إن التربية ليست أمرا هامشيا في حياتنا بل هو فريضة افترضها الله سبحانه وتعالى على الآباء إذا أردوا أن يخرجوا أبناء صالحين يكونون ذكرا حسنا لهؤلاء الآباء في حياتهم وبعد مماتهم وهي مسئولية لا يجوز أن نتخلى عنها بحال من الأحوال…
خطبة بعنوان : (تربية الأبناء2)
العناصر:
1- سعادة الإنسان.
2- خواء المناهج.
3- غياب القدوة.
4- مرجعية الكتاب والسنة.
5- دور الآباء.
6- التوسط في التربية .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أيها الإخوة المؤمن : لا شيء يفرح هذا الإنسان في هذه الدنيا ويسعده مثل إيمان صالح وإيمان قوي وعمل صالح وولد صالح تقي .
ويعيش الإنسان في فراغ إذا نقص عليه أحد هذه الثلاثة الأركان
يعيش إذا لمن يكن عنده إيمان فلا فرق بينه وبين الحيوان والعمل الصالح مرتبط بالإيمان وإذا كان مؤمنا تقيا صاحب عمل صالح ولم يرزق بولد صالح أو لم يرزق ذرية فإنه يعيش شاعرا بشيء من النقص والخواء ولا شيء يقلق بال المسلم الذي اضطلع بالمسئولية مثلما يقلقه في تربية أبنائه وإنه لسؤال عريض يتساءله كثير من الآباء ممن لا يزال معه أبناء لم يتجاوزوا الخطر .
كيف أربي أبنائي التربية الصالحة ؟
كيف أخرجهم من المخاطر التي تحيط بهم ولا شك أنها مسئولية عظيمة بين يدي الله عز وجل قال الله تعالى : ((إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)) سورة الأحزاب آية (72) .
إن من هذه الأمانة أمانة هؤلاء الأبناء الذين هم عقب لك وذكر لك أما بالخير وإما بالشر فإما أن يكون الولد صالحا فتذكر بالأمر الصالح وإما أن يكون سيئا فتذكر بالسيئ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والله تعالى قد أوكل هذه المهمة للأبويين أولا ولمن يقوم مقامهما في الدرجة الثانية قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) سورة التحريم آية (6) .
إن المجتمع كلما تقدم به الزمان وتطور وتطورت آليته وأساليب حياته وتنوعت وتداخلت الأجناس والأفكار والأهواء والمعتقدات كلما حصل ذلك كما تعقدت قضية التربية ربما يقول كثير من الآباء الكبار : لم أعاني .
نعم لأن المجتمع الذي عشت فيه مجتمع يساعدك على التربية مجتمع مترابط متكامل متكافل ما يضر الغير يضره ولهذا كان التعاون موجود بين الناس في تربية الأبناء وهنا في الآونة والمتأخرة نرى ونلمس أن تربية الأبناء في غاية من الخطر من أسباب ذلك أيها الإخوة :
ترك الأبوين أولادهما دون تربية ودون جلوس معهم ودون تفقيههم ودون تعليمهم بحجج يحتج بها كل إنسان بالطريقة التي رغب فيها.
فهذا مسافر مغترب من أجل لقمة العيش وهذا مشغول في وظيفة وهلم جر ويرى كثير من الناس أنه في غاية من الجهاد إذ أنه يسعى وراء كسب الرزق .
هذا نعم من المجاهدة من السعي في سبيل الله عز وجل لتحصيل الزرق ولكن كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول وفي رواية أن يضيع من يقوت إن بقاء الأولاد يعيشون كفافا خير له من أين يعيش في غنى وهو سيء الأخلاق وهو منحرف عن الجادة .
هذا هو الأمر المقلق لأن الولد إذا تربى على الإيمان وتربى على الصبر وتربى على الجلد وتربى على شكر الله عز وجل قوي على المعاناة وإما أذا تربي على الترف في المعيشة و ليس عنده خلق وليس عنده دين مشين فإن هذا سيكون وبالا على البيت وبالا على الأب وبالا على الأم وبالا على الأسرة عارا وشنارا عليه ما دام حيا بل ربما يلحقه هذا العار بعد وفاته هذا من أسباب المخاطر التي تحيط بتربية الأبناء عدم الجلوس معهم عدم تفريغ وقت كاف للجلوس مع هؤلاء الأبناء أو على أقل تقدير أن يؤتى لهم بمن يعلمهم ومن يربهم وتدفع لهم أجرة على هذا ممن تثق بهم وتثق بدينهم وتثق بأنهم سيتحملون المسئولية الكاملة التامة .
من جملة الأسباب أيها الإخوة فساد التعليم في بلاد المسلمين وجفافه وقصوره فإن المناهج التي تدرس للأبناء من الصف الأول الابتدائي إلى الثانوية بل إلى الجامعة حتى يتخرج من جملة البكالوريوس مناهج قاصر ومناهج ناقصة لا تعالج إلا قضايا دنيوية بحته لا تعتني بالخلق لا تعتني بالتربية ولا تعتني بالفكر لا تعتني بالعقيدة لا تعتني بهذه القضايا من قريب ولا من بعيد.
وزاد الطين بله أن مناهج التربية والتعليم في بلاد الإسلام خضعت للتهذيب والتشذيب على ما يرضي الغرب بل حذفوا كثيرا من الآيات وكثيرا من الأحاديث التي تعنى بهذه القضية فخلقنا جيلا مشوها جيلا قاصرا ثم بعد ذلك لا توجد متابعة من الآباء والأمهات والإخوان الكبار لإلحاق هؤلاء الأبناء بحلقات الذكر والعلم وسماع الدروس والمحاضرات .
أضف إلى هذا ما يبث سموم عبر وسائل الإعلام المرئية إذا أن الكون كله اليوم في صالة البث جميع القنوات في صالة البيت ينهل هذا الولد الصغير منها ومن معينها حتى أن بصمات هذا القنوات لتظهر على عينيه على سمعه على بصره على يديه على مشيه على حركته على هيئته على لباسه على قصة شعره على كل شيء من حياته كل هذا من دون وجود رقيب من الآباء والأمهات ويظنون أن هذه القضايا لا يمكن أن تؤثر على هؤلاء الأبناء .
بلى تؤثر على المدى القريب وعلى المدى البعيد إن هذه الصور وهذه العبارات وهذه الكلمات التي يلتقطها الطفل لتخزن في ذاكرته ثم بعد ذلك يعود هذا الشريط ليعرض نفسه على ذهن هذا الطفل حتى تخرج سلوكيات عليه.
لقد نادى العلماء المفكرون الإسلاميون والمربون الإسلاميون بضرورة ضبط هذه القضايا بشيء بسيط يسير هين كونك تدفع على سبيل المثال خمسة وعشرين ألفا لشراء جهاز استقبال يستقبل ثلاثين وخمس وثلاثين أربعين قناة سليمة وهي في ازدياد ويحدث ما بين حين وآخر وخير لك من أن تشتري جهاز استقبال بعشرة آلاف أو خمسة آلاف ثم تفتحه على مصراعيه للأولاد وينهلون منه دون وجود ورقيب .
أرأيت كيف تفضل المال وتفضل الدنيا على التربية الصالحة إن الفرق ليس كبيرا ولكن حب الدنيا وحب المال يؤثر عند كثير من الناس على تربية هؤلاء الأبناء حينما تأتي وتنظر وتقرأ وتتصفح الكتب الدراسية ما تجد فيها بابا للأخلاق ما تجد فيها بابا للعقيدة يغذى روح هذا الإنسان ما تجد منهجا يلبي السلوك الإسلامي لا تجد منهجا يربي هذا الولد التربية المتكاملة ولهذا وجد هذا الجيل المشوه إلا من رحم الله تعالى .
من الأسباب التي جعلت تربية أبنائنا في خطر داهم أن المربين الذين سلمنا لهم أبناءنا غير مؤهلين للتربية فلربما وجدت أناسا ممن يدرس هؤلاء الأبناء هو أحوج منهم إلى أن يتربى وأحوج منهم إلى أن يتعلم إنه بحاجة إلى أن يكون قدوة حسنة لهؤلاء الأبناء.
تعالى خفية و ادخل إلى كثير من المدارس واسمع إلى ألفاظ كثير من المربين والمدرسين مع الطلاب كيف يتعامل معهم وما هي سلوكيات هذا الإنسان وهل هو قدوة حسنة يصلح لأن يكون مربيا لأن يكون قدوة حسنة لهؤلاء الأبناء الأمر مخزي والأمر في غاية الخطر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
كذلك أيها الإخوة:
من جملة الأسباب التي أدت إلى أن جعلت قضية تربية أبنائنا في خطر أننا سرنا و سار بعضنا على نفس نمط الغرب في تربية هؤلاء الأبناء في كثير من الشعارات.
وفي كثير من الألفاظ التي لو جئت تنظر إليها وتدقق فيها لوجدتها لا تصلح لنا كمسلمين على ما يسمى بالحرية وعلى ما يسمى بحرية الرأي وعلى ما يسمى بحقوق المواطنة وما شاكل ذلك هذه القضايا حينما تأتي وتنظر إليها تجد أنها تمسح التربية في أوساط أبنائنا تمسح قضية المعتقد والولاء و البراء.
تمسح أيضا قضية التميز بني الناس بين الصالح والطالح بين من يستحق ومن لا يستحق فإنه على سبيل المثال يذكرون أن قضية المواطنة أنه لا تفريق بين يهودي ولا نصراني ولا مسلم في الحقوق ولا في الواجبات وأن قضية الرابط بين الفرد وقضية المواطنة هي القوانين والدساتير لا العقيدة الإسلامية ولا كتاب الله عز وجل.
ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالقوانين ولا يفرقون بعد ذلك ما بين يهودي ونصراني وعابد وثن إنه إذا تسلط على المسلمين ووصل إلى سدة الحكم أن يحكم بالطريقة التي تحلو له.
أيضا من الأسباب أننا غفلنا عن مصادر التربية الإسلامية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سيرة السلف الصالح سيرة العلماء الذين جاهدوا في هذا الجانب وخرجوا أجيالا سطر التاريخ تاريخ هؤلاء الناس بأحرف من نور وكانوا فعلا سادة و قادة استحقوا أن يكونوا في مقدمة الأمم واستحقوا أن يمسكوا بزمام العلم.
التعليم اليوم أيها الإخوة :
ما هو إلا عبارة عن حفظ أسطر معلومة يحفظها بدقة فيها يختبرها فإذا اختبر فها رماها وتركها ولا يبني عليها شيئا .
فتعال إلى رجل أو شاب في الثالث الثانوي لتنظر المعلومات التي استقاها في ثالث إعدادي تجده أنه ليس عنده شيء من هذا وهذا يدل على أن ما يتعلمه هؤلاء إنما يتعلمونه من أجل أن يختبر به ومن أجل أن يبثه في ورقة الاختبارات ثم يمضي بعد ذلك ولا يعود إليه لا من قريب ولا من بعيد .
أن مصادر التربية الإسلامية فيها شمولية و واقعية ومرنة ليست كتلك المصادر التي تأتينا من بلاد الغرب فيها من الخواء وفيها من الجفاء والجفاف وعدم ملامسة حاجة الروح نعم إنها قد تضبط قضية من قضايا التربية ولكنها ليس شاملة تشمل جميع الجوانب التي تحتاج إليها هؤلاء الأبناء .
أيضا من أسباب المخاطر أننا تركنا المجال لدعاة التغريب يشبوا سمومهم عبر الممارسة العلمية عبر وسائل والإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة المرئية تركنا لهم المجال بحجة أو بأخرى فأصابتنا في المقتل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
إذا أصيب القوم بأخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا
إن العودة إلى مصادر التربية الإسلامية ومعينها كفيل بحفظ هؤلاء الأبناء وكفيل بتربيتهم التربية الشاملة التي تشمل جانب الفكر وجانب العقيدة وجانب السلوك والأخلاق والروح والدين والدنيا تشمل ذلك كله والدليل
على هذا ما خرجه العلماء في الأزمات السالفة ولا يزال إلى يومنا هذا بتخريج رجال يحملون راية العلم وراية التغير في الأزمان السالفة ولا يزال إلى يومنا هذا يتخرج رجال يحملون راية العلم وراية التغير في هذا المجتمع وإن كانوا قلة فإنه مع المجاهدة بإذن الله تعالى سوف تندفع العجلة وسوف يحدث هؤلاء تغيرا عظيما.
والرجل الذي يصبر و يصابر ويجاهد وفي المجال لعل كلمة تصدر منه في يوم من الدهر يعمل بها لعلهما تكون سببا في تغير الكون كله أن المربي يجب عليه أن يكون وقدوة في نفسه لأن قدوة والأم قدوة والأخ الكبير قدوة والمدرس في المدرسة وفي الجامعة قدوة من أجل أن يقتدى به في هذه المجالات حتى يؤثر على هؤلاء الأبناء وحتى يخرج هؤلاء الأبناء إلى بر الأمان يإذن الله تعالى أما أن يسلم وتترك هؤلاء الأبناء لمن هب ودب يؤثر عليهم ويؤثر في سلوكياتهم.
وربما بعض الآباء ولا يلتقي بهؤلاء الأبناء إلا مرة أو مرتين في الشهر ففي الصباح يخرج إلى العمل ثم إذا البيت يعود ليأكل لقمة ثم يذهب مع الناس الآخرين من أجل الجلوس في الدواوين وما شاكل ذلك ثم إلى عمله وفي الليل يأتي متأخر وفي الصباح قد يخرج وقد خرج الأبناء إلى مدارسهم وهلم جر فلا يلتقي فيهم إلا ربما يوم الجمعة وربما أيضا لا يلتقي فيهم إلا مرة أو مرتين في الشهر كما ذكرت آنفا.
التربية بمفهومها كما يقول العلماء يقول البيضاوي رحمة الله في تفسيره التربية مأخوذة من الرب وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا يعني منذ طفولة الصغير هذا إلى أن يصير شابا يافعا وأنت تتدرج معه في تربية .
يقول الراغب الأصفهاني : الرب في الأصل التربية وهو إنشاء الشيء حالا فحالا في حد التمام ومن معاني التربية تنمية قوى الإنسان الدينية والفكرية والخلقية تنمية متسعة متوازنة.
إن التربية ليست أمرا هامشيا في حياتنا بل هو فريضة افترضها الله سبحانه وتعالى على الآباء إذا أردوا أن يخرجوا أبناء صالحين يكونون ذكرا حسنا لهؤلاء الآباء في حياتهم وبعد مماتهم وهي مسئولية لا يجوز أن نتخلى عنها بحال من الأحوال قال الله تعالى : ((إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)) سورة الأحزاب آية (72).
فكما أنك حريص على صلاتك احرص على إصلاح أبنائك قدر المستطاع و كما إنك حريص على إصلاح نفسك احرص على إصلاح أبنائك قدر المستطاع وكما إنك حريص على صوم رمضان وعلى حج بيت الله وعلى والديك فاحرص كذلك على تربية أبنائك فإن هذا كله يدخل في الأمانة والله تعالى قد قال في محكم كتابه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) سورة التحريم آية (6).
إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد لأن الله تعلى قال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قووا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) سورة التحريم آية (6).
وقال ابن القيم رحمة الله وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم فقال تعالى : ((وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً )) سورة الإسراء آية (31).
فالوصية بحق الأولاد مقدمة وأي شيء أكبر من القتل من أن يقتل هذا الولد هو يمشي على ظهر الأرض فلا فكر لا خلق لا عقيدة لا استقامة إلى آخر ذلك هذا هو غاية القتل وغاية الوأد ولا حول و لا قوة إلا بالله ثم يقول أيضا فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم وترك تعليم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبار كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبتي إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وضيعتني وليدا فأضعتك شيخا .
فلا مسئولة كاملة في هذا المجال إلا على معاشر الآباء والأمهات ومن قام مقامهما.
أقول قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فإنه أيها الإخوة لا شك أن قضية التربية ليس أمر هينا ففيه من التعب والمشقة ما فيه ولربما كبر وتعثر كثير من المربين ولكن لا بد من الصبر ولا بد من المتابعة فكم من أبناء مع جهد الآباء يظهر فيهم نوع من القصور والانحراف.
ولكن مع طول الملازمة والمتابعة تحصل عودة بإذن الله عز وجل وما طرق إنسان بابا في هذا المجال مثل طريقة الانطراح بين يدي الله عز وجل بالتذلل والخضوع والدعاء فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يكثرون الدعاء للأهل وهم أنبياء وقد يبتلى الإنسان على كل حال .
العيب إن يكون ثمة تقصير ولكن مع وجود العمل والمتابعة والهم فإن الإنسان لا يعان بحال من الأحوال فهذا نوح عليه السلام ابنه منحرف وهذا لوط عليه السلام زوجته كانت منحرفة وهلم جر من الأنبياء .
إبراهيم عليه السلام أبوه لم سمع له ولم يتبعه وكان من الضالين والكافرين وهكذا لو قرأت في سير كثير من أهل العلم وأهل الفكر لو جدت أنه وجد في أبنائهم من لم يسلك مسلكهم بل ربما انحرف وذهب بعيدا لكن لا بد أيها الإخوة:
من التوسط والاعتدال في قضايا التربية فمن الخطأ أن يحرم الأبناء الأشياء المباحة بحجة أنه لا بد من المحافظة على هذا الولد والمحافظة على وقته فإن الطفل يحتاج إلى شيء من الهو واللعب فالتشدد في هذا الجانب لا يأتي بخير أبدا فلا يترك الولد تركا كليا و لا يشد عليه التشديد الكلي والتوسط هو المطلوب.
كلا طرفي قصد الأمور ذميم خير الأمور الوسط والوسيط وشرها الإفراط والتفريط.
فلا بد من الاعتدال والتوسط أيضا لابد من القصد في الموعظة فإن الموعظة كما كثرت على الولد ربما لا يسمع لها وربما كان الضرب أيضا في كل قضية لا ينفع فيتعود الجسم والجلد على الضرب ولا يبالي بعد ذلك ولكن ليكن التوجيه فيه شيء من الاعتدال فقد كان صلى الله وآله وسلم يتخول الصحابة بالموعظة رغم طلبهم لكثرة الموعظة فكان يعطيهم مرة في الأسبوع والواجد لا يعطيهم كثيرا حتى لا يسأم الإنسان فكثرة الطرق على بعض القضايا ربما يؤثر سلبا في تربية الأبناء ولا يبالي بعد ذلك بالتوجيه وعليه بالقدوة الحسنة كما ذكرنا آنفا أن تكون قدوة حسنة في سلوكيك و أخلاقك وفي مظهرك ومخبرك وأسوتنا في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يلعب مع الحسن والحسين ترك خطبته ونزل حينما رأى الحسن والحسين يتخطيان الناس فترك الخطبة ونزل وأخذهما وقال :إنما أموالكم وأولادكم فتنة وضمهما وقبلهما وكان يلاعبهما ويجلس معهما حتى أن سعيد بن المسيب كان له أولاد قال : إني لأذكر أبنائي في صلاتي فأصل الصلاة معنى هذا أطيل الصلاة أدعو لهم.
وقال آخر : يا ولدي إني لأكثر من الصلاة من أجلك أي من أن أدعو لك .
لأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد ولا يوجد على ظهر الأرض أحرص على الأبناء من الآباء والأمهات لا يوجد إنسان يرى ولده في خير فتغضب أو يدي ولده في سوء فيفرح إلا من كان قلبه حجر لا يتأثر وإن كانت الأحجار قد تتأثر فيتفجر منها الأنهار ويتشقق فيخرج منها الماء إلى الشرايين فوجود أب مثل هذا في الحقيقة قد يكون لا وجود له يحال من الأحوال .
ولو سألت أبا هل تريد أن يكون أحدا فوق منك وأحسن حالا منك ؟
لقال : نعم فإذا قيل له من؟ لقال : ولدي .
لا يريد أحدا ينافس في شيء مثل ولده من أقوال أهل العلم في هذا يقول الإمام الغزالي رحمه الله إن الصبي أمانة عند والديه .
ويقول : محمد قطب حفظه الله إذا كان البيت والشارع والمدرسة والمجتمع وهي ركائز التربية الأساسية فإن البيت هو المؤثر الأول وهو أقوى هذه الركائز جميعها لأنه يتسلم الطفل من أول مرحلة ولأن الزمن الذي يقضي الطفل في البيت أكبر من أي زمن آخر .
ولأن الوالدين أكثر تأثيرا في الطفل .
ويقول النخلاوي : لا تحقيق لشريعة الله إلا بتربية النفس و الجيل والمجتمع على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده من هنا كانت التربية الإسلامية فريضة في أعناق الآباء والمعلمين .
والحمد لله رب العالمين .



اضافة تعليق