إن أناس من أبناء هذه الأمة ممن يتكلم بألسنتنا وممن يدعي أنه يدين بدين الإسلام من ينسلخ ويغير جلده في اليوم مرات وإن من النصارى من يدخل في دين الله تعالى – يعني عشرات الآلاف من الناس أسبوعياً يدخلون في دين الله – عز وجل –…
خطبة بعنوان : صناعة الأمل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
معاشر المسلمين :
تدركون ما تمر به أمتنا من المحن المتوالية من تكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب وتآمر الأعداء من أجل أن يطفئوا نور الله – تعالى – ومن أجل القضاء على البقية الباقية التي لا يزال مغروساً في قلبها الإباء وحب الدين والغيرة على الأرض والأوطان والمقدسات تآمر الأعداء على من لا يزال في قلبه شيء من الإيمان مطاردة الصالحين والمصلحين في كل مكان الذين لم يرتضوا بحياة الدون وأن تعيش أمتهم في ذلة ومهانة تعلمون حنق الأعداء على هذه الأمة وعلى خيراتها وعلى انتشار دعوتها في كل عصر وفي كل قطر وما ازداد الأعداء تضييقاً على هذا الدين إلا وكثر انتشاره ولقد نفذ الأعداء ما بوسعهم من المخططات وباؤا بالفشل هذا كله يذكرنا بمبعث نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – وبما لاقاه وعاناه في الفترة المكية بالذات فلقد بعث الله محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – منقذاً للبشرية وما كان من أقرب الناس إليه إلا أن وقفوا حجر عثرة أمام دعوته وتمالئوا عليه وكذبوه ولم يقبلوا ما جاء به من العدالة ومن التوحيد ورفض الظلم رفضوا ذلك كله لأنهم يعلمون أن عيشتهم سوف تنقلب وسوف تتغير وليس المقصود من هذا الانقلاب والتغير أنه لا يتغير إلى الأحسن أو أنهم سيفقدون شيئاً من ما كان في أيديهم بالعكس بل إن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قد نبأهم بأنهم إذا أخذوا بهذا الدين دانت لهم الأمم جميعاً فصار لهم السبق في الدخول في هذا الدين ولكن الله تعالى – قدر مقادير تجري وفق قضاء الله – تعالى – وقدره وكان – صلى الله عليه وآله وسلم – أتباعه الأوائل الذين أسسوا لهذا الدين وأسسوا لهذه الأمة هم من الضعفاء وهم من المحتقرين والمنبوذين وهم من المساكين الذين ليس بأيديهم قوة يستطيعون بها أن يغيروا من مجريات الحياة ولاقى هؤلاء الناس من العبيد والضعفة ألواناً وأصنافاً من العذاب وبالرغم من هذا لم يرتد أحدهم سخطه على دينه بل زادهم هذا العذاب إيماناً وثباتاً وأعطاهم دفعة وشحنة للاستمرار إلى الأمام بحمل هذا الدين وحمل هذه الدعوة وتحمل أعبائها دفعة قوية إلى الأمام وينطلق النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – للبحث عن رؤوس القوم لعل الله – تعالى – أن يهديهم فيهتدي بهدايتهم أقوامهم فكان – صلى الله – عليه وآله وسلم – يتعرض للقبائل لا من أجل أن يتنازل لهم ولا من أجل أن يستجدي منهم أمراً من أمور الدنيا وإنما كان يثير في قلوبهم النخوة والرجولة والعروبة والقبيلة لعلهم يمنعونه ويمكنونه من أن يدعو إلى ربه – سبحانه وتعالى – فكم تعرض للقبائل في أسواق عكاظ وذي المجنة وكم سافر – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى هنا وهناك انتهى به المطاف إلى الطائف فرجع – صلى الله عليه وآله وسلم – وقد رماه المجانين والأطفال بالحجارة حتى أدموا عقبه – صلى الله عليه وآله وسلم – ورجع ولم يجد من يحميه ليبلغ رسالة ربه – سبحانه وتعالى – فرق بين صورتين صورة يسير في خطها – صلى الله عليه وآله وسلم – جواراً والجوار مشروع في الإسلام هذا الجوار ليس فيه تنازل عن الثوابت وعن الدين وإنما حماية ليبلغ دين الله تعالى – وصورة أخرى في غاية من الخنوع والذل والمهانة من أولئك الذين ركنوا إلى المادية المحضة ونسوا قدرة الله – تعالى – وعظمة الله – تعالى – في أن النصر بيدها ظن هؤلاء القوم أن النصر لا يمكن أن يأتي لهم إلا من خلال أولئك الظالمين الذين نهانا الله تعالى عن الركون إليهم فقال – تعالى : ((وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ )) سورة هود آية(113)
فرق بين صورتين صورة موقنة بنصر الله – تعالى – صورة تؤمن بمبادئ العمل بالأسباب الشرعية وأخرى تركت عظمة الله – تعالى – ونسيت قدرة الله – تعالى – ولهثت وراء المادية من قبل الأعداء تستجدي منهم النصر لا أنها تطلب العزة والتمكين أصحاب النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لاقوا ألوان وأصناف العذاب ولكن مع هذا ما زادهم ذلك إلا صلابة وفي حديث عائشة – رضي الله عنها – عن ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته
: أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال : لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ))[1]
في ظل هذه الظروف التي يعانيها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من جهة وأصحابه – رضي الله عنهم – من جهة أخرى ظلم وحيف وجور لم يجد من ينجده ولم يجد من البشرية من يجيره ومن ينصره ولم يجد من يحميه ليبلغ رسالة ربه – عز وجل – في هذه الظلمات المتتالية ينبلج بصيص من نور ما كان أحد يظن أن هذا النور وأن هذا الأمل الذي يتأمله النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – سيكون بداية لتحول مجريات التاريخ في دعوة الإسلام في ليلة من ليالي منى يجتمع العرب في منى بقصد الحج يسمع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وصاحبه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يسمعون كلام مجموعة من الناس ارتفعت أصواتهم وهم في منى فيميلون إليهم وهؤلاء على دين آبائهم ويقيمون شعائر الحج على غير ملة إبراهيم – عليه السلام – فيميل إليهم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وصاحبه – رضي الله عنه- فيتحدثون إليهم فيسمعون حتى شرح الله صدر هؤلاء الستة للإسلام ولم يكن قصد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من هذا سوى هدايتهم ودعوتهم إلى الإسلام كأي أناس يلتقي بهم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وهذه نقطة في جدول النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – اليومية أسلم هؤلاء القوم ثم رجعوا إلى المدينة بعد أن أخذوا ما أخذوا من النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من القرآن فإذا بهم دعاة ورسل إلى أسرهم وقبائلهم فيسلم بإسلامهم خلال ذلك العام جمع كثر من الناس حتى أجمع المسلمون فقالوا : إلى متى نترك النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يطارد في شعاب مكة لابد أن نعمل عملاً ومن هنا يصنع الأمل لدين الله – تعالى – يصنع الأمل للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ولأصحابه الكرام – رضي الله عنهم – من خلال أولئك الستة النفر الذين ما كان أحد منهم أنهم سيكونون بداية نقطة تحول في مجريات دعوة الله – تعالى – فيبعثون 70 رجلاً ممن أسلم ليوافوا النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في موسم الحج من العام القادم ويصل الخبر إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ويلتقون به عند جمرة العقبة الجمرة الكبرى يتوافدون عليه في ظلمات الليل فرادى واثنين اثنين وثلاثة ثلاثة حتى يجتمع السبعون فيقولون : يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال: تبايعوني على أن تقولوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – على أن تنفقوا في السراء والضراء على أن تسمعوا وتطيعوا في المنشط والمكره على أن تقولوا الحق لا تخافون في الله لومه لائم على أن تنصروني إذا أتيت إليكم وتمنعوني مما تمنعون أنفسكم وأهليكم فقالوا : تبايعك على هذا ثم انطلقوا بعد ذلك إلى المدينة ورسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لم يكن قد أذن له بأن يهاجر وما كان يعلم – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى أين سوف يأذن الله له أن يخرج لأن مكة وهي أحب البقاع إلى قلبه ضيق عليه أهلها ولاقى منهم ألوان وأصناف البلاء والعذاب من تكذيب بل حاولوا قتله – صلى الله عليه وآله وسلم – من ها هنا نتعلم- أيها الإخوة الفضلاء – في مثل هذه الظروف والأزمان التي تجعل قلب المؤمن حيران وهذه الظلمات التي تتوالى على المسلمين من كل حدب وصوب وهذا الظلم والحيف من الداخل والخارج على المسلمين تعلمهم كيف يصنعون في قلوبهم الأمل ليسيروا سيراً حثيثاً نحو العزة والكرامة ونحو التمكين بأن الله تعالى فكانت هذه أول خطوة في صناعة الأمل في حياة المسلمين الأوائل الذين ارتضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد – صلى الله عليه وآله وسلم – نبياً ورسولاً ويصنع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – الأمل مرة أخرى حين اجتمعت عليه قريش من أجل أن تقتله وتطفأ نور الله تعالى وجمعوا مجموعة من الفتيان وأعطوا كل واحد منهم سيفاً مصلتاً من أجل أن يهجموا على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ويقتلوه من أجل أن يتفرق دمه بين القبائل فلا تستطيع قبيلته أن تثأر له ومع هذا ينبلج النور من الظلمات حين يخرج النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وقلبه ممتلئ بالأمل يخرج – صلى الله عليه وآله وسلم – ويمشي بيم هؤلاء الناس ويحثو في وجوههم التراب وهو يتلو قول الله – تعالى : ((وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ))
سورة يس آية (9)
بثبات وإيمان بنصر الله – تعالى – وبموعود الله تعالى- ومرة أخرى يصنع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حين يخرج إلى غار ثور الوعر الذي لا يبلغ قمته إلا في غاية من التعب وفي غاية من الإرهاق ويمكث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وصاحبه – رضي الله عنه – يأتي المشركون إلى فوهة الغار حتى يقول : أبو بكر – رضي الله عنه – كما في الحديث عن أبي بكر رضي الله عنه قال:قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما))[2]
من هنا يصنع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – الأمل لأن النبي – الله – تعالى – وعده بالنصر والتمكين لكن هذا النصر وهذا التمكين لا يمكن أن يجنيه وأن يحصده المسلمون بغير تبعات وبغير دماء وبغير تضييق إن الذين يريدون نصراً من دون تعب ومن دون مشقة إن هؤلاء يخبطون خبط عشواء وإنهم يحلمون فلم يكن هذا لأحد من أنبياء الله تعالى ورسله – عليهم الصلاة والسلام – سبيل العزة والتمكين طريق شاق مفروش بالأشواك لابد من أن يكون في الطريق إلى هذه الغاية أحداث وأحداث وإن نصر الله تعالى لا يمكن أن يتخلف عن هذه الأمة أبداً إذا عملت بالأسباب التي توصلها إلى النصر وإلى التمكين ومن هنا يصنع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – الأمل ويعلمنا كيف نصنع الأمل في أنفسنا لا سبيل لليأس في حياة المؤمنين لابد أن يكون بعد الكرب فرجاً ولابد أن يكون بعد الضيق فسحة بأذن الله – تعالى – لكن علينا أن نعمل بالأسباب علينا أن نسعى جاهدين في إصلاح أنفسنا في تبليغ دعوة ربنا – سبحانه وتعالى – بشتى الوسائل المتاحة وهاهم المسلمون الغيورون على دينهم يستعملون اليوم وسائل متعددة في نشر دين الله – تعالى – والتعريف بالله – تعالى – تارة يجعلون ذلك عبر الكلام وعبر الحوار وتارة عبر السلوك والأخلاق بل تارة أخرى إذا اضطروا إلى هذا أن يكون ذلك عن طريق المواجهة لأعداء الله – تعالى – وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله ويخرج النبي – صلى الله عليه وآله وسلم مع صاحبه من الغار ويعلمنا – صلى الله عليه وآله وسلم – درساً آخر في كيفية صناعة الأمل في قلوبنا وفي قلوب هذه الأمة التي ارتضت بهذا لدين يخرج – صلى الله عليه وآله وسلم – ويسلك طريقاً وعراً وغير مأهول وترصد قريش مائة من البعير لمن أتى بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حياً أو ميتاً هذا يشبه اليوم – أيها الإخوة – بما يشبه الأنتربول العالمي الذي يعنى بمطاردة المشبوهين والمجرمين والمطلوبين وهذه طريقة معروفة منذ الزمن القديم ليس أمراً جديداً ولكن تتنوع وتتجدد الأساليب فقط وإلا فإن هؤلاء الناس قد بذلوا أموالاً أعني الكفار أموالاً للنجاشي من أجل أن يرد إليهم المسلمون فأبى لأنه أخبر عنه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بأنه لا يظلم عنده أحد واليوم ترصد ملايين الدولارات من أجل القبض على فلان أو علان من المسلمين ومن الدعاة ومن المفكرين ومن الذين لا يرتضون الدون والمهانة لكن هؤلاء القوم سيبوؤون بالخيبة والفشل باءت قريش بالتراب في وجوه فرسانها حينما خرج النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من بين أيديهم يلحق سراقة بن مالك بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ويراه فلما قرب منه إذا بأقدام فرسه تسيخ في الأرض فيبعثها فتبعث ثم ينطلق مرة أخرى فإذا قرب منهم ساخت مرة أخرى وإذا بها تنطلق مرة أخرى فترى الغبار كالدخان ينتشر في السماء ومرة ثالثة كذلك فينظر سراقة إلى هذا الغبار العجيب الذي ينطلق وينبعث من يدي فرسه ثم بعد أن كان مهاجماً وبعد أن كان طالباً إذا به يطلب الأمان من النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – والنبي –صلى الله عليه وآله وسلم – لا يلتفت إليه ولم تتحرك منه شعره نعم أبو بكر كان يذكر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بأن شخصاً ما يطاردنا فيذكره النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بالأمل وبالموعود الذي وعده الله – تعالى – إياه ما ظنك باثنين الله ثالثهما فإذا بسراقة بن مالك يقول للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أطلب منك الأمان قال : على أن تعمي عنا أي لا تخبر أحداً عنا قال : ومالي قال : تلبس سواري كسرى وفعلاً تحقق موعود النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فرجع سراقة وكلما وجد شخصاً قادماً يقول له : ارجعوا فقد كفيتكم ليس ثمة محمد ولا أحد من أصحابه ومن هنا يصنع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – الأمل مرة أخرى في نفسه ويعلمنا كيف نصنع الأمل وكيف نولد الأمل والنور من رحم الظلام والضوائق والشدائد أمتنا – أيها الإخوة – مهما عانت فإنها لن تباد بأذن الله – تعالى – ولن ينطفئ دين الله عز وجل –
ولا يأس في قلوبنا في أي مجال ن مجالات الحياة لابد أن يجعل الله – تعالى – لك مسلم فرجاً ومخرجاً وإن مع العسر يسرا ولابد أن يغلب عسر يسرين فإن نصر الله – تعالى – قريب لهذه الأمة بأذن الله – عز وجل – وما يدرينا لعل هذه الآلام التي تعانيها هذه الأمة إنما هي آلام مخاض يوشك أن يتمخض عن هذه الآلام عن آمال طويلة عريضة التي تتمناها هذه الأمة والتي ترجوها هذه الأمة لكن هذا الأمل يحتاج إلى صناع وإلى رجال من أجل أن يصنعوا الأمل في القلوب ومن أجل أن يثبتوا الأمل في القلوب .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد :
لقد ضاقت مكة بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فجاءه الفرج من عند الله – تعالى – وأبدله بالمدينة وكانت هذه البلدة من أحب البقاع إلى قلب النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وهيأ الله تعالى – هذه المدينة لاستقبال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم – تلكأت القبائل وتراجع الزعماء وأصحاب النفوذ وأصحاب المال وأصحاب القوة والمنعة ولم ينصروا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ولم يجيروه وجاء إليه الفرج من الله – تعالى – بواسطة أولئك الستة النفر الذين كانوا في البداية من جملة المشركين ثم قذف الله – تعالى – الإيمان في قلوبهم تتكالب الأعداء على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في سائر الغزوات ومنها غزوة الخندق ويأتيه الفرج من الله – تعالى – بعد أن بلغت القلوب الحناجر كما وصفها الله – عز وجل – في فترات بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – تتوالى الفتن على المسلمين من كل حدب وصوب خاصة بعد مقتل عثمان – رضي الله عنه – وتهيج الفتن في أوساط المسلمين حتى عادت المياه بعد ذلك إلى مجاريها وبلغت الفتوحات إلى قلب أوروبا ثم تأتي هجمات أخرى على المسلمين يأتي التتار فيقتلوا في بغداد قرابة مليون مسلم ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين ثم تعود المياه إلى مجاريها ويصنع الأمل ويأتي نصر الله – تعالى – ويكسر أعداء الله – تعالى – في معركة عين جالوت يأتي الصليبيون ويعيثون في الأرض فساداً حتى إن بغالهم تمشي بين دماء المسلمين إلى الركب فيبعث الله – تعالى – صلاح الدين ويبعث الأمل في قلب هذه الأمة مرة أخرى يأتي الروافض البويهيون فيستلون على بغداد ويعيثون في الأرض الفساد والعبيديون على مصر ويعيثون في الأرض فساداً فترة من الزمن وتعود المياه إلى مجراها مرة أخرى ويعود الأمل وهكذا أمتنا اليوم تعاني من ضوائق عدة فلسطين والصومال والسودان وأفغانستان في كثير من البلاد الإسلامية ضوائق في الداخل من خلال الظلم والجور الحاصل في بلاد المسلمين من أبناء جلدتهم تضييق في كل أمر من الأمور لكن لن يطول الليل سوف نجد بأذن الله – تعالى – بصيص نور وسوف يخلق الله عز وجل – رجالاً يصنعون الأمل لهذه الأمة وما يدرينا لعل منكم من يكون من صناع هذا الأمل بأذن الله – تعالى – المهم أن يكون الإنسان عنده همة عالية وأن يكون في جدوله اليومي كيف يصنع هذا الأمل هل كان يظن صلاح الدين أنه سيكون له هذا الذكر ؟ وهل كان قطز يظن أنه سيكون له هذا الذكر ؟ وهل كان يظن فلان من الناس كالشافعي والإمام أحمد ومالك أن يكون له الدور في هذه الأمة إنما كانوا أفراد عاديين في هذه الأمة ولكن حينما يحمل الإنسان الهم في قلبه ويسلك السبل والأسباب المشروعة لصناعة هذا الأمل سوف يهيأ الله تعالى – أناس كثر من هنا وهناك وتعود المياه إلى مجاريها بأذن الله – تعالى – ويستضئ الناس بذلك البصيص من النور ويوسعون دائرته حتى تعود المياه إلى مجاريها بأذن الله – تعالى – هذه الضوائق – أيها الإخوة – ما هي إلا شحذه للهمم ما هي إلا دفعة لمواصلة الدعوة إلى الله – عز وجل – واستخدام الوسائل المشروعة في دعوة الله – تعالى – إذا قلت لكم إن الإسلام اليوم ينتشر ويتغلغل في أواسط أوروبا والأمريكتين والصين والهند وروسيا وغيرها من البلاد عبر الوسائل المتاحة لما صدقتم ذلك .
إن أناس من أبناء هذه الأمة ممن يتكلم بألسنتنا وممن يدعي أنه يدين بدين الإسلام من ينسلخ ويغير جلده في اليوم مرات وإن من النصارى من يدخل في دين الله تعالى – يعني عشرات الآلاف من الناس أسبوعياً يدخلون في دين الله – عز وجل – ويعملون جاهدين من أجل خدمة هذا الدين ولعل النصر ربما يأتي من حيث لا نحتسب كما جاء النصر إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من حيث لم يحتسب ونحن لو نظرنا – أيها الإخوة – إلى مجريات تاريخنا الإسلامي لوجدنا أن من حمل راية التغيير إنما كان من العجم في الغالب سواء كان في المجال العلمي الشرعي- العلمي- الطبي- الفكري – في أبواب الجهاد في سبيل الله تعالى – فمن هو الترمذي ومن هو ابن ماجه ومن هو البخاري ومن هو النسائي ؟ هؤلاء الذين حملوا راية العلم من هو الحاكم من هو البيهقي ؟ من هو ابن سيناء والفارابي وابن النفيس ؟ من فلان ومن فلان ؟ أغلب هؤلاء كانوا من الأعاجم ولعل الله تعالى – يبعث اليوم ممن كان اسمه جونسون أو غير ذلك من مسميات الغرب من يحمل هذا الدين وراية الإسلام ويكون سبباً في نصرة هذا الدين وإعادة المياه إلى مجاريها . أسأل الله – تعالى – أن يعيد إلى قلوبنا الأمل بالنصر الموعود إنه على كل شيء قدير .
والحمد لله رب العالمين



اضافة تعليق