تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

آية( ذا النون دروس وعبر )

آية ذا النون دروس وعبرالعبد يشاء والله يشاء العبد يريد والله يريد ولكن لا تنفذ إلا إرادة الله ومشيئته – سبحانه وتعالى…

خطبة بعنوان : آية (ذا النون دروس وعبر)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .

يا من يرى ما في الضمير ويسمع                أنت المعد لكل لما يتوقع

يا من يرجى للشدائد كلها                     يا من إليه المشتكى والمفزع

يا من خزائن ملكه في قول كن                 أمنن فإن الخير عندك أجمع

ما لي سوى فقري إليك وسيلة               فبالفتقار إليك فقري أدفع

ما لي سوى قرعي لبابك حيلة               فلأن رددت فأي باب أقرع

ومن الذي أدعو وأهتف باسمه                إن كان فضلك عن فقيرك يمنع

حاشا لجودك أن تقنط عاصياً              الفضل أجزل والمواهب أوسع

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفوته من خلقه وخليله أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وكشف الله تعالى به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه خير من التجأ إلى الله في الشدائد وخير من رفع يديه إلى السماء عند الكروب وخير من دعا ربه سبحانه وتعالى –  معتمداً عليه وعلى فضله وعلى وعده لإجابة سؤال السائلين ودعاء الداعين هذا النبي الكريم الذي هو أسوتنا في كل أمر من أموره صلى الله عليه وآله وسلم – الذي جمع فضائل الأخلاق وجمع الشمائل كلها حتى مدحه ربه بالقرآن العظيم فقال : (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) سورة القلم آية (4)

من أين أبدأ في مديح محمد                  لا الشعر ينصفه ولا الأقلام

هو صاحب الخلق الرفيع على المدى        هو قائد للمسلمين همام

هو سيد الأخلاق دون منافس              هو ملهم هو قائد مقدام

ماذا نقول عن الحبيب المصطفى            فمحمد للعالمين إمام

ماذا نقول عن الحبيب المجتبى               في وصفه تتكسر الأقلام

رسموك في بعض الصحائف مجرماً           في رسمهم يتجسد الإجرام

لا عشنا إن لم ننتصر يوماً                   فلا سلمت رسومهم ولا الرسام

وصفوك بالإرهاب دون تعقل               والوصف دون تعقل إقحام

لو يعرفون محمداً وخصاله                   هتفوا له ولأسلم الإعلام

في سدرت الملكوت راح محلقاً               تباً لهم ولأنفهم إرغام

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار 

أيها الكرام :

 ما من أحد منا إلا وتحل به الكروب وتنزل عليه بعض الشدائد فلا يجد إلا أن يلتفت يمنة ويسرة وأماماً وخلفاً  يلتمس الحلول ويقلب الأفكار يأتي بالخيارات عساه أن يخرج من تلك المشكلة أو المعضلة التي نزلت به وقد ينسى ربه الذي يفرج الكروب وينفس الشدائد في غمرة مثل هذه الأحداث قد ينسى الإنسان ربه ويلجأ إلى ضعيف مثله ليس بيده من الأمر شيء (( قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ )) سورة آل عمران آية ( 154)

((وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) سورة التكوير آية (29)

العبد يشاء والله يشاء العبد يريد والله يريد ولكن لا تنفذ إلا إرادة الله ومشيئته – سبحانه وتعالى – إن لنا أسوة في أنبياء الله – جل وعلا – الذين كانوا يلجئون في الكروب كلها إلى الله – جل وعلا – والذين كانوا يتوسلون إلى الله – تعالى – بحبه وبتعظيمه وتوقيره ، بإتباع شرعه وتنفيذ أوامره وفي هذه الدقائق نذكر قصة نبي من أنبياء الله تعالى – بل في جزئية من حياته هذا النبي الكريم هو الذي ذكره الله تعالى في قوله : ((وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ))

سورة الأنبياء الآيات ( 87- 88)

 ذا النون أي صاحب الحوت ويقال في لغة العرب للحوت نون وهو يونس بن متى الذي أرسله الله  – تعالى – إلى أهل نينوى قرية من قرى الموصل بالعراق داعياً إلى الله فدعاهم فأبوا واستكبروا وعاندوا وكان الله سبحانه قد أمره  أن لا يستعجل وألا يخرج وألا يتخلى عنهم وأن يكون له قدوة وأسوة في الأنبياء قبله ألم يمكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ومع هذا قال الله تعالى – ((وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ )) سورة هود آية (40)

ويونس عليه السلام – تعجل بعد ثلاثة أيام خرج مغاضباً منهم ومن عنادهم وكفرهم فقال لهم بعد ثلاثة أيام يأتيكم العذاب لأنه لم يؤمن به أحد بل وقفوا حجر عثرة أمام دعوته لكنه نسي أن يستـأذن ربه في الخروج .

لماذا خرج مغاضباً وإلى أين؟ لأنهم عصوه وكفروا بما جاء به فأراد أن يخرج من هذه القرية لأنه سيأتيهم عذاب أليم كما وعد الله تعالى – ووعد الله لا يخلف فذهب إلى البحر فوجد سفينة ملآى فقال أركبوني معكم قالوا السفينة ملآى فقال صاحب السفينة هذا يونس بن متى كيف نتركه فحملوه ولما كانوا في وسط البحر  اضطرب البحر بأمواجه العظيمة فخافوا أن يقلب عليهم البحر السفينة بمن فيها فقالوا المخرج هنا أننا نخفف من الحمولة فقالوا ليس عندنا إلا أن نرمي المتاع فرموا بالمتاع وما زال البحر مضطرباً قالوا إذاً لابد أن نخفف من الركاب فدخلوا في قرعة ودخل معهم يونس بن متى  قال الله تعالى (( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ )) سورة الصافات آية (141)

فضربت القرعة فخرجت القرعة على يونس – عليه السلام – قالوا معاذ الله نرمي بيونس بن متى أعيدوا القرعة مرة أخرى فأعادوا القرعة مرة أخرى فوقعت على يونس عليه السلام – أيضاً وهكذا في المرة الثالثة إنه ابتلاء من الله تعالى بسبب هذه المخالفة نبي من أنبياء الله تعالى خالف هذه المخالفة كانت هذه هي العقوبة – سبحان الله – ما أحلم الله وما أصبر الله وكيف يربي الله عباده في غزوة أحد كانت مخالفة الصحابة واحدة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – معهم والقرآن يتنزل فقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمسين راميا على ظهر الجبل وقال لهم أبقوا على ظهر الجبل ولا تنزلوا منه مهما حصل لو قطعنا إرباً فلا تنزلوا وانتصر المسلمون في الجولة الأولى وولى جيش الكفر الأدبار فانخزل من هذه المجموعة بضعة عشر راميا قالوا : انتهت المعركة انتصر المسلمون لننزل مهم نعينهم على جمع الغنائم فقال لهم أميرهم : أذكركم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم – لا تنزلوا مهما حصل قالوا : إنما أراد منا أن نحمي ظهورهم وقد انتهت المعركة فرأى جيش الكفار هذه الثغرة التي حدثت في الجبل فالتف وصعد على ظهر ذلك الجبل الذي يطلق عليه اليوم جبل الرماة وسدد رميه على المسلمين وقتل سبعين من الصحابة وكسرت رباعيته صلى الله عليه وآله وسلم – وسقط في الحفرة وهشمت الخوذة التي على رأسه حتى ظن لكفار أن محمداً قد مات فإذا بالمسلمين يتلاومون ويقولون : كيف حصل هذا ألسنا مسلمين وهم كفار ؟ ألسنا على الحق وهم على الباطل فيتنزل قول الله تعالى(( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) سورة آل عمران آية (165) مخالفة واحدة ما أرحم الله وما أحلم الله وما أصبر الله على خلقه كم من المعاصي نعصى الله بها ليلاً ونهاراً ومع هذا ربنا صابر حليم يربينا كي نعود إليه – سبحانه وتعالى – كي نستغفره ويقال: رب معصية خير من طاعة كيف ذاك ؟ يعصى العبد ربه فيتذكر عظمة من عصى فيحترق قلبه ندماً توبة استغفاراً ولجوءاً إلى الله تعالى – وتضرعاً إليه  وانكسارا بين يديه – سبحانه – خير من طاعة يعملها العبد فيغتر بها ويركن إليها ويرائي بها.

أيها الكرام : يونس بن متى عليه السلام – طلعت عليه القرعة وما كان منه إلا أن ينفذ الأمر لأنه ارتضى بالقرعة فرموا به وهم لا يريدون ذلك وقد أرسل الله تعالى – له حوتاً عظيماً بمجرد أن نزل إلى البحر التقمه (( فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ)) سورة الصافات آية (142) دخل في بطن الحوت فأوحى الله إلى هذا الحوت لا تكسر له عظماً ولا تنهش له لحماً فبطنك له حواء فظن يونس أنه مات وظن ألن نقدر عليه ليس المقصود بها أنه ظن أن الله لا يستطيع له وإنما معناه اعتقد جازماً من قلبه أن الله تعالى لن يضيق عليه رزقه قال تعالى(( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)) سورة الطلاق آية ( 7)

أي ضيق عليه ((وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ )) سورة الفجر آية (16) – أي ضيق عليه رزقه فظن وهو في بطن الحوت أن الله تعالى لن يضيق عليه رزقه وسيأتيه أينما يكون قيل أنه مكث أربعين يوماً في بطن الحوت ظن أنه مات فحرك رجله فتحركت فسبح الله تعالى وقال (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )) اعترافاً لله جل وعلا – بالمخالفة وقال يا رب إني قد اتخذت لك مسجداً لم يتخذه أحد غيري .

بالمقابل تذكر قومه بعد خروجه منهم أن موعد الأنبياء لا يخلف فخرجوا بنسائهم وأطفالهم ومواشيهم إلى الصحراء وفرقوا بين الذكور والإناث فرقوا بين الأمهات والأطفال وأنتم تعرفون إنه إذا فرق بين الأمهات وأبنائهم تسمع الصراخ والبكاء فدوت الصحراء بخوار الإبل وببكاء الأطفال وأمهاتهم وقالوا يا رب تبنا إليك نستغفرك ونتوب إليك آمنا بك وآمنا بنبيك يونس عليه السلام – فغفر الله تعالى لهم – هل كان يونس يظن هذا الظن وهل كان سيحدث هذا(( فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ )) سورة يونس آية(98)  حينما جاء الأجل أمر الله تعالى الحوت أن يرمي بيونس إلى البر كيف كان غذاؤه يأتيه ؟ كيف كان يتنفس ؟ لقد كان يونس يتغذى كما يتغذى الجنين في بطن أمه ويتنفس كما يتنفس الجنين في بطن أمه هكذا جعل الله تعالى ليونس بطن هذا الحوت كما جعل بطن الأم للجنين ولا شك أنه حينما قذفه كان في غاية من الإعياء والتعب والإرهاق وجسمه يكاد يتمزع من شدة ملوحة الماء وتعرفون أن الإنسان لو غرق في البحر ومكث ساعات طويلة يبدأ بدنه بالتمزق لكن الله أنشأ على يونس شجرة من يقطين وهي الدباء الأحمر هذه الشجرة – سبحان الله – إذا غطت الإنسان تمنع أي مكروبات أو جراثيم أن تؤثر على جسد يونس بن متى حتى عادت إليه حياته الطبيعية وصحته الطبيعية وفي خضم هذا البلاء العظيم ماذا فعل يونس بن متى ؟ هل قال يا رب اغفر لي يا رب أخرجني من هذه المحنة يا رب لن أعود ؟ كل ما فعله هو أنه أثنى على ربه وما أجمل الثناء على الله لا أحد يحب الثناء والمدح من الله إذا أثنيت عليه أعطاك ما تريد دون أن تقول أعطني اشغل لسانك بالثناء على الله ماذا قال ؟ قال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يقل غير هذا ولذلك هذه الدعوة قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم – ما دعا بها أحد إلا استجيب له فيا من أصيب بالكروب والشدائد والغم والهم عليك بهذا الذكر لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وعليك أن تتذكر دعاء الكرب الذي ذكره لنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم – حين قال دعاء الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم هذا الدعاء ما دعا به إنسان من خالص قلبه إلا فرج الله تعالى كربته ولك أن تجرب أن تلتجأ إلى الله تعالى في حال الكرب بهذين الذكرين سيفرج الله تعالى همك ويأتيك الفرج من حيث لا تحتسب بإذن الله تعالى أسأل الله تعالى أن يفرج عنا وعنكم وعن سائر المسلمين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

وبعد :

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة                   فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن                    فبمن يلوذ ويستجير المجرم

أدعوك رب كما أمرت تضرعاً                فإذا رددت فمن ذا يرحم

ما لي إليك وسيلة إلا الرجاء                 وجميل عفوك ثم إني مسلم

أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أيها الإخوة الكرام :

هذه القصة المباركة التي ذكرها الله عز وجل – في سورتي الأنبياء والصافات قصة عظيمة نستنبط منها فوائد جمة :
1ـ أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة فعليه ألا ينسى ربه بل عليه أن يلتجأ إلى الله ففي سنن الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ))[1]

2ـ نستفيد من هذه القصة أن الثناء دعاء وأن من أثنى على الله جل وعلا – أعطاه الله سؤله وهو سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ذكروا قصة أن فقيراً أتى إلى غني و ما كان يدري هذا الفقير أن هذا الغني كريم بل ظنه بخيل شحيح ربما على عادة كثير من أصحاب الأموال يكونون شحيحين فقال في نفسه أطلبه مباشرة ربما يردني ربما يحرجني وبقى يتكلم مع نفسه حتى دخل الغني إلى بستانه وأغلق الباب أخذ الفقير رقعة من جلد وكتب فيها أنني فقير بجوار باب مزرعتك أنتظر عطاءك ثم وضعها فوق خشبة وأرسلها مع جدول الماء الجاري إلى داخل المزرعة فأمر الغني من كان معه من خدمه أن يعطيه مائة دينار ثم أتى الفقير في اليوم الثاني وبقي يمشي وراء هذا الغني وفعل نفس الفعلة فأرسل له بمائة دينار وهكذا في المرة الثالثة وبعد أن أخذ الفقير من الغني ثلاثمائة دينار هرب وفر قال ربما يكتشفني هذا الغني ويقول هذا نصاب هذا دجال ثم إن الغني بقي منتظراً للورقة تدخل من الجدول في اليوم الرابع فانتظر وانتظر وانتظر فلم تأت هذه الورقة فنظر الغني إلى خدامه وقال : لقد أساء صاحبنا الظن بنا لماذا؟ لأن هذا الغني كان واثقاً بالله أنه ما أنفق إلا وأخلف الله عليه ولهذا كان من يعرف فضل الله وحق الله وحق الفقير في ماله كان إذا نظر إلى فقير ما كان يعرضه للسؤال أبداً وما كان يعرض عنه أبداً لكن من هو السائل؟ السائل المحتاج وليس السائل المحترف كان إذا تعرض إليه فقير أدخل يده وأعطاه بهدوء دون أن يعرضه للكلام ودون أن يعرضه للإهانة أو أن يشعره بالذل والنقصان ولهذا قال الشاعر وهذا طبعاً يصلح في حق الله وإن كان هذا الشاعر وضع هذه الأبيات في ذلك الغني لكنها لا تصلح إلا لله – جل وعلا –

أرسل هذا الفقير لذلك الغني قائلاً :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني                حباؤك إن شيمتك الحباء

إذا أثنى المرء عليك يوماً                 كفاه من تعرضك الثناء

فعلينا جميعاً بالثناء على الله

3ـ هذه الإجابة أيها الكرام – ليست خاصة بيونس عليه السلام – بل هي عامة للمسلمين وقد ورد في ذلك آثار كثيرة منها ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم – أن هذه الدعوة عامة للمسلمين

4ـ على الإنسان ألا يستعجل إذا لم يستجب له بل عليه أن يصبر فنوح مكث ألف سنة إلا خمسين عاماً ومع هذا لم يؤمن معه إلا  قليل ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم مكث ثلاثا وعشرين عاماً  يؤذى ويطرد ويوصف بالأوصاف القبيحة فلما صبر نصره الله تعالى وأعزه لقد خرج من مكة مطروداً وعاد رافعاً رأسه لا بل منكساً رأسه تذللاً لله تعالى – فرحاً بنصر الله تعالى وإنجاز وعده ولذلك يجب علينا أن نعلم أيها الإخوة الكرام – أن الصبر مطلوب من الأب على أبنائه ومن الأم على أبنائها مطلوب من الداعية على من يدعوهم مطلوب من رب العمل على موظفيه مطلوب من المدرس على طلابه مطلوب من مدير المصنع على عماله أن يصبر لكن عليه أن يستمر بالوعظ والنصح والإرشاد فإن الطرد لا يؤدي إلى نتيجة أبداً فإذا طرد الأب أبناءه فقد أسلمهم للشر فالطرد ليس وسيلة من وسائل التربية إطلاقاً بل استمر بالوعظ والدعاء والصبر فإن الفرج سيأتيك بأذن الله تعالى .

5ـ مشروعية القرعة في الأمور الجسام مثلاً عندنا قسمة التركات قد لا يرتضي فلان وفلان فنقول القرعة بينكم وبذلك تحل المشكلة والمعضلة وتكرار القرعة ثلاثاً

6ـ الرضا بقضاء الله تعالى وقدره فلابد أن ترضى بقضاء الله تعالى وقدره في حال إنفاذ القرعة هذا هو نصيبك وهذا هو قدرك

7ـ فضل هذا الدعاء لم يدع به مسلماً إلا استجاب الله تعالى له

8ـ مشروعية الاقتداء بالعمل الصالح بمن كان قبلنا

9ـ علينا بدعاء الكرب لا إله الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم

 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين


[1] – سنن الترمذي ( 5/ 425)

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق