إن من آيات الله الباهرة تقلب الزمان .هذا الزمان الذي يعيشه الإنسان ما بين شتاء وصيف وربيع و خريف وما في ذلك من الآيات الباهرة التي جعلها الله عز وجل في هذه الآيات أن الزمان الذي يعيشه الإنسان في هذه الحياة لهو نفسه آية من آيات الله الباهرة ولذا فإن الله عز وجل أقسم بهذا الزمان وجعل له سورة في كتابه …
خطبة بعنوان : ( تفسير سورة العصر)
العناصر:
1. من آيات الله تقلب الزمان.
2. أهمية الزمان .
3. أهمية الإيمان.
3. أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4. بعض أحكام الشتاء.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
عباد الله :
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله عز وجل فاتقوا الله حق تقاته وراقبوه في السر والعلن .
إخوة الإسلام :
إن من آيات الله الباهرة تقلب الزمان .هذا الزمان الذي يعيشه الإنسان ما بين شتاء وصيف وربيع و خريف وما في ذلك من الآيات الباهرة التي جعلها الله عز وجل في هذه الآيات أن الزمان الذي يعيشه الإنسان في هذه الحياة لهو نفسه آية من آيات الله الباهرة ولذا فإن الله عز وجل أقسم بهذا الزمان وجعل له سورة في كتابه .
نعم هي من أقصر السور ولكن ما فيها من الآيات والعبر والمعاني وما جمعت من خيري الدنيا والآخرة وما جمعت من دلائل وأصول السعادة والفلاح وما حذرت فيه من أسباب الشقاوة والخسارة ما لو تدبر الإنسان لكفاه يقول الله تعالى : ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3))) سورة العصر.
هذه السورة القصيرة المختصرة التي لو تدبرها كل إنسان وقرأ تفسيرها وعرف معانيها وعمل بمقتضاها لأدى به ذلك إلى الفلاح والى الفوز والنجاح في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد أقسم الله تبارك وتعالى بالعصر هذا العصر هو الزمان هو السنون هو الأيام هو الأشهر هؤلاء الأسابيع هو الفصول الأربعة أقسم الله تبارك وتعالى به و لهذا فإن الله تعالى إذا أقسم بشيء فإنما يلفت السامع والقارئ إلى أنه يحب عليه أن يتدبر بهذا المقسم فالله تعالى لا يقسم إلا بعظيم ولا يقسم إلا بشيء ينبغي على المسلم أن يتدبر ما فيه من الفوائد والمعاني .
فالله سبحانه وتعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه فقد أقسم بالشمس وضحاها وأقسم بالتين والزيتون وأقسم بالضحى وأقسم بغير ذلك لما في هذه الآيات من الدلائل والمواعظ والعبر ما ينبغي على المسلم أن يتدبر ذلك .
وما ينبغي أن يتمعن في الآيات سواء كان هذا التمعن كوني أو كان بأن يتمعن الإنسان ما أودع الله سبحانه و تعالى في هذا الشيء المخلوق الذي أقسم الله تعالى به من الفوائد العظيمة الباهرة ولو أن يستفيد و يستعين مما كتبه علماء الطبيعة أو علماء الطب أو ما شاكل ذلك .
فعلى سبيل المثال لو أن كل مسلم أجهد نفسه قليلا ليقرأ فوائد الزيتون أو فوائد التين وما أودع الله سبحانه وتعالى فيها من الفوائد الطيبة التي أبهرت علماء الطب وعلماء الطبيعة والتي نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته .
الله تعالى أيها الإخوة :
له أن يقسم بما شاء من مخلوقات ولكننا نحن لا ينبغي بل لا يجوز بل يحرم أن نقسم إلا بالله تبارك وتعالى رضي الله عن ابن مسعود قال : ((لأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ وَأنَا صَادِقٌ))[1]
لماذا ؟
لأن الحلف بالله كاذبا إثم وذنب والحلف بغير الله صادقا شرك وكفر لأن المقسم لا يقسم إلا بما يعظمه فلا يحل لمسلم أن يقسم بأبيه أو أمه أو بشرفه أو بالعيش والملح أو فوق رأس أولاده أو ما شاكل ذلك.
وفي الحديث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ .
فَقَالَ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ))[2]
والعصر هذا قسم من الله عز وجل ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) )) سورة العصر الآيات (1-2).
هذا قسم من الله سبحانه وتعالى أكده الله عز وجل وكلامه ليس بحاجة إلى تأكيد ولكنه ليكون له وقع في نفسك أيها المسلم القارئ السامع فلقد أكد الله تعالى على هذا الأمر وهذا القسم بثلاث مؤكدات :
المؤكد الأول: هو واو القسم فقال والعصر.
المؤكد الثاني: هو أن التي يستعملها العرب لتوكيد الكلام فقال : إن الإنسان
المؤكد الثالث : اللام في قوله لفي خسر.
فالله سبحانه أقسم بأن الإنسان أي جنسية ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا فقيرا كان أو غنيا رئيسا كان أو مرؤوسا رفيعا كان أو ضيعا كل إنسان في هذه الحياة في خسارة دنيوية و في خسارة أخروية هذه الخسارة الدنيوية ليس عليها المعول ولكنها سبيل وطريق إلى أن يضل الإنسان إذا استمر على هذه الخسارة والشقاوة ولكن الخسارة الحقيقية هي أن يخسر الإنسان يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين قال الله تعالى : ((قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )) سورة الزمر آية(15).
كل خسارة في هذه الدنيا عسى أن تعوض لكن من خسر دينه ومن خسر بين يدي الله تعالى فلا تعوض في ذلك اليوم ((يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89))) سورة الشعراء الآيات (88-89).
ثلاث مؤكدات واو القسم إن التي تستعمل عند العرب للتوكيد واللام في قوله ( لفي خسر) تؤكد كل إنسان في هذه الحياة في خسارة إلا عن من أتى بما بعد الاستثناء : ((إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتوصوا بالحق وتوصوا بالصبر)).
العصر الذي أقسم الله به كما قال أكثر أهل العلم : هو الزمان ومنهم من فسرها بصلاة العصر لأهميتها ولهذا ربنا تعالى حينما أوصى بالمحافظة على الصلوات قال : ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )) سورة البقرة آية (238).
الصلاة الوسطى هي صلاة العصر كما كان يتلى في القرآن ثم نسخت وكما جاء في الأحاديث أن الصلاة والوسطى هي صلاة العصر كما قال صلى الله عليه وسلم : ((ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس))[3]
قيل أنها صلاة العصر لأهميتها ولكثرة ما يفرط فيها خاصة في زماننا هذا ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم : ((الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ)[4].
أي كأنما فقد ماله وفقد أهله وأن كانت هذه الخسارة خسارة يمكن أن تعوض لكن الصلوات خصوصا مثل هذه الصلاة صلاة العصر من حافظ على الفجر والعصر فهو دليل على إيمانه ودليل على تقواه ودليل على أنه لا يمكن أن يفرط ببقية الصلوات وهذه قاعدة عامة أنظر إلى من فرط بصلاة العصر والفجر لهو في بقية الصلوات أشد تفريطا لأنه لا حافز عنده ولا همة على أن يترك شهوات نفسه ويأتي من أجل أن يتعبد الله تعالى.
العصر كما قلنا الراجح أنه الزمان بجميع آياته وتقلباته والصيف وما فيه من الآيات من الحرارة هذه الحرارة لا تذكرنا بحر جهنم أليس أشد ما نجد من الحرارة في الصيف إنما هو من فيح جهنم لقد استأذنت النار ربها أن يعطيها نفسين أن يعطيها ما تتنفس به كما جاء في الحديث : ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضا فأذن لي بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير))[5]
إنها آية تذكرنا بالله وتذكرنا بعذاب الله سبحانه وتعالى يامن يتعظ و يا من يعتبر الشتاء والصيف وما فيهما في بعض المواسم وفي بعض البلدان من الرعد والأمطار والثلوج والصواعق وما شاكل ذلك إنها آيات من آيات الله الباهرة يكون الناس بأمس الحاجة إلى أن ينزل المطر فينزل المطر فيوشك أن يغرق البلد فيرفعون أكفهم أصرف عنا هذه المطر وهكذا كيف يخاف الناس ترتعد فرائصهم ويخافون على أنفسهم إنها آيات من آيات الله سبحانه وتعالى إن هذا الزمان وهذا العصر هو رأس مال المسلم إذا استغله في طاعة الله عز وجل ولذلك لما حكم الله تعالى بالخسران على كل الناس قال الله تعالى :((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2))) أي كل إنسان في خسارة.
خسارة دنيوية وخسارة أخروية إلا الذين آمنوا أي آمنوا بالله و صدقوا بما جاء به الله آمنوا إيمانا صحيحا فنطقوا بألسنتهم و اعتقدوا بقلوبهم عملوا بجوارهم لا كما يظن بعض الناس أنه مجرد أن يقول : لا إله إلا الله أنه دخل الإيمان من أوسع أبوابه لو كان الأمر كذلك لكان إبليس أول المؤمنين إبليس ألم يعترف بالله ألم يقل ((قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)) سورة الحجر آية (36).
أنه معترف بوجود الله تبارك وتعالى ينادي ربه ويخاطب ربه ولكنه لم يعمل لله سبحانه وتعالى ولو كان مجرد المعرفة بالقلب يدخل في الإيمان لكان فرعون أول المؤمنين لأنه كان صاحب معرفة بقلبه كما قال له موسى : ((قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً )) سورة الإسراء آية (102).
إنك موقن وتعلم علم يقين أنك كاذب يا فرعون في دعواك الألوهية والربوبية لكنه الكبر لم يسجد لله سبحانه وتعالى.
وإلا فما معنى النفاق يا عباد الله إن يكن النفاق في العمل هو المحبط وهو الذي يؤدي إلى الخسران فما هو النفاق إذا لابد من النطق باللسان ولابد من الاعتقاد بالقلب الموافق لما نطق به اللسان ثم لا بد من النطق باللسان ولا بد من الاعتقاد بالقلب الموافق لما نطق به اللسان ثم لا بد من العمل بالجوارح من صوم وصلاة وزكاة وحج وبر للوالدين وصلة للأرحام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة هنا يكتمل إيمان الإنسان.
إلا الذين آمنوا بالله وبوجوده آمنوا بألوهيته وربوبيته وأنه المستحق للعبادة أنه له أسماء و صفات يجب على المسلم أن يدعوه بها قال الله تعالى : ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) سورة الأعراف آية (180).
أن تؤمن برسله جميعا بكتبه جميعا أن تؤمن برسوله فتعمل الأعمال الصالحة التي تخلص بها لله وتتوافق هذه الأعمال مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم عما جناحا العمل الصالح المقبول الإخلاص لله المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقبل الله عملا لا تخلص فيه ولا يقبل الله عملا أخلصت فيه لكنك خالفت سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ألم يقل الله سبحانه في محكم كتابه :((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً (4))) سورة الغاشية الآيات (1-4).
هل أتاك حديث الغاشية يوم القيامة وجوه يومئذ خاشعة عليها علامات الخشوع عاملة ناصبة أتعبت نفسها في العمل تصلى نار حامية لأنها لم يكن عملها موافقا لسنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وما أكثر هؤلاء الناس الذين يجهدون أنفسهم ويتعبونها في الأعمال لكنها على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
أعلم أن العبر ليست بكثرة العمل ولكن العبرة بإخلاصه وصلاحه وموافقته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ألم تسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي حينما جاء يسأله عن الصلاة قال خمس صلوات هل علي غيرها قال : لا إلا أن تطوع .
إلى أن قال والله لا أزيد هذا ولا يقص فقال صلى الله عليه وسلم : ((أفلح إن صدق))[6].
لأنه عمل العمل القليل لكنه متوافق مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم فلست العبرة بكثرة الأعمال العبرة بإخلاصها وموافقتها لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات نحن خارجون من عمل صالح وهو الصيام والقيام القرآن زكاة الفطر صلاة العيد وغير ذلك من الأعمال ليتنا نستمر في هذه الأيام إلى أن يأت رمضان نسبته لا أقول 10% 50% على ما كنا عليه في رمضان من المحافظة على الصلوات قراءة القرآن ذكر الله الخشوع والدعاء والتضرع لله وفعل الخير ولو كان قليلا لكان هذا أمرا مبهرا بإذن الله عز وجل.
آمنوا وعملوا الصالحات الأعمال الصالحة كما قلنا هي الموجودة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليست هناك أعمال صالحة خارج نطاق وإطار الكتاب والسنة فما كان خارج هذين الإطارين فهو ليس من الأعمال الصالحة هنا إن لم يكن في ذلك تعب عليك إن لم يكن فيه أثم عليك لأنك تستدرك على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم آمنوا عملوا الصالحات تواصوا بالحق التواصي على الثبات على الحق الثبات على الدين الثبات على الأعمال الصالحة هنا لفتة وهي أنه لا يجوز للمسلم أن يبقى محصورا ومنطويا على نفسه .
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقط بل وتواصوا بالحق أي أنه لا تكتفي أن تعمل بالحق بل لا بد أن ترشد غيرك إلى هذا الحق انصح غيرك حتى يعمل الصالحات وهذا المقصود به هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تقل يكفني نفسي لكن أصلح نفسك نعم وحاول أن تصلح غيرك واصبر على ذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد أمر بهذا أمرنا بأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ولذلك لعن بني إسرائيل لأنهم يفعلوا هذا اكتفى كل واحد بنفسه وظن أن ذلك هو الفلاح لا والله ولكن الفلاح والنجاح يكمن بأن يصلح الإنسان نفسه ويصلح غيره.
قال الله تعالى : ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)))سورة المائدة الآيات (78-79).
فلا بد إذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا بد من الصبر والصلاة قال الله تعالى: ((يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)) سورة لقمان آية (17).
وقال الأنبياء عليهم السلام: ((وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ )) سورة إبراهيم آية (12).
الشخص الذي يأمروا بنهى يؤذى لا يمكن أن يقال لشخص في الغالب شكرا ونفع الله بك ويبقي الله وجهك لكنهم سيستهزئن بك ويعاندونك لكن عليك أن تصبر إذا لم تصبر فلا تستطيع أن تجاهد نسفك وإذا لم تصبر فلا تستطيع أن تدعوا غيرك ولا تستطيع أن تأخذ بيد غيرك إلى بر الأمان .
أمنوا وعملوا الصالحات تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر على طاعة الله عز وجل وصبر على قضاء الله وقدره وأن تصبر على طاعة الله وأن تصبر على المعاصي الله فالصبر يكون بالعمل ويكون بالترك أيضا .
أن تصبر على العمل بحيث تدوم عليه وتصبر نفسك وتجاهدها والصبر كذلك عن معاصي الله عز وجل بالترك ولابتعاد عنها لأن النفس والهوى الشيطان يدفعانك إلى الذنوب والمعاصي دفعا فكيف تصبر وتجاهد نفسك على أن تبعدها عن المعاصي وعمل الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
لا شك أيها الإخوة أنه في الشتاء تكون هناك ثمة مكارة هذه المكارة منها إسباغ الوضوء ومنها التحافي عن المضاجع قال الله تعالى : ((تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)) سورة السجدة آية (16).
في الشتاء يخلد الإنسان في نومه إلى الراحة والدعة لا يحب نفسه أن تفارق الدفء وتكره نفسه أن تخرج من البرد تكره نفسه الماء البارد تكره نفسه الجو البارد ولذلك فإن من المجاهدة في سبيل الله تعالى كثرة الخطى إلى المساجد والصبر على المكارة ومنها أن تصبر على مفارقة الدفء والخروج في البرد ومنها استعمال الماء البارد .
ولهذا كان هذا الأمر من جهاد النفس لله سبحانه وتعالى ولذلك تجد أن أكثر الناس المحافظين على الصلوات في الشتاء هم أنفسهم الذين يعمرون بيوت الله سبحانه وتعالى لذلك ينبغي للمسلم أن يجاهد نفسه بالعمل الصالح وأن يصبر و يصابر على ذلك وأن يعمل الصالحات ولتعلم أن ثم أحكام من هذه أن حين استعمل الماء البارد فإنه ينبغي على المتوضأ أن يتابع وينظر في العضو المغسول فلعل جزءا منه لا يمسه الماء نتيجة برودة الماء ولهذا ينبغي خصوصا في القدمين والرجلين ينبغي المحافظة على إسباغ الوضوء هنا ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ذكر للصحابة محذرا ((وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا))[7]
لأن العقب لا ينتبه له أثناء الوضوء خصوصا إذا كان الإنسان مستعجلا وإذا استعمل الماء البارد فإنه أدعى للبشرة أن تنكمش وتغلق المسام في الغالب فلماء يذهب ولا يتبلل الجلد ولا يتعمم الماء على الجلد فينبغي أن يحافظ على إسباغ الوضوء وأن يهتم الإنسان وينظر في أن الوضوء وصل إلى العضو كاملا لا بأس أن يستعمل الإنسان الماء الدافئ فذلك من مراد الله لكن ما كل الناس يستطيعون أن يدفؤوا ماء لكن تدفئة الماء نعمة من نعم الله تعالى لا حرج على الإنسان أن يستعملها لا نقول أن استعمال البارد هذا فيه عظيم أجر ليس فيه عظيم أجر نقول : أكره نفسي و أدبها ليس هذا من طريقة النبي صلى الله عليه وسلم بل هذا من عمل المنحرفين عن جادة الصواب أصحاب الطرق الغالية هم الذين يسلكون مثل هذه الطرق يعذبون أنفسهم في الشتاء بأن يعرضوها للبرد ويلبسوا الثياب الرقيقة ويشربوا الماء البادر هذا ليس من دين الله عز وجل .
اعلم أن القاعدة تقول : حيثما كان اليسر فثم شرع الله وحيثما كان الشدة فليس هذا مراد الله عز وجل ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) سورة البقرة آية (185).
لا بأس أن تستعمل الماء الدافئ لا بل أن يلبس الجوارب ( الشراب) خصوصا في الشتاء أن يتوضأ ويلبس بعد ذلك الشراب ويمسح على الشراب يوم وليلة ابتداء من أول مسحة فإذا توضأت في الفجر مثلا ولبست الجوارب ثم توضأت لصلاة الظهر فاحسب من الظهر إلى اليوم الثاني الظهر رخصة من الله عز وجل.
والمسافر ثلاثة أيام بلياليها .
أيضا بعض الناس البرد قد يصبهم ويؤذيهم خصوصا كبار السن فهل يجوز لهم أن يستخدموا القفازين (جوار الأيدي).
الجواب نعم يجوز أن يستخدم الإنسان ذلك و لا حرج عليه أن شعر بالبرد في يديه فلبس الجوارب ويصلي فيها كما يلبس الشراب أيضا .
تنبيه آخر وهو أن كثير من الناس خصوصا في أيام الشتاء يأتون إلى المساجد ملتحفين المعاوز الكبيرة أو الشيلان الكبيرة فيلفها على يديه وعلى كتفيه فيبقى مثل المربوط والمحبوس مكتف هذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اشتمال الصماء بمعنى أن يجعلك ملتفا مربطا لا تستطيع أن تحرك يديك لا بأس أن تستدفئ بها في الخارج لكن إذا وصلت إلى المسجد فافتحها حتى تعرف تحرك يديك وترفعها وتضم وتسجد إلى آخره هذا بعض الأحكام الهامة التي قد يحتاجها الإنسان في مثل هذه الآونة أيضا بعض الناس قد يتلثم ويصلي وهو متلثم لكن التلثم ورد فيه النهي وهذا النهي لا يصل والله أعلم إلى درجة التحريم لكنه يكون مكروها لأن الحكم جاء هنا معللا وهو أنهم كانوا قديما كان الواحد منهم يظن أن هذا المتلثم هو القاتل وهو السارق فربما اعتدى عليه وهو متلثم ويؤدي لأنه كان متلثما ولو كان مكشوف الوجه لما اعتدى عليه لكن في مثل هذه الآونة أظن أن هذا الأمر بعيد إن شاء الله تعالى فإذا احتاج الإنسان إلى مثل هذا فلا بأس في هذا إن شاء الله .
والله أعلم.
[1] – معجم الطبراني الكبير8/100
[2] – البخاري16/511
[3] البخاري 3/1071
[4] البخاري 1/563
[5] -البخاري 3/1190
[6] –
[7] – البخاري 1/170



اضافة تعليق