تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

عشر من ذي الحجة

هذه الأيام التي اختصها الله بمزية على سائر الأيام مع أنها داخلة في الأشهر الحرم التي نهي الله تعالى عن ظلم الإنسان لنفسه فيها.

 

فضل العشر من ذي الحجة

العناصر:

1- اصطفاء الله لبعض الأزمنة والأمكنة 2- فضل العشر من ذي الحجة 3- الأضحية وشروطها.

 

أما بعد:

 

عباد الله:

فإن الله يصطفي من مخلوقاته ـ من الملائكة ومن الرسل ومن الناس ومن البقاع والأزمنة والأمكنة ـ ما يشاء سبحانه وتعالى.

قال الله سبحانه وتعالى: ((اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ )) سورة الحج آية (75).

وقال سبحانه وتعالى : ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) سورة القصص آية (68).

فالخيرة لله عز وجل والاصطفاء له سبحانه وتعالى فهو الذي يفضل ما شاء على من يشاء سبحانه فيفضل بعض الملائكة على بعض وبعض الرسل على بعض ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )) سورة البقرة آية(253).

وأفضل الأنبياء نبينا صلى الله عليه وسلم.

ويصطفي سبحانه من البقاع ما شاء مع أن الأرض كلها لله جل وعلا ففي الحديث الصحيح عن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أي البلدان أحب إلى الله وأي البلدان أبغض إلى الله ( (قال لا أدري حتى أسأل جبريل صلى الله عليه وسلم ) فأتاه فأخبره جبريل أن أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق ))[1]

المساجد أحب البقاع لأنها محل لذكر الله عز وجل والسكينة والخشوع والصلاة وذكر لله عز وجل.

والأسواق مكان لغط ولعن وفحش وكذب … إلخ.

واصطفى المساجد الثلاثة من بين سائر المساجد فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه و سلم ومسجد الأقصى )) [2]

واصطفى الله عز وجل من أيام الأسبوع الجمعة فقال صلى الله عليه وسلم ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ))[3]

واصطفى من الشهور الأشهر الحرم قال الله تعالى : ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )) سورة التوبة(36).

وظلم النفس منهي عنه في سائر الشهور والأيام لكن الله عز وجل خص هذه الأشهر بهذه المزية للعناية بها لأن الذنوب فيها أثمها أعظم من سائر الشهور.

واصطفى الله عز وجل رمضان للصيام واصطفى من ليالي رمضان العشر ومن العشر ليلة القدر لتزل ا لقرآن العظيم فيها ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) )) سورة القدر.

ولذلك كان العمل الصالح فيها ثوابه وأجره أعظم من عمل ثلاث ثمانين عاما أي عمرا كاملا في الغالب فالقيل من يتجاوز السبعين من هذه الأمة.

كما اصطفى الله عز وجل من أيام الأشهر الحرم العشر من ذي الحجة هذه الأيام الفواضل التي فيها نفحات لله تعالى.

من تعرض إليها وأصابته فاز وافلح في الدنيا والآخرة .

هذه الأيام التي اختصها الله بمزية على سائر الأيام مع أنها داخلة في الأشهر الحرم التي نهي الله تعالى عن ظلم الإنسان لنفسه فيها.

ولما كان الظلم للنفس منهي عنه في هذه الأيام ناسب الحث على العمل الصالح المشغل للنفس الأمارة بالسوء في هذه الأيام فكانت المناسبة جميلة أن حث الله على العمل الصالح فيهن وكانت المناسبة جميلة أنه سبحانه وتعالى ضعف الأجر ترغيبا لهذه النفس كي لا تفرط في لحظة من اللحظات إلا وهي تستغله في طاعة الله عز وجل ويدل على فضائل هذه ا لأيام قول الله عز وجل ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ))سورة الحج (27).

يأتون رجالا أي ماشين على أرجلهم وعلى كل ضامر : أي على كل دابة ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.

ذكر الله مطلوب ومحبوب في كل وقت وفي كل زمان ومكان لكن تخصيص الله عز وجل لذكره في هذه الأيام دليل على مزيد العناية في هذه الأيام المباركات فجعلها أيام ذكر له سبحانه وتعالى.

وأصرح شيء في هذا ما رواه الإمام البخاري رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه قال: ((مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ))[4]

أي هذا الأيام التي ستدخل علينا في الأسبوع القادم يوم الأحد أو يوم الاثنين على أن الشهر سيكون ثلاثين قال قائل: ولا الجهاد في سبيل الله وهذا يدل على أن الجهاد في سبيل الله من أرفع الأعمال ومن أفضل الأعمال قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء أنفق ماله واستشهد في سبيل الله تعالى فهذا في أرفع المنازل هذا يحثنا حثا شديدا على لزوم اغتنام هذا الفرصة السانحة واغتنام هذه النفحات الربانية التي تقينا في الآخرة من لفحات جهنم فرب عمل صالح كما قال الحافظ ابن رجب رحمه الله قال: إن العمل المفضول في سائر الأيام لو عمله الإنسان في هذه العشر كان أفضل من غيره في سائر الأيام وأن كان فاضلا.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: والذي يظهر أن امتياز هذه العشر بهذه المزية لاجتماع أمهات العبادة فيها من حج وصلاة وصيام وصدقة ولا تجتمع هذه العبادات إلا فيهن . أي لا يوجد حج في غير هذه الأيام وإن كان الذكر والصدقة والصيام في أي وقت لكن هنا  أفضل وأحب إلى الله واجتمعت أمهات العبادات في هذه الأيام .

إذا هذه الأيام فاضلات لم يكن أحد من السلف الصالح يفرط في مثل هذه الأيام وإنها عندنا إلا ما شاء الله أيام لهو وأيام جري في السواق ولهث وراء الأمور الدنيوية ونسينا أعمال الآخرة التي نحن بأمس الحاجة إليها في دنيانا وأخرانا وهي التي تنفعنا ويتمناها الإنسان ويفرح بها بعد موته .

 

أيها الأخوة الكرام :

الأعمال الصالحة في هذه الأيام وردت في الحديث مجملة ولا شك أن أي عمل صالح يندرج تحت هذا النص.

أولها وأفضلها: حج بيت الله الحرام لمن كان قد يسر له وأدرج نفسه ضمن قوافل حجاج بيت الله فذلك أفضل الأعمال بما يتقرب إلى الله عز وجل لأن الحج مكفر للذنوب فمن حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه .

ويوم عرفة يوم يكون فيه الشيطان أخسأ من غيره لما يرى من غفران الله لعباده وليس ثمة يوم يعتق الله عز وجل فيه عباده من النار مثل ذلك اليوم ولذلك كان الشيطان أخسأ ما يكون في هذا اليوم .

ومن الأعمال الصالحة أيضا :أداء الصلوات مع الجماعة في بيوت الله عز وجل وهكذا الإكثار من النوافل.

ومن الأعمال المحبوبة والمفضلة عند الله عز وجل: قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله سلم ذكر الله عز وجل الذكر المطلق والصدقة وتفقد أحوال الأيتام والأرامل والمساكين في مثل هذا الأيام وصلة الأرحام والدعوة إلى الله عز وجل والتواضع لله عز وجل والتخلق بالأخلاق الفاضلة وإتقان العمل وإظهار الأمانة وحسن الجوار هذا كله مما يتقرب به إلى الله عز وجل في مثل هذا الأيام وهكذا تصفية القلوب والتسامح من أفضل ما يتقرب إلى الله .

 

ومن الأعمال الصالحة أيضا التكبير في هذه الأيام والتكبير في العشر على نوعين:

قسم مطلق: ويبدأ من أول أيام العشر ومعنى مطلق أن تذكر الله عز وجل وتكبره وتحمده في كل وقت وحين.

وقسم مقيد: ويبتدئ من بعد صلاة الفجر من يوم عرفه وهو مقيد بأدبار الصلوات وكان كثير من الصحابة في منى كعمر وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين كانوا يكبرون الله عز وجل ويرفعون أصواتهم بالتكبير فيسمع أهل منى تكبيرهم فيكبرون بتكبرهم فترتج منى تكبيرا .

فهل نحي هذه السنة أيها الإخوة في أماكن أعمالنا وفي أسواقنا وفي بيوتنا وفي مساجدنا وفي شوارعنا .

إنها سنة تبعث على قوة الإيمان نشعرهم بالتضافر والتعاون والإخاء والتكافل بإقامة العبادات بصورة جماعية ترضي الله عز وجل هل نحي هذه الشعيرة إن كنت ممن يستحي ربما ولا حياء في هذا من أن تلهج بذكر الله عز وجل فليس أقل من أن تأخذ شريط كاست أو سيدي وتضعه في سيارتك وترفع الصوت بالتكبير ليسمع الناس التكبير أيها الكرام لنكبر الله عز وجل ونحيي ذكره ولتكن عندنا من العزة بهذا الدين والفخر والاعتزاز بشعائره أعظم وأفضل من أولئك التائهين الذين يرفعون أصوات مسجلاتهم بالأغاني وبضرب الدفوف وما شاكل ذلك إنه ربما يمرون في الشوارع ويسمعون الناس الأغاني والمزامير وهم رافعوا رؤوسهم بفخر واعتزاز وإن كان هذا مما يزعج كثيرا من الناس لكن هكذا هم فلتر الله عز وجل من نفسك قوة في هذه الأيام بإظهار الشعائر بتكبير الله عز وجل وبحمده واللهج بذكره الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله وأكبر ولله الحمد.

المزارع في مزرعته ربة البيت في بيتها العامل في مقر عمله البناء في عمارته كل إنسان في أي مكان يلهج بذكر الله عز وجل ليحي هذه السنة التي كادت أن تصير ميتة بين المسلمين .

هذه الأعمال وغيرها من الأعمال الصالحة من أفضل ما يتقرب به إلى الله عز وجل.

هذه الأيام أيام فاضلة لا ينبغي لمسلم عاقل أن يحرم نفسه من أجرها أو أن يفوت فضلها فو الله أن المفرط سيندم ندما شديدا يوم لا ينفع الندم.

وكذلك مما يتقرب به إلى الله عز وجل في هذه الأيام: الصيام وهذه الأيام الأجواء فيها غاية في المناسبة لصيام هذه الأيام.

فعن هنيدة بن خالد عن زوجته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (( إنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العشر من ذي الحجة )) والعرب من عادتها إنها تجبر الكسر وهذه الأيام في الحقيقة تسع لكن الكسر جبر فقيل عشر وهي في الحقيقة تسع فالصيام فيها فاضل على سائر الأيام وخاصة صيام عرفة كما سيأتي أنه أفضل الصيام في هذه الأيام وصيام عرفة إنما يشرع لغير الحجيج .

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

ومن الأعمال الفاضلة في هذه الأيام: شراء الأضاحي وهي سنة مؤكدة عند جمهور العلماء هذه السنة التي هي مقصود لذاتها لا يجزئ عن الإنسان إذا تبرع بقيمتها ولو أضعافا مضاعفة لأن الذبح و إنهار الدم مقصود بذاته ((وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37) )) سورة الحج الآيات (36-37) دليل على تقوى الله عز وجل.

وشراء الأضاحي كما ذكرت آنفا سنة مؤكدة ومن أهل العلم من قال إنها واجبة على القادر ولكن الراجح من أقوالهم إنها سنة مؤكدة وكان بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام تتوفر عندهم القدرة على شراء الأضحية ولا يشترونها ولما قيل لهم لم؟

قالوا حتى لا يظن الناس إنها واجبة .

فيشرع شراء الأضاحي في هذه الأيام وعلى من أراد أن يضحي أن يشتري أجود ما يجد وأن يستسمن الأضحية وأن لا يستكثر الثمن فذلك أجره عند الله تعالى والله سبحانه يخلف على من ينفق في هذه الأبواب فيستحب في الأضحية أن تكون سمينة وأن تكون حسنة المنظر وأن تكون كاملة الأعضاء ولذلك ذكر العلماء من شروط الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام البقر و الإبل والماعز والضأن ويشترط كذلك في الأضحية بلوغ السن الشرعية.

فالبقر سنتان والجمال خمس سنوات والماعز سنة والضأن ستة أشهر ويشترط كذلك لصحة الأضحية أن تكون رأسا من الضأن أو الماعز عن رب البيت وأهل بيته أو سبعا من البقر أو الإبل ويشترط كذلك في صحة الأضحية أن تكون في الوقت المسموح به شرعا وهو بعد صلاة العيد وينتهي قبل غروب الشمس الثالت عشر من شهر ذي الحجة فمن ذبح قبل صلاة العيد أو بعد غروب شمس الثالث عشر من شهر ذي الحجة فإنما هو لحم يقدمه لأهله ولا يسمى أضحية وإنما هو لحم يقدمه لأهله كما يستحب ويسن لمن أراد أن يضحي أن يمسك عن شعره وظفره وعن بشرته فلا يقص شعرا ولا يقلم ظفرا ولا يأخذ شيئا من بشرته وذلك كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أن المقيم حينما أراد الأضحية وشارك الحاج في بعض المناسك وهو إنهار الدم استحب له في أن يشاركه في بعض المناسك فيمسك عن شعره وعن ظفره وعن بشرته لقول النبي عليه الصلاة والسلام((إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا))[5]

وهذا الحديث استدل له على أن الأضحية سنة قال وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا من بشرته شيئا لكنه لو أخذها سهو فلا شيء عليه ولو أخذها عمدا عليه أن يستغفر الله عز وجل ولا يعود ولا كفارة عليه.

ومن تيسر له شراء الأضحية بعد أن دخلت العشر فله أن يمسك منذ أن يشتري أضحيته أو يهم بشراء الأضحية فليمسك من ذلك الوقت عن شعره وأظافره وبشرته وليس عليه فيما مضى شيء؟.

ومن العيوب التي تمنع صحة الأضحية (( العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها وكذلك الهزيلة البين هزلها )) وقد ذكر العلماء هذه العيوب وغيرها في كتب الفقه .

وأما الأعمال المنهي عنها في هذه الأيام فجميع الذنوب والمعاصي لدخولها في قول الله سبحانه ((فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ…)) سورة التوبة آية (36).

وكذلك ما ذكرنا من النهي عن قص الشعر وأخذ الظفر وأخذ شيء من البشرة إلا إذا كان ثمة ضرورة لذلك.

وأما يوم عرفة وأن كان هو أيضا من أيام الشهر الحرام وداخل في أيام العشر إلا أنه له مزية أخرى ينبغي على من فاته أيام العشر ألا يفوته هذا اليوم المبارك فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال في صيام يوم عرفه ((يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ )).[6]

فيا سبحان الله ما أكرم الله مع عباده إن عملا بسيطا وجهدا يسيرا يكون أجره أجر عظيم إن هذا دليل على كرم الله ودليل علي حب الله عز وجل للصفح والغفران والتجاوز عن عباده أنه يبارك لهم في أعمالهم لكونه يعلم قصر أعمارهم لكن ينبغي للمسلم أن يهتم باغتنام هذه الفرصة وأن تكون نيته صالحة في هذه الأيام في هذا الأيام ويسأل الله تعالى أنه ما يعمل عملا صالحا في هذه الأيام ألا ويجعل له خير وبركة هذه الأعمال في مثل هذه الأيام وأن يجعلها في سجل حسناته .

فيا فلاح من استغل هذه الأيام و يا خسارة من فوتها ولا مانع أن يكون الإنسان متخصصا في طرف من الأعمال والأفضل أن يكون الإنسان ضاربا من كل عمل بحظ وبنصيب وألا يكتفي بعمل واحد ولكن من أنس في نفسه الرغبة والاندفاع وسهولة العمل في جانب من الجوانب فهنيئا له فهذا يقرأ القرآن وهذا يصوم وهذا يذكر الله عز وجل وهذا ينفق وهذا يحسن أخلاقه وهذا يصل أرحامه وهذا يحسن إلى جاره وهذا يحسن عمله .

كل هذه الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل.

هذ وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .

 


[1] – مسند البزار 8/358

[2] – البخاري 1/389

[3] – مسلم 2/585

[4] – البخاري 2/383

[5] – مسلم 6/83

[6] – مسلم 3/163

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق