إن ثمار مجالسة الصالحين كثيرة جدا
المجالسة وأثرها
العناصر:
1- الحكمة من خلق الإنسان .
2- أثر المخالطة في سلوك الإنسان .
3- ثمرات مجالسة الصالحين .
4- أضرار جليس السوء.
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
و بعد :
عباد الله:
فمن المعلوم أن الحكمة من خلق الجن والإنس والجن هي عبادة الله عز وجل قال الله تعالى (( وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ))[1]
وقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن جعل الإنسان ميالا بطبعه إلى مخالطة الآخرين ومجالستهم والاجتماع بهم .
وهذه المخالطة تؤثر في الفكر والمنهج والسلوك وهي سبب فعال في مصير الإنسان وسعادته الدنيوية والأخروية دل على ذلك الشرع والعقل و الواقع والتجربة و المشاهدة فمن دلالة الشرع ما أخبر به تعالى عن ندم الظالم يوم القيامة وتأسفه على مصاحبة من ضل وأنحرف قال تعالى (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ))[2]
وقال عليه الصلاة والسلام (( إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تشتري منه وأما تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرقك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ))[3]
قال النووي رحمه الله (( وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ))
وقال ابن حجر رحمه الله (( وفي الحديث النهي عن مجالسة من يتأذي بمجالسته في الدين والدنيا والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما))
ومما لاشك فيه أن الناس معادن ويتفاوتون فيما بينهم فمنهم من هو مفتاح للخير دال عليه ومنهم من هو مفتاح للشر وجالب إليه كما في الحديث ((إن من الناس مفاتيح للخير ومغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ))[4]
إخوة الإسلام :
إن ثمار مجالسة الصالحين كثيرة جدا فعلى سبيل المثال :
1- تشمله بركة مجالسهم ويعمه الخير الحاصل لهم وإن لم يكن عمله بالغا مبلغهم كما جاء في الحديث (( إن لله ملائكة يطفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله نادوا هلموا إلى حاجتهم قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم ما يقول عبادي قال فيقول يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك إلى أن قال (( فيقول الله عز وجل فأشهدكم أني قد عفرت لهم فتقول الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة)) وفي لفظ ((فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم )) فيقول: (( هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم . وفي رواية: (( غفرت له هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ))[5]
قال أبو الفضل الجوهري: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله قال تعالى (( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد))[6]
2- أن المرء مجبول على الاقتداء بجليسه والتأثر بعلمه وعمله وسلوكه ومنهجه ومن المقرر عند علماء التربية أن التأثر عن طريق القدوة أبلغ من التأثر بالمقال والنصح ولذلك جاء في الحديث (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ))[7]
قال سفيان بن عيينة :(( انظر إلى فرعون و معه هامان وانظر إلى سليمان بن عبد الملك صحبه رجاء بن حيوة فقومه وسدده))
وقال ابن مسعود: (( ما من شيء أدل على شيء ولا الدخان على النار من الصاحب على صاحبه))
وقال مالك: (( الناس أشكال كأشكال الطير الحمام مع الحمام والغراب مع الغراب والبط مع البط وكل إنسان مع مشاكله))
وقال ابن تيمية رحمه الله: (( الناس كأسراب القطا مجبول على تشبه بعضهم ببعض ))
وقال بعض الحكماء: (( أعرف أخاك بأخيه قبلك ))
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقــــــــــارن يقتــــــــدي
إذا كنت في قـوم فصـاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
وفي الحديث الصحيح: (( الأرواح جند مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف))[8]
3- ومنها أن الجليس الصالح يبصرك بعيوبك ويدلك على أوجه الضعف عندك وجهات النقص فتنطلق نحو العلاج ولذا نجد أن النبي عليه الصلاة و السلام شبه المؤمن في كونه مبصرا لأخيه بعيوبه فقال ( المؤمن مرآة أخيه المؤمن)
4- أن الصالحين يصلونك بأشخاص آخرين فتنتفع بهم .
5- أنك تتعرف على أخطائك السلوكية والعبادية من خلال مقارنة أعمالك وسلوكك بما عليه جليسك الصالح .
6- أنك تقلع بسبب الجليس عن المعصية وإن كان آنيا فإنه يكون سببا في الابتعاد الدائم
7- أنه يرشدك ويدلك على أمور الخير فينفعك الله بها .
8- أنك إذا نظرت إلى علو مكانته في العلم والعبادة والدعوة ونظرت إلى حالك استفدت فائدتين .:
1- يزول ما عندك من العجب .
2- تنافس وتزداد من الخير .
9- أن من مجالستهم فيها حفظا للوقت الذي هو الحياة .
10- أن ا لجليس الصالح يحفظك في حضرتك وغيابك.
11- أن المرء بمجرد رؤيته للصالحين والأخيار يذكر الله عز وجل كما جاء في الحديث (( أولياء الله تعالى الذين إذا رؤوا ذكر الله))[9]
12- أنهم زين وأنس لك في الرخاء وعدة عند البلاء وهم خير معين لك على تخفف همومك وغمومك . قال: رجل لداود الطائي أوصني قال : اصحب أهل التقوى فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤمنة وأكثرهم لك معونة ))
13- أن صحبة أهل الخير سبب في الدخول ضمن الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون قال تعالى (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون )) [10]
14- أن تنتفع بدعائهم بظهر الغيب (( دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك مثله))[11].
15- أن المصادقة لله سبب لمحبة الله (( وجبت محبتي للمتاحبين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في ))[12]
16- أن المرء بزيارته لإخوانه في الله يطيب ويطيب ممشاه قال عليه الصلاة والسلام (( من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناده مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا))[13]
17- وبالجملة فالجليس ا لصالح منفعة من كل وجه كما في الحديث ((المؤمن إن ماشيته نفعك وإن شاورته نفعك وإن شاركته نفعك وكل شيء من أمره منفعة ))[14]
وفي الحديث (( مثل المؤمن كالنخلة ما أخذت منها من شيء ننفعك))[15]
وبضدها تتميز الأشياء فأضرار الجليس السوء كثيرة منها :
1- أنه يشكك في دينك.
واسمع إلى قصة وفاة أبي طالب فقد روى الأمام مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرته الوفاة جاءه النبي عليه الصلاة والسلام فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم (( يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله عليه الصلاة والسلام يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر كلمة هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام (( والله لاستغفرن لك الله ما لم أنه عنك )) فأنزل الله عز وجل (( ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كان أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم )) وأنزل الله في أبي طالب (( فقال لرسول الله عليه الصلاة والسلام (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ))[16]
فانظروا يا رعاكم الله كيف كان رفقاء السوء سببا في وفاة أبي طالب على الشرك وصده عن الإسلام .
2- أنه يدعو جليسه إلى مماثلته.
3- أن المرء يتأثر بعادات جليسه .
4- أن رؤيته تذكر بالمعصية .
5- يخفي عنك عيوبك .
6- تحرم بسببه مجالسة الصالحين .
7- مجالسهم لا تخلو من محرمات .
8- أن غالب مجالسهم لا يذكرون فيها الله.
9- أن مجالستهم تضيع للوقت الذي سيحاسب عليه المرء .
ابل الرجال إذا أردت إخاءهم وتــــوسمن أمـــورهم وتفقد
فإذا وجدت أخا الأمانة والتقى فيه اليدين قرير عين فاشدد
فالله الله في مجالسة الصالحين والحذر الحذر من مجالسة رفقاء السوء فإن الأمر خطير والعاقبة وخيمة .
اللهم هيئ لنا الرفقاء الصالحين الذين يأخذون بأيدنا إلى طريق الخير وجنبنا طريق السفهاء والبطالين وهي لنا من أمرنا رشدا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
[1] – سورة الذاريات آية (56)
[2] – سورة الزخرف آية (67)
[3] – مسلم 4/2026
[4]– ابن ماجة 1/86
[5] – الترغيب 2/401
[6] – سورة الكهف آية (18)
[7] – أحمد 2/332
[8] – مسلم 4/2031
[9] – مجمع الزوائد 10/78
[10] – سورة الزخرف آية (67)
[11] – السلسلة الصحيحة 3/327
[12] – مسند أحمد 5/247
[13] -الترمذي 3/365
[14] – حلية الأولياء 8/129
[15] – الحاكم 4/513
[16] – مسلم 1/54
اضافة تعليق