تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

الدنيا وحقيقتها

إن حياة الإنسان تمر بمراحل وأطوار ومن هذه الأطوار مرحلة الحياة الدنيا حيث بين الله لنا حقيقة الدنيا التي جعلها محل اختبار.

حقيقة الدنيا

العناصر :

1- حقيقة الدنيا.

2- الدنيا مزرعة الآخرة .

3- الملك لله.

4- الموت حقيقة لا مفر منها .

5- باب التوبة مفتوح.

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور .

وأشهد أن لا إله إلا ا لله وحده لا شرك له يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير و أشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى وآله وأصحابه الذين وعدهم بالمغفرة والأجر الكبر وسلم تسليما .

أما بعد:

أيها ا لناس :

ولله مـا خـلق الإله ولا بــرى         بشرا كمثل محمد بين الورى

يا سيد العقــلاء يا خـير الورى         يا من أتيت إلى الحياة مبشرا

وبعثت بالقرآن فينـا هاديـــا         وطلعت في الأكوان بدرا نيرا

أيها المسلمون :

إن حياة الإنسان تمر بمراحل وأطوار ومن هذه الأطوار مرحلة الحياة الدنيا حيث بين الله لنا حقيقة الدنيا التي جعلها محل اختبار فقال ((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20))) سورة الحديد

لقد أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة فقال في الحديث الذي رواه الترمذي من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه (( ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء))[1]

فالدنيا لا تساوي شيئا و لذا كان وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبابه بعدم الركون لها فقال : لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ))كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))[2]

أخوة الإسلام :

أن الذم للدنيا لا يرجع إلى زمانها الليل والنهار لأن الله جعل ذلك خلفة لمن أرد أن يذكر أو أرد شكورا .

وليس الذم والوارد في المكان الدنيا فالله سبحانه جعل الله الأرض سكنا و قرار للناس و أوجدهم ليستخلفهم فيها فيعمروها ويستخرجوا خيراتها .

إنما الذم راجع إلى ارتكاب المعاصي فيها والإفساد عليها لابد أن نفهم هذا الفهم الصحيح فالزهد ليس معناه عدم العمل والكسب والسعي هذا فهم خاطئ .

إننا لا نريد أن نفتن أحدا في هذه الدنيا عن طلب الحلال والسعي في مناكبها فهذا هو طريق الأنبياء والصالحين كانوا يعملون ويكسبون أرزاقهم بأبدانهم .

هذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول ((صدق لمن صدقها ودار نجاة لمن فهم عنها ودار غنى لمن أخذ منها الدنيا مهبط وحي الأنبياء ومصلى أنبياء الله ومتجر أولياء الله )).

ثم أعلموا رحمكم  الله :

أن هذه الحياة موقوتة محددة بأجل ثم تأتي نهايتها حتما فيموت الصالحون والطالحون والمجاهدون والقاعدون ….إلخ))

يقول سبحانه (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (27)))[3]

فلا بد أن نستشعر هذه الحقيقة في القلب والعقل معا أنه لا بقاء إلا للملك الحي الذي لا يموت.

أنها حقيقة الحياة والذل لقاهر السموات والأرض أنها الحقيقة الذي تذكرنا بقول ربنا ((وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)

وتذكرنا بحقيقة قول نبينا عليه الصلاة والسلام ((أكثروا من ذكر هاذم الذات ))[4]

أنها الحقيقة التي سماها الله في القرآن بالحق ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)))[5]

لا إله إلا ا لله  الله أكبر الله أكبر إن للموت لسكرات هذه الكلمات قالها حبيب رب الأرض  السموات وهو يحتضر على فراش الموت .

وكان صلى الله عليه وسلم يدعوا فيقول (( اللهم أعني على سكرات الموت ))[6]

نعم إنها لسكرات عظيمة حين تكون وترى شيطان عند رأسك يقول مت على يهودية فهو خير الأديان فالشيطان يحضر كل شيء لابن آدم.

إنها الفتن  التي أمرنا أن نستعيذ بالله منها كما جاء في الحديث ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المسيح الدجال ))[7]

أن المحتضر إذا كان من المؤمنين الصادقين وجاءته الشياطين يثبته رب العالمين بإنزال ملائكة التثبيت كما جاء في الحديث ((أن المؤمن إذا نام على فراش الموت جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس))[8]

قال تعالى ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)))[9]

وقول سبحانه ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32))) سورة فصلت

كل باك فسيبـكي           كل ناع فسينـعى

كل مذكور سينسـى           ليس غير الله يبقى

يقول سبحانه ((كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)))[10]

أي من يبذل له الرقية ويعالجه.

صاحب الجاه والسلطان يذهب به إلى أرقى المستشفيات ويلتف حوله الأطباء يريدون أمرا لكن الله يريد أمر آخر.

قال تعالى ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34)))[11]

قال سبحانه ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78)))[12]

يصحوا وينظر حوله ويخاطبهم لا تتركوني أنا أبوكم أنا جمعت لكم المال أنا فعلت لكم وفعلت وهنا يعلو صوت الحق ((مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31))) سورة الحافة

هذا هارون الرشيد في موته يقول ((خذوني إلى قبري فينظر فيه ثم يرفع بصره إلى السماء يقول ((يا من لا يزول ملكة ارحم من يزول ملكه))

دع عنك ما قد فات في زمن الصبـا          واذكر ذنوبــك وابكها المذنب

لم ينســــــه الملكان حين أودعتها         بـل أثبتـاه وأنت لاه تلـعـب

والــروح منـك وديـعة أودعتـهـا          ستردها بالرغم منـك وتسلب

وغـرور دنيــاك التي تسـعـى لهـا          دار حقيقتـها متــاع يذهــب

إخوة الإسلام :

إن المحسن قريب من رحمة الله قال سبحانه ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56))) سورة الأعراف

وقال عليه الصلاة والسلام (( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه))[13]

أيها الساهي أيها الشاب أيها الكبير و الصغير والأمير والوزير والفقير ذكر نفسك وقل لها:

يا نفس قد أزف الرحيل        وأظلك الخطب الجليل

فـتأهبـي يـا نفس لا        يلعب بك الأمل الطويل

فـلتنــزلـن بمنـزل        ينسى الخليل به الخليل

ولتركبـــن عليك فيه       مـن الثرى ثقـل ثقيل

قرن الفناء بنـاء جميعـا       فلا يبقى العزيز ولا الذليل

عباد الله :

لا يزال باب التوبة مفتوح فها هو ربكم جل في علاه يناديكم فيقول ((قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53))) سورة الزمر

ويقول سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8))) سورة التحريم

فإياك أيها الأخ الكريم والتسويف فإن سوف جند من جنود إبليس فبادر بالتوبة قبل أن يحال بينك وبينها قال عليه الصلاة والسلام (( إن الله عز وجل ليقبل توبة العبد ما لم يغرعر))[14]

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته وأن يجنبنا معاصيه اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك يا رب العالمين أمين.


[1] – سنن ابن ماجة 2/1376

[2] – اليخاري 5/2258

[3] – الرحمن آية (26-27)

[4] – إرواء الغليل 3/145

[5] -ق آية (19)

[6] – سنن ابن ماجة 1/519

[7] – أحمد 2/416

[8] – أحمد 4/278

[9] – إبراهيم آية (27)

[10] –  القيامة آية ( 26-27)

[11] – الأعراف آية (34)

[12] – النساء آية (78)_

[13] – مسلم4/2065

[14] – سنن ابن ماجة2/1420

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق