلى الله عليه وآله وسلم – استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وذكر الأشهر وبدايتها محرم وانتهاؤها في ذي الحجة فالسنة الهجرية تبتدئ من المحرم وعمر – رضي الله عنه هو أول من أرخ بالتاريخ الهجري والسبب في هذا أن السنة القمرية لم تكن منضبطة قبل هذا وانشغال أبي بكر – رضي الله عنه – في كثير من الفتن والحوادث منعته وأذهلته عن أن يكون هو أول من بدأ بهذا الأمر فيسر الله الأمر لعمر – رضي الله عنه – هذا هو السبب فحسب وإلا فهجرته – صلى الله عليه وآله وسلم  إنما كانت في شهر ربيع الأول .

إخوتنا في الله :

لا شك أن هجرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إنها مدرسة لصناعة الأمل والحياة لهذه الأمة إذا أرادت هذه الأمة أن تتعلم فن صناعة الحياة وصناعة الأمل فلتقرأ سيرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إنه – صلى الله عليه وآله وسلم – مكث في مكة 13 عشر عاماً يدعو الناس إلى توحيد الله – تعالى – ما أراد منهم جزاءً ولا شكوراً رفض المنصب الذي عرضوه عليه ورفض الجاه ورفض المال ورفض النساء رفض كل العروض التي عرضت عليه رفض أنصاف الحلول رفض ديمقراطية قريش أعبد إلهانا سنة وتعبد إلهك سنة أخرى ما هكذا دين الله – تعالى – وما لهذا بعثه الله ؟ قالوا له : إذاً نملكك علينا ما لهذا بعثت ؟ إذاً نجمع لك من المال حتى تصير أغنانا ما للمال بعثت ؟ إن كان بك جنون عالجناك ما بي جنون إن أردت أجمل نساء العرب زوجناك إياها ما لها بعثت ؟ فليس هذا هو هدف دعوتي – صلى الله عليه وآله وسلم – 13 عشر عاماً وهو يجرب هذا الطريق ويطرقه هنا وهناك ليس بقبيلة واحدة وليس في مجال واحد تعرض للناس في أسواق عكاظ وغيرها من الأسواق تعرض لهم في مواسم الحج خرج إلى الطائف يبحث عن القبائل وأصحاب الجاه وأصحاب النفوذ لعل منهم أن يحميه لعل منهم من يحميه لعل من ينصره وهو يقول – صلى الله عليه وآله وسلم  : من ينصرني حتى أبلغ دعوة ربي لاقى ما لاقاه من الأذى والتعذيب والحصار والتجويع والتشويه والسب والاحتقار من هؤلاء القوم الذين صارت قلوبهم أشد من الحجارة قسوة ومع هذا أوجد البدائل – صلى الله عليه وآله وسلم – في حياته من أجل أن تتغير هذه الحياة من أجل أن يصل إلى الهدف المنشود إنه – صلى الله عليه وآله وسلم – يجرب هذا وذاك ومع هذا فهو مؤيد بالوحي من الله- جل وعلا – لكنها مدرسة لصناعة الحياة والأمل في هذه الأمة لو شاء الله لقال له : ليس هذا مقامك وليست هذه البلدة التي تنصرك إنه – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو في موسم من مواسم الحج هو وأبو بكر – رضي الله تعالى عنه – يسيران في ظلمة الليل فإذا بهما يسمعان كلاماً من رجال فاستمعا لهذا الصوت فوصلا إلى القوم وإذا بهم 6 نفر من شباب المدينة النبوية من شباب يثرب آنذاك كانت تسمى بيثرب فيقول – صلى الله عليه وآله وسلم – ويقول هؤلاء الشباب يتحدث ويصغون يناقش ويناقشون حتى يسلم هؤلاء الشباب ويشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كانت دعوة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لهؤلاء إنما يريد منهم أن يقيهم من عذاب الله – تعالى – وسخطه وأن ينقذهم من الكفر والضلال لم يكن – صلى الله عليه وآله وسلم – يتأمل بهؤلاء القوم أن تنبلج منهم أول شرارة لنصرة دين الله – تعالى – لم يكن يظن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أن نور الفجر سينشق من ظلمة لم يكن – صلى الله عليه وآله وسلم – من هذه بداية منعطف لحياة أخرى في حياته – صلى الله عليه وآله وسلم – يسلم الشباب وينطلقون إلى المدينة فيسلم بإسلامهم خلق كثير كان من هؤلاء ستة ربما لا يحمل الواحد منهم إلا السيف فقط ليس بيده دبابة ولا مدفع ولا صاروخ ولا شيء من هذا سيف وربما يكون هذا السيف غير حاد المهم أن هذه النقطة من حياة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – علمتنا أنه ينبغي أن يكون لنا لدينا أمل في نصرة الله – تعالى – أمل في تنزل نصر الله – تعالى – أمل في الفرج بعد الكرب أمل في العزة بعد الذلة أمل في النصر بعد الهزيمة أمل في التجمع بعد الفرقة يذهب هؤلاء فيسلم بإسلامهم خلق كثير ثم يقول : جابر جئنا إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فأسلمنا ونصرناه وطلب منا ما طلب ومن ثم حينما أسلم من أسلم من أهل المدينة قال بعضهم لبعض وقد اجتمعوا : يا عباد الله ليس صحيحاً أن نترك نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – يطوف بالشعاب والجبال مطارداً من هؤلاء القوم يجب علينا أن نستجلبه إلى المدينة ويجب علينا أن نحيط به وننصره فبعثوا له 70 شخصاً يبايعون النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فلما وصلوا إليه – صلى الله عليه وآله وسلم – قالوا : علام نبايعك يا رسول الله ؟ قال : تبايعوني على أن تنصروني مما تنصرون منه أنفسكم وأموالكم وأهاليكم تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكره تبايعوني على أن تنفقوا في السراء والضراء قالوا : بلى بايعناك على هذا فتكون فترة وزمن لظهور نور الله – تعالى – نور الفرج نور الفسحة نور الضياء نور نشر دين الله – تعالى – في الآفاق ويرجع هؤلاء القوم ويترقبون مقدم رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ويبدأ – صلى الله عليه وآله وسلم – في التخطيط للهجرة ولكن قريشاً تحس بهذا الأمر فتريد أن تعرقله تريد أن تطفأ هذا النور الذي ما تقبلته أعينهم وما تقبلته قلوبهم يحيطون ليلة بمنزل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – كما يحيط السوار بالمعصم من كل مكان ليترقبوا متى ينام محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ليهجموا عليه ويقتلوه  قال تعالى : ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ  ))

سورة الأنفال آية (30) إما أن يحبس وإما أن يسفر ويهجر وإما أن يقتل ويراق دمه ويتوزع بين القبائل فلا تستطيع قبيلته أن تثار له ونظر برلمانهم فقالوا : أما الحبس فيوشك أن يصل إليه أصحابه فيخرجونه منه وأما التسفير والتهجير فيوشك أن يكون جماعة له ومن ثم يأتي إلينا فاتحاً وداعية إذاً ما الحل قال لهم الشيطان : الحل هو أن تقتلوه أن يؤخذ من كل قبيلة منكم شاب سيفاً مصلتاً فيضربونه ضربة رجل واحد فتتوزع دماءه بين القبائل هذا هو الحل وبالفعل طبق هذا القرار الصادر في بلاد الغرب ويطبق في قلب الأرض وفي قلب جزيرة العرب فيحيطون به من كل حدب وصوب يترقبون نومه فيضربونه ضربة رجل واحد ولكن الله – تعالى – كان لهم بالمرصاد ولكن الله – تعالى – حفظ نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم – وحفظ دينه فبينما هم يتأهبون لهذا إذ يخرج – صلى الله عليه وآله وسلم – رافعً هامته شامخاً معتزاً بالله – تعالى – واثقاً بالله – تعالى – واثقاً بنصر الله – تعالى .

وثانية : يأتينا درس من دروس هجرته – صلى الله عليه وآله وسلم –  وهو أن النور لنصرة هذا الدين قد يكون في ظلمة ليل بهيم يخرج من بين القوم وهم شاهرون للسيوف ويتلو قول الله – عز وجل – ((وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ  )) سورة يس آية (9)

بل يأخذ قبضة من التراب فيذرها على رؤوسهم وينفثها في عيونهم يقول لهم : ما ظفرت إلا بالتراب كناية عن ذلتهم وعن احتقار خطتهم وأنهم لم ينجحوا لم يعودوا م بهذه الخطة التي أحكموها إلا بهذا التراب الذي فوق رؤوسهم وفي أعينهم فما بقي رجل منهم إلا وأدخل الله – تعالى – في عينيه من هذا التراب ويمضي – صلى الله عليه وآله وسلم – وقد خطط وجهز يمشي – صلى الله عليه وآله وسلم – ليصعد على جبل ثور ويلتحق به صاحبه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – فتنقطع حذاء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ويتألم من المشي – صلى الله عليه وآله وسلم – في هذا الجمل الوعر فيحمله أبو بكر – رضي الله عنه – حتى يصل إلى الغار ويمكث ثلاثة أيام مع صاحبه في الغار وهذه خطة في غاية من الدهاء والذكاء لأن قريشاً حينما شعرت بأن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – خرج من بين أيديهم ولم يظفروا به فاتجهت يميناً وشمالاً ورصدت الجوائز الكبيرة لمن يأتي بهما أحياءً أو أمواتاً فانطلق القوم هنا وهناك حتى إذا ابتعدت الطرق بهؤلاء الناس الذين انطلقوا بخيولهم وأتى مجموعة منهم حتى وقفوا على باب غار ثور ويهمس أبو بكر بأذن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –  قائلاً : (( … لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال ( ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما))[1]

إنها الثقة بنصر الله تعالى – والله ما وثق عبد بالله تعالى – حق الثقة فخيب ظنه ما وثق عبد بالله حق الثقة في أي أمر من الأمور وخيب الله- تعالى- ظنه لكن الخلل فينا الخلل في أمتنا في قلوبنا المريضة التي ركنت إلى الدنيا ولذاتها فانعدم عندها الشعور والثقة بنصر الله – تعالى – فيرجع القوم خاسئين ذليلين وأما ما يذكر في هذا من أن العنكبوت نسجت على باب الغار وأن الغراب جاء فصاح فهذا من عمل الكذابين والواضعين والدجالين لم يثبت من هذا شيء ثم ينطلق – صلى الله عليه وآله وسلم – هذه نقطة ثانية في تعليمنا كيف نصنع الحياة ؟ وكيف نصنع الأمل في أنفسنا وفي إخواننا وفي أسرنا وفي أمتنا ؟ ينطلق النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – نحو المدينة يسلك طريقاً غير مأهول ما سلكها أحد من الناس ويمشي – صلى الله عليه وآله وسلم – في هذا الطريق ليس لهم مؤنس من البشر أبداً وليس ثمة شخص يسلك هذا السبيل ولما قاربا ساحل البحر إذا بسراقة بن مالك بن جعشم يصل ويرى سراب محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وصاحبه أبي بكر – رضي الله عنه – فتنبلج أسارير وجهه فرحاً سيفوز وسينال الجائزة التي رصدتها قريش لمن يأتي بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وصاحبه رضي الله عنه – حياً أو ميتاً وإن كانت قريش أصدق بكثير من الدول والحكومات اليوم أعني حكومات الكفر والضلال بل حتى حكومات المسلمين حكومة قريش لو أتى سراقة بن مالك بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وبصاحبه لوفت له بالجائزة ويأتي ويسرع والنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ثابتاً لم تهتز له شعره ويلتفت أبو بكر – رضي الله عنه – إلى الوراء فقلت : أتينا يا رسول الله فقال ( لا تحزن إن الله معنا ) . فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها – أرى – في جلد من الأرض – شك زهير – فقال إني أراكما قد دعوتما علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد عنكما الطلب فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا فجعل لا يلقى أحدا إلا قال كفيتكم ما هنا فلا يلقى أحدا إلا رده قال ووفى لنا))[2]

فبعد أن كان طالباً للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – رجع مدافعاً عنه – صلى الله عليه وآله وسلم – ويكون هذا عبرة ودرس آخر أيضاً : أن النصر قد يكون مع الخوف أن المنحة قد تكون مع المحنة رب محنة في طيها منحة للعبد فكم من محنة تنزل على العبد يكون وراءها فرج من الله – تعالى – على العبد موت جوع فقر كم من هذه الحوادث أرجعت كثيراً من الناس إلى الله وإلى عبادة الله – تعالى – وذكرتهم بالله – تعالى – حوادث كثيرة إن هذه الحوادث تبعث فينا الأمل – أيها الإخوة الفضلاء – ويمشي النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – والصحابة – رضي الله عنهم – في المدينة ينتظرونه ويترقبون وصوله يقفون من بداية النهار إلى آخر الليل ثم يعودون ما وصل حتى ذات ليلة أطالوا البقاء ورجعوا إلى بيوتهم وأغلقوا أبوابهم ولم يصل – صلى الله عليه وآله وسلم – فجاء يهودي فصعد على سفح جبل وأطل فرأى بريق وجه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وصاحبه فما تمالك أن صرخ يا معشر العرب هذا نبيكم قد أطل عليكم فخرج الناس لاستقباله وكان كما أخبر أنس – رضي الله عنه – يوماً بهيجاً قال : لم أشهد يوماً مثله في حياتي في مدينة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم . هذه أربعة مواقف تعلمنا كيف نصنع الحياة ؟ وتعلمنا كيف نصنع الأمل ؟ وتعلمنا كيف نغير الأساليب والخطط في حياتنا ؟ وما سلك عبد هذا الطريق إلا ووجد خيراً فلنا في رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أسوة حسنة وفي هجرته – صلى الله عليه وآله وسلم – الأسوة الحسنة أسأل الله عز وجل – أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى

وبعد :

أيها الإخوة الفضلاء :

لا شك أننا وأمتنا نمر في أيام عصيبة للغاية في وقت تكالب علينا الأعداء من كل حدب وصوب وهذه من أكبر المحن التي تصاب بها الأمم تصاب أمتنا في هذه الآونة المتأخرة بغطرسة من الداخل والخارج بظلم وضياع للحقوق وإهدار للدماء وبيع للأوطان والمقدسات ها أنت ترى العراق وهي تنزف دماً ها أنت ترى في كل يوم شهداء يسقطون في فلسطين ها أنت ترى ما يدور في أفغانستان من الظلم والغطرسة العالمية الصليبية ها أنت ترى ما يحدث في الصومال من قتل بين القبائل ها أنت ترى من تدخل وشؤم وما يحصل من قلاقل في السودان ها أنت ترى مظاهرات تخرج هنا وهناك في مصر في اليمن في غيرها من البلاد هذا يعاني من الظلم وذاك يعاني من الفقر وذاك يعاني من الغلاء وهذا يعاني من الجوع في وقت تحتضن أمتنا عتاولة الكفر وعباد الصليب بالأحضان في وقت نرقص معهم بالسيوف في وقت نرقص على جراحاتنا وآلامنا ونضحك على أنفسنا وذقوننا في وقت أمتنا بأمس الحاجة إلى أن يعطف عليها من قبل هؤلاء الحكام والزعماء والميسرين ها أنت ترى أعراض تباع هنا وهناك يومياً ها أنت ترى المحن تتوالى على هذه الأمة ولكن- أيها الإخوة الفضلاء – إن الأمل في الله – سبحانه وتعالى – ما يدريك لعلك تنام في ليلة ظلماء فتصبح الصبح على نور الفرج من الله – تعالى .

إن 6 نفر غيروا مجرى الحياة ربما يكون مثلهم أو أقل منهم من يغيروا مجرى الحياة في هذه الأمة لقد ارتدت القبائل بعد موت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حتى ظن الناس أن الإسلام قد انمحى وزال فهيأ الله – تعالى – أبا بكر- رضي الله عنه – فحارب المرتدين حتى عادت الأمور إلى نصابها في زمن عثمان – رضي الله عنه – ادلهمت الفتن على الأمة حتى قيل إن هذا الباب لا يمكن أن ينسد فانسد الباب وقمع الله – تعالى – الفتن وعادت المياه إلى مجاريها وفي زمن التتار استحلت بغداد وأريقت الدماء وانتهكت الأعراض وسلبت الأموال حتى ظن الناس ألا تقوم للإسلام قائمة بعدها فأعز الله المسلمين في عين جالوت توالى النصارى على بلاد المسلمين حتى ساحت ركب خيولهم من دماء المسلمين فظن الناس ألا تقوم للإسلام قائمة حتى قيض الله – تعالى – صلاح الدين الأيوبي فأعاد للأئمة مجدها وسيادتها ونظر الناس بسمة المسجد الأقصى من جديد هكذا أيضاً توالى الأعداء من قبل الروافض حتى اقتحموا بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية وعاثوا فيها فساداً وأتى الفاطميون واستولوا على مصر وتمالئوا مع الروافض وهم فرقة منهم حتى ظن الناس أنه لا قائمة للإسلام فقامت قائمة الإسلام من جديد واليوم ضعفاء الإيمان يظنون أنه لن تستغني هذه الأمة يظنون أن هذه الآلام لن ترتفع عن هذه الأمة هذا ضعف هذا خور هذا عدم ثقة بالله – تعالى – يظنون أن أمريكا وأوروبا لن يرتفعوا من بلاد الإسلام هذا ضعف وجبن كذلك . لا إن هذه محن وفتن تعلمنا وتمحص ديننا وتمحصنا لنعود إلى الله – سبحانه وتعالى – قال تعالى – ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ  )) سورة النور آية (55)

وصدق رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ففي الحديث ((تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها يقول الرجل لو جئت بها بالأمس لقبلتها فأما اليوم فلا حاجة لي بها))[3]

سيأتي هذا الزمان لكن البلاء موكل بالمنطق وإنما هي أعمالنا ظلمنا أنفسنا وغيرنا سبيلنا ونهجنا فغير الله – تعالى – حياتنا (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) سورة الأنفال آية (53) وقال – تعالى : ((وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً  ))

سورة نوح آية (16)

وقال – سبحانه : ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) سورة الأعراف آية  (96)

يقولون : البلاء موكل بالمنطق يتكلم الناس غلاء ارتفع صحيح هنالك للدولة وللحكومة يد في هذا الأمر لكن البلاء موكل بالمنطق والذنوب ذنوبنا الأمة تتوالى عليها الكروب من كل مكان بسببنا وبسبب ظلمنا وعصياننا لله – عز وجل – علينا أن نرجع إلى الله ونقوي الثقة بالله أن نقوي الأمل بالله – تعالى – وسيأتي الفرج بأذن الله تعالى – سيأتي من قعر المحنة منحة وسيأتي من ظلمة الليل نور الصباح وسيأتي من كل ضيق مخرجاً وسيأتي بعد الهزيمة نصراً وبعد الذل عزا إذا وثقنا بالله – تعالى – ووعد الله ووعد رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم  – بالعز والتمكين أكثر من أن يحصر هذه بعض الدروس والدلائل والعبر من هجرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أسأل الله – تعالى – أن يجعلها نوراً ونبراساً نستضئ به في حياتنا .

والحمد لله رب العالمين .

 


[1] – البخاري 3/1337

[2] – البخاري 3/1323

[3] – البخاري 2/512

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق