تابعنا على

الوقف والوصايا والصدقات

هل يجوز اخراج الزكاة في شق الطرقات؟

السؤال
فقد وردني سؤال من (مشروع معا نعمل لشق طريق النفق-زقيحة-قلعة المقاطرة) – وفقهم الله – بخصوص صرف الزكاة في شق طريق عام لأبناء مديرية المقاطرة يرفع عن الناس عناء التنقل والسفر، وينقذ الأرواح من الهلاك؟

الجواب:
إن الزكاة شريعة ربانية فرضها الله تعالى على الأغنياء لتصرف في مصارف نصت عليها الآية القرآنية الكريمة في سورة التوبة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة آية 60.
ولقد ذكر بعض المفسرين أن معنى قوله تعالى (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي الجهاد والمجاهدين في سبيل الله ضد أهل الشرك والكفر وسواء كان المجاهدون فقراء او أغنياء وأدخل بعضهم الحجاج في سبيل الله وهذا قد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والحج في سبيل الله).
ومنهم من وسع دائرة مصرف (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فأدخل فيه الدعوة إلى الله والدفاع عن الإسلام بكل الوسائل المتاحة ومنها الوسائل المعاصرة.
ومن أهل العلم القدامى والمعاصرين مَنْ فسر قوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) بشمولية أكبر فأدخل فيها كل جهات الخير التي تتعلق بمصالح المسلمين.
وهذا الرأي الأخير هو الراجح خاصة في حال عدم قيام الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها في إقامة المشاريع التي يفتقرون إليها كالمدارس والمستشفيات والطرقات وحفر الآبار وغير ذلك، وبهذا القول قال الصحابي الجليل أنس ابن مالك رضي الله عنه، ومن التابعين الإمام الحسن البصري، ومن العلماء القاضي عياض المالكي، والكاساني الحنفي، والفخر الرازي، وصالح بن مهدي المقبلي اليمني، وصدیق حسن خان.
ومن المعاصرین: الشیخ محمد رشید رضا ، والشيخ مصطفى المراغي، والشيخ محمود شلتوت، والشیخ سید سابق، والدكتور محمد محمود حجازي، والشيخ محمد حسنین مخلوف – مفتي الدیار المصرية الأسبق -، وشيخ الأزهر الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود، والشیخ جاد الحق علي جاد الحق – شيخ الأزهر السابق – والشيخ أبو بكر الجزائري، والدكتور عجيل النشمي، وغيرهم، وأيد هذا الرأي: ندوة قضایا الزكاة المعاصرة الندوة الثالثة، وكذلك لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية، والهيئة الشرعية في بيت الزكاة الكويتي، وهيئة الفتوی في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وهذا قرار المجمع الفقهي، التابع لرابطة العالم الاسلامي(رقم القرار: 6)، (رقم الدورة: ۹) مجمع الفقه الاسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425هجرية: وقد جاء في قرار المجمع الفقهي: (والإنفاق على الفقراء والمحتاجين من أموال الزكاة لا يقتصر على إطعامهم وكسوتهم فقط، بل يشمل كل ما تتم به كفايتهم وتنتظم به حياتهم، ومنها المشاريع الصحية والمدارس التعليمية ونحوها مما يعتبر من ضرورات الحياة المعاصرة، وقد نقل الإمام النووي عن أصحابه من الشافعية أن المعتبر من الكفاية: المطعم والملبس والمسكن وسائر ما لا بد له منه على ما يليق بحاله، لنفس الشخص ولمن هو في نفقته (المجموع ٦/١٩٠) وقوله “سائر ما لا بد منه”: كلمة عامة مرنة تتسع للحاجات المتجددة والمتغيرة بتغير الزمان والمكان والحال، ومن ذلك في عصرنا: الطرقات والجسور والمستشفيات والمدارس والمعاهد والجامعات حيث تعتبر من تتمات المحافظة على النفس والعقل وهما من الضروريات الخمس).
وقال الإمام الكاساني في “بدائع الصنائع”: “وأما قوله تعالى: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) (فعبارة عن جميع القُرَب؛ فيدخل فيه كل مَن سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا” اهـ وقال الإمام الفخر الرازي عند تفسیره لهذه الآية: “وأعلم أن ظاهر اللفظ في قوله: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ )لا يوجب القصر على كل الغزاة؛ فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد؛ لأن قوله (فِي سَبِيلِ اللَّهِ )عام في الكل” أهـ.
وبناء على ما سبق فإن صرف الزكاة لمشروع شق طريق للمصلحة العامة للناس، والذي يسهل عليهم التنقل، ويحميهم من المشقة والضرر أمر مشروع وجائز شرعا، وذلك لأمور:
أولا: لقوله تعالى: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، وقد ذكرنا سابقا أن الراجح تفسير قوله تعالي: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ )بمعناه الواسع ليشمل كل وجوه الخیر التي تحقق مصالح المسلمين العامة.
قال أنس والحسن: “ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية” (المغني 2/497). وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أنهما قالا: “جميع وجوه الخير والبر سبيل الله”. (المحيط البرهاني في الفقه النعماني 6/176). وقال الإمام الرازي: “واعلم أن ظاهر اللفظ في قوله: وفي سبيل الله لا يوجب القصر على كل الغزاة، فلهذا المعنی نقل القفال في (تفسیره) عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد، لأن قوله: وفي سبيل الله عام في الكل”. تفسير الرازي.(16/87).
ثانيا: أن مصارف الزكاة عند التأمل فيها نجدها تحقق هدفين:
الهدف الأول: تمليك أعيان وأشخاص لسد حاجاتهم، ورفع كربتهم وبأسهم کالفقراء والمساكين والغارمين، ونحوهم.
والهدف الثاني: تحقيق مصالح المجتمع، وذلك مثل قوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ، فيشمل كل وجوه الخير المتعلقة بمصالح المسلمين العامة، والتي يقع على رأسها الجهاد كونه يدفع عن المسلمين الاعتداء واستباحة الحرمات، ويحفظ للرسالة انتشارها، ولو كانت الآية مقتصرة على المجاهدین، لقال الله تعالی والمجاهدين في سبيل الله كما نص على الأعيان من الأصناف الأخرى حيث ذكر الفقراء والمساكين، والغارمين والمؤلفة قلوبهم، ولكن لما كان المقصود المصالح العامة، قال: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لتعم كل ما هو خير ومصلحة عامة.
ثالثاً: أن حاجة الناس إلى الطرق والمرافق العامة الملحة لا تقل أهمية عن حاجتهم إلى الطعام والشراب، ولا يمكن أن تعالج الزكاة قضية معينة وتغفل عما هو مثلها أو أهم منها.
وبناء على ما سبق فإني أهيب بأهل الخير والفضل والإحسان ممن لديهم زكاة أن يصرفوا قسطا مناسبا في هذا المشروع الحيوي الذي ستعود مصلحته لعامة الناس ولا تقل أهميته عن الطعام والشراب والله الموفق.

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق