الخطبة مسموعة : [audio:3014.mp3]
عام هجري ينقضي ويبتدئ عام آخر وتأتي ذكرى غالية على نفوس المسلمين بل هي نقطة فارقة ومحطة فارقة في حياة المسلمين…
صناعة الأمل من الهجرة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
عام هجري ينقضي ويبتدئ عام آخر وتأتي ذكرى غالية على نفوس المسلمين بل هي نقطة فارقة ومحطة فارقة في حياة المسلمين إنها هجرة – رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – من مكة إلى المدينة إنها هجرة غيرت مجريات الحياة هاجر فيها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وهاجر الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – من أجل أن يغيروا الحياة ويغيروا البيئة التي كانت تحيط بها من كل مكان تأتي هذه المناسبات والثورات ثورات الربيع العربي قائمة ولا تزال تتحرك تنشد التغيير هذه الذكرى – ذكرى هجرة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – من مكة إلى المدينة فيها من الدروس والعبر والدلائل الشيء الكثير لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عاش – صلى الله عليه وآله وسلم – 13 عشر عاماً في ظل الكبت والقهر والاستبداد والطغيان من قبل قريش وأزلامها ونظامها الحاقد على دين الله – تعالى – والحاقد على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- والحاقد على المؤمنين الذين رفضوا حياة قريش بما فيها من الخنا والربا والفساد والشر المستطير فأنزلت فيهم شر البلاء والعذاب والنكال ابتداءً من رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وانتهاءً بأصحابه – رضي الله عنهم – خاصة أولئك الذين لم يكن لهم يد تحميهم ولم يكن لهم وجاهه تؤازرهم وتناصرهم كأمثال بلال – رضي الله عنه – الذي ضرب أروع الأمثلة في التصدي لذلك الطغيان والتعذيب فما استطاعت قريش أن تثنيه عن تغيير حياته من حياة الكفر والذل والاستعباد للبشر إلى الحرية المطلقة حرية التدين والتعبد أن يصير الإنسان عبداً لله- تعالى – فذلك هو الغاية والمنتهى من مطلب الإنسان أن يتحرر من عبودية الإنسان إلى عبودية الله تعالى – لم تستطع قريش بطغيانها واستبدادها أن تثني أولئك الضعفاء الذين هم أتباع الرسل أن تثنيهم عن تغيير حياتهم وعن اختيار مستقبلهم لأنهم عرفوا الحق الذي جاء به محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – إذا تذكرنا الهجرة تذكرنا طغيان قريش واستبدادها واستيلاءها على المال واستعلاءها على الناس خاصة من تلك النخبة التي جعلت نفسها هي السيدة ومادون ذلك من الناس وهم عبيد لأولئك الأسياد . إذا تذكرنا الهجرة تذكرنا إعلام قريش الذي كان يضلل على الناس والذي كان يتتبع محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – حيثما حل يحذرون الناس ويحذرون القبائل في الأسواق وفي المنتديات يكذبون رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقولون عنه : ساحر ومجنون ويقولون عنه إنما يعلمه بشر يقولون عنه إنما يريد السلطة يقولون عنه ويقولون عنه حتى تزعم ذلك الإعلام الفاسد المضلل أقرب الناس إلى رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – من أبناء جلدته ومن أقرب الناس إليه كان إذا تحدث رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – تحدث بعده ذلك وقال : لا تصدقوه هذا ضال منحرف صابئ خرج عن مبدأ القوم وخرج عن ملة قومه وخرج عن دين أسياده ولم يكتب الله تعالى النجاح لدعوته في مكة واستمر العذاب فيخرج – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى الطائف عله أن يجد مخرجاً هناك لعله يجد من يحميه فيخرج إلى الطائف فيواجهه أهل الطائف بأشد مما لاقاه في مكة يرسلون إليه الصبيان والمجانين يرمونه بالحجارة حتى تدمى عقبه – صلى الله عليه وآله وسلم- فيرجع هائماً على وجه – صلى الله عليه وآله وسلم – يهاجر المسلمون الهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة ثم يعودون بعد أن سمعوا خبراً لم يكن صادقاً من أن النبي – صلى الله عليه ,آله وسلم – قد هاجر إلى المدينة ويشتد البلاء 13 عاماً والنبي –صلى الله عليه وآله وسلم – يدعو الناس إلى قضية واحدة لو تحققت في الناس لتحقق العدل ولارتفع الظلم ولوجدت المساواة ولما وجدت إنساناً يطغى ويصير نفسه ربأً يعبد من دون الله يشرع ويقنن للناس ما يحبه هواه إنها لا إله إلا الله 13 سنة وهو يدعو إلى توحيد الله تعالى – إلى تحقيق هذه الحقيقة إلى تحقيق العبودية لله تعالى – إلى إقامة الدين لو أقيم الدين في الناس لما وجدت مثل هذه الحركات ولما وجدت ثورات ولما وجدت إلا كل تعاون وكل حب وكل وئام بين الناس لكن لما نحيت شريعة الله تعالى – وجد الطغيان ووجد الاستئثار ووجد حب الهوى وما شاكل ذلك ظلم الدنيا كلها على المسلمين وهم في مكة وهم قلة وبينما هو نائم في ذات ليلة – صلى الله عليه وآله وسلم – يرى رؤيا ورؤيا الأنبياء حق يرى أن المخرج وأن مكان التغيير وأن المكان الذي سيستقبله والذي سيكون له عوناً في تغيير هذا الكون كله إنها بلدة ذات نخل بين لابتين إنها طيبة مدينة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- فيبدأ المسلمون بالهجرة ويحاول أبو بكر – رضي الله عنه – أن يلحق بالركب ليهاجر غير أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يأتيه وكان يأتي إلى بيت أبي بكر – رضي الله عنه – كل يوم ذلك الصديق الصادق الصديق حبيب رسول الله – صلى الله عليه وله وسلم – كان يأتيه كل يوم وهذا إن دل على شيء إنما يدل على توطد المحبة والثقة فيما بين رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وأبي بكر – رضي الله عنه- في ذلك اليوم أتاهم في وقت لم يكن معتاداً أن يأتيهم فيه جاءه في حر الظهيرة وقد تلثم – صلى الله عليه وآله وسلم – من شدة الحر فيقرع باب أبي بكر – رضي الله عنه – فيدخله فيقول : يا أبا بكر أخرج من عندك فيقول : إنما هم أهلك يا رسول الله تفضل قال : لقد أذن الله تعالى – لي بالهجرة فقال أبو بكر إذاً أنا صاحبك قال : نعم أنت صاحبي ويوفر أبو بكر – رصي الله عنه – راحلتين واشترط النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يدفع ثمنها هكذا تنصر القضايا هكذا ينفق الإنسان ماله من أجل نصرة الحق دفع المال من جيبه حتى لا يمن عليه أحد إطلاقاً ويأتي جبريل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في ذلك اليوم ويقول له : لا تنم على فراشك هذه الليلة ما السبب ؟ السبب أن مهجر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وأصحابه يقض مضجع قريش هذه التي يمكن أن يطلق عليه اليوم بالمعارضة في الخارج خروج الصحابة إلى خارج المدينة مشكلة عويصة يجن جنونها فتدعو برلمانها الغير شرعي للانعقاد ينعقد لماذا ؟ للنظر في هذه القضية المهمة المسلمون هاجروا يوشكوا أن يشكلوا لنا مشكلة في الخارج يأتوا لنا بجيش عرمرم من الخارج فينعقد البرلمان ويأتي معهم مندوب عن الخارج ليشهد هذه الجلسة التاريخية لبرلمان قريش ليكون مستشاراً على أقل الأحوال ينظر كيف تدور الأمور فيبدءون التداول ماذا نفعل بهذا الرجل الذي فارق دينه ؟ الذي يريد أن يغير مجريات الحياة في مكة بل في العالم كله ماذا نفعل له ؟ فيقوم أحد الأعضاء فيقول : أرى أن يسجن بسلاسل الحديد حتى يموت فتموت دعوته معه هذا أمر معروف في الدول الطاغية أنها تسجن معارضيها قال إبليس : هذا أمر غير صحيح يوشك أن يخلص إليه أتباعه فيفكوه من سجنه وتحصل المشكلة قال آخر : أنا أرى أن يسفر خارج البلد قالوا : هذه مشكلة أعظم نحن الآن نشكو من هجرة أصحابه كيف إذا هاجر هو فقال أبو جهل أما أنا فأرى أن نأخذ من كل قبلة رجلاً فيضربوه بالسيف ضربة رج لواحد فيتفرق دمه بين القبائل ولذلك أنزل الله تعالى ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )) سورة الأنفال آية (30)
13 عاماً من المعاناة عاناها المسلمون في مكة لكن مع هذا لم يبت النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – امتثالاً لأمر ربه الذي جاء به جبريل – عليه السلام – فيأتي إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ويطلب منه أن ينام على فراشه هذه الأمانات هذه لفلان وهذه لفلان ردها إليهم وترك له بردته الحضرمية ليتغطى بها كفار قريش ليس في قلوبهم رحمة بل أنهم خرجوا عن طور الإنسانية وصاروا وحوشاً أجسامهم أجسام أناس لكن قلوبهم قلوب وحوش ماذا تتصورون من إنسان يقتل أخاه في دينه ووطنه وفي عقيدته أهذا إنسان ؟ هذا حرج عن طور الإنسانية فكيف إذا كان يقتل نبياً من الأنبياء لكن الله تعالى – كان لهم بالمرصاد أفسد مخططاتهم ويخيب آمالهم وظنونهم يخرج النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وشباب قريش على صفين شاهرين سيوفهم يخرج من بينهم فلا يرونه ((وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ )) سورة يس آية (10)
يأخذ – صلى الله عليه وآله وسلم – تراباً من الأرض يمر على كل أحد فيضع حفنة من التراب على رأسه وهم ينظرون من شق الباب كل واحد منهم ينتظر أن يكون الدور له في أن يتشرف فيما يزعمون بقتل رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- يصبح الصبح فيخرج علياً – رضي الله عنه – فيخيب ظنهم وتفشل مخططاتهم فيعودون إلى قريش قائلين : ليس ثمة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – فيجن جنون قريش وهنا يأتي دور الأنتربول الطرق كلها مؤصدة مغلقة على كل طريق منها جواسيس وأمن وما شاكل ذلك من وجد محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – أو أبا بكر – رضي الله عنه- يأتي به حياً أو ميتاً فله مائة ناقة مليون دولار لكل من يأتي به حياً أو ميتاً هذا هو دور الأنتربول في الوقت الحاضر طرق مكة كلها مليئة بالعيون والجواسيس ولكن محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – وصاحبه قد مشوا وقد أنجاهم الله تعالى – إن قريشاً تعلم أن الخطة هي المدينة إلى يثرب في ذلك الوقت فترسل الناس إلى تلك الجهات لكن عبقرية المخطط – صلى الله عليه وآله وسلم – يتجه جنوباً إلى اليمن إلى غار ثور حيث لا يمكن أن تتوقع قريش أنه يذهب إلى هناك إنها خطط حكيمة منه – صلى الله عليه وآله وسلم –كيف لا ؟ والعناية الربانية معه – صلى الله عليه وآله وسلم – إنها دروس وعبر – أيها الإخوة _ فيدخل أبو بكر – رضي الله عنه – ابتداءً فيسد الثقوب بثوبه ويبقى ثقبان يغطيهما برجليه – رضي الله عنه – ثم يأذن للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في الدخول فيدخل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فينام في حجر أبي بكر – رضي الله عنه – فيلدغ أبو بكر – رضي الله عنه- بأصبعه فيصبر ولا يتحرك كي لا يوقظ محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – ذلك هو المحب الحقيقي لكن دمعة عينه تغلبه – رضي الله عنه – فتسقط الدمعة على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فيقوم ويقول : مالك يا أبا بكر ؟ قال : لدغت يا رسول الله فيرقيه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فيشفيه الله عز وجل – تأتي الجموع إلى عند باب الغار ثم يخاف أبو بكر- رضي الله عنه – كما في الحديث عن أبي بكر رضي الله عنه قال : قلت للنبي- صلى الله عليه وسلم – وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال ( ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما))[1] التوكل على الله تعالى – ويمكث – صلى الله عليه وآله وسلم – ثلاثة أيام في الغار من أجل أن تخمد قضية المطاردة وكان – صلى الله عليه وآله وسلم – قد استأجر رجلاً أميناً وإن كان كافراً وهذا فيه مسألة جواز الاستعانة بالكافر إذا كان أميناً ناصحاً هو عبد الله بن أرقط المشهور في كتب السيرة بعبد الله بن أريقط يستأجره – صلى الله عليه وآله وسلم – وقد وضع عنده الراحلتان ويأتيه بعد ثلاثة أيام إلى غار ثور فيأتيه كذلك ثم لما أتاه انطلق بهم على طريق الساحل فيمر ببني مدلج فيأتي رجل إلى سراقه بن مالك يقول له : لقد رأيت سواداً بالساحل أظن أنه محمد وصاحبه فسراقه بن مالك أراد أن يستأثر بالجائزة فقال : لا ذلك فلان وفلان فينكث قليلاً ثم يعود إلى بيته ويأخذ سيفه وراحلته ثم ينطلق يتابع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فيصل على مدىً يصل إليه يسمع قراءة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن ثم يلتفت أبو بكر – رضي الله عنه – وراءه فيقول : يا رسول الله هذا سراقه بن مالك وراءنا فيرفع يديه ويقول : اللهم أكفناه بما شئت وكيف شئت فتسبخ قوائم فرسه في الأرض فيسقط من على راحته مرتين وفي الثالثة يطلب الأمان حتى يرجع بعد ذلك مدافعاً عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لما قال له : اكتب لي كتاباً فكتب له كتاباً إذ أنه يلبس سواري كسرى ويتوج بتاجه وهذا طبعاً أمر من أمور الغيب فيقول له : عمي عنا فكلما وجد أناساً يطلبون من هذا لطريق يقول لهم : ارجعوا فقد كفيتكم لا يوجد أحد في هذا الطريق فسبحان مقلب القلوب الذي إذا شاء قلبها ما بين لمحة البصر فبينما هو متجبر متكبر متغطرس إذا به يصير ذليلاً بين ما كان يطلب القتل إذا به يصير مدافعاً عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يمر على خيمة أم معبد فيقول : هل لديكم من طعام قالت : والله ما عندنا شيء ها أنت ترى أنه لا مطر وها أنت ترى لا عشب ولا شيء عندنا فيرى شاة هزيلة مربوطة خارج الخيمة فيقول – صلى الله عليه وآله وسلم – ما بال هذه الشاة ها هنا قالت : صارت عاجزة عن السير مع أخواتها قال : هل تسمحين أن أحلبها ؟ قالت : إن كان بها حليب فأحلبها ما بها شيء أصلاً فيمسح – صلى الله عليه وآله وسلم – على ضرعها ويدعو الله تعالى – فيدر الحليب فيشرب – صلى الله عليه وآله وسلم – ويشرب صاحبه – رضي الله عنه – ويشرب مرافقه وتشرب أم معبد ويبقى من الحليب حتى جاء أبو معبد فيقول من أين لك هذا الحليب يا أم معبد ؟ قالت : مر علينا رجل مبارك وكان من أمره ما كان حتى وصل – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى طيبة حيث كان منطلق التغيير لهذا العالم بأسره ولا يزال هذا التغيير يسري إلى يومنا هذا فالإسلام وصل إلى أقصى شمال الكرة الأرضية وإلى أقصى جنوبها وإلى أقصى شرقها وغربها فالإسلام اليوم هو السائد وإن كان أعداؤه يحاولون أن يطفئوا نور الله – تعالى – لكنهم لا يمكن أن يستطيعوا ذلك إطلاقاً .
أيها الإخوة :
إن في هجرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – درساً عظيماً من دروس ومن طرق وأساليب تغيير الحياة وتغيير الأفكار والمعتقدات وفيها من دروس التخطيط ودروس التوكل على الله – تعالى – لا تركن على أن فلاناً سيغير حياتك لا تركن أن منظمة من المنظمات سيكون لها دور في التغيير لا تركن إلى أي جهة من الجهات إنما الذي يريد أن يغير يغير بنفسه كما قال تعالى – ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) سورة الأنفال آية (53
أنت وحدك من يغير نفسك أنت وجدك من تغير أسرتك أنت وحدك أيها المعلم من تغير أفكار ووجهات نظر طلابك أنت القادر على التغيير بالحجة والبرهان بأذن الله – تعالى – ذلك البيت المبارك الذي كان متواجداً في هجرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- لم تذكر بيت غيره إنها بيت أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – أبو بكر – رضي الله عنه – يهاجر مع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أبو بكر – رضي الله عنه – ينفق كل ماله في هجرته مع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أسماء وعائشة – رضي الله عنهما – تصنعان الطعام أسماء تأخذ الطعام من البيت إلى الغار عبد الله بن أبي بكر – رضي الله عنهما – في النهار مع الناس يتسمع الأخبار ماذا تخطط قريش وفي الليل يأتي إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فيبلغه الخبر من أجل أن يكون التخطيط وفق ذلك عامر بن فهيرة راعي الغنم هو الذي يأتي بالغنم يمشي بها من بيت أبي بكر صباحاً من أجل أن تطمس آثار عبد الله بن أبي بكر – رضي الله عنهما – هذا البيت بيت مبارك وذلك حقدت عليه بعض الفئات حقدت عليه الرافضة الخبيثة ولا تزال بحقدها وحنقها على هذا لرجل الذي كان عوناً للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
أقول قولي هذا وأستغفر الله .
الخطبة الثانية :
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد :
أيها الإخوة :
تأتي مناسبة هجرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في هذا العام كما أسلفت في ظل ثورات الربيع العربي هذه الثورات هي ثورات بكل المقاييس والسبب في هذا أن الثورة معناها التغيير الجذري للحياة سواء كان من الناحية الاقتصادية أو الإعلامية أو السياسية أو التعليمية فالفساد في البلاد العربية قد طال كثيراً من هذه المناحي وبالتالي أرادت هذه الشعوب أن تغير منحياتها وجاء هذا التغيير تغييراً سلمياً لأن هذا هو الطريق الصحيح ليس طريق الحروب والاحتراب والقتال فالدماء المسلمة كلها محرمة وقد غادرنا عام هجري ماضي وغادر الحياة السياسية أيضاً كير من الناس من الرؤساء والوزراء وقبل يومين وقعت مبادرة الخليج العربي لإخراج اليمن من محنتها وهذا هو محرج من الاحتراب والاقتتال في هذا البلد المبارك نسأل الله تعالى أن يكون ذلك داخلاً في قول النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ((أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم))[2]
والحياة ستتغير بأذن الله تعالى – شيئاً فشيئاً فالدماء التي تراق والتي تهدر والجرح في أولئك الناس لا شك أن هذا أمر محرم يستنكره الجميع ومن المشاكل التي وجدت في داخل البلد مؤخراً محاصرة مجموعة من طلبة العلم في دماج حاصرهم الحوثيون بطريقة في الحقيقة طائفية لا يرضيها أحد من أبناء هذا البلد بحال من الأحوال فليس هنالك أي مبرر لهذه المحاصرة وإننا نناشد السلطة القادمة أن تعمل جاهدة على فك ذلك الحصار الظالم حتى أنهم منعوا عنهم وصول الإغاثات إليهم . من الدروس والعير التي نستفيدها من هجرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أن طريق النصر والتمكين يكمن في الصبر واليقين بنصر الله تعالى – فلابد من الصبر واليقين أن الله تعالى – سيغير بالتالي يتم التغيير . من الدروس أيضاً التوكل على الله كما أسلفنا فلا ركون إلى أي منظمة من المنظمات لا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا جامعة الدول العربية ولا ولا التغيير بيد الله تعالى – إن شاء الله تعالى غير فهو- سبحانه وتعالى – إذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون ما كان أحد يتوقع أن يحدث مثل هذا التغيير لكن إرادة الله تعالى شاءت ذلك . من الدروس أيضاً أن التخطيط لازم في التغيير فالتغيير لا يأتي بعشوائية وإنما لابد أن يكون وفق تخطيط دقيق هذا نأخذه من تخطيط النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أيضاً الإخلاص في القضايا أمر مهم لكن الإنسان مطمعه أو مأربه شخصياً فإذا تشخصنت هذه القضايا لا يمكن أن تنجح أبداً فأبو بكر – رضي الله عنه – ما كان يفكر بمطمع شخصي وإنما كان مقصده نصرة الدين ونصرة المستضعفين ونشر هذه الدعوة وبذلك تحقق ذلك كله بل إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم – جاءته قريش فقالوا له : إننا سننصرك لكن اجعل الأمر لنا من بعدك فكان مطلبهم دنيوياً فقال: لا الأمر لله يضعه حيث يشاء ففساد النيات يؤدي إلى الاختلال في الأمر ويؤدي إلى عدم نجاح أي تغيير منشود . أيضاً من هذه الدروس أنه إذا انعدم الخلاف والشقاق فإنه يحصل التغيير بسرعة وإذا وجد الخلاف والشقاق بين الناس فإن التغيير يتأثر ولا يمكن أن يتحقق في مثل هذه الظروف . نسأل الله تعالى – أن يجعل هذا العام الجديد فاتحة خير على هذا البلد خاصة وعلى بلاد المسلمين عامة ونسأله تعالى أن يؤلف بين قلوب اليمنيين وأن يجنبهم الاحتراب والاقتتال إنه ولي ذلك والقادر عليه . والحمد لله رب العالمين




اضافة تعليق