المغبون والخاسر خسارة ما بعدها خسارة هو الذي يدرك هذا الشهر ولم يقطف ثمرته لقد مضى ثلثا هذا الشهر المبارك الكريم .
فضل العشر الأواخر من رمضان
العناصر :
1- فضل شهر رمضان 2- رمضان شهر التجارة مع الله 3- البحث عن الكنز 4- بركة هذه الأمة في أعمالها 5- رمضان والصدقة .
أما بعد:
عباد الله :
أيها المؤمنون ها هو شهر رمضان تمضي أيامه فقد مضى ثلثاه ولم يبق منه إلا ثلثه و الثلث كثير أو كبير لمن استغله ولمن نشط به لمن قدره حق قدره .
هذا الشهر الكريم منحة من الله عز وجل لهذه الأمة ومنة منه فيه تضاعف الأعمال وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه مردة الجان كل ذلك تهيئة للأجواء للمؤمنين ليعملوا الأعمال الصالحة فمردة الشياطين مصفدة حتى يتسنى للمسلمين عمل الصالحات والاجتناب عن السيئات تفتح أبواب الجنان وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر فيتنافس فيه المؤمنون في الأعمال الصالحات.
هكذا هذا الشهر المبارك نفحة من نفحات الله عز وجل .
والسعيد من تعرض لنفحات الله وتبارك وتعالى وإن الحياة فرص من فاتته فرصة من هذه الفرص لا يمكن أن يستعيض ولا يمكن أن ترجع مثل هذه الفرص ولهذا يعلم السر العجيب من فرح السلف الصالح بمقدم هذا الشهر وبكائهم على فراقه فلقد كانوا إذا أتموا صيام شهر رمضان بقوا يبكون ستة أشهر على فراقه ويدعون الله ستة أشهر من أجل أن يبلغهم الله هذا الشهر المبارك.
صح في الحديث عن طلحة بن عبيد الله : (( أن رجلين قدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان إسلامهما جميعا وكان أحدهما أشد اجتهادا من صاحبه فغزا المجتهد منهما فاستشهد ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفى قال طلحة فرأيت فيما يرى النائم كأني عند باب الجنة إذا أنا بهما وقد خرج خارج من الجنة فأذن للذي توفى الآخر منهما ثم خرج فأذن للذي استشهد ثم رجعا إلى فقالا لي ارجع فإنه لم يأن لك بعد فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من أي ذلك تعجبون قالوا :
يارسول الله هذا كان أشد اجتهادا ثم استشهد في سبيل الله ودخل هذا الجنة قبله فقال: أليس قد مكث هذا بعده سنة قالوا بلى وأدرك رمضان فصامه قالوا بلى وصلى كذا وكذا سجدة في السنة قالوا بلى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما بينهما أبعد ما بين السماء والأرض ))[1]
هذا الشهر الكريم ألم يقل فيه النبي عليه الصلاة والسلام يامن يسمع ويعقل يامن يعي معاني كلام الرسول عليه الصلاة والسلام ألم يقل حينما صعد المنبر ذات يوم أمين آمين آمين كما ورد في حديث عمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ : ((صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : آمِينَ آمِينَ آمِينَ ، فَلَمَّا نَزَلَ قِيلَ لَهُ ، فَقَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ أَوْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ : آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ أَوْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ : آمِينَ ، قُلْتُ : آمِينَ ، وَرَجُلٌ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ : آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ))[2].
رغم أنف امرئ :أي تمرغ بالتراب كناية عن الإذلال والتحقير والازدراء به .
إذا المغبون والخاسر خسارة ما بعدها خسارة هو الذي يدرك هذا الشهر ولم يقطف ثمرته لقد مضى ثلثا هذا الشهرالمبارك الكريم .
ويقي الثلث الأمر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : لسعد الثلث والثلث كثير .
نعم خبأ الله تعالى وادخر خير هذا الشهر الكريم في هذا الثلث الأخير الذي قلنا أنه كثير أو كبير وذلك لمن استغل هذه العشر كان النبي عليه الصلاة والسلام يجعل لها برنامجها الخاص بها .
هذا البرنامج الذي يبتدئ من قيامه عليه الصلاة والسلام إلى أن ينام فإنه لم يكن صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام والسلف الصالح الذين جاءوا من بعدهم لم يكونوا ليفرطوا في هذه العشر المباركات فلقد كان يقل نومهم ويقل طعامهم وتقل أشغالهم فهم يفرغون هذه العشر لعمل الآخرة إن النبي عليه الصلاة والسلام كان في هذا الشهر كله يبحث عن كنز.
هذا الكنز الثمين يستحق من الإنسان أن يترك جميع أشغاله وأعماله ويترك أولاده ويترك نساءه من أجل أن يبحث عن هذا الكنز العظيم .
ولهذا فإن الكنز دائما لا يعرف مكانه وليس له خارطة تدل عليه فأي كنز له خارطة توزع من أجل أن يصل إليه الناس هذا ليس أمرا متعبا وليس أمرا مضنيا فكثير من الناس لديه قدره في اكتشاف تلك المواطن ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يبحث عن ذلك الكنز وكان يبحث عنه في ظلمات الليل لعله يوفق له هذا الكنز هي تلك الليلة التي أنزل الله عز وجل فيها القرآن هي تلك الليلة التي تتنزل فيها الملائكة وفيهم جبريل عليه السلام تلك الليلة التي تنزل فيها الرحمة وتنزل فيها البركة وتوزع على كل من تعرض لها لينال من بركة تلك الليلة من كان متحريا لها هذا الكنز كما قلنا ليس معلوما بل هو إلى الآن غير معلوم ولكن هناك علامات تدل عليه هذه العلامات التي تدل عليه لا تكون من اليوم التي قبلها بل تكون في بدية الليلة وقد تكون أثناء الليلة وقد تكون صبيحة الليلة وقد تكون في اليوم الثاني من تلك الليلة ولهذا حري بنا أن نحصل على هذا الكنز العظيم الذي كان صلى الله عليه وسلم يبحث عنه وهو عبد قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
اعتكف النبي عليه الصلاة والسلام لهذه العشر في مسجده فلماذا اعتكف ؟
هل هو هروب من الفتنة أبدا لقد تحمل النبي عليه الصلاة والسلام المسئولية بجدارة فلقد كان يدير شئون الدولة كلها وكان مبلغا عن ربه وكان زوجا صلى الله عليه وسلم وكانت له علاقاته الاجتماعية وكان قدوة عليه الصلاة والسلام في إعطاء كل ذي حق حقه اعتكف العشر الأول ماذا يريد يريد ذلك الكنز قبل له ليس في هذا العشر وخرج صلى الله عليه وسلم فأتت العشر الأواسط فأراد أن يعتكف فيها بحثا عن الكنز فاعتكف فقيل له : ليس في هذه العشر هل هذا الجهد ذهب سدا لا لم يذهب سدى إنه أيها ا لأخوة وقت وزمن لمناجاة الحبيب سبحان وتعالى .
لو أن لأي واحد منا حبيب يحبه وصديق حميم وهو يريد أن يجلس معه قلبه متيم به يحب هذا الإنسان إنه يسعى بكل ما أوتي من جهد وقوة من أجل أن ينظر إلى وجه هذا المحبوب من أجل أن يسمع كلام هذا المحبوب يطير نومه لماذا ؟ لأنه طرب في مناجاة هذا المحبوب.
ألا توافقني بأن هذا الإنسان حينما يأتي من سفر بعد طول عناء ويقطع الفيافي والقفار ليس ركوبا بالطائرات ولكن مشيا على الأقدام كل ذلك من أجل أن يلتقي أحبته فإذا وصل بعد أيام من العناء والمشقة وحط رحله بين أحبابه نسي كل متاعبه وذلك لأنه وجد من يحبه أليس ربنا جل وعلا هو أجل من نحب لأنه هو الخالق والرازق والرحيم ولأنه هو الودود الذي يتودد إلى خلقه سبحانه وتعالى فلم تذهب أيامه صلى الله عليه وسلم هدرا لأنه كان في مناجاة الله في مناجاة من يجب سبحانه وتعالى ولهذا فالمؤمن أشد حبا لله كما قال سبحانه وتعالى: ((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ )) سورة البقرة آية(165).
إن المؤمن أحب شيء عنده هو ربه خالقه فأنت حينما تقرأ القرآن إنما تناجي الله إنما تناجي محبوبك إنما تخاطبه ويخاطبك حينما يقول لك (( يا أيها الذين آمنوا)) حينما يقول (( يا أيها الناس)) حينما يقول لك (( يا عبادي )) وحينما تقول ((ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا )) .
هذه كلها مناجاة من المحب لحبيبه والله تعالى يحب عباده المؤمنين قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))سورة المائدة(54).
وليس العجب كما قال أهل العلم أن يحب العبد ربه فهو خالقه سبحانه وتعالى لكن العجب أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحب عباده المؤمنين .
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن الكنز الذي تبحث عنه إنما هو في العشر الأواخر فشمر وشد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله وشارك أصحابه أيضا في القيام وحثهم على ذلك ورغبهم فقال صلى الله عليه وسلم كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))[3].
وبخصوص تلك الليلة: جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :( (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))[4]
هذا كله ترغيب للناس من أجل أن يقوموا هذه الليلة وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف واعتكف أصحابه واعتكف نساؤه كل هذا رغبه في هذا الخير .
لا بل إن الخير كله في البيوت في بيت المسلم كله هذا النشاط وهذا الجد رجاء التعرض لهذه النفحات العظيمة في البيت كله .
شد المئز أحيا ليله وأيقظ أهله قوموا صلوا ادعوا الله تعالى اقرؤا القران اذكروا الله سبحانه وتعالى لعلكم تفوزون فوزا عظيما في هذا الشهر المبارك.
هذا الليلة من بركتها وفضلها وخيرها أن الله تعالى جعلها زمانا لتنزل القرآن العظيم ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)))سورة القدر.
أي ثواب العبادة فيها خير من عمل ألف شهر .
ألم تروا أن من حرم هذه الليلة فقد حرم خير كثيرا لو أن إنسانا عاقلا وهو يتاجر في أمواله فقيل له إن عملت هنا الربح بعشرة الريال بعشرة و هنا بأضعاف لا يحصيها إلا الله عز وجل فقال لا أنا أذهب هنا يقول له الناس إن هذا في عقله شيء لأنه ترك الربح العظيم .
عثمان رضي الله عنه حينما جاءت تجارته وأتاه التجار من كل مكان يريدون أن يشتروا منه تلك البضاعة فكان يقول لهم لقد بعتها على من زاد على ما أعطيتموني فيأتيه الثاني فيعطيه ثلاثة أضعافه فيقول لقد بعتها على من أعطاني أ كثر إلى أن قيل له من أعطاك أكثر من هذا ؟ قال بعتها على الله عز وجل .
وحين جهز جيش العسرة رضي الله عنه وفعلا البيع الرابح هو هنا في مثل هذه الأعمال الصالحات قال الله تعالى :((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) سورة التوبة آية (111)
أنت هنا متاجر مع الله سبحانه وتعالى في كل أعمالك إنها تجارة .
هذه التجارة لا يمكن أن يخسر الإنسان فيها أبدا ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لصهيب لما أقبل مهاجرا نحو المدينة واتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وانتشل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، فافعلوا ما شئتم، فإن شئتم دللتكم على مالي وخليتم سبيلي، قالوا: نعم، ففعل. فلما قدم على النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ((ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع، قال ونزلت: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد))[5].
لأنه باع نفسه لله وترك حطام الدنيا وراءه.
أيها الإخوة الزمن يمضي دخل الشهر ثم مضى الثلث ثم انتصف ثم نحن الآن في الثلث الأخير وكأنه طرفة عين لكن ينبغي أن نستغل هذه الباقيات وينبغي على العبد المؤمن أن يشمر عن ساعد الجد وأن يغتم هذه الفرصة فلعل الفرصة لا تعود أبدا وسيندم الإنسان على هذا الفرص التي يتيحها الله عز وجل ثم لا يستغلها.
إن الإنسان إذا مات ـ والله ـ لا يندم على ما لم يكسبه ولا على جاه ولم يبلغ إليه بل لا يذكر هذا أبدا إنما يندم علة وقت فرط فيه ولم يطع فيه ربه سبحانه وتعالى (( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100))) سورة المؤمنون الآيات ((99-100)).
فهو لا يريد إلا أن يعمل عملا صالحا يندم الإنسان يوم القيامة ويعض على يديه لأنه لم يستغل وقتا هيأه الله له في طاعته ثم لم يستغله .
اجعل لسانك رطبا بذكر الله عز وجل كن دائما ذاكرا لله عز وجل في هذه الأيام الباقيات اشغل نفسك بالتجول في صفحات كتاب الله عز وجل أعمل فكرك في آيات الله عز وجل أعمل فكرك في إبراز صفات الله الحسنى في إبراز معاني كتاب الله عز وجل أعمر وقتك في طاعة الله عز وجل أغلق عنك العالم كله في هذه العشر والله لن تندم على خبر أتى في الجريدة أو الإذاعة أو التلفاز ثم لم تعلم عنه شيئا وأقول مع هذا كله لا بأس أن يكون عند الإنسان موجز إن كان مولعا هذا الموجز يمكن أن يأخذه خلال ثواني لكن بقية وقته كله طاعة لله عز وجل ولهذا ينبغي للإنسان أن يفرغ من وقته شيئا لهذه الأيام وإذا لم يستطع فليس أقل من الليالي يحرص أن يكون في بيت من بيوت الله عز وجل وخاصة الأوتار فهي أرجى لأن تكون ليلة القدر في أحداها .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور ا لرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه و من والاه.
أيها الإخوة الفضلاء:
العمر قصير في هذه الأمة ولذلك ينبغي أن يستغل.
ومن رحمة الله أنه بارك لهذه الأمة في أعمالها وبارك لها في حسناتها تعويضا على هذا النقص في الأعمار .
كان الأوائل من بني إسرائيل يعمرون ألاف السنين هذه اِلأمة لا تتجاوز السبعين السنة وقليل من يتجاوز ذلك كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام لكن الله سبحانه وتعالى جبر كسرها ومصيبتها بأن بارك لها في الأعمال فالحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها وهناك ما يضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة الصوم لا يعلم جزاءه إلا الله سبحانه وتعالى كما قال في الحديث القدسي المروي عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :قَالَ اللَّهُ : (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ))[6].
في هذا الشهر الكريم أصول العبادات فأنت تصلى وأنت تصوم وأنت تزكي وأنت تتصدق وأنت تقرأ القرآن وأنت تدعو إلى الله و أنت تذكر الله وأنت تعتكف وأنت تخرج زكاة الفطر وأنت تطعم الصائمين وتفطرهم وأنت تكسو للعيد وأنت وأنت .
جمع الله سبحانه وتعالى هذه الأصول في هذا الشهر المبارك الكريم ولهذا كان هذا الشهر هو تاج الشهور ينبغي أن يستغل أحسن استغلال .
وبقيت هذه الليالي المباركات فينبغي على كل مسلم أن يستغل وقته كل لحظة ينظر ماذا سيصنع فيه لله سبحانه وتعالى وماذا عساه أن يفعل .
حتى ذلك الإنسان الذي يكون مشغولا مثلا في عمله والله إنه يمكن أن يعمل خيرا كثيرا تستطيع أن تفعل خلال دقيقة واحدة إذا كنت محافظا على وقتك وتعرف فضيلة هذا الليالي والأيام لأنه بالتجربة في خلال دقيقة وأخرى تستطيع أن تقرأ قل هو الله أحد عشر مرات سردا.
وتستطيع أيضا في دقيقة أخرى أن تأتي بأذكار وهلم جر.
فاقصد من هذا أنه ينبغي على المسلم أن يعمل فكره وجهده وأن يستجمع قواه فيما تبقى من هذا الليالي المباركة كيف يشغلها في طاعة الله عز وجل يتصدق يصل رحمه يزور مريضا يصلح بين اثنين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يداوي مريضا يكسو عاريا يفعل كثيرا من الأمور يذكر الله يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن يستمع للقرآن يسمع ذكر الله عز وجل وهكذا.
فيستطيع الإنسان العاقل اللبيب الذي يفهم حقيقة هذه التجارة أن يصنع شيئا عظيما فيما تبقى من هذه الليالي المباركة .
لكن القضية تحتاج إلى همة هذه الهمة موجودة فيك لكن تحتاج إلى أن تستنهضها فقط.
كيف تستنهضها؟
أضرب لك مثالا كثير من الناس ربما يكسل عن قيام صلاة الفجر في كثير من الأيام ونحن نقر بهذا بل كثير من الناس ربما لا يصلى الفجر في جماعة إلا في رمضان وهذا قطاع كبير من المسلمين على هذا المنوال هذا مثال كيف تستنهض القوة لو أن هذا الإنسان الذي لا يقوم الفجر أبدا قيل له إن سفرك إلى بلاد كذا الساعة الثالثة قبل الفجر تكون في المطار تراه لن يقوم لا لأقول لك لن يقوم بل لن ينام لماذا ؟
لأنه استنهض الهمة فنهض ولهذا من عرف حقيقة يوم المحشر وعرف حقيقة يوم القيامة ضاع نومه وستستنهض همته للاستعداد لذلك اليوم من أجل ألا تزل أقدامنا في هذا اليوم فإذا عرفنا الحقيقة فإن الهمم ستستنهض .
ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال له أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله قد شبت قال: ((شيبتني هود والواقعة والمرسلات و { عم يتساءلون } و { إذا الشمس كورت }))[7]
لما فيها من الهول هول يوم القيامة فلهذا كان صلى الله عليه وسلم همته في القمة ولهذا لا تبنى الأمم ولا الدول ولا يبنى الإنسان نفسه إلا بهذه الهمة فهل وجدتم كسولا خمولا نائما هل وجدتموه في مصاف الذين بلغوا من المراتب أعلاها؟ لا بل في الحظيظ لكن أصحاب الهمم هم الذين بلغوا القمم سواء على مستوى الفرد نفسه أو على مستوى الشعوب والدول حتى الآخرة لا تأتي إلا بهذه الهمم هذه العشر على كل حال ينبغي أن نستجمع فيها هممنا وينبغي كذلك أن نستحث أبناءنا وأسرنا على استغلالها، أخذا من فعل النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يحي ليله ويوقظ أهله .
تلاوة القرآن في هذه الليالي المباركات لا شك أنه في هذا الليالي يتضاعف أجره أكثر كذلك النفقة والصدقة لها وقعها في هذه الليالي المجتمع الإسلامي مجتمع متكامل ينبغي لكل إنسان أن ينظر في أهله وأقاربه من المحتاجين فالصدقة على هؤلاء الأقارب المحتاجين صدقة وصلة وأجرها أعظم من أن تعطيها إلى إنسان أجنبي كذلك الأباعد إذا تصدقت عليهم في هذه الليالي فأنت أيضا ما جور وأجرك مضاعف ارسموا البسمة على شفاه الفقراء والأيتام والمساكين والأرامل أيها الأخ الفاضل لو أنك وقفت موقفا بين يدي أسرة فقد عائلها وهم في يوم العيد الأطفال يطالبون أمهم بكسوة العيد وهم ينظرون إلى أبناء الجيران وقد لبسوا ثيابهم الجديدة فتنهمر عيونهم بالدموع الأم تبكي والأطفال يبكون .
ألا تستطيع أن ترسم البسمة في شفاه هؤلاء تستطيع والله ريال بجانب آخر نستطيع أن نفعل فيه خيرا كثيرا بإذن الله عز وجل لو كان قلبك من حجر وأنت ترى مثل هذا المنظر ستتأثر وستبذل أغلى ما عندك أنا متأكد خصوصا في هذا الشهر الكريم ونحن نقرأ القرآن والقلوب ترق بإذن الله عز وجل ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام ((الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء))[8]
أسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بالتوبة النصوح والحمد لله رب العالمين .
اضافة تعليق