فإن الله – تبارك وتعالى- بعث الرسل وأنزل الكتب من أجل أن تسمو الأنفس وتزكو ومن أجل أن يتربى الناس كما أراد الله –تعالى- ولذلك فإن الأنباء- صلوات الله وسلامه عليهم – بذلوا جهدهم وأجهدوا أنفسهم في سبيل تربية الناس وتنشئتهم التنشئة الصالحة التي تجعل من أولئك الأفراد سائرين وفق منهج الله-عز وجل- أو أقرب ما يكون منه…
خطبة بعنوان : (ملامح من التربية النبوية)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدع ضلالة وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد :
فإن الله – تبارك وتعالى- بعث الرسل وأنزل الكتب من أجل أن تسمو الأنفس وتزكو ومن أجل أن يتربى الناس كما أراد الله –تعالى- ولذلك فإن الأنباء- صلوات الله وسلامه عليهم – بذلوا جهدهم وأجهدوا أنفسهم في سبيل تربية الناس وتنشئتهم التنشئة الصالحة التي تجعل من أولئك الأفراد سائرين وفق منهج الله-عز وجل- أو أقرب ما يكون منه وذلك أن الخلل وجد حتى في بعض أفراد الذين تربوا على أيدي الرسل – عليهم الصلاة والسلام – غير أن الناس في ذلك الوقت كانوا سريعي العودة إلى منهج الله –عز وجل- ولا شك أن أفضل أتباع الرسل هم أتباع نبينا –صلى الله عليه وآله وسلم- ومع هذا فقد وجد شيء من الخلل في بعض أولئك الأصحاب غير أن ذلك الخلل لم يكن منتشراً بل كان مضيقاً عليه وكان أصحابه يعدلون بوسائل شتى من هذه الوسائل تطهير الأنفس بإقامة حدود الله –تعالى – ومن ذلك أيضاً التربية الحاصلة والتوجيه من النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- تارة ومن بعض الصحابة لبعضهم البعض تارة أخرى الذي يهمنا في هذا كله أن سيرة النبي-صلى الله عبيه وآله وسلم- حافلة بالأساليب التي تربي الناس بالأسلوب الحسن الأمثل الألين الذي ربي أولئك الرجال الذين لن يوجد إلا أن يشاء الله-تعالى- جيل أو أفراد مثل أولئك الأفراد الذين تحت رعاية النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- وتنشئوا نلك التنشئة التي كان يتابع عليه الصلاة والسلام – تنشئتهم وتربيتهم شيئاً فشيئاً حتى أتى ذلك الثمر كله بإذن الله –عز وجل- وإن هذه الأساليب التي تستفاد من حياته –صلى الله عليه وآله وسلم- يحتاج إليها كل أب وكل مدرس ويحتاج إليها كل مسئول إذا أراد أن يكون لزرعه ثمرة وأن يكون لغرسه أكل وأن يكون له أثر في حياته وبعد موته أن يتأسى بهذه الأساليب التي استخدمها رسولنا- صلى الله عليه وآله وسلم- ولا شك أن هذه الأساليب منها ما هو وحي من الله-تعالى- ومنها ما هو باجتهاده –صلى الله عليه وآله وسلم- غير أن سنته –صلى الله عليه وآله وسلم- بأكملها لنا فيها أسوة وقدوة ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) سورة الأحزاب آية (21))).
وقال تعالى : ((وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4))) سورة النجم الآيات (3-4).
من هذه الأساليب التي يحتاجها كل أب ومربى ومدرس أن تكون اليد حانية على من تريد تربيته بمعنى أنه يجب أن يكون لليد دور في التربية ولا أعني بهذا بالطبع أن هذه اليد قاسية غليظة بحيث تضرب الضرب الشديد في حال أي مخالفة تصدر من المربى ولداً كان أو طالباً أو غيره بل إن هذه اليد قد تؤتي ثمارها أحياناً بمجرد اللمس الخفيف الحاني الدافئ فتعطي هذه اللمسة أثرها فيمن تربيه وتريد توجيهه ونصحه وتعليمه وأحياناً قد لا ينفع إلا شيء من القسوة لكن ذلك الضرب سيظل ضرباً غير مبرح وسيظل ضرباً فيه شيء من العطف والحنو على من تأدب وعلى من تعلم فإذا كان النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- لم يشرع تعزيراً بعد الحدود إلا عشرة أسواط فقط أرشد-صلى الله عليه وآله وسلم- هذه الأمة إلى أن يضع المربي عصاً في بيته بحيث يراه أهل البيت وكذلك المدرس لكن هذا العصا لا يستخدم إلا حيث لا ينفع الكلام ولا ينفع الحوار ولا تنفع الإشارة فها هنا يمكن أن يستخدم المربي شيئاً من الضرب ولا يحل له أن يزيد على عشرة أسواط وهذه الأسواط ليست مع قلتها بقسوة بمعنى أن يستقل الإنسان هذه العشرة فيعطى كل سوط بمقابل خمسين سوطاً يعني يضرب بكل قوته لا وإنما يكون فيها أيضاً شيئاً من العطف والحنان أترى إلى عطف الله –تعالى- ورحمته بمن ؟ بتلك المرأة الصالحة بزوجه ذلك العبد الصالح أيوب –عليه السلام – أيوب هذا ابتلاه الله-تعالى- ثمانية عشر عاماً بلاءً شديداً حتى نفر منه الناس وقذروه ولم يعد يزره أحد من الناس وكانت امرأته تعمل وتشتغل من أن أجل أن تأتي له بلقمة العيش وبعد طول هذه المدة قذر الناس هذه المرأة ورفضوا أن تعمل أن تعمل في بيوتهم قالوا نخشى أن يصل إلينا هذا المرض فمن أين تأتي بالطعام لهذا العبد الصالح قيل أنها قصت شعرها وباعته وجاءت له بالطعام فقال : من أين لك بهذا الطعام ؟فحاولت ألا تظهر له الحقيقة فقال: والله لئن شفاني الله –تعالى- لأضربنك مائة سوط هذا الجزاء مائة سوط مقابل ماذا؟ صبرها !مقابل أنها كانت تأتي له بالطعام !مقابل أنها قصت شعرها !لا تستحق هذا بل تستحق كل احترام وكل إجلال وكل تقدير ولكنه لما كان عبداً صالحاً وأبى الله أن يجعل يمينه حانثة قال الله-تعالى – له : (( … وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) سورة ص آية(44).
يعني قال الله له خذ عصبة من الحشيش الذي يطعم للبهائم كل عود منها عود رقيق جداً ومع هذا يكون طرياً لين أخضر فقال الله –تعالى- خذ عصبة مربوطة ملفوفة مائة عود واضربها ضربة واحدة تبر باليمين لكن هذا فقط حتى لا يحنث هذا العبد الصالح . لكن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- رخص بعشرة أسواط يكون فيها الضرب بشيء من الحنان والعطف حتى يتوجه الولد أو المتعلم أو ما شابه ذلك بل إن الله –تعالى- رخص بالضرب للرجل بأن يضرب امرأته إذا نشزت لكن هذا الضرب ضرب غير مبرح الذي لا يكسر العظم ولا يخضر الجلد ولا يقطع الجلد ويسيل الدم إنما هو ضرب فيه شيء من الحنان والعطف والتوجيه والدفء النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-قال ذات يوم لعبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أمسك بكتفه فالتفت عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- لما شعر بدفء يده –صلى الله عليه وآله وسلم- قال : (( أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ))[1].
هذا أثّر في عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أثّر فيه لمس النبي صلى الله عليه وآله وسلم- لأن هنالك من الناس من الصحابة –رضي الله عنهم – كثير منهم ربما يسمع الكلام وربما لا يحفظ الكثير منه لأنه غير مستحضر لذهنه ولا لقلبه وإلا فنجد كثيراً من الصحابة –رضي الله عنهم – ما روا إلا الحديث والحديثين والثلاثة والأربعة والعشرة لكن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- أكثر من الرواية عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- كل ذلك لأنه استفاد من توجيهاته- صلى الله عليه وآله وسلم- وكان متيقظاً واستفاد من هذه النصيحة غاية الاستفادة أبو هريرة –رضي الله عنه- يقول: ((إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ))[2].
إن إخواني من المهاجرين والأنصار شغلهم الزرع والصفق في الأسواق يعني التجارة والزراعة أما أنا فكنت أحبس نفسي مع النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- على ملء بطني يكفيني أن أنال شيئاً من الطعام ثم أنهل من العلم الذي ينطق به النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- سواء كان من القرآن أو من السنة . وقال : ما أحد أخذ من السنة أكثر مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنه- لأنه كان يكتب ولا أكتب فاليد لها دور في التربية والتوجيه والتعليم وهذا أسلوب نبوي بل هو توجيه رباني وجه الله- تعالى- به الأزواج في حال نشوز الزوجات فتارة يكون التعامل بحنان ولطف وتارة يكون التعامل فيه شيء من القسوة إلا أن هذه القسوة لا يجوز أن تبلغ ذروتها لأن هذا ليس هو التعامل وليس هو الأسلوب الذي يربى الأبناء أو يربى التلاميذ أو يربى الناس أحياناً .أيضاً من الأساليب النبوية في التعامل مع الآخرين في حال تربيتهم أنه –صلى الله عليه وآله وسلم- إذا أراد أن يحفز المربي والموجه إلى عمل ما يستحثه ويشحذ همته من أجل أن يؤتى جهده الثمرة المرجوة كان-صلى الله عليه وآله وسلم- يتعامل مع هؤلاء بشيء من المال حتى يعطى هذا الإنسان الثمرة المرجوة فمثلاً المدرس يمكن أن يشجع الطلبة بشيء من الجوائز المالية أو العينية وكذلك الأب يمكن أن يربي أبنائه بشيء من هذه الوسائل فيعطي للفائز شيئاً من المال شيئاً من الجوائز العينية وما شابه ذلك كي يتقدم على أقرانه وعلى إخوانه ويصبح متميزاً فهنا نجد أن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- كان إذا باشر معركة من المعارك قال (( من قتل قتيلاً فله سلبه ))[3].
من قتل قتيلاً فله ما عند هذا المقتول من الأموال من السيف ومن الخيل من الذهب ومن الفضة وما شابه ولهذا كان الصحابة –رضي الله عنهم – يتنافسون في الإكثار من القتل للمشركين حتى ربما اختصم اثنان عنده – صلى الله عليه وآله وسلم- يقول : أنا قتلته وذاك يقول : أنا قتلته حتى يأتي من يشهد فيقول : أشهد أن فلاناً هو الذي باشر قتل هذا الإنسان فليأخذ سلبه مالاً ورزقاً حلالا بل أحيانا نجد في سيرته – صلوات الله وسلامه عليه – أنه ربما جاء إليه أعرابي والأعراب –البدو –في الغالب التربية عندهم فيها كثير من القصور إلى يومنا هذا
فتجد أن البدوي فيه شيء من الغلظة والجلافة في كلامه وفي تعامله جاء يوماً رجلاً إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا محمد ما قال يا رسول الله ولا قال: يا أبا القاسم وإنما بهذه الجفاوة قال : يا محمد أعطني من مال الله ليس من مال أبيك – يا لطيف – الصحابة –رضي الله عنه- همّوا بقتله قال- صلى الله عليه وآله وسلم – (( اتركوه ثم أخذه إلى بيته –صلى الله عليه وآله وسلم –ثم أعطاه شيئاً من المال (رضيت ) قال : لا زاده (رضيت) قال: لا وأعطاه حتى رضي قال له : أرضيت الآن قال: نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً قال له –صلى الله عليه وآله وسلم-: أخرج ثم قل لأصحابي ما قلته الآن فإنهم قد وجدوا في أنفسهم عليك يعني يريدون أن يكسروا رقبتك فخرج الرجل ومعه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ثم قال –صلى الله عليه وآله وسلم- ( أرضيت يا أعرابي ) قال نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً فسكنت أنفس الصحابة ثم قال –صلى الله عليه وآله وسلم- : أتدرون ما مثلي ومثلكم قالوا : لا قال: (( مثلي ومثلكم ومثله كمثل رجل كانت له دابة فشردت منه فصار الناس يجرون وراءها أيش يريدون ؟ يمسكوها فكلما التفتت الدابة إلى الخلف رأت خلفها مظاهرة ازدادت جرياً تقول: نحن السابقون وأنتم اللاحقون فقال الرجل :للناس اتركوني ودابتي فأخذ لها شيئاً من الحشيش ثم أشار إليها بيده فتراجعت فأكلت الحشيش فأمسكها بيده فهذا مثلى ومثلكم ومثله يعني شبه الرجل هذا بالدابة وشبه نفسه –صلى الله عليه وآله وسلم- بصاحبها وشبه الناس بالمتظاهرين فقال- صلى الله عليه وآله وسلم- (( لو تركتم والرجل لارتد عن دين الله – عز وجل- يعني هذا يضرب وهذا يصيح وهذا يصفع لترك الدين ولكن بشيء من حطام الدنيا رضي الرجل ولعله أن يتربى ولا يعود لمثل ذلك الأسلوب مرة أخرى فالمال أحياناً له دورة في التربية ولهذا لا بأس أن يستخدم هذا الأسلوب الأب ويستخدمه المدرس ويستخدمه كل من خاض في مجال التربية فقد استخدمه رسولنا- صلى الله عليه وآله وسلم- . من الأساليب النافعة أيضاً في التربية الإغضاء عن الأخطاء السابقة غض الطرف عن الأخطاء السابقة وعدم تردادها وذكرها لأن هذا الأسلوب أسلوب منفر أسلوب يؤلم القلب ويورث الحسرة في القلب ويجعل الإنسان غير قابل للنصح بعد ذلك إلا أن يشاء الله – تبارك وتعالى- بمعنى أن الإنسان إذا أخطأ فعلى المربي أن يغض الطرف عن هذا الخطأ إذا شعر أن صاحبه قد ندم وقد حاول إصلاح نفسه يستشف هذا الأسلوب من أسلوبه – صلى الله عليه وآله وسلم- متى هذا؟ في كثير من الغزوات بل ربما أحياناً يثني النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- على من حصل منه ولو شيء يسير من الخطأ فمثلاً في غزوة حنين نجد أن معظم من شارك في هذه الغزوة تراجع بعد بدء المعركة مباشرة وهذا خطر عظيم بل ترك النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- ولم يلتف حوله إلا نزر يسير على أعلى الروايات لم يبلغوا إلا عشرين رجلاً من كم ؟ من اثني عشر ألفاً تراجعوا وجرفهم سيل المتراجعين من المعركة ولم يبق حوله –صلى الله عليه وآله وسلم –إلا نحو عشرين رجلاً بل في بداية المعركة بقي وحيداً –صلى الله عليه وآله وسلم- ما عنده إلا رجلان ممسكان بزمام راحلته –صلى الله عليه وآله وسلم- وهو يقول : (( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ))[4].
ويستحث بغلته من أجل أن تتقدم إلى نحور الأعداء غير أن من الصحابة من يكبح جماحها لا تتقدم وهو يرفع صوته –صلى الله عليه وآله وسلم- إظهاراً للشجاعة التي أعطاه الله-عز وجل- إياها كأنه يقول للمشركين ها أنا ذا لن أتراجع مع الناس ولو بقيت وحيداً وينادي العباس بالصحابة –رضي الله عنهم – فيتراجعون أسراباً بعد ذلك هذا الخطأ الذي ارتكبه جمهور عظيم من الصحابة رضي الله عنهم- ما ذكره – صلى الله عليه وآله وسلم- إطلاقاً بعد أن انتهت المعركة ووضعت الحرب أوزارها غض الطرف تماماً بل إنه – صلى الله عليه وآله وسلم- جاءه الأنصار –رضي الله عنهم- بالذات وقالوا يا رسول الله وليكن في معلوم الجميع أن الذين تراجعوا في بداية المعركة هم أولئك الذين أسلموا حديثاً من مسلمة الفتح وهم نحو ألفين كانوا في بدابة المتراجعين وكانوا هم السبب في هذا الانحسار الشديد . لمن وزّع النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- الغنائم ؟وزعها لهؤلاء الناس المتراجعين والذين ربما ما اشتركوا في المعركة فجاء الأنصار يقولون يا رسول الله تعطي قريشاً الغنائم وسيوفنا لا تزال تقطر من دمائهم ما اشتركوا في المعركة وكانوا سبباً في التراجع وسبباً في الانحسار ومع هذا تعطيهم الغنائم ما قال –صلى الله عليه وآله وسلم- وأنتم تراجعتم وأنتم فعلتهم لكنه- صلى الله عليه وآله وسلم- غض الطرف تماماً واستدعى القوم ووعظهم موعظة بليغة حتى بكت أعينهم وقال- صلى الله عليه وآله وسلم- (( يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- قالوا رضينا برسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- حظاً وقسما ً وإذا بأعينهم تسكب الدموع وتبل لحاهم بتلك الدموع الحارة التي اعترفت بخطئها بين يدي النبي- صلى الله عليه وآله وسلم))[5].
شاهدنا من هذا أن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- لم يذكر لهم هذا الخطأ إطلاقاً بل غض الطرف عنه لماذا؟ لأنهم قد شعروا بالخطأ الذي ارتكبوه وهكذا المدرس والأب له أن يستخدم هذا الأسلوب إذا وجد أن هذا الأسلوب نافعاً مع فلان من الناس أو مع هذه المجموعة لأن هذا الأسلوب قد لا يكون نافعاً على سبيل الاطراد ولابد أن تضع الشيء في موضعه فالغض عن الخطأ في موضعه حكمه وتركه في موضعه ليس من الحكمة وهكذا قل في بقية الأمور كما قلت أحياناً قد يأتي الشخص أو المجموعة معتذراً عن الخطأ وإن كان ليس خطأ مائة في المائة فإنه ولو ذكر عيبه ولو ذكر خلته فإن على المربي أن يستخدم أحياناً عكس ما يعتقده هذا الإنسان في سنن أبي داود أن مجموعة من الصحابة –رضي الله عنهم –جاءوا إلى النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- قال : ((من أنتم ؟
قالوا :نحن الفرارون يا رسول الله.
قال: لا بل أنتم الكرارون ))[6].
يعني أيش الذي حصل من هؤلاء ؟ حصل منهم شيء من التراجع ثم رجعوا مرة أخرى إلى أعدائهم وهذا في الحقيقة أسلوب من أساليب الحرب لكنهم وجدوا في أنفسهم وجلاً وخجلاً أنه حصل منهم هذا التراجع وأن كان الله –عز وجل –قد رخص في هذا الانحياز وحرم التراجع الكلي من المعركة لأنه كبيرة من الكبائر أما الانحياز إلى فئة أو جعله أسلوب من أساليب الحرب فهذا أمر ممدوح فجاءوا يقولون: نحن الفرارون قال : بل أنتم الكرارون يعني أنتم الذين كررتم على أعدائكم هذا أسلوب قد يأتي الطالب أحياناً يقول : مثلاً يحصل منه شيء من الخطأ فيقول : أنا فعلت كذا نقول لا بل أنت فعلت كذا وكذا وأحسنت وتقول لولدك كذلك وتقول لمن تربيه وتوجهه كذلك يأتي فيعترف ويندم فنقول : لا بل أحسنت في هذا التصرف لأنه قد أحسن التعامل وسد الخلل بعد أن كاد أن يقع في الخطأ . هنالك أيضاً من الأساليب التي استخدمها الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- وهي الإعانة على تصحيح الخطأ يأتي الولد ويأتي الطالب ويأتي العامي يشكو خطأ حصل منه فهاهنا ليس من الأساليب النبوية التقريع والتوبيخ بل الأسلوب الأمثل والصحيح أن تعين هذا الإنسان على تصحيح خطأه يستشف هذا مما رواه البخاري وغيره حديث أبي هريرة –رضي الله عنه – ذلك الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم- وقد جامع أهله في رمضان قال :يا رسول الله هلكت وفي رواية احترقت قال –صلى الله عليه وآله وسلم- ما أهلكك ؟ قال : جامعت أهلي في نهار رمضان ما وبخه –صلى الله عليه وآله وسلم- ما قال له يا وقح يا قليل الحياء يا من لا تخاف الله تفعل هذا في نهار رمضان أما كان لك فسحة في الليل من رمضان لا ما قال له النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- :ذلك صح هذا خطأ والإنسان قد يقع في هذا الخطأ بل قد يقع فيما هو أعظم وأكبر منه فكيف تعين هذا الإنسان على أن يخرج من خطأه بعض الناس أحياناً يأتي إنسان فيشكو له حاله السيئ في الزمان المظلم أنا كنت وكنت والآن أريد أن أتوب فيقول الله أكبر ما هذا الإجرام ؟ أنت فعلت كذا ما هذا الانحراف ؟ هذا قلة أدب خلاص جاء تائباً معترفاً نادماً أقفل هذا الباب تماماً وأعنه على أن يصحح الخطأ وعلى أن يستقيم على أمر الله –تعالى- قال – صلى الله عليه وآله وسلم- أتجد عتق رقبة قال لا قال : أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال : يا لطيف ألطف أنا ما قدرت أصوم يوم وأصوم شهريين متتابعين ما أقدر قال له أطعم ستين مسكيناً قال والله يا رسول الله ما أجد لقمة العيش ما عندي قال انتظر اجلس هنا شوية حتى إذا أتانا شيء من الصدقة أعطيناك يسر الله جاء قليل من التمر قال أين المحترق ؟ لأنه قال احترقت قال ها أنا ذا يا رسول الله قال: خذ هذا التمر روح تصدق به على ستين مسكين سال لعابه مسكين تمر يعني تمر جيد تمر المدينة سال لعابه قال يا رسول الله أعلى أفقر من أهل بيتي والله إننا أفقر بيت في وسط المدينة والله ما بين لابتيها –أي جبليها – أفقر من أهل بيتي فضحك رسول الله عليه وآله وسلم- حتى بدت نواجذه قال أطعمه أهلك ))[7].
هذا الأسلوب الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم – مع هذا الذي وقع في الخطأ فأعانه- صلى الله عليه وآله وسلم – على تصحيح خطأه بل انظر كيف تدرج معه
صلى الله عليه وآله وسلم –وهنا أيها الإخوة – أحياناً بعض الناس أو من يتصدر للفتوى أحياناً قد يتجاوز
الله –تعالى- رتب عتق رقبة ما استطاع صيام شهرين متتابعين ما استطاع إطعام ستين مسكيناً هنالك من المتقدمين جاءه مرة أمير البلد جامع أهله في نهار رمضان… هو أمير – الحمد لله جابك لعندي يعني معنى كلامه ليس هذا نصه لكن كأنه يقول أنا أوري لك أنا أوريك قال له: أنا جامعت أهلي في رمضان كيف أصلح قال له صم شهرين متتابعين طيب هذا الله –تعالى-النبي صلى الله عليه وآله وسلم- جعل هذه الكفارة على الترتيب إعتاق رقبة ما في يصوم شهرين ما في يطعم قال له:يا شيخ ليش أنت فعلت هكذا أحياناً بعض الناس المتحذلقين يقولوا والله أنه أحسن الفتوى هذه جاءت في محلها لا في الحقيقة ما أحسن وقد رد عليه أهل العلم لأنه تشريع لا يجوز التعدي فيه ليش فعلت هكذا يا شيخ ؟
قال :أصلاً هذا الرجّال أمير مزلط وعنده فلوس وكذا لو قلت له اعتق رقبة بيعتق ستين ومع هذا ما ينزجر ولو قلت له أطعم ستين مسكيناً سيطعم ستين ألف ما هو ستين مسكين ولن ينزجر قال والله ما يزجره إلا صيام شهرين متتابعين خليه يصوم لما يتورم رأسه هذا غلط هذا خطأ سواء كان أميراً أو كان أصغر إنسان في المجتمع فهذه هي الكفارة إعتاق رقبة ما استطاع يطعم ستين مسكيناً ما استطاع وليس عنده نقول هذا في ذمتك حتى ييسر الله – تعالى – لك ومن الأساليب شاهدنا هنا أن من الأساليب النافعة في التربية إعانة المخطأ على تصحيح خطأه لا يوبخ ولا يعرض عنه من الأساليب المثلى أيضاً القعود مع المخطأ والجلوس معه ومناقشته لأن بعض الناس قد يتخذ موقفاً بمجرد أن يسمع أن فلاناً فعل أو قال أو أن الطالب فعل أو قال خلاص وإذا المدرس أو المربي خلاص معرض طيب هل تأكد أن هذا الأمر حصل وإلا ما حصل وهذه قاصمة الظهر الشيء الثاني هل جلست معه ناقشته ما دليله أو لماذا فعل كذا لماذا قال كذا لعله في حال غضب لعله لا يعلم الحكم كثير من الناس بمجرد ما بسمع خلاص يتخذ الموقف ولاء وبراء وانتهت المودة وانتهى الكلام والحوار بين المسلمين إلا من رحم الله تعالى- بلغ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أن عبد الله بن عمرو بن العاص زوجه أبوه فمكث ثلاث ليال لم يقرب امرأته فقالت المرأة يا عم إنكم زوجتموني على رجل ليس له حاجة في النساء قال وما ذاك قالت إن ابنك يصوم النهار ويقوم الليل ما هو بحاجة للنساء روحني بيت أهلي فأبوه بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم – بما حصل الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- استدعى عبد الله بن عمرو قال تعال بلغني أن أباك زوجك وأنك تفعل كذا وكذا قال نعم يا رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم –النبي صلى الله عليه وآله وسلم- هنا هذا هو الدين دين التوازن لا إفراط فيه ولا تفريط ما قال له ما شاء الله بارك الله فيك هذا عمل جليل تصوم النهار وتقوم الليل هذا شيء طيب مالك ما للمرأة هذه أتركها خلاص ما لك حاجة فيها قال :له تعال : (( إن لربك عليك حقاَ أنت الآن تؤدي حق الله ولجسمك عليك حقاَ ولزورك عليك حقاَ يعني الضيف ولزوجك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه ))[8].
شوف هذا في الحقيقة غلط لو أن إنساناً تزوج امرأة ثم رماها قي البيت خلاص هذا غلط فهنا هذا الخطأ تجلس مع صاحبه تناقشه وتنصحه وتعظه وتدله على الطريق الصحيح القويم وكان الرجل عبد الله بن عمرو يختم القرآن في اليوم كله قال –صلى الله عليه وآله وسلم- اقرأه في شهر قال يا رسول الله أنا رجل شاب عندي قدرة على القراءة اقرأه في خمس وعشرين يوماً لا أريد …. اقرأه في عشرين اقرأه في كذا حتى قال له اقرأه في ثلاث ليال لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث ليال والصيام كان يصوم قال له صم ثلاث أيام من كل شهر قال أستطيع أكثر قال وفي نهاية عمره قال عبد الله لبتني قبلت رخصة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – أنه كبر وكأن الرجل اتخذ ذلك على نفسه عزيمة يعني مثل النذر فصار شاقاً عليه متعباً قال ليتني قبلت نصح رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- شاهدنا أيضاً من هذه القصة أن أي خطأ يحدث لا تتعامل معه من برج عال ولا تتعامل معه بغض الطرف والكره والبغض لصاحبه وإنما الجلوس معه والنقاش والتثبت هل حصل ما حصل لعل الكلام وصل إليك مقلوباً لعل الناقل نقل إليك وهو لم يفهم الفهم الصحيح بل حتى أحياناً يأتي إليك ابن الجيران فيقول ابنك قال وقال وفعل بعض الآباء من حمقهم خلاص يأخذ العصا ويسلخ ولده سلخاً لا مش صحيح هذا الكلام ليس صحيحاً طالما وأنت ربيت ولدك على الصدق وربينه على المصارحة فلا بد أن تناقش وتأخذ وترد وتأتي بالشهود يشهدون هل قال كذا فعل كذا أم لا من هاهنا بعد ذلك أنت تقرر ما هو العقوبة أو الأدب الذي يستحقه هذا الولد أحياناً قد ينفع الإعراض أحياناً سواء كان من الولد تعرض عن ولدك تعرض عن زوجتك تعرض عن جارك تعرض عن تلميذك أحياناً ينفع لكن ليس دائماً في البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- جاء يقرع باب علي وفاطمة ويقول –صلى الله عليه وآله وسلم- ((لَهُمْ أَلَا تُصَلُّونَ قَالَ عَلِيٌّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ :(( وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا))))[9].
فقال: علي يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله متى شاء الله أيقظها يعني ما فيش داعي أنك تطرق علينا ولا في داعي أننا نقوم الآن اتركنا نرقد وبعدها أنفسنا بيد الله متى شاء بعثها وقمنا نصلي أعرض النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- يكرر ثانية ويطرق فطبعاً صلاة في النافلة مش في الفريضة أما في الفريضة لغم على الباب وقرحه انتبه ترح تصلح لواحد لغم تقول قد أفتانا فلان النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أعرض ثم مضى وهو يضرب فخذه ويقول: ((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)) سورة الكهف (54))).
هنا تأثر علي رضي الله عنه – لأنه يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم- كأنه وجد في نفسه لأنه لم يقم علي ولم تقم ابنته للصلاة هنا أعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ثم ذكرهما بهذه الآية (( وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ))…. بهذا الحديث كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقول وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ثم تعرض عنه فهذا الأسلوب أحياناً قد يؤثر في الولد وفي الطالب وفي العامي فينزجر ويقلع عما هو عليه أحياناً يطلب من الشخص مباشرة في حال الرؤيا في حال السماع الكف والإقلاع عن هذا الغلط في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه- يحلف ويقول وأبي فقال صلى الله عليه وآله وسلم- (( مه يا :عمر )) يعني كف عن هذا الكلام (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ))[10].
يعني ما قال له مه يعني كف أقلع عن مثل هذا العمل أنت مثلاً ترى التلميذ ترى العامي ترى ولدك يفعل خطأ يقول خطأ فنقول له اسكت أقلع عن هذا لا تفعل كذا هذا أيضاً من الأساليب النافعة وأحياناً قد ينفع كما ذكرنا من قبل أن يخاطب المخطأ بمثل هذه الأحوال باليد وبالضرب لكن هذا الأسلوب لا يتخذ إلا في خاتمة الأمور ومن ذلك أيضاً أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب فجاء يتخطى رقاب الناس من أن يجلس في الصف الأول فقطع صلى الله عليه وآله وسلم- خطبنه وقال للرجل اجلس هذا مخاطبة في الحال من أجل تصحيح الخطأ فقال له اجلس فقد آذيت وآنيت يعني آذيت المسلمين وتأخرت لو كنت تريد الفضيلة وتريد الصف الأول تعال مبكر تعال الساعة تسعة عشرة ونصف إحدى عشر من أجل أن تجلس في الصف الأول أما أن تتخطى رقاب الناس وتأتي متأخر فهذا لا يجوز فها نحن أنه صلى اله عليه وآله وسلم- عالج هذه القضية وربى هذا الإنسان مباشرة في حال وقوعه في هذا الغلط أحياناً ينفع المدح وهذا من الأساليب الطيبة النافعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم – في غزوة الطائف أعطى بعض الناس شيئاً من الغنائم فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم- قال :يا رسول الله أعط فلاناً فما أعطاه ما أعطاه ثم عود الكلام فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم- (( إني لأعطي بعض الناس شيئاً من المال أتألف قلوبهم وأترك بعضهم ركوناً إلى إيمانهم منهم فلان بن فلان قال الصحابي فو الله ما أحب أن يكون لي بدلاً من هذه الكلمة حمر النعم يعني هذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا المدح والثناء وذكر اسمي أنه ركن إلى إيمانه وأنه اطمأن إلى إيماني هذا يساوي الدنيا وما عليها وهذا أسلوب في الحقيقة نافع جداً أن تثني على ولدك الثناء الذي لا يجعله يطغى
أن تثني على بعض العوام أن تثني على المتعلم على التلميذ تثني عليه بما هو يستحقه بين يدي زملائه وأقرانه هذا في الحقيقة يساوي عنده شيئاً كثيراً ويدفعه إلى الأمام ويكون زاداً له في طيلة عمره يتفاخر بهذا الكلام الذي صدر من شيخه أو صدر من مربيه بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم – في غزوة الأحزاب بعث الزبير بن العوام –رضي الله عنه – ليأتي له بالخبر هل فعلاً اليهود نقضوا العهد والميثاق الذي قطعوه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم – فجاء الزبير وقال يا رسول الله نعم إنهم قد نقضوا الميثاق فقال صلى الله عليه وآله وسلم- مثنياً عليه لكل نبي حواري وحواري الزبير بن العوام لكل نبي أنصار وأنصاري الزبير بن العوام طبعاً هذا الكلام يشرح الصدر ويثلجه ويجعل الإنسان دائماً في تقدم ودائماً مطيع يسمع الكلام ودائماً يقبل النصح والتوجيه أما التوبيخ فإن الناس في الغالب جبلوا على ألا يقبلوه لكن قد ينفع التوبيخ أحياناً من إنسان خجول مستح فيستحي على نفسه أن يوبخ مرة أخرى بين يدي الناس أو حتى بين يدي المربي نفسه أحياناً التربية تكون نافعة بالقدوة وهذا في الحقيقة من الأمور النافعة والأمور المهمة أن يكون من يربي قدوة لمن يربيه وهذا بالطبع مأخوذ من سيرته كلها صلى الله عيه وآله وسلم- فإن حياته كلها قدوة كما قال –عز وجل- ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) سورة الأحزاب آية (21).
لكن من أبرز ذلك أنه في غزوة الحديبية لما منع –صلى الله عليه وآله وسلم- من العمرة وكانوا قد حملوا معهم الهدي فقال صلى الله عليه وآله وسلم- للصحابة رضي الله عنهم – انحروا هديكم واحلقوا رءوسكم فرفضوا قالوا لا يمكن أن نرضخ للكفار هؤلاء نحن جئنا طائعين لله نريد عبادة الله لا يمكن فدخل صلى الله عليه وآله وسلم- مغضباً فقالت له زوجته أتريد أن تطاع يا رسول الله قال نعم قالت له اخرج فانحر هديك واحلق رأسك فسيطيعونك ففعل صلى الله عليه وآله وسلم- فإذا بالصحابة رضي الله عنهم – يكادون يقتتلوا للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – وكل واحد منهم يجلس سريعاً من أجل أن ينفذ أمره صلى الله عليه وآله وسلم- ومن أجل أن يتأسى به صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يصلح أن يكون المربي قدوة سيئة لا يصلح أن يكون الأب قدوة سيئة لا يصلح المدرس أن يقول للطلاب التدخين مضر وهو يدخن لا يصلح أن يكون الأب يربي أبنائه على الصدق والاستقامة وهو يكذب لا يصلح أن يقول الأب لأبنائه صلوا يا أبنائي وهو لا يصلي وهلم جر هذه أيها الإخوة بعض الجولات السريعة من سيرته صلى الله عليه وآله وسلم- ومن أساليبه التربوية والتي في الحقيقة نحتاج جميعاً إلى قراءة سيرته صلى الله عليه وآبه وسلم- قراءة فيها شيء من التمعن وإمعان النظر وفيها شيء من التأني وفيها شيء من التفقه . أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يجعل في هذه العجالة خيراً كثيراً وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .



اضافة تعليق