تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

كن إيجابيا في حياتك

إن الإيجابية سمة إيمانية وميزة   لهذه الأمة لأنها أمة صلاح و إرشاد فالمسلم يعش وتقوى الله ضابط لحياته وسلوكه

كن إيجابيا في حياتك

 

عناصر الموضوع:

1- الإيجابية في حياة  المسلم .

2- الإسلام دين الإيجابية.

3- المؤمن مبتلى .

4- قصة ذي القرنين.

5- إحسان التدبير.

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله وأشهد أن لا له إلا الله وحده لا شريك له إقرارا توحيدا. و أشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه على آله وأصحابه وسلم تسلما مزيدا.               أما بعد:

عباد الله :

إن الإيجابية سمة إيمانية وميزة   لهذه الأمة لأنها أمة صلاح و إرشاد فالمسلم يعش وتقوى الله ضابط لحياته وسلوكه بل إن الإيجابية شرط أساسي للفلاح.

قال تعالى :- (( ولتكن  منكم  أمة  يدعون  إلى  ا لخير  ويأمرون بالمعروف  وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ))[1]

إن منهج الإسلام لا مكان فيه للجامد ولا موضع فيه للعقيم أنه منهج يتسم بالحركة والتفاعل.

قال الله تعالى (( يا أيها الذين أمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ) [2]

أن الإيجابية اقتناع فكري وعقلي وجهد بدني لا يكتفي بتنفيذ التكاليف بل يتجاوزها إلى المبادرة في طلبه والبحث عنه أما أولئك الذين يحلوا لهم الوصف والتهويل ويطيب لهم ندب الخطوب فلا مكان لهم ولا كرامة لأنهم ما عرفوا معاني العزة والشهامة.

– أن العزيمة هي العمل الصادق الجاد  على تغير  سيء الحال  ولاجتهاد  والمثابرة  أما الخضوع للأوضاع  القاهرة  ولاستكانة للأحوال  القاصرة و مواجهتها بالخمول والانزواء وانتظار الفرج فهذا شأن الضعفاء والأقزام  وسمة لدعاة الانهزامية قال الله تعالى (( وضرب  الله مثلا رجلين أحدهم أبكم لا يقدر  على شيء  و هو كل على  ومولاه أينما يوجهه لا يأت بخير  هل يستوي هو  ومن يأمر بالعدل  وهو على صراط مستقيم ))[3].

– إن الأمة لا ترتقي إلا بجيل يتسلح بالعملية الجادة في مواجهة الصعاب والخطوات المتزنة المدروسة لتخفيف وقع المتاعب.

– إن القوي يقابل أفراح الدنيا بالحمد  ويقف في وجه أتراحها بالتدبر  والحلول  والصبر.

– لما أوحى الله عز وجل لمريم  وهي في لحظات التعب الشديدة أن تهز جذع النخلة أمرها بالحركة رغم آلامها وتعبها .

وليس بعيدا عنها حال أم موسى فلم يبرر لها قوة الظالمين وبطشهم أن تذعن وتستكين بل  أوحى لها أن تتحرك.

قال تعالى :- (( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي  ولا تحزني إنا  راده إليك وجاعلوه من المرسلين)[4]

– بالمقابل أنكر الله على قوم موسى لما أمرهم أن يدخلوا على الظالمين (( قالوا يا موسى إن لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون)[5]

أيها الأخوة ا لفضلاء :

لما كانت الإيجابية  بهذه الأهمية  والمنزلة  السامية  العليا شرع الله عز وجل من الشرائع  ما يجعل الفرد إيجابيا في مواقفه متفاعلا منتجا في مجتمعه فحثه على لزوم الجماعة  ومشاركتها في العبادة  لما في ذلك من دوافع العمل المحقق للسعادة ففرض الصلاة خمس مرات.

– إن المشاركة والتداخل تكسب المرء مزيدا من النشاط والتفاعل يرى من هو أعلى منه فيطمح للوصول ويعايش الضعف فيسعى للإصلاح فما أروعه من تشريع.

وحذر النبي عليه الصلاة والسلام  من الوحدة .

فعن أبي ذر رضى الله عنه مرفوعا (( ما من ثلاثة  في قرية وبدو  لا تقام  فيهم  الصلاة  إلا استحوذ عليهم الشيطان  فعليكم بالجماعة فإنما يأكل  الذئب من الغنم  القاصية)) [6]

ويقول صلى الله عليه وسلم (( من بدا جفا ومن تتبع الصيد غفل ومن أتى باب السلطان افتتن ))[7]

بل أن الإسلام راعى  خصوصية  بعض  الأفراد فشرع  الله سبحانه  وتعالى عيادة المريض و أوجب  رعاية المقعد وزيارة الأرحام  وكفالة اليتيم كل ذلك لتحريك المشاعر فسعى أصحابها للإيجابية وشحذ الهمم.

و حرص الإسلام إلى جانب ذلك على تشجيع كل قول يجعل المسلم إيجابيا بحيث يكون مؤثرا لا متأثرا ومغيرا لا متغيرا  قال الله تعالى  (( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة  طيبة  كشجرة طيبة  أصلها ثابت  وفرعها  في السماء تؤتي  أكلها في كل حين  بإذن ربها))[8]

بل إن الإسلام يحث على إرشاد الناس  إلى  الخير وجعل أجر الدال كفاعله  قال صلى الله عليه وسلم ((  من دل  على خير فله مثل آجر فاعله))[9] .

بل يعتبر ا لكلام الذي لا فائدة منه إن لم يدل على الخير قال الله تعالى :- (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة  أو معروف أو إصلاح بين الناس))[10]

ثم  اعلموا أيها الأخوة أن المسلم مبتلى في  هذه الدنيا فالمسلم تعترضه الهموم قال الله:
((  ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم  والصابرين  ونبلوا أخباركم ))[11]

وأمام عصف الخطوب وتكالب المحن تنكشف معادن الناس فالمؤمن الحق ينظر إلى الجانب المشرق  من الأزمات  وإلى ما يمكن أن يجنيه من أضرار النكبات وأول  ما يفكر  فيه الأجر  والثواب الأجر الذي يدخره لآخرته وفي الحديث (( ما يصيب المؤمن  من نصب  ولا وصب  ولا هم ولا حزن  ولا أذى ولا غم حتى الشوكة  يشاكها إلا كفر الله بها الله من خطاياه))[12]

فالمؤمن يقابل ما يصاب بما يقويه من الحلول والعلاجات وما يستطيعه من التدابير  والترتيبات قال عليه الصلاة  و السلام (( المؤمن القوي خير من المؤمن   الضعيف احرص على ما ينفعك و لا تعجز   )) [13]

– ولقد ضرب القرآن أروع الأمثلة لحال المؤمن مع الشدائد فهذا يعقوب عليه السلام يقابل مصيبة فقد ولديه بقلب ثابت  فلما جاء أبناؤه بالخبر  قال : ((بل سولت لكم أنفسكم أمرا  فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه  هو العليم  الحكيم ))[14]

ثم يوجه بقية أبنائه توجها إيجابيا للتعامل مع هذه المشكلة  وأرشدهم إرشادا إيمانيا لحل هذه المعضلة فقال : (( يا بيني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه و لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم  الكافرون))[15]

ولنقف قليلا مع هذه السورة المباركة لتكتمل الصورة الإيجابية والحلول الجادة العملية التي يواجه المؤمن مصائب الزمان .

– فعندما استشرف يوسف عليه السلام أن مصر مقبلة على قحط وجدب فهل قابل ذلك بندب الحظوظ وانتظار الآخرين ليقوموا بالحلول أم واجهها بتدبير حكيم وإجراء متقن.

فلتسمع ((قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي  من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي  من بعد ذلك عام  فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ))[16]

إنها إيجابية بكل صورها وفيه عدم  اليأس والاستسلام للواقع .

– ولنذهب أيضا إلى قصة أخرى من قصص القرآن  ولنأخذ  منها العبرة والعظة لأوضاعنا .

– هذا ذو القرنين ساح الأرض حتى بلغ بين السدين وجد أناسا فيهم قوم يأجوج ومأجوج فقصوا عليهم حياتهم .

ولنسمع للقرآن  وهو يحكي ما حدث بالتفصيل : قال الله تعالى (( حتى إذا بلغ  بين السدين  وجد من دونهم قوما لا يكادون يفقهون قولا  قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج  مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا بينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير فاعنوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما أتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال أتوني افرغ عليه قطرا فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا))[17]

– ويحكى رسولنا عليه الصلاة  والسلام قصة  رجل رأي معضلة  تواجه  الناس  فبادر إلى حل عملي قضى على المشكلة  والمعاناة فكتب الله له جنته ورضاه  فعن أبي هريرة مرفوعا (( لقد رأيت  رجلا يتقلب في الجنة  في شجرة  قطعها  من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين))[18]

إن هذا الرجل لم يواجه المشكلة بالكلام وإلقاء اللوم على الناس بل كان إيجابيا فبادر إلى العمل بنفسه فأرح نفسه وإخوانه فاستحق مغفرة الله ورضوانه .

فيا أيها المسلمون واجهوا الحياة بصبر وعزيمة وحلول نافعة ففي ذلك صلاح حالكم ومآلكم .

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين وبعد:

فيا إخوة الإسلام:

إن المتتبع للنصوص يجد أن الإنسان مسئول  عن الرقي بمستواه والسعي لما فيه سعادته في دنياه  وأخراه وأنه سيحاسب عليه قال الله تعالى  (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعه سوف يرى ثم يجزاه  الجزاء الأوفى ))[19]

ولتحقيق هذه السعادة فقد وهب الله الإنسان من القدرات ما يحقق له ذلك لو أراد.

قال الله تعالى (( ألم يجعل له عينين ولسانا و شفتين وهدينه النجدين ))[20]

فالمسلم إذا واجهته الصعوبة واجهها بما وهبه الله من طاقات وقدرات ولا ينتظر معونة من مخلوق .

– المسلم رباه الإسلام على التشمير عن ساعد  الجد متعففا عما في أيد الناس  بل يسعى ويطلب التوفيق في الله قال الله (( للفقراء  الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون ا لناس إلحافا))[21]

كان في هذا الشأن من لا يستطيعون ضربا فكيف عن القوم في غاية القوة  والنشاط على أن القوة وحدها لا تكفي لتحقيق الهدف بل  لابد  من حسن التدبير فيضع في الحسبان ظروف الزمان  والمكان .

لذلك نجد أن الإسلام أرشد الأسرة إلى حسبان التدبير.

يقول عليه الصلاة والسلام ((إذا أنفقت المرأة في طعام بيتها غير مفسدة  كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض ))[22]

ومن أهم أسس التدبر الاقتصاد في النفقة فإنه يقي شر  الفاقة والعيلة.

إن الإنفاق في حال الرخاء والشدة ليس سواء بل لكل سياسة قال الله تعالى(( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير))[23]

 

 

ختاما إخوة الإسلام :

تنبهوا فإنه لا يليق بالمسلم التكاسل والعجز فإنهما داءان خطيران استعاذ منهما النبي عليه الصلاة والسلام.

فاللهم نعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر .

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .


[1] -آل عمران آبة (104)

[2] -التوبة آية (38)

[3] -النحل آية (76)

[4] -القصص آية (7)

[5] – المائدة آية (24)

[6] -الترغيب 1/272

[7] -السلسلة الصيحة 3/267

[8] -إبراهيم آية (24)

[9] – المشكاة 1/72

[10] – النساء آية (114)

[11] -محمد آية (31)

[12] الترغيب 4/284

[13] -مسلم 4/رقم الحديث2052

[14] -يوسف آية (18)

[15] -يوسف آية (87)

[16] -يوسف آية (46-49)

[17] – ا لكهف آية(92-97)

[18] المشكاة 1/595

[19] – النجم آية (39-41)

[20] -البلد آية (8-10)

[21] -البقرة آية (273)

[22] أبي داود2/ رقم الحديث 1687وهة فب البخاري ومسلم

[23] -لقمان آية (34)

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق