لما كان في صغره أصابه العمى فولد ذلك كربا لتلك الأم التي كفلت ذلك الغلام اليافع الذي توفي عنه أبوه وأصابها من الكرب ما أصابه حين فقد الغلام بصره فالتجأت إلى عز وجل كاشف الكروب مفرج الهموم تدعو وتلهج بالدعاء ويتضرع إلى الله عز وجل في أوقات الإجابة وفي ليلة من الليالي رأت في المنام أب الأنبياء إبراهيم عليه السلام فقال لها : هذه إن الله تعالى قد رد بصر ابنك!!!…
خطبة بعنوان : حياة الإمام البخاري رحمه الله
العناصر:
1- البخاري في صغيره 2- حياته رحمه الله 3- شيوخه 4مؤلفاته4- شخصيته 5- طلبه للعلم 6- تعرضه للابتلاء 7- وفاته وما رؤي له.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدع ضلالة وكل ضلالة في النار .
البخاري في صغيره :
لما كان في صغره أصابه العمى فولد ذلك كربا لتلك الأم التي كفلت ذلك الغلام اليافع الذي توفي عنه أبوه وأصابها من الكرب ما أصابه حين فقد الغلام بصره فالتجأت إلى عز وجل كاشف الكروب مفرج الهموم تدعو وتلهج بالدعاء ويتضرع إلى الله عز وجل في أوقات الإجابة وفي ليلة من الليالي رأت في المنام أب الأنبياء إبراهيم عليه السلام فقال لها : هذه إن الله تعالى قد رد بصر ابنك!!!
فأصبحت الصبح وذلك الغلام يبصر بعينه.
ذلك الغلام الذي رزقه الله تعالى فهما ثاقبا وحفظا قويا وذكاء وفطنة وجدا شغفا وحبا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الذي كان يحفظ المتون والأسانيد الشيء الكثير و لا غرابة أن يحفظ الإنسان متونا ولكن الغرابة أن يحفظ أسانيد هذه الأسانيد التي تتشابه والتي جاء مرة نشوان الحمدي ورجل من المحدثين بيد كرّاس صغيرة يردد فيها أحاديث بأسانيدها حدثنا حدثنا فقال يا هذا : إنني أحفظ آلاف الأبيات من بدايتها إلى منتهاها ومن منتهاها إلى بدايتها بالعكس احفظها ما هذا الجزء الذي تحفظه أنت؟
فقال : خذه وتعالى سمعه متى ما شئت فذهب يردد ويردد ثم رد الدفتر لذلك المحدث .
وقال : دع هذا عني لا احسنه ولا أتقنه .
وابن الجوزي ذكر عن رجل محدث كان يأخذ كراريسه فيذهب إلى المزارع بعيدا عن الناس يحفظ تلد الأسانيد وتلك المتون من أجل أن تثبت في قلبه فكان هذا المحدث يردد الأسانيد وامرأة في المزرعة تصلح الزرع فمن كثرة الترداد.
قالت: يا هذا أما حفظت إلى الآن ؟
فلقد حفظت كل ما رددته وقلته .
فقال لها: دعيني عنك ثم مرت ثلاثة أيام فإذا بالمرأة تعود لإصلاح الزرع مرة أخرى .
فقال لها : رددي ما كنت سمعتي مني قبل ثلاثة أيام ؟
قالت : والله ما احفظ حرفا .
قال: ولهذا رأيتني أردد ذلك الكلام وأخذ وأرد من أجل أن يثبت في صدري.
ذلك الغلام الذي كان هو صبي صغير في الحادية عشرة من عمره وإذا به يحفظ الأسانيد الكثيرة ويحفظ المتون الكثيرة .
حتى أنه قال :جلست يوما في مجلس علم فإذا بأحد الشيوخ يقول : سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم .
فقال هذا الغلام: ما هكذا يا أيها الشيخ إن الزبير لم يسمع من إبراهيم.
قال له : ماذا تقول أيها الغلام؟
غلام صغير في الحادية عشر من عمره ينقد الشيخ في المجلس بين يدي العلماء وطلاب العلم .
قال له: ماذا تقول؟
قال : إنا أبا الزبير لم يسمع من إبراهيم ولكنه سفيان عن الزبير , هذا الزبير هو ابن عدي عن ابراهيم وإن كان كتابك بين يديك فارجع إليه .
فدخل الشيخ إلى البيت وأخرج الكتاب, ثم نظر إلى الغلام.
فقال: رد على كيف قلت ؟.
قال: قلت سفيان عن الزبير وهو ابن عدي عن إبراهيم .
قال: صدقت وأخذ القلم وأصلحه, وكان في سن الحادية عشرة من عمره .
إنه ذلك الغلام الذي حبب الله تعالى إلى قلبه علم الحديث والذي صار علما بين العلماء وصار مجتهدا من المجتهدين يرجع الناس إلى ما كتبه وإلى ما ألفه وإنه سطر حياته بأحرف من نور بإخلاصه الله عز وجل ثم صبره و جلده واجتهاده في طلب العلم .
إنه الإمام محمد بن اسماعيل البخاري رحمه الله تعالى وطيب ثراه .
الإمام البخاري كان جده فارسيا على دين قومه ومات على المجوسية وابنه المغيرة الذي هو أحد أجداد البخاري أسلم على يد اليمان جعفي والي بخارى فنسب إليه ولاءً.
ومن ثم يقال الجعفي أما جده إبراهيم فلم يقف على شيء من أخباره أما أبوه إسماعيل فكان عالما جليلا سمع من حماد بن زيد والإمام مالك وروى عنه أهل العراق وذكره ابن حبان في الثقات وترجم له الإمام البخاري رحمه الله في التاريخ الكبر وقد جمع والده بين الورع التقوى والعلم.
وروى عنه إنه قال :قبل وفاته : لا أعلم في مالي درهما من حرام ولا من شبه.
الإمام البخاري : كما نرى من بيت علم وبيت تقى وورع فلا عجب أن يورث هذه الخلال الحميدة التي سنذكر منها بإذن الله عز وجل.
مولده:
اتفق العلماء على أن مولد الإمام البخاري رحمه الله تعالى كان بعد صلاته الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من شوال سنة 194ه ببخارى ومات أبوه وهو صغير كما ذكرنا آنفا فكفلته أمه وعاش البخاري رحمه الله تعالى معظم عمره في النصف الأول من القرن الثالث الهجري حيث ولد كما قلنا في سنة 194ه وتوفي 256ه يعني أنه عمر 62عاما .
عصره:
في ذلك العهد عهد البخاري كانت الدولة في أوج مجدها لقد ترك الرشيد دولته بعد ما توفي عام 192ه على أحسن حال من القوة والهيبة والتقدم في جميع مناحي الحياة واستمرت القوة في عهد أولاده الأمين والمأمون والمعتصم وابن الوثق على الرغم مما حصل بين الأمين والمأمون من حروب وعلى الرغم من الثورات التي قامت في ذلك العهد.
في عصر البخاري رحمه الله تعالى تعاقب عدد من الخلفاء وعاصرهم الإمام البخاري رحمه الله تعالى المتوكل على الله والمنتصر بالله والمستعين بالله .
كما عاشر البخاري عصرا سياسيا ابتدأ بالقوة ثم ضعف بعد ذلك ففي عصر الإمام البخاري نمت المعلومات نموا عظيما وأصبح للعلم حواضن في أكثر من مكان على رأسها بغداد نمت.
وظهرت المذاهب أغني المذاهب الأربعة ودونت العلوم لا سيما علوم التفسير و ألفت الكتب في السيرة النبوية والمغازي و التاريخ والطبقات إلى آخر ذلك .
كما أن سيل المعلومات غير العربية غير الإسلامية دخلت في ذلك الوقت و عربت واطلع عليها العلماء في ذلك الوقت لا سيما في عهد الخليفة المأمون حيث ترجمت كثير من الكتب أما علوم الحديث فقد بلغت في عصر الإمام البخاري دورها الذهبي.
كان رحمه الله تعالى هو الرائد في هذا الباب فقد ألف كتابه الجامع الصحيح المسمى صحيح البخاري الجامع الصحيح المسند من أعمال النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه و تميز عن غيره بأنه أفرد هذا الكتاب بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر والموضوع أحيانا فقد ألف قبله مصنف عبد الرزاق ومسند الإمام أحمد وكتاب الشافعي الذي هو جزء منه مسنده رحمه الله تعالى وكثير من المؤلفات ألفت قبله رحمه الله تعالي لكن الإمام البخاري رحمه الله تعالى كما ذكر كان قمة في النبوغ والحفظ والذكاء والفطنة لدرجة أنه كان إذا نظر في الصحيفة نظرة واحدة يحفظها ولا غرابة.
فإن العلم نور يقذفه الله تعالى في قلب من شاء من عباده من يتق الله تعالى يرزقه من حيث لا يحتسب ((…وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) سورة البقرة آية (282).
رحلته في طلب العلم:
أما رحلات الإمام البخاري رحمه الله فقد رحل في عدد من البلدان يطلب علو الإسناد ويطلب كبار الشيوخ فذهب مشرقا ومغربا شمالا وجنوبا كل ذلك من أجل تلقي العلم عن هؤلاء العلماء من أجل اخذ الأسانيد العالية عنهم رحمة الله تعالى على الجميع.
وقال رحمه الله تعالى : لقد رويت عن ألف وثمانين شيخا ,له ألف وثمانون شيخا تعلم عنهم.
قال : ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون : الإيمان قول عمل يزيد وينقص يعني أنه تلقى الحديث عن أهله وعن أصحاب العقيدة السليمة .
فمن مشايخه رحمه الله تعالى محمد بن سلام البيكندي وهؤلاء العلماء الذين سنذكرهم هم جملة فقط من شيوخه.
وسمع بمرو من عبدان وابن عثمان وعلي ابن حسن بن شقيق وصدقه ابن الفضل وسمع بنيسابور من يحيي بن يحيي التميمي.
وجمع من العلماء بالري من مثل إبراهيم بن موسى وفي آخر عام 210ه قدم البخاري العراق وتنقل بين مدنها يسمع من علمائها وشيوخها.
قال البخاري :ودخلت بغداد ثمان مرات في كل مرة أجالس الإمام أحمد فقال لي آخر ما ودعته يا أبا عبد الله : تدع العلم والناس وتصير إلى خرسان ؟
قال: فأنا الآن أذكر قوله يعني ذكر قوله بعدما خرج من بغداد ثم رحل إلى مكة وسمع من أبي عبد الرحمن المقرئ وخلاد بن يحيي وحسان بن حسان وأبي الوليد أحمد بن محمد الأزرقي والحميدي وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان وإسماعيل بن أويس وعلى بن عياش وغير هؤلاء .
وفي هذا الرحلة ابتدأ تأليف كتابه صحيح البخاري يعني أنه لم يكن لديه ثلاث كتب بخلاف مسلم رحمه الله تعالى فإن العلماء ذكروا أنه حين ألف كان بجوار كتبه يرجع إلى الأصول .
أما البخاري فمن حفظه رحمه الله تعالى ومن مشايخه عبد الله بن يونس التونسي وعبد الله بن مسلمة وقتيبة بن سعيد ومحمد بن يحيي الذهلي وإسحاق بن راهويه وآخرين.
تلاميذه:
أما تلامذته فلا يحصون عددا أخذ عنه خلق كثير قال الفربري : وهو رواية الصحيح سمع كتاب البخاري من أبي عبد الله سبعون ألف رجلا من أعيانهم الترمذي و النسائي ومسلم بن الحجاج وابن خزيمة وأبو زرعة وأبو حاتم الرازي.
شخصية:
شخصية الإمام البخاري رحمه الله فذة تختلف عن أي شخصية من الشخصيات العلمية التي ربما لها نبوغ في ذلك الوقت فشخصيته رحمه الله تعالى مختلفة عن أي شخصية أخرى وسيأتي طرف من هذا فمن ملامح شخصيته الإقبال على العلم بكليته رحمه الله تعالى فهو من صغره وه ويرضع الحديث مع أكله وشربه منذ نعومة أظفاره فما عرف نفسه إلا هو يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وكان مقبلا على العلم وأدى فريضة الحج وهو ابن ثمان عشر سنة ثم أقام بمكة يطلب فيها الحديث ورحل بعد ذلك إلى المدينة ثم إلى بقية البلدان من ملامح شخصية الحد من تحصيل العلم فقد كان البخاري رحمه الله كان البخاري رحمه الله فقيها و فقهه في الأبواب في التراجم فلقد يبرز فقه الحديث من خلال النص وكان يقطع الحديث أكثر من مرة ويضع لكل باب عنوانا أو استنباطا حتى أنه كان يستنبط من الحديث عدة مرات وربما كرره في الأبواب يكرر الأسانيد وينوع الأسانيد لا يأتي ينفس السند وإنما يأتي بإسناد آخر وأكثر من هذا لفوائد كما يعرف طلاب العلم والعلماء فقد يكون أحيانا يكرر السند من أجل أن يثبت أن فلانا سمع من فلان وقد يكرر السند لأن فيه ذكر لاسم راو مبهم .
وقد يكرر السند ويأتي بإسناد آخر لأن في هذا الإسناد الجديد زيادة في المتن.
وربما بوب لأحاديث ضعيفة للرد عليها وعلى القائلين بصحتها وربما بوب لإثبات القياس أحيانا .
فقال رحمه الله تعالى : باب هل يسمي في الوضوء لأن الحديث في التسمية على الوضوء مختلف فيه منهم من يصححه ومنهم من لا يصححه باب: هل يسمى في الوضوء ثم أسند إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ))[1].
إذا كانت التسمية مشروعة في وقت الجماع ففي الطاعة في الوضوء من باب أولى صح هذا الحديث أو لم يصح .
بوب لتضعيف حديث ثلاث جدهن جد وهزلهن جد وهذا الحديث أيضا مختلف فيه بين العلماء .
قال :باب ثلاث جدهن جد وهزلهن جد وأسند إلى النبي عليه الصلاة والسلام :((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما جاهر إليه))[2].
وهكذا في كثير من الأبواب ما من باب أو رب باب حير كثيرا من العلماء ماذا يقصد الإمام البخاري رحمه الله بهذا التبويب ؟
وفي هذا الاستنباط وما من مناسبة هذا التبويب لهذا الكتاب أو لهذا الباب حير كثير من العلماء رحمه الله تعالى.
والإمام البخاري دقيق في التبويب كما قلنا وهو مجتهد رحمه الله تعالى اجتهادا بينا واضحا ودليل اجتهاده في الطلب أنه بقي ستة عشر عاما يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية وعمل دؤوب وصبر على البحث وتحري الصواب قلما تتوفر في باحث من الباحثين لا من المتقدمين ولا من المتأخرين وكان بعد هذا كله لا يكتب حديثا بدرجة في الصحيح إلا واغتسل وصلى ركعتين يستخير الله عز وجل هل يكتب هذا الحديث أو لا يكتبه ؟
يروي أحد تلامذته أنه بات عنده ذات ليلة فأحصى عليه أنه قام واسرج يستذكر أشياء يعلقها ويكتبها قال : ثمان عشر مرة .
وقال عنه محمد بن حاتم الوراق : كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد وإلا في القيض أحيانا فكنت أراه يقوم في الليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة .
من يقوى على مثل هذا يعني هذا ذهن وقاد العلم مختلط بدمه ولحمه عقله شغال وهو نائم فيستذكر مسألة قبل أن ينام أو يأتي يداعب النوم عينية فإذا به يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه مرات ليكتب الخاطرة التي تخطر على باله وتصور كيف كان يقوم يصلح السراج وليس كوقتنا هذا يضغط على زر فيضيئ السراج وإنما يعالج السراج حتى يصلحه ثم يكتب الخاطرة حتى لا تذهب عليه ثم يعود لينام وربما قام بضع عشرة مرة في الليلة الواحدة .
أيضا من ملامح شخصيته قوة الحفظ فقد كان البخاري رحمه الله من الحفاظ الكبار .
قال رحمه الله تعالى وهو يروي قصة في أحد لياليه قال : فكرت البارحة فإذا أنا قد كتبت مصنفات نحو مائتي ألف حديث مسندة تصور هذا العدد مائتي ألف حديث مسند يحفظها .
وأنا قد صنفت كتبا عدة من هذه المائتي ألف .
من ملامح شخصيته أنه كان كريما فمن كرمه أنه كان له أرض يؤجرها بسبعمائة درهم وكان المستأجر إذا جاءه بالأجرة كان يأتيه بقثاءة أو قثاءتين لمعرفته أن البخاري يحبها ربما أحيانا أفضل من البطيخ فكان يهب له مائة درهم مقابل أنه يأتي بالقثاء وهذا بالغ كرمه ربما لا يبلغ ثمنها هذا الثمن.
من ملامح شخصيته الورع خرج رحمه الله تعالى يوما من أجل أن يعني مع رفقه يتدربون على الرماية فإذا به يقطع حبلا ممتدا على ممر يمشي الناس فوقه حتى لا يصيبهم بلل النهر يعني عبّارة فوقع سهم البخاري رحمه الله في ذلك الحبل فشقه نصفين فاغتم .
ثم قال لأصحابه: أرجعوا فرجعوا و وصل إلى بيته مغموما حزينا و تنفس الصعداء .
وقال :لأحد ممن كان معه لي طلب عندك .
قال : مر .
وقال: وتقضيه ؟
قال: على العين والرأس.
قال : اذهب إلى فلان صاحب هذا الممر وقله له إن أبا عبدالله جاء ليرمي فأصاب الحبل فشقه نصفين وأنه يستأذنك إما بصلاحه وإما يدفع ثمنه .
فذهب الرسول إلى ذلك الرجل .
فقال ذلك الرجل : أبو عبد الله قله فداك مالي ونفسي ما جاءنا إلا بهذا والله لو طلب مالي كله لتنازلت له به.
فأبى أن يقبل من البخاري شيئا.
فرجع الرسول إلى الإمام البخاري وأخبره فتهلل وجهه وأنشرح صدره .
قال ذلك الرجل : فلقد قام البخاري في ذلك الوقت نشيطا وأملى خمسمائة حديث على الطلاب الغرباء في ذلك الوقت وتصدق بثلاثمائة درهم قال الحسين محمد السمرقندي محمد بن إسماعيل البخاري مخصوصا بثلاث خصال : كان قليل الكلام وكان لا يطمع فيما عند الناس وكان لا يشتغل بأمور الناس كل شغله في العلم.
شعره:
ومن أشعاره رحمه الله تعالى وكان قليل الشعر لا يقول الشعر إنما نقلت عنه أبيات قليلة من أبياته كما نقل الحاكم في تاريخه قال البخاري:
اغتنــــم في الفراغ فضـــــل ركــوع فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم ذهبت نفسه الصـــحيح فلته
ولما نعي إليه عبدالله بن عبدا لرحمن الدارمي أنشد قائلا:
إن عشت تفج بالأحبة كلهم وبقاء نفسك لا أبالك أفجع
ليستذكر شيئا فيقوم نحن الآن لو حصل مثل هذا لقال : الصباح رباح وإذا به في الصباح قد ذهبت هذه أدراج الرياح الآن ربما الواحد منا يستذكر أشياء وهو يمشي فلا يدونها ولا يسجلها أبدا وهذه من الفوائد .
ومن أهل العلم من ألف فقط الخواطر مثل صيد الخاطر هذه عبارة عن خواطر تكتب فإذا هي مجلد وأكثر من مجلد.
كلماته:
من كلمات البخاري قال: لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا في الكتاب والسنة أي شيء يحتاج إليه فهو موجود في الكتاب والسنة يعني أصله.
قال الله تعالى :((وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)) سورة الأنعام آية (38).
ما نحتاج من يأتي يتحذلقون على الدين ويأتي يزود ويأتي يعني بأشياء جديدة الدين مكتمل ولله الحمد.
قال الله تعالى :((…الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً…)) سورة المائدة آية (3).
وهذا معنى كلام الإمام البخاري رحمه الله ما أعلم شيء يحتاج إليه إلا وهو موجود في الكتاب والسنة.
قال : أيضا : ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه.
أما مواقف من حياة البخاري رحمه الله قال رحمه الله عليه : (( إني أرجوا أن ألقى الله تعالى ولا يحاسبني أني اغتبت أحد )).
قال الذهبي: صدق ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه.
اليوم تأكل لحوم العلماء أكلا وتفري فريا ويتسلى بها في المجالس وهؤلاء الأئمة الذين هم أهل الجرح و التعديل حفظوا ألسنتهم عن الكلام حتى في المجروحين اليوم بعض المجالس ربما في خلال ساعة إلا ربع أو ساعة يمسح بالبلاط عرض مائة عالم الساعة كم دقيقة ؟.
ستين دقيقة يعني في الدقيقة الواحد عالم و نصف يمسح به البلاط جاهل أكرمكم الله ولا يساوي بصلة حمار وهلم جر من مثل الكلام .
أنظر البخاري يقول : ((إني أرجوا أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحد )).
أسمع إلى كلامه قال الإمام الذهبي صدق فمن نظر في كلام في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر ما يقول : منكر الحديث سكتوا عنه فيه نظر ونحو هذا وقل أن يقول : فلان كذاب أو يضع الحديث حتى أنه قال: إذا قلت فلان فيه نظر فهو متهم واه يعني مرة ساقط.
هذا لا يروي عنه ولا يسمع منه شيئا وهذا معنى قوله لا يحاسبني الله أني اغتبت أحد هذا و الله هو غاية الورع.
قال : محمد بن أبي حاتم سمعت البخاري يقول: دخلت بلخ فسألت أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه حديثا فأمليت ألف رجل ممن كتبت عنه حديثا فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم وهذه قضية تظهر لنا مدى حفظه الثاقب ودقته في تلقي علم الحديث دخل بعداد رحمه لله والعلماء يسمعون عن حفظه قيل وهو في سن السادسة عشرة .
قتيبة يقول لرجل: لو أنك سبقت قبل قليل لرأيت غلاما يحفظ سبعين ألف حديث.
قال: فلحقته فلما قلت : أنت تقول : تحفظ سبعين ألف حديث؟
قال وزيادة وما من حديث أرويه عن صحابي أو راوي من الرواة إلا وأحفظ اسمه وكنيته وبلده قبيلته ومتى ولد ومتى توفي إلا قليلا وهذا يدل على شدة حفظه .
اليوم الواحد منا ربما أولاده في البيت ينظر إليهم يا يا يا لا يعرف من الذي قدامه وهذا يحفظ آلاف من الرجال اسمه وكنيته ومشايخه وتلاميذه و مؤلفات إلخ .
دخل بغداد كما قال أبو أحمد بن عدي قال : سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري دخل بغداد العلماء وطلاب العلم يسمعون عن البخاري أنه حافظ وأنه ذكي .
فقالوا: ائتوا بعشرة من الطلاب النابغين فأتي بهم فأعطي لكل عشرة أحاديث وقلبت أسانيدها ومتونها يعني هذا السند هو لهذا المتن .
قالوا: أجعلوا هذا السند لهذا المتن وهذا المتن لهذا الأستاذ كل طالب عشرة وفرقوهم في المجالس فدخل البخاري فلما أيقنوا أن المجلس امتلأ بأهله .
قام أحد الطلاب فسأله عن الحديث الأول قال : حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : كذا وكذا قال له البخاري ما أعرفه قال الحديث الثاني : كذا وكذا قال : لا أعرفه الحديث.
الثالث: كذا وكذا و كذا ما أعرفه فالناس انقسموا قسمين:
بعضهم قال: فهم البخاري وبعضهم قال : هذا كلام صرف دعايات دعاية وإعلان ترويج وتلميع ما هو يشيء ما يحفظ فانتهى الأول جلس .
قام الثاني: مثله لا اعرفه .
قام الثالث إلى العاشر ثم التفت البخاري إلى الأول أنت أما حاديثك الأول سنده كذا وكذا ومتنه كذا وسند الثاني كذا ومتنه كذا فرد المتون إلى الأسانيد وأما أنت فأحاديثك الأول سنده كذا متنه كذا حتى انتهى من هؤلاء فنكسوا رؤوسهم وأذعنوا له بأنه حافظ فعلا .
قال العراقي : ليس العجب أن البخاري رد الأسانيد إلى المتون فهو حافظ فقيه تقليب الأسانيد للمتون كانت تحصل اختيارا لبعض الشيوخ ليتأكدوا من حفظهم وحصل لكثير من العلماء:
منهم محمد بن عجلان وغيره : قال ليس العجب أن يرد الأسانيد إلى المتون وإنما العجب أن حفظ وجوه الناس من بين هذه الآلاف المؤلفة أما الحفظ فهو يحفظها أصلا من قبل لا تتعجب من هذا .
هذه حادثة وإن كان بعضهم حاول أن يغمز بها لكن الغمز فيها في مشايخ أن عدي ومشايخ ابن عدي كثر لا يضرها ولا عجب أن يكون البخاري وقد سكت عليها وأقرها جمع من العلماء .
صدقه في التجارة:
اشتغل البخاري بالتجارة ولم يكن منهمكا فيها وكان مثلا للتاجر الصدق الذي لا يغش ولا ينقض نيته معهما كانت المغريات .
روي أنه أرسل له ولده ببضاعة فجاءه التجار قالوا له : نشتريها منك بخمسة آلاف فقال: غدا نتفق ما عندي نية الآن ثم جاءه في اليوم الثاني تجارة قالوا نشتريها منك بعشرة آلاف قال لهم : أرجعوا فقد نويت أمس بالليل أن أبيعها على التجار الأوائل.
وإلا كان في حل أن يبيعها على هؤلاء بعشرة آلاف لكنه يقول : أنا خلاص عزمت ونويت بالأمس أن ابيعها على هؤلاء الناس.
ثناء العلماء عليه :
أما ثناء العلماء عليه فكثير منها:
قال نعيم بن حماد : محمد بن إسماعيل فقيه الأمة.
وقال مصعب الزهري: محمد إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث .
وقال : على بن حجر : أخرجت خراسان ثلاثة: أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل وعبد الله بن عبد الرحمن والدارمي .
محمد أي البخاري عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقهم.
وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت إبراهيم بن خالد المروزي يقول :رأيت أبا عمار الحسن بن حريث على أبي عبد الله البخاري ويقول : لا أعلم إني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث و الأمر كما قال : وكيع بن الجراح.
خلق الله للحديث رجالا ورجالا لآفة التصحيف.
قال بعضهم :
خلق الله للحديث رجال ورجالا لكبسة وثريــــــــــــــــد
بعض الناس خلقهم الله عز وجل للأكل والشرب وقال قتيبة بن سعيد : لو كان محمد في الصحابة لكان آية في الحديث ونظرت في الرأي وجالس الفقهاء والزهاد والعباد ما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل البخاري .
وقال مسلم بن الحجاج :وقد أتي إلى البخاري وهو شيخه : دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين و سيد المحدثين وطبيب الحديث في علله.
سبب تأليفه:
وأما سبب تأليف البخاري للصحيح أنه كان عند إسحاق بن راهويه وهو شيخه مع مجموعة من طلب العلم فقال : اسحاق بن راهويه لو جمعتم كتابا مختصر في صحيح سنة النبي صلى الله عليه و آله وسلم.
قال : فوقع ذلك في قلبي وأخذت في جمع الصحيح وهذا يدل على همة الإمام حيث أخذ هذه الكلمة مأخذها ودفعته للعمل في تأليف هذا الكتاب.
عدد أحاديث صحيح البخاري بلغت الأحاديث بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات 7592 حديثا.
وهذا حسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي والحافظ بن حجر يرى أن عدد أحاديث البخاري 7297حديثا وفي البخاري أحاديث معلقة جملتها 1341حديثا وعدد أحاديث البخاري المتصلة من غير المكررات نحو 4000 الأف حديث.
مؤلفات البخاري:
أما مؤلفات البخاري فمنها:
الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري والتاريخ الكبير والتاريخ الصغير مجلدين والضعفاء الصغير في مجلد وخلق أفعال العباد كتاب صغير وجزء في رفع اليدين في الصلاة وجزء القراءة خلف الإمام وغير ذلك .
أما شروح البخاري فهي كثيرة ولم يحظ كتاب بالشرح العناية وإخراج الفوائد والاستفادة من الأبواب مثلما حصل الصحيح البخاري رحمه الله تعالى.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل إن شاء الله تعالى على إخلاصه في تأليفه فلقد ابتدأه الحديث الأعمال بالنبات وختمه بحديث :((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ))[3].
من شروح صحيح الإمام البخاري:
– فتح الباري شرح صحيح البخاري وهذا أعظمها وأحسنها للحافظ أحمد على بن حجر العسقلان المتوفى 852ه.
– عمدة القاري شرح صحيح وهو للعلامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفى 855 ه وهو شرح كبير بسيط الكلام فيه عن الأنساب واللغات والإعراب والمعاني والبيان واستناط الفوائد من الحديث والأجوبة والأسئلة.
– ارشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري وهو شرح الشهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني القاهري الشافعي وهذا الحقيقة تلخيص لشرح ابن حجر والعيني وهو متداول مشهور أيضا.
– الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو لمحمد بن يوسف بن علي الكرماني هو شرح مفيد جامع أكثر النقل عنه الحافظ بن حجر وكذلك العيني .
وانتقده الحافظ بن حجر في عدة مواضع فقال :هو شرح مفيد على أوهام فيه في النقل لأنه لم يأخذ إلا شرح الإمام ناصر الدين محمد بن منيف الاسكندراني وهو شرح كبير في اثني عشر مجلدا شرح صحيح البخاري لأبي الحسن على بن خلف المشهور بابن بطال القرطبي المالكي إلا أن غالب هذا الشرح في الفقه المالكي.
– التوشيح شرح الجامع الصحيح وهو للسيوطي رحمه الله المتوفى 911ه وكان من المكثرين في التأليف وقد اعتنى عناية كبيرة بعلم الحديث دراية ورواية في مختلف مجالاته وشرح هذا الصحيح بمثابة تعليق لطيف على الصحيح ضبط فيه ألفاظ الحديث وفسر الغريب وبين اختلاف الروايات.
– التلويح شرح الجامع الصحيح هو لعلاء الدين المغلطاطي التركي المصري الحنفي وهناك شروح كثيرة جدا.
وقد قيل في صحيح البخاري:
صحيح البخاري لو أنصفوه ما خط إلا بماء الذهــــــــــــــب
هو الفرق ببن الهدى والعمى هو السد بن الفتى والعطب
أسانيده مثل نخوم السماء أمام متون كمثل الشـــــــــــــــــهب
بها قام ميزان دين الرسول ودان به العجم بعد العرب
فيا عالما أجمع العالمون على فضل رتبته في الرتب.
محنة البخاري:
اتبلى البخاري رحمه الله تعالى بشر الحاسدين كما يحصل للنابغين والعلماء وما حصل لكثير من العلماء في زمانه المعاصر إنما هو نتيجة هذا الحسد فلقد كان الإمام البخاري يجتمع حوله الآلاف المؤلفة من طلاب العلم و يرحلون إليه من كل حدب وصوب وربما ينظر بعض الشيوخ إلى نفسه فلا يجد أمام إلا عشرة أو عشرين أو ثلاثين أو خمسين طالبا .
فتصيبهم الغيرة و غيرة طلاب العلم مشكلة كما قال ابن المسيب أن لم تخوني الذاكرة قال : إن للعلماء تغاير كتغاير التيوس يعني كل واحد ينطح الثاني وهذا ملحوظ يعني في الزمان هذا وحدمن العلماء من فتح الله عليه وألتفت الشباب حوله فابتلوا وسجنوا ولكن العاقبة للمتقين.
ابتلى البخاري رحمه الله تعالى بهذا الحسد فدخل يوما وعليه مجموعة من هؤلاء الناس فسألوه ماذا تقول في القرآن هل هو مخلوق؟
في تلك الزمان كانت محنة شديدة محنة خلق القرآن فسكت وأعرض عنه فرد عليه مرة ثانية فسكت عنه وفي المرة ثالثة :التفت إليه و قال : القرآن كلام الله وغير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة لكن الصوت الذي أن أتكلم فيه مخلوق كما أني مخلوق لله تعالى كلامي مخلوق رفع يدي حركتها هذا مخلوق لله عز وجل قال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )) سورة الصافات آية (96).
فشغب عليه الناس وخرجوا فرحين بأن البخاري يقول : بخلق القرآن ثم قالوا له: تراجع .
فقال: ما أتراجع عندكم حجة عندكم برهان أقوى من حجتي هاتوها وأنا أتراجع وإلا فأنا على قولي هذا حتى أن بعض مشايخه جفوه مثل محمد بن يحيي الذهلي جفاه وطرده من مجلسه قال له: لا تجالسني بل قال: من جالس البخاري فلا يجالسنا فقام مجموعة من طلاب العلم لأنهم يعرفون أن البخاري على حق قاموا من حلقة محمد بن يحيي الذهلي .
وكان منهم الإمام مسلم رحمه الله بل إن الإمام مسلم من شدة غيرته وحنقه على شيخه محمد بن يحيي الذهلي قالوا: أنه ما كان أخذه عن محمد بن يحيي الذهلي حمله حمل بعير وأعاده للذهلي وقال : هذا علمك الذي أخذنا ما نريده حتى أنه لم يذكر له رواية في صحيح مسلم .
البخاري رحمه الله مع هذا البلاء وهذه الشدة التي أصابته من شيخه محمد بن يحيي الذهلي إلا أنه روى له .
حظوظ النفس أحيانا تكون موجودة لا يذكر حدثنا محمد بن يحيي الذهلي يقول : محمد بن خلاد أو يقول حدثنا محمد ويسكت فالعلماء ينظرون من شيخ هذا فيجدون أنه محمد الذهلي وهذا من أنصافه رحمه الله
وابتلي وطرد حتى أنه قبل وفاته استدعاه أهل سمرقند.
قالوا له : تعالى عندنا نحن نستقبلك ونضعك فوق رؤوسنا وانقسم أهل سمرقند إلى قسمين قسم يقولون: أهلا ومرحبا وقسم أخر يقولون : لا أهل ولا مرحبا .
فاغتم غما شديدا رحمه تعالى الله بسبب هذا وضجر ليلة ودعا وقد فزع من صلاة الليل وقال : اللهم قد ضاقت على الأرض بما رحبت اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون فمات في ذلك الشهر رحمه الله تعالى.
ومن المبشرات التي حصلت له : ما ذكره الخطيب بسنده إلى عبد الواحد قال: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد علي السلام وقلت له : ما وقوفك يا رسول الله قال : انتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان يعد أيام يلغني موته رحمه الله فنظرت فإذا هو مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها وهذه من البشائر لهذا الإمام رحمه الله .
و رويئت له أيضا رؤى وهو في حال تأليفه للكتاب أن النبي صلى الله عليه سلم جالس والبخاري بيده مروحه يروح بها النبي صلى الله عليه وسلم فأولوا فقالوا الذب عن سنة النبي صلى الله وعليه و آله وسلم.
رحمه الله تعالى على إمامنا البخاري رحمه واسعة وجزاه الله خير الجزاء ونسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته.
والحمد لله رب العالمين.




اضافة تعليق