بسم الله الرحمن الرحيم
فضول النظر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
فإن تربية النفس من أهم المهمات والنفس كالطفل تتربى ويتدرج بها ويترقى بها في مدارج الأخلاق الفاضلة وإذا تركت هذه النفس أو ترك لها الحبل على الغارب فإنها تبقى على نفس السلوكيات التي عاشت عليها أو تعيش على نفس الوضع التي تعيش عليه ومن هنا كانت الأهمية في ملاحظة هذه النفس ومراقبتها ومتابعتها شيئاً فشيئاً وقد تأخذ هذه النفس بالسلوك تارة وتسقط تارة أخرى وتعود مرة أخرى إلى السلوك الطيب وهكذا لكن الإنسان على حسب عزيمته فإذا كان عزمه صحيحاً وقوياً فإن الله تعالى يثبته على هذا الطريق ويستمر على الخير بأذن الله تعالى سبق أننا أخذنا بعضاً من الدروس في هذا الجانب وسنأخذ اليوم درساً مهماً للغاية يتعلق بجوارح هذا الإنسان والجوارح هي من النعم التي أنعم الله – عز وجل – بها على هذا الإنسان ماذا يحس وماذا يشعر من كان أبكم لا يتكلم وكيف تحس أنت فيما لو كنت أبكم لا شك أنك ستشعر بنقص وبالرحمة لهذا الإنسان الذي لا يستطيع الكلام ولا يستطيع أن يعبر عما في نفسه وما هو شعورك وماذا تحس تجاه الآخر ين لو أنك رأيت إنساناً أصم وغالباً الأبكم أصم والأصم أبكم في الغالب ولو لا ذلك لكانت حياة هذا الإنسان جحيما لكن من رحمة الله تعالى في الأصم أنه لا ينطق والأبكم لا يسمع الكلام الذي يدور ولكن الله تعالى يعوضه بفهم الحركات ومن نعمة الله تعالى أنه اخترعت لهم لغة عالمية يتخاطب بها في العالم كله يتخاطبون بلغة واحدة خلاف المتكلم فإنه يحتاج إلى أن يتعلم لغات وهذه من رحمة الله تعالى – لكن على كل يشعر الأصم بالنقص وهكذا قل فيمن لا يعقل يصير أشبه ما يكون بالبهيمة مجنون وما إحساسك أنت وشعورك فيما لو كنت كذلك مجنوناً تسير في الشارع عرياناً تقضي حاجتك أمام الناس لا شك أن هذه نعم أنعم الله تعالى بها على هذا الإنسان لهذا قال سبحانه وتعالى ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )) سورة إبراهيم آية (34) وقال تعالى ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً )) سورة الإسراء آية (36)
أيضاً نعمة البصر فالأعمى الذي ربما لا يعرف ماهية هذا الكون يسمع الناس يتحدثون عن شمس وقمر وعن زراعة وعن بنيان وعن شوارع وعن سيارات وعن طيارات لكنه لا يدري ماهية هذه الأمور ومما لاشك فيه أنه يشعر بشيء من الحسرة وعامة الناس يعطفون على هذا الأعمى ويرحمونه والله عز وجل – يبدله بقدرات كثيرة جداً فمثلاً الذكاء والفطنة والحفظ وما شاكل ذلك وفي بلاد الغرب غالباً هذا الصنف من الناس يبدعون وتعينهم دولهم على أن يكونوا من المبدعين بخلاف ما عليه الحال في بلاد المسلمين فأحسن الأحوال أن الأعمى مؤذن أو إمام مسجد إن لم يكن في الشارع متسولا إن لدى الأعمى قدرات يمكن أن يستغلها وأن يبدع من خلالها وأن ينفع الله تعالى به.
إن نعمة النظر أيها الإخوة من النعم العظيمة ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً )) سورة الإسراء آية (36) هذه من النعم التي أنعم الله تعالى بها على هذا الإنسان ولذلك هذه النعم يجب أن تستخدم فيما خلقت له ويجب على هذا الإنسان أن يجتنب ما حرم الله تعالى عليه من فضول السمع والنظر والكلام ونحن سبق أن تكلمنا على قضية الكلام واللسان والغيبة والنميمة لكن النظر كما قلنا نعمة من نعم الله تعالى ويجب أن يستخدم فيما خلق له ويجب أن يحبس الإنسان نظره عما حرم الله عليه وفضول النظر المقصود به إطلاق النظر إلى الشيء بملء العين والنظر إلى ما لا يحل له وفضول النظر هو عكس غض البصر والله تعالى قد أمرنا أن نغض أبصارنا عما حرم سبحانه وتعالى – ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ .. )) سورة النور آية ( 30- 31) ولم يقل يغضوا أبصارهم لأن الإنسان يحتاج إلى أن ينظر إلى ما حوله إلى أولاده إلى أهله إلى زملائه فالمعنى إذا يغضوا من إبصارهم يعني عن الأشياء التي لم يبحها الله تعالى لهم ويحفظوا فروجهم عما لم يبح لهم فأنظر كيف قرن الله تعالى بين غض البصر وحفظ الفرج إذاً حفظ الفرج لا يكون إلا عن محرم وفهم منه أن فضول النظر عن مقارفة المحرم فلا يطلق الإنسان نظره إلى ما حرم الله عليه والعين كما يقال رائد للقلب فما نظر بالعين وصل إلى القلب سواء كان حسناً أو كان قبيحاً سواء كان مباحاً أو حراماً فالجمال لا يتذوقه القلب ولا يحبه إلا بالنظر إلى العين خاصة الصور منها وكذلك السمع رائد للقلب فالشيء المسموع مباشرة يصل إلى القلب فيحبه القلب أو يبغضه ومن هنا قال الشاعر :
ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب آلف
ولأن غض البصر أيضاً وسيلة إلى حفظ الفرج وصيانته جاء الحديث عن أَبُي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ»[1] وفي رواية والقلب يصدق ذلك أو يكذبه يعني هذه الجوارح هي بريد وواسطة وكتب على ابن آدم حظه من الزنا لأن المقصود من الزنا إي إثمه وإلا فالنظر ليس فيه حد كحد الزنا مثل ما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم – ((” أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ “[2]
هل هذا يعنى أنها تجلد أو ترجم لا أي إثمها إثم الزانية ولذلك كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه إذا رأى امرأة خرجت وهي متعطرة قال من أجل المسجد تعطرت تقول نعم قال : ارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ((((” أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ “[3]
فضول النظر المقصود به الاسترسال هذا هو المحرم أما نظر الفجأة فهذا لا يستطيعه الإنسان لأنك قد تنظر إلى امرأة أو عورة امرأة وقد تنظر إلى عورة رجل وقد تنظر إلى شيء محرم فجأة لكن هذه النظرة معفو عنها ومغفورة لكن الاسترسال هو المآخذ عليه ولذلك جاء في حديث علي رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: ” يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ “[4] وفي حديث جرير أيضاً سئل عن نظر الفجأة يعني أن الإنسان يلتفت فيرى شيئاً نظر مثلاً إلى امرأة إلى وجه امرأة وما شاكل ذلك فهذه نظر الفجأة سئل عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم – فقال : (اصرف بصرك )صرف البصر هذا يحتاج إلى شيء من المجاهدة لكن بعض الناس يطلق العنان للنظر يسرح ويمرح دون أن يربطه بروابط أو يضبطه بضوابط إن بعض الناس يظن أن النظرة الأولى لك والثانية عليك إذاً أظل أنظر حتى تدبر المرأة وحتى تدخل وراء البيوت لا ليس هذا هو المقصود المقصود نظرة الفجأة هذه هي التي لك لكن أن تبقى مسترسلاً تقول : هذه ما زالت لي ما زالت لي حتى تغيب المرأة لا هذه من ساعة ما قلت هذه لي هذه لي فهي عليك عليك عليك النظر المحرم على كل حال ليس النظر إلى النساء فقط قد يكون إلى غير ذلك فمثلاً قراءة المجلات الماجنة الفاضحة النظر إلى الأفلام والمسلسلات التي تثير الشهوات هذه كذلك من الأشياء المحرمة وكذلك النظر إلى الجرائد والمجلات التي فيها صور العرايا هذه كذلك من المحرمات إنسان ينظر إلى هذه الصور يتلذذ بتلك الصور وبجمال تلك الصور وما شاكل ذلك القراءة في كتب السحر الشعوذة والدجل والضلال القراءة في الصحف والمجلات التي تتهكم بالدين وتستنقص من الفضيلة وتتهجم على العلماء وعلى المرأة إلى آخره هذا كله أيضاً من الأمور المحرمة اللهم إلا لشخص عنده سعة اطلاع في قضايا الشريعة يريد أن يطلع على هذا ليرد عليه أو ليحذر من شره فهذا يجوز له أن يقرأ في مثل هذه المجلات والصحف وما شاكل ذلك كتب التنجيم يحرم النظر فيها لأن هذا أيضاً يعتبر من فضول النظر بدلاً من أن يصرف الإنسان نظره لتدبر كلام الله تعالى وقراءة كتب التفسير وكتب الحديث وكتب العلم يعني يصير يقرأ في مثل هذه الكتب كتب الدجل والتنجيم والسحر والشعوذة والكهانة هذا من النظر المحرم كذلك فضول النظر له آفات عظيمة تفسد على الإنسان دينه وتفسد عليه قلبه منها :
1- أنه معصية ومخالفة لأمر الله تعالى – لأن الله تعالى أمر بغض البصر فأنت عصيت الله تعالى لأنك لم تغض بصرك بل أطلقت له العنان وغض البصر ليس خاصا بالرجال بل والنساء على حد سواء .
2- أنه يفرق القلب ويشتته ويبعده عن الله تعالى – أنظر مثلاً إلى إنسان وقع نظره على امرأة ذات جمال فشتت عليه قلبه بعد أن كان هذا الإنسان ربما خاشع في صلاته كان متدبراً لكلام الله تعالى إذا قرأ القرآن دمعت عينه لكن الآن صار قلبه مشتتاً مفرقاً بجمال هذه المرأة يريد أن ينظر إليها أن يراها أين يجدها هل يلحقها أو لا هل هي متزوجة أو غير متزوجة طيب متزوجة لا سبيل إلى الوصول إليها وهذا الأمر ربما بالتسلسل يدعوه في خاتمة الأمر ربما يقترف أمراً محرماً فالقلب يتشتت ويفسد من خلال هذا النظر إنسان قرأ مثلاً في كتب السحر والدجل والشعوذة والناس الضالين المضلين وقعت في قلبه شبه هذه الشبه تشتت عليه ذهنه لأنه ما كان عنده حصانة تحصنه من هذه الشبة التي طرأت فيتشتت عليه قلبه بحيث يصير عنده نوع من أنواع الشك والريبة تشككه في دينه وفي عقيدته في كل شيء وربما صار هذا الإنسان ـ عياذاً بالله تعالى ـ متدرجاً في ترك طاعة الله – تعالى – إلى حد أن يلحد بالله – جل وعلا – إذاً فضول النظر قد يوصل بالإنسان إلى أنه يفرق قلب هذا الشخص الذي أطلق لنظره وبصره العنان وأبعده عن الله جل وعلا – فكثير من الناس يصير هايما بذكر النساء وجمال النساء وما شاكل ذلك كل هذا نتيجة أنه أطلق العنان لنظره وكم ذكرت كتب التاريخ لأناس صاروا مجانين في الشوارع يتغنون ويتغزلون بالنساء اللاتي ما وصلوا إليهن وما استطاعوا.
يذكرون مثل هذا في الجاهلية عن عنترة ويذكرون كثير عزة ويذكرون فلانا وفلانة إلى آخره هؤلاء كلهم صاروا مجانين لماذا ؟ لأنه وقعت أبصارهم على هذه النساء ووافق قلوباً خالية ما عندها ذكر لله عز وجل – فأصابها الهيام فصار هذا الإنسان هائماً يمشي في الجبال مجنونا إذا تكلم معه الناس نطق باسم هذه المرأة ما عنده إلا هذه المرأة يتكلم فيها أو يصير عياذاً بالله تعالى مستعملاً للسحر والشعوذة ومع الجن والعفاريت وما شاكل ذلك.
3- أنه يضعف القلب ويحزنه لأنه لا يستطيع الوصول للمأمول فهذه المرأة مثلاً التي وقعت في قلبه امرأة من بيت غنى وهذا الإنسان مسكين فقير فكيف يصل إليها محال أنه يصل إليها يصير حزينا مكلوم القلب أو تكون مثلاً متزوجة كيف يصل إليها لا يستطيع بل ربما تجده أحياناً عياذاً بالله – تعالى – صار أشبه بالهائم من زاوية إلى زاوية ومن مكان إلى مكان يترقب متى ستظهر من الطاقة أو تخرج من الباب لينظر إليها وهذا كله نتيجة أنه أطلق لبصره العنان
4- يكسب القلب ظلمة وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب البلاء والشر قال الله تعالى ((كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) سورة المطففين آية (14) فهذه النظرة المحرمة تنكت في القلب نكتة سوداء فيظلم القلب فيصير هذا القلب مستوحشا لا يطمئن ولا يخشع في طاعة أو قربة لا يرتاح إلى مجالسة الناس الصالحين ولا يطمئن حتى أنه لا يمسك القرآن العظيم ويقرأ كتاب الله تعالى – لا يقر له قرار في مسجد أن يجلس مثلاً في مجالس العلم أو يستمع لخطبة وقلبه حاضر فالقلب مظلم نتيجة لهذه المعصية .
5- يقسي القلب ويسد على العبد باب العلم – عياذاً بالله تعالى – كم من الناس بسبب نظرة نظرها أظلم عليه قلبه ويقسوا بل ربما إن كان عنده علم فقد ينسى العلم يذكرون في كثير من قصص القدامى أنه كان مثلاً في فترة من الفترات كان عنده من العلم الشيء الكثير لكنه نظر نظرة محرمة قبل عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة فحينما مضت هذه المدة نسي ذلك العلم الذي كان عنده ومن الناس من حفظ القرآن وبسبب معصية واحدة ينسى هذا القرآن ويذهب من قلبه وهذه ذكرت في تراجم كثير من العلماء أنه نسي شيئاً من العلم أنه أصيب بداء من الأدواء فقال هو بنفسه : هذا بسبب نظرة محرمة نظرتها قبل كذا وكذا فالعقوبة قد تكون معجلة وقد تكون مؤجلة يقسي القلب أيضاً كما قلنا ويبعده عن العلم لأن العلم يحتاج إلى تقى ويحتاج إلى قلب فارغ ومتعلق بالله عز وجل – يحتاج إلى قلب متدبر لهذا العلم فإذا كان هذا القلب مشغولاً بفضول النظر أو مشتتاً مع إطلاق الإنسان لنظره فإن باب العلم يكون عنه مسدوداً .
6- أنه يسمح بدخول الشيطان إلى القلب لأن القلب غير معمور بذكر الله عز وجل – فهو بيت للشيطان لا شك ولا ريب .
7- يوقع العبد في الغفلة وإتباع الهوى قال تعالى: ((وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)) سورة الكهف آية (28) ففضول النظر قد يوقع العبد في هذا فيصير قلبه غافلا عن ذكر الله تعالى – ويصير متبعا لهواه عابدا لهواه لا يمتثل لآية قرآنية ولا لحديث نبوي وإنما يعمل بما يهواه هذا القلب .
8- أن النظر يفعل في القلب ما يفعل السهم إذا خرج من القوس فإنه يقتل فإن لم يقتل يجرح يقول الشاعر :
كل الحوادث مبدأها من النـــــــــــــظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم من نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتـــــــــــر
والمرء ما دام ذا عــــــــــــــــــين يقلــــــــــبها في أعين الناس موقوف على خطر
يسر مقلته ما ضــــــــــر مهجتــــــــــــــــــــه لا مرحباً بسرور عـــــاد بالضرر
فالنظر يقتل القلب أو يجرح القلب كما تقدم في الآفات المتقدمة والنظر كما قلنا إنما هو بريد أو وسيط بين ما يرى هذا الإنسان وبين قلبه فالناظر إنما يرمي قلبه بسهم من هذه السهام فإما أن يقتله وإما أن يجرحه.
9- أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى العبد ما ليس قادر اً عليه ولا صابراً عنه فعندئذ يتشتت هذا القلب ويصاب بحسرات لدرجة أنه ربما يكون دائماً في شرود للذهن وسرحان ولا يستطيع أن يجمع الكلام الذي سمعه ودائماً في أذنيه الهواجس التي يسمعها من هذا القلب لأنه قلب صار معلقاً بغير الله تعالى .
10-أن النظرة تجرح القلب أو تحدث في هذا القلب جرحاً وكلما نظر أنجرح هذا القلب فيصير فيه عدة جراحات لأن النظرات كما سبق أشبه ما يكون بقضية السهام فإما أنها تقتل هذا الإنسان وإذا قتل هذا القلب ترك الالتزام وترك التدين وإما أن يصاب بهذه الخدوش وهذه الجروح فيصير من الصعب مداواته بعد ذلك إلا أن يتداركه الله – تعالى – برحمته ؟
11-يذهب نور البصيرة فكم من إنسان مثلاً تجده في بداية الأمر حينما كان ممسكاً لبصره محاسباً له تجده فقيها متدبرا للعلم وتجده مدبرا لشئونه إلى آخره والناس يمدحونه على ما عنده من البصيرة لكن بعد أن أطلق العنان لقلبه صار هذا القلب من دون نور ولا بصيرة لذلك لا يستطيع أن يدير شئون نفسه فضلاً عن شئون الآخرين فتجده في شتات إذا أظلم على الإنسان قلبه فبما يفكر ؟ التفكير كله والعقل كله في هذا القلب فإذا كان هذا القلب ميتاً أو كان مجروحاً فينطفئ بصره فلا يتدبر كلام الله تعالى – تجده مثلاً يقرأ الآية تلو الآية ولا يستطيع أن يتدبر معناها يقرأ الكتاب الصفحة الأولى الصفحة الثانية لا يستطيع أن يخرج بفائدة أو فائدتين كل هذا لأن البصيرة انطمست على هذا القلب حتى مثلاً في الأمور الدنيوية تجد مثلاً بعض الناس ذكاء وحفظ وتجده مثلاً مجداً في دراسته في البداية مثلاً يكون من المتقدمين المنافسين عنده درجات متقدمة من الأوائل لكن بمجرد أن وصل إلى مرحلة أطلق لها العنان لبصره وإذا بهذا القلب يظلم عليه وإذا به يبدأ بالتنزل والتدرج نحو الهاوية والسبب في هذا أن هذا القلب أظلم لا يستطيع أن يجمع أثناء شرح الدرس من قبل المدرس ولا يستطيع أن يستفيد من خلال قراءته ومراجعته للدرس والجزاء من جنس العمل على كل حال يقول أحد الصالحين :
من عمر ظاهره بإتباع السنة وباطنه بالمراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات واعتاد الحلال لم تخطأ له فراسة لهذا جاء في الأثر اتق فراسة المؤمن لأن قلبه نظيف ولذلك يستطيع أن يتفرس في هذا الإنسان يستطيع أن يقرأ ملامح شخصيته من خلال النظر إليه كيف عرف هذا يقول له مثلاً : أنت فيك حزن أنت مضطرب القلب أنت من صفاتك كذا وكذا من أين عرف هذا ؟ بعض الناس ربما يقول أستطيع أن أكتشف هذا الإنسان من خلال نظرات عيونه من خلال قسمات وجهه من خلال حركته ومشيه يستطيع أن يقيم هذا الإنسان أستطيع أن أقول مثلاً هذا الإنسان منزو متوحد أستطيع مثلاً أن أقول : هذا الإنسان مغرور أستطيع أن أقول مثلاً إن هذا الإنسان إذا أحب بعاطفة يريد أن يكون هذا المحبوب خالصا له لا يحب أن يشاركه أحد فيه كيف عرفت هذا ؟ مع أنك لا تعرفه ولا تجالسه بل أنت غريب وهو غريب من أين قرأته يقول أنا استطعت أن أنظر في ملامحه هذه هي الفراسة.
12-أن فضول النظر يوقع القلب في ذل إتباع الهوى يعني المتبع هواه ذليل لماذا؟ لأنه أصلاً يعيش منفرداً مخالفاً للواقع الذي يعيشه وبالتالي نظرة المجتمع إليه نظرة ازدراء واحتقار أنت تخالف مثلاً المعتاد سلوكيات وأخلاقيات المجتمع والسبب في هذا أنك اتبعت هواك الهوى هذا قد يصير إلاها يعبد من دون الله تعالى قال تعالى ((أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)) سورة الجاثية آية (23)
هذا الشخص ومن يجري مجراه ومن يتبعه يعيش في ذل لأنه لا يسير وفق الضوابط التي جاء بها الدين بل ربما أحياناً يخالف سلوكيات وأخلاقيات المجتمع التي يعيش فيها ولهذا الإنسان يصير أحياناً أسير لهذا الهوى ألا ترى مثلاً المدمن على المخدر وعلى الخمر أسير هواه هو يريد أن يتخلص لكنه لا يستطيع فهو يعيش في ذل لهواه هواه هو الذي يتحكم فيه ولا يستطيع هو أن يتحكم في هواه فصار مثل العبد الآن ولذلك يمكن أن يفعل هذا الإنسان أي شيء يطلب منه مقابل أنه يجد بغيته أحياناً مثلاً نجد الذين صاروا مدمنين على أشياء محرمة ربما عياذاً بالله تعالى يبيع عرضه من أجل أن يحصل على فتات من هذا الشيء الذي صار مدمناً عليه وصار أسيراً له وهذا كله نتيجة أن هذا الإنسان صار ذليلاً لهواه نفسه احتقرته ووضعته في هذا الموضع المزري عياذاً بالله تعالى – والعزة على كل حال لله جميعاً ولرسوله وللمؤمنين لا تكاد تجد كافراً أو منحرفاً أو عاصياً فيه آثار العزة إطلاقاً بل العزة كل العزة في المؤمن المتبع لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
13-أنه يوقع القلب في أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه وهذه متعلقة بما قبلها لأنه كما قلنا أن الإنسان إذا صار مأسوراً لهواه وشهوته لا يستطيع في الحقيقة أن يتحرك ولا يستطيع أن ينطلق ولا يستطيع أن ينتج ولا يستطيع أن يغير لأنه يدور في حلقة مفرغة فقط مع هذه القضية تجد مثلاً بعض الناس في حياته كلها في يومه وليلته أسير شهوة واحدة لا يتحرك ولا يحرك ساكناً ولا يستطيع أن يعمل شيئاً بخلاف غيره من الناس تجد هذا الإنسان يخرج إلى عمله وبعد عمله يذهب للصلاة ثم يرجع إلى بيته يمكن يتغدى يمكن يذهب للزيارة يتحرك عنده عمل آخر إلى آخره لكن هذا الشخص الواقع في أسر هواه قلبه صار مأسوراً بالشهوة إلى آخره ربما تجده أحياناً24 ساعة عاكف على هذه القضية يدور معها فقط لا هو بمنتج ولا هو بعامل ولا هو بمتحرك ولا هو بمختلط مع الناس ولا هو مؤثر ولا عنده طموح ولا عنده هدف ولا عنده شيء من هذا القبيل والسبب في هذا أن هذا القلب وقع أسيراً لهذه الشهوة
14-أنه يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق كما قال تعالى عن عشاق الصور ((لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)) سورة الحجر آية (72)
الغفلة تستحكم في هذا القلب وإذا استحكمت الغفلة في هذا القلب فإنها تبعده عن الله تعالى – فلا يكاد يذكر ولا يكاد يتذكر عياذاً بالله تعالى – فإطلاق العنان للنظر من الأدواء القاتلة التي كثير من الناس ينظر إليها على أنها أمر عادي وعلى أنها لا تؤثر في هذا الإنسان وهي مجرد نظرة سطحية أو نظرة بريئة لكن هذه النظرة البريئة قد لا تجد أثرها اليوم وإنما فيما بعد فالواجب على المسلم أن يحفظ هذا البصر ولذلك لا يشعر الإنسان بهذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه إلا حين تبدأ هذه النعمة تزول وتبدأ بالضمور حينئذ يحس الإنسان بهذه النعمة ويبدأ يتحسر ويتأوه لو أنه استخدمها في طاعة الله تعالى – لكن ربما يكون الندم لا محل له هنا لأن الندم في وقت مبكر يمكن أن ينفع لكن بعد فوات الأوان لا يمكن أن ينفع الإنسان ندمه إلا إذا كان لا يزال في العمر فسحة ومهلة فالنظر على كل حال من القضايا التي صارت في هذه الآونة المتأخرة سهام تتوجه مباشرة إلى قلوبنا ونحن لا نشعر ولذلك نصاب أحياناً بالكروب والهموم ونصاب بالغفلة ونشتكي من القسوة فقلوبنا لا تخشع وأعيننا لا تدمع إذا قرأنا القرآن أو إذا صلينا أوصمنا إذا رأينا أحياناً بعض المناظر المؤثرة لا تتأثر قلوبنا ولا نعرف السبب وهو أن هذه الأبصار أثرت على هذه القلوب لأننا أطلقنا لها العنان فأثرت على قلوبنا وجسم الإنسان مترابط ترابط بين البصر والقلب والسمع والقلب واللسان والقلب هذه كلها مترابطة والقلب هو سيد وملك هذا الجسد لذلك الجوارح كلها تترابط إذا فسد واحد أثر على الكل مثل سلة فيها طماطم أو تفاح إذا خربت واحدة ولم تأخذها ربما أحياناً وما حولها فإنها تفسد عليك السلة برمتها لننتبه إلى هذه القضية وليكن عندنا وازع بحيث نتذكر في حال النظر أو في حالة إرادة النظر أو أن النظر يجرك إلى أن تنظر إلى المحرم أو تتبع النظرة نظرة أخرى أن تتذكر أن الله تعالى يراك الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولتعلم أن معك ملكاً يكتب عليك مثل هذه الأشياء فإذا كان عندنا مثل هذا الوازع أظن وأتوقع أننا بأذن الله تعالى – سوف ندرب أنفسنا ونعودها على ألا تأخذنا بعيداً وعلى ألا توقعنا في هذه المهالك نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد وأن يجعلنا ممن يستعمل هذه النعم في طاعته جل وعلا – اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنظل اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ولمن بنا هذا المسجد ولوالديه اجعله في ميزان حسناته ومن صلى فيه وتردد عليه وأعان على مصالحه في كل وقت وحين يا رب العالمين اللهم أصلح فساد أبصارنا وفساد ألسنتنا وفساد قلوبنا اللهم أهدنا واهدي بنا واهدي ذرياتنا يا أرحم الراحمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] – البخاري 8/ 54
[2] – أحمد 32/ 483
[3] – أحمد 32/ 483
[4] – أحمد 38/ 95



اضافة تعليق