تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

تربية الأبناء 1

إن الله تعالى يوزع المواهب بين عبادة فيعطي لهذا الشجاعة ويعطي لهذا الحكمة ويعطي لهذا ما شاء سبحانه من تلك المواهب وما أوتي أحد شيئا أفضل من الحلم والأناة الحكمة فإن هذا يعتبر من الخصال التي يختص الله بها من عباده وإن من الحكماء الأخنف بن قيس…

خطبة بعنوان: (  تربية الأبناء 1)

العناصر:

1-  تنوع المواهب.

2- وصايا لقمان لابنه.

3- الأولاد أمانة.

4- انفصام الشخصية.

5- أهمية الشباب.

6- ثلاث رسائل.

أن الحمد لله نحمده ونستعينه نستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمد عبد الله ورسوله

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) سورة ا لنساء آية (1).

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).

أما بعد :

 فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار.

معاشر الإخوة:

إن الله تعالى يوزع المواهب بين عبادة فيعطي لهذا الشجاعة ويعطي لهذا الحكمة ويعطي لهذا ما شاء سبحانه من تلك المواهب وما أوتي أحد شيئا أفضل من الحلم والأناة الحكمة فإن هذا يعتبر من الخصال التي يختص الله بها من عباده وإن من الحكماء الأخنف بن قيس.

الذي قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم:((إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ))[1]

 لما سئل من أين اكسبت هذا الحلم قال اكتسبته من أحد شيخي كان جالسا يحدث الناس في مجلس فبينما هو كذلك يحدث الناس إذ أوتي له بولده مقتول وبالقاتل مربوطا فنظر إليهما ثم استمر في كلامه يتحدث مع الناس فلما قضى كلامه قال لابنه الآخر الحي الذي بجواره يا بني خذ أخاك واذهب فادفنه وخذ مائة من الإبل ثم اذهب إلى أمك فإنها امرأة غربية و أنه لعلها أن يربط ذلك على قلبها وخذ ابن عمك وفك وثاقه والتفت إليه وقال يا بني والله ما زدت على أن أفسدت دنيا ابن عمك و افسد عليك عملك وأطلقه و كان هذا درسا عمليا للأخنف بن قيس أن يتعلم هاتين الصفتين الحلم والأناة[2]

ولو أن شخصا اليوم أوتي بولده مخدوش وليس مقتولا لأقام الدنيا ولم يقعدها ذلك أن مثل هذه الصفات صارت مفقودة ومنعدمة عند كثير من الناس فما أوتي أحد خيرا وأفضل من الحلم والصبر والأناة والحكمة وإن ممن أوتي الحكمة لقمان الحكيم الذي اختصه الله تبارك وتعالى في سورة من سور القرآن فسماها باسمه وهي سورة لقمان هذا الحكيم هو مثال للأب الحنون الحب الرفيق الخائف الوجل الذي يريد لأبنائه مستقبلا واعدا ومستقبلا أفضل .

فقد حكى الله تبارك وتعالى عنه أنه وصى ابنه بوصايا هذه الوصايا هي جوامع الأمور التي ما أخذ بها أب وما أخذت بها أم إلا فاز الولد وأفلح إن أخذ بهذه الصفات ثم أن هذا المربي عليه أن يبذر البذرة والثمرة ليس عليه .

عليه أن يربي الشجرة وهذه الشجرة قد تثمر وقد لا تثمر قد تبقى حية وقد تموت فهذه أمور بيد الله عز وجل لكن إذا عمل المربي بالسبب فيكفيه هذا ليكون معذورا بين يدي الله عز وجل فها نحن نرى أن الأنبياء عليهم السلام الذين أمرهم الله عز وجل وكلفهم الله تعالى بتبليغ دينه وتبليغ رسالاته وتبليغ كتبه أنهم بذلوا قصارى جهدهم حتى أن الواحد منهم كان يعمر أعمارا طويلة ومع هذا فهم مستمرون في الدعوة إلى الله تعالى يدعون ليلا ونهارا وسرا وجهارا ترغيبا وترهيبا تلك الوسائل وتلك السبل ومع هذا فلم يؤمن مع بعضهم كما هو الحال نوح عليه السلام قال الله تعالى : ((…وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ )) سورة هود آية (40).

 وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِىَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَ النبى وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلاَنِ والنبي لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِى.

 فَقِيلَ لي :هَذَا مُوسَى -صلى الله عليه وسلم- وَقَوْمُهُ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ.

 فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لي: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ الآخَرِ. فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لي هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ))[3].

لما عرضت على أمته كثروا أنهم ثلث أهل الجنة فكبر الصحابة رضي الله عنهم لكن شاهدنا أنه قال: رأيت النبي ومع الرهط هؤلاء هم عدد قليل ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان و رأيت النبي وليس معه أحد وهذا لا يعني بالطبع أن هذا النبي الذي معه الرجل والرجلان والذي ليس معه أحد لم يدعو أو أنه قصر لا بالعكس بل لقي قومه أشد الأذى لأنه لم يجد نصيرا ولم يجد موازرا ولم يجد معه من يقف معه بل الجميع كانوا في وجه ومع هذا كان مستمرا بالدعوة إلى الله عز وجل إلى أن قبض الله روحه .

لقمان عليه والسلام أتاه الله الحكمة.

((وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ )) سورة لقمان آية (12).

 يعني أن هذه منه ونعمة من الله تعالى عليك أن تشكر الله تعالى عليها إذا رزقك الله تعالى حلما هدوء حكمة بصيرة عليك أن تكون دائما شاكرا لله عز وجل أن شكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد أي يحذره من أن يكفر بنعم الله سبحانه وتعالى فكفران النعم المقصود بها تغطيها وعدم الشكر الله تعالى لها أو العمل بضدها فمن أوتي الحكمة واستعملها باللف الدوران واستعملها في نهب أموال الناس وبالفتن بين الناس وبالتظليل فإن هذا ليس من شكر الله عز وجل ومن آتاه الله المال فسلطه في المعاصي والانحرافات إلى آخره فإن هذا ليس من شكر تعم الله عز وجل بل هو من كفران تعم الله تعالى فذكره بأن هذه الحكمة نعمة تستحق أن يشكر الله تعالى عليها أن شكر لله وكان من حكم لقمان عليها السلام أنه كثير المداومة في الحكومة مع ابنه بل مع أسرته وخاصته الأبناء كان يجلس معهم بدليل هذه الوصايا التي أوصى بها لقمان هذا الولد وابتدأها بأعظم شيء وحد المخلوق من أجله وهي عبادة لله سبحان وتعالى.

الله تعالى يقول: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58))) سورة الذاريات الآيات (56-58).

 أي إلا ليوحدون ليعبدون بسائر الطاعات والعبادات ومن أهم ذلك توحيد الله عز وجل وعدم الإشراك به سبحانه وتعالى هذه القضية هي التي من أجلها بعث الرسل عليهم السلام: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)) سورة الأنبياء آية (25).

 أي توحدون التوحيد الذي من أجله بعث الرسل لأن الانحراف إنما حصل وطرأ في الأرض حينما جاءت الشياطين فاجتالت بني آدم فأوصلهم إلى الإشراك بالله تعالى وكانوا على الفطرة وكانوا موحدين لله تعالى طائعين لله عز وجل هذه الوصية هي أول وصية يوصي بها لقمان ابنه: ((يا بني لا تشرك بالله أن الشرك الظلم عظيم)) هو أظلم الظلم وأعظم معصية عصى بها الله عز وجل ولهذا فإن الإشراك بالله عز وجل ذنب ومعصية لا يغفر الله عز وجل إلا بأن يتوب الإنسان ويقلع عن هذا ا لإشراك: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)) سورة النساء آية (48).

عسى الله تعالى أن يغفر للعبد زناه إذا زنى وسرقته إذا شرق وقتله إذا قتل وظلمه إذا ظلم إلى آخر ذلك .

لكن الإشراك بالله تعالى لا ينفع معه صرف ولا عدل ولا تنفع صلاة ولا صوم لا ذكر ولا طاعة ولا زكاة ولا شيء من هذه ا لطاعات قال الله تعالى : ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً))سورة الفرقان آية (23).

الجلوس مع و الولد إدامة النصح والتوجيه له بالتي هي أحسن أنها من أعظم الأمانات التي كلفنا الله بها أمانه هذا الولد فالله تعالى وقد حمل هذا الإنسان الأمانة التي تبرأت منها السموات الأرض الجبال : ((إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً )) سورة الأحزاب آية (72).

 لو لم يكن هذا الإنسان ظالما ينفسه جهولا للعواقب لما تحمل هذه الأمانة كلف الله السموات الأرض والجبال بأن تتحمل هذه الأمانة فلم تقبلها وحملها هذا الإنسان لأنه ظالم لنفسه ظلوم لأنه جهول يجهل عظيمة هذه الأمانة وعظمة صاحب هذه الأمانة التي كلف هذا الإنسان بأدائها إن من الأمانات والأمانة أسم جامع لكل ما أمر الله عز وجل به فليس الأمانة هي حفظ أموال الناس وحفظ حقوق الناس وحفظ أسرار الناس هذا جزء م الأمانة لكن الأمانة ابتداء من أوامر الله من الصلاة والصوم والزكاة والعبادات بأشكالها وألوانها إلى أن تصل حقوق الأبناء وحقوق الأهل وحقوق الوالدين وحقوق الوالدين وحقوق الجيران هذه كلها من الأمانات التي كلفها الله عز وجل بها الوالدان هما الأسوة القدوة الدائمة لهذا الولد فهو دائم النظر إليهما وهو محد النظر إليهما وإلى حركاتهما وإلى سكناتهما وإلى ما يصدر عنها من الطاعات ومن المعاصي فهما أسوته ولذلك فليتق الله عز وجل الأب و الأم في أن يربي الولد أو ترى البنت من الأسرة أي انحراف فإنها مباشرة تتطبع في نفسها وتظن أنها من أفضل ما يفعله الإنسان ولولا ذلك لما فعله الأبوان الإشراك بالله تعالى الذي حذر الله تعالى منه ومن مغبته حذر منه لقمان ابنه ومع هذا بالرغم من أن الوالد أو الوالدين لهما من المكانة في نفس الولد فإن الطاعة لهما في معصية الله تعالى : ((وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))سورة لقمان آية (15).

 ولك أن تتأمل وتمعن النظر يقول الله تعالى وأن جاهداك مجاهدة طويلة عريضة استمرارا ليلا ونهارا ترغيبا وترهيبا على أن تشرك بالله تعالى فلا طاعة لهم وقد ضرب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان من أبر الناس بأمه، بل كان يضرب به المثل في البر بأمه، فلما أسلم قالت له أمه: ما هذا الدين الذي أنت عليه؟!

 لا آكل ولا أشرب حتى ترجع عن دينك فأموت فتعير بي.

 فيقال: يا قاتل أمك!

وفعلاً امتنعت من الأكل يومين أو ثلاثة، حتى كانوا إذا أرادوا أن يطعموها فغروا فمها بالعصا حتى تأكل.

 فقال لها سعد كلاماً واضحاً، معناه: يا أماه والله لو كان لكِ مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني، كلي أو دعي.

 فلما لم تجد مناصاً أكلت.

إن البر والعطاء والاحترام والمودة والنصح سيبقى لهذا الأب مع كفره وشركه مع كونه يهوديا أو نصارنا أو عابدا للصنم والوثن ستبقى صلته قربة الله عز وجل من الولد المسلم كما فعلت تلك الصحابية التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ((إن قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي قَالَ نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ ))[4].

فبرتها و أعطتها من أمور الدنيا ما هو متيسر لها .

المهم هنا هي قضية الجلوس مع الولد محاورته محادثته النظر والمتابعة لسلوكياته وأخلاقه .

 الزمان الأول أيها الإخوة :

زماننا نحن الكبار كان المجتمعات محصورة و كانت الوسائل معروفة لم يصل إلى بلاد المسلمين من الوسائل المتطورة كالمذياع على سبيل المثال إلا في أوقات متأخرة وكانت المجتمعات فيها تعاون و تناصح وكانت المجتمعات كلها أسرة واحدة يغار الواحد على عرض أخيه ويعتبر أبناء أخيه وأبناء جاره هم أبناؤه وأي انحراف معناه انحراف للحارة وانحراف للمنطقة ولهذا كان الأبناء يتربون أنهم في أسرة واحدة أما في وقت كوقتنا فإن العبء علينا ثقيل جدا لهذا حينما نرى أن هذه المجتمعات بل الأرض كلها صارت كالقرية الواحدة تستطيع خلال ثواني من خلال التقنيات الحديثة التي وصلت إلى أيدينا الزمان الأول لم يكون أحد يتأثر في أي سلوك أو بأي حضارة أو بأي أخلاق إلا إذا خرج من بلده إلى بيئة أخرى ومن ثقافته إلى ثقافة أخرى فلعله يعود بشيء من الثقافات المنحرفة إن كان عنده شيء من التصوف أو من مرض القلب فإنه ينقل شيئا من هذه التصورات الخاطئة.

 أما اليوم فإن العالم كله بين أيدينا في بيوتنا في مجالسنا في غرف نومنا في كل مكان يستطيع الإنسان أن يتواصل مع العالم كله ولهذا كان العبء على الآباء والأمهات ثقيل جدا من أجل الجلوس مع هؤلاء الأبناء والعناية بتربيهم لا نسلم هؤلاء الأبناء لشاشات التلفاز ولا نسلم هؤلاء الأبناء لأناس ربما يدعون أنهم من التربويين وهم من التربية بمنأى وفي بعد بالعكس يجب علينا أن نراقب هؤلاء الأبناء ونتابعهم و نجلس معهم جلوسا طويلا جدا ونعتني بهم كما نعتني بأنفسنا ربما بعضنا لا يجلس مع أبنائه إلا في الأعياد أ هذه تربية أيها الإخوة هذا الجيل الذي تحب له ما تحبه لنفسك وترغب أن يكون مثالا وترغب أن يكون اسما لك بعد وفاتك ودعوة لك بعد وفاتك وعملا صالحا لك بعد وفاتك إن لم تعتني به أنت فمن الذي يعتني به .

كان الزمان الأول لا وجود فيه لوزارات التربية والتعليم ولا وجود للمدارس النظامية ولا الجامعات ولا الكليات ولا و لا…

 بل كان الواحد منهم الذي يهتم بأبنائه يأتي بمربي صالح مشهود له بالصلاح إلى بيته أو يسلمه له في المسجد ليربيه ومن قرأ في تراجم سير العلماء يذكرون من صفة بعضهم أنه فلان بن فلان المؤدب أي أنه كان يؤدب أولاد الناس ويعلمهم لكن جاءت عندنا التربية والتعليم و التي أخذت بزمام التربية والتعليم لفترة مضت أما اليوم فإن هذه الوزارات في العالم الإسلامي على حد الخصوص والدليل على هذا أنك لو جئت بخريج جامعة وبدأت تناقشه في كثير من القضايا حتى فيما تعلمه في مسائل للغة العربية وغيرها حتى في دقائق تخصصه لو جدته من أبعد الناس عن هذا الفن وعن هذا العالم بعكس الأوائل فإن الواحد منهم كان موسوعة تجده في الفقه مجتهدا وتجده في البلاغة فطحالا وتجده في اللغات الأجنبية أنه يتقن كذا لغة وتجده مشاركا في الحساب والهندسة والفلك وغيره وأما من تخصص منهم في فن معين فإنه يبلغ إلى القمة .

لقمان رضي الله عنه ورحمه الله وصلوات الله عليه إنه لم يكن نبيا من الأنبياء وإنما كان صالحا من الصالحين يوصى ولده بهذه الوصية الجامعية أول وصية : لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم اليوم الشرك وسائله تنوعت وتشعبت فوصلت إلى درجة الخفاء على بعض أهل العلم لا يظن أن هذا من الشرك ومن الكفر بالله وعز وجل والدليل على هذا بعض قنوات السحر والشعوذة على الفضاء التي يتابعها آلاف بل ملايين من الناس ويفرحون بمثل هذه الترهات وهذه الشعوذات وهذه الشركات والكفريات  عياذا بالله تعالى ومن هذا قنوات التنجيم وهلم جر.

 أقول أيها الإخوة:

الوصية الثانية التي وصى بها لقمان ولده أنه أمره بشي من الواجبات أقم الصلاة يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهي عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور.

أقم الصلاة بعد توحيد الله عز ودجل تأتي الصلاة .

الصلاة التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام أنها خير موضوع الصلاة التي كانت أعظم شيء بعد توحيد الله عز و جل التي أمرنا الله عز وجل بها في كذا آية التي قال صلى الله عليه وسلم: ((مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع))[5]

هذه الصلاة التي صار ربما الآباء يخرجون إلى الصلوات ويتركون أبناءهم إما نياما وإما في الشوارع وإما أمام التلفاز ولا يقدرون حجم المسئولية التي كلفهم الله عز وجل بها هؤلاء الأبناء الذين أنت ترحمهم في نظرك في هذه الدنيا تتركهم زعما منك أنك لا تريد أن تعقدهم سيأتي يوم القيامة معلقين برقبتك يقولون يا رب سل هذا فيم تركني لم تركنا لم ينصحنا في يوم من الدهر لو أنك نصحتهم وسلكت الطريق الصحيح في تربيتهم لما أتوا متعلقين برقبتك .

الصلاة التي أن نشأ عليها هؤلاء الأبناء صغارا حافظوا عليها كبارا.

ينشأ ناشئ الفتيان فينا         على ما كان عوده أبوه

يتعود على الصلاة في البيت يرى أمه ويرى أباه يأمرانه بالصلاة يأخذه الأب يؤدبه للدخول في المسجد ويعلمه أحكام المسجد وليس من الصحيح طرد الأبناء من المساجد بأي طريقه كانت .

المطلوب تأديبهم وليس طردهم فهؤلاء أبناؤنا وأبناء إخواننا وهؤلاء هم فلذات أكبادنا وهو مستقبل هذه الأمة التي تركن عليهم بعد الله فالأبناء يعلمون ولا يطردن من المساجد بأي حال من الأحوال وإن كان ثمة لازم من إخراجهم بشيء من الرفق واللين حتى لا يصاب هذا الولد بشيء من العقدة من هذا المسجد و ينصدم منه ولا يحبه بعد ذلك إطلاقا بل يصير بعد ذلك يبغض ويكره المصلين.

 ثم تدرج لقمان في نصيحته أبنه من التوحيد إلي الصلاة أمره بشيء من الآداب والأخلاق ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا .

لا تصعر خدك لا تتكبر على الناس ولا تمش في الأرض مرحا أي تختال على الناس إلى آخر تلك الآداب التي هي عبارة عن الخط عام فالخط الأول هو توحيد الله عز وجل والخط الثاني هو خط الواجبات الخط الثالث هو خط الأخلاق هذا الثلاثي إذا تكامل في الإنسان أكتمل تشكيله و اكتملت أخلاقه وأكتمل التزامه لله عز وجل وكأن هذه الثلاث المحاور هي الخطوط العامة لدين الله عز وجل توحيد الله عز وجل فعل الأوامر ترك النواهي و الزواجر والسلوكيات والأخلاقيات التي يتخلف بها الناس ولا شك أن أخلاقيات المسلم غير أخلاقيات غيره من أبتاع الأديان الأخرى كاليهودية والنصرانية فديننا دين متكامل شمل جميع جوانب الحياة وهو صالح لكل زمان ومكان وما من شاردة أو واردة إلا و لله عز وجل فيها أصل يتحدث فيه عن هذه القضايا وعن هذه الجزئيات.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم أنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين أصطفى                                              وبعد:

أيها الإخوة الفضلاء:

 لاشك أن للقرب من الأبناء أهمية عظيمة والجلوس معهم وتأديبهم والنظر في أحوالهم هذه من القضايا الهامة ولا يجوز لمسلم أن يسلم أبناءه للقنوات الفضائية تؤدبهم وتعلمهم وتظهر بصماتها على سلوكياتهم وأخلاقهم .

بل لا يجوز أيضا أن يسلم الأبناء للشوارع ولقرناء السوء يربونهم ويعلمونهم فإن الشوارع اليوم تعج عياذا بالله تعالى بالمنحرفين ولا أريد أن أذكر شيئا من هذا الانحرافات أو الصوفيات الخاطئة الموجودة في الشوارع بل هنالك منظمات تعمل في أوساط المسلمين من أجل إفساد هؤلاء الأبناء .

أيضا لا يصلح بل لا يجوز لأب أن يترك الحبل على الغارب لأبنائه يذهبون حيث يشاؤون فإن هنالك محلات للفساد والإفساد محلات الأنترنت على سبيل المثال ومحلات الأتاري والنوادي الصغيرة التي فيها شيء من الألعاب التي ربما ظاهرها الإباحة ويتعلم منها الأبناء كثيرا من السلوكيات الخاطئة وللأسف الشديد أنك تجد تسيبا  تاما ولا تجد أيضا تعاونا من المؤسسات التي تمنح التراخيص لمثل هذه المحلات .

إذا أعطت ترخيصا يجب عليها أن تضطلع بالمسئولية وأن تتابع مثل هذه الانحرافات والسلوكيات الخاطئة التي توجد في مثل هذه المحلات لكن للأسف أنني كنت بالأمس أتحدث مع بعض الإخوة فقال أنه رأي بنات صغار في عمر العاشرة والحادية عشر في محلات الأتاري فذهب إلى بعض أقسام الشرطة ليبلغهم عن هذا فلم يتفاعلوا معه وبعد شدو وجذب وأخذ رجلا من الشرطة وذهب إلى هذا المكان وعلى كل حال كما تعرفون وكما هو الحال بكلمات باهتة أخرجت هذه البنت أخذت مقابل التنفيذ ثم عاد أدراجه ولم يقم بشيء يؤدب ويزجر و يردع صاحب هذا المحل مع أن هذه المحلات لها قوانينها وأنظمتها ومنها أنه لا يسمح لأقل من عمر الثامن عشرة من الذكور فضلا عن الإناث أما الإناث فيمنعن منعا باتا من مثل هذا.

أقول أيها الإخوة : ليس هنالك ترابط بين الوزارات التي تعني بالتربية في المجتمعات المسلمة للأسف الشديد فليس هنالك ترابط بين وزارة التربية والتعليم وبين وزارة الإعلام وزارة الإعلام تسلك وتنحو منحا آخر غير المنحى التي تسلكه وزارة التربية والتعليم وبينهما تضارب وتناقض وهذا هو الذي يسبب الانفصام بين الأجيال المسلمة فالمدرس إن كان صالحا يريد أن يربي الولد تربية صالحة يذهب إلى الشارع يجد سلوكيات غير التي يعلمها المدرس والبث غير السلوك الذي يعلمه المدرس والإعلام غير السلوك الذي يريده الأب وغير الذي يريده المدرس فيبعث الولد في دوامه لا يدري ممن يستقي ممن يأخذ المعلومات والتوجيهات بل عياذا بالله تعالى هنالك هجمات شديدة على المجتمع المسلم بجميع الأصعدة من أجل إفساد شباب هذه الأمة ذكورا وإناثا كانوا يقولون لنا زمان وكنا نصيح وبخ أصواتنا ولم تجد لها صدى ولم تجد لها مكانا .

أيها الإخوة إن ما يسمى بالرياضة النسائية إنما هو مدخل خطر على المرأة اليمنية قالوا :لا أنتم لا تفهمون هذه نوادي معلقة تلعب فيها المرأة وتنقص وزنها وما شاكل ذلك وتلعب بعض الألعاب لا يدخلها الرجال ولا تصور اليوم صارت الإعلانات إعلانات الرياضة للنساء تصور المرأة وتعلن للناس في الشوارع مثل أي وسيلة من وسائل الترويح وصارت المرأة تسافر إلى لبنان وإلى أطراف الدنيا دون محرم أ هذا ما وعدتم به ؟

أ هذه هي الحشمة أ هذه هي الأمور المستقاة من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي عبارة عن خطوات تتلوها خطوات وأنت لا تدري ولا تشعر قوانين تأتي إلى بلاد المسلمين تمرر ما تخص المرأة وما يخص الطفل فلا يصد منها و لا يعرقل منها إلا ما كان يريدون سن قوانين أن هذا الطفل يجب أن يكون حرا في اتخاذ القرار بحرية الشخصية سلوكا وأخلاقا وتدينا ومعتقدا ولأخذ أبناء المسلمين إلى اليهودية و النصرنية وغيرها من الأديان المحرفة ألم تكن هنالك وقفات جادة من مثل هذه القضايا فالمسالة جد خطيرة شباب الأمة أيها الإخوة هم مستقل هذه الأمة ما بنيت الأمم وما بنيت الحضارات إلا على أكتاف الرجال هؤلاء الشباب الغيورين على دينهم الغيورين على أمتهم الغيورين على أوطانهم تقوم على أكتاف هؤلاء الحضارات وتقوم الأمم .

وما هو حاصل اليوم من الفساد من العالم بأسره لو جئت تنظر في شرائح المجتمع لو جدت أن أكبر شريحة تفسد في الأرض هي هذه الشريحة .

أنا لا أتهم الشباب بالانحراف والفساد والفسق والفجور أبد بل هنالك شباب في غاية في الاستقامة في غاية من الأخلاق أنا لا أخاطب الشريحة التي هي جالسة الآن أمامي أخاطب شرائح أخرى لكن علينا مسئولية تجاه هؤلاء الناس فنحن تعرف وتختلط بكثير من الشباب الذي لست له صلة بالمسجد الذي عنده شيء من الانحراف العقدي الانحراف السلوكي علينا مسئولية تجاهه أن ننصحه وأن نأخذ بيده وهذه الأمة كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وهي كالبناء الواحد يشد بعضه بعضا.

إخوتي الفضلاء:

 أريد أختم بثلاث رسائل:

الرسالة الأولي: للآباء والأمهات: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُووا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) سورة التحريم آية (6).

قووا أنفسكم وأهليكم علينا أن نقي أبناءنا من نار الله عز وجل أن نقي أبناءنا من الانحراف ومن الوقوع في معصية الله عز وجل في الدنيا ومن سخط الله تعالى في الآخرة.

الرسالة الثانية: قال تعالى : ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )) سورة آل عمران(133).

أيها الآباء أيها الأمهات لري الأبناء منكم جدا ليري الأبناء منك قوة في الدين الأبناء ومنكم قوة في العبادة قوة في السلوك قوة الأخلاق لأنكم أنتم القدوة فكلما رأي الولد إياه في تقي وفي عبادة وفي صلاة وكلما رأي أمة كذلك ازداد تمسكه بدين الله عز وجل كلما رأي أباه وأمه بالألفاظ الصالحة الحسنة صار هذا مثالا للأبناء بآبائهم في السلوكيات.

أيضا: الرسالة الثالثة للمربين جميعا وللمسئولين جميعا في التربية التعليم وفي الإعلام وفي الإرشاد وفي الشباب والرياضة وفي الأندية وغيرها.

أن يتقوا الله عز وجل في أبناء هذه الأمة وأن يدلوهم على ما بنفعهم من أنواع المشاريع التي يضعونها بين أيديهم سواء كان هذا في أوقات الفراغ أو قل آخر في العام عليهم أن يضعوا البرامج السليمة التي تخرج جيلا سليما يخدم هذا البلد تخدم البلاد الإسلامية يخدم الأوطان يخدم العقيدة يخدم السلوك يخدم الأخلاق عليهم أن يتقوا الله عز وجل.

أيها الإخوة الفضلاء :

 أن القضية جد خطيرة لقد انتقلت إلى بلاد المسلمين من كثير من السلوكيات ما كنا نسمع وما كنا نعرف في بلاد على سبيل المثال بالذات في الجامعات بل من أوساط الشباب والشابات ما كنا نعرف شيء اسمه الزواج العرفي اليوم ظهر عندنا شيء اسمه الزواج العرفي في بنات الإعدادية والثانوية وفي مستوي الجامعة البنت بشاب لا تعرف أبوها ولا أمها و لا يعرف أحد أنها متزوجة هذا سلوكيات ومجودة اليوم بمدارسنا وفي مجتمعاتنا ونقلت إلينا من خارج الحدود وأتت إلينا لتصير ظاهرة مزعجة للأسرة وللآباء والأمهات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ومن عرف هؤلاء أنهم يمارسون الحرام والرذيلة ولا نكاح كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إلا بولي وشاهدي عدل))[6]

كيف تشربت هذه الفكرة و كيف تشرب هذا السلوك الخاطئ نتيجة انعدام الفهم نتيجة انعدام الرقابة نتيجة البعد عن هؤلاء الأبناء والتعرف من قرب على سلوكياتهم وأخلاقياتهم .

والحمد الله رب العالمين


[1] – مسلم 1/36

[2] ملاحظة القصة لأشج عبد قيس

[3]

[4] – البخاري 6/513

[5] –  مسند الأمام أحمد 2/187

[6] – صحيح ابن حبان 9/386

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق