إن حادثة- الإسراء والمعراج- تعد من أكبر المعجزات التي ستظل على مر التاريخ معجزة لهذا النبي الكريم – صلى الله عليه واله وسلم…
خطبة بعنوان : ( الإسراء والمعراج)
العناصر:
1 . إقامة حجج الله على الناس
2. أعياد المسلمين
3. الإحداث في الدين
4. لايصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها
5. معجزة الإسراء والمعراج
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
-فإن اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وآلة وسلم- , وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار.
-فإن الله تبارك وتعالى –أقام الحجة على الناس بإرسال الرسل وإنزال الكتب ووضع لهم مقياساً ومعياراً يسيرون عليه في تعبدهم وفي أخلاقياتهم وسلوكهم هذا النظام والمعيار هو كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم – ومن هنا أمر الله- عز وجل- باتباع هذين الوحيين .
(( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3) )) سورة الأعراف أية (3)
ربنا جلا وعلا -ختم الدين بهذا الإسلام وختم الأنبياء بنبينا محمد- صلى الله عليه واله وسلم – وجعله رسولاً للناس كافة- وكان الرسول من قبله يبعث إلى قومه خاصة كما قال- صلى الله عليه واله وسلم- (( أما أنا فأرسلت إلى الناس كافة ، وكان من قبلي إنما يرسل النبي إلى قومه ))[1]
قال تعالى ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)))سورة سبأ أية(28)
فمن على ظهر الأرض هم أمة محمد- صلى الله عليه واله وسلم- – سواء كانوا امة الدعوة وهم من سوى المسلمين أو أمة الإجابة وهم المسلمون .
الناس جميعهم مطالبين بأن يسلكوا هذا المسلك وهو اتباع كتاب الله- عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه واله وسلم – ولهذا فقد قطع الله- عز وجل- الحجج على الناس كلهم (( لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) سورة النساء أية (165)
فلا حجة لأحد ولا عذر لأحد بعد أن أرسل الله تعالى – الرسل وأنزل الكتب ولكن لا يزال الدين في نقصان ولا تزال الجرائم ترتكب ولا تزال المخالفات تترا في هذه الأمة حتى تبعد عن دينها ، وحتى يعود هذا الدين غريباً كما بدأ ومن ذلك أن الله تبارك وتعالى – قد جعل متنفساً للناس ، هذا المتنفس قد يأتيهم كل أسبوع يرفهون فيه على أنفسهم ، وعلى أهلهم وقد يكون يدور عليهم في الحول وفي الأعياد التي شرعها الإسلام حتى قال -صلى الله عليه واله وسلم – حين هاجر من مكه إلى المدينة ووجد الناس فيها يلعبون ، فقال: ما هذان اليومان قالوا: هذا يوم النيروز وهو كان عيد من أعياد فارس ، نقل إلى أهل المدينة ، فقال- صلى الله عليه واله وسلم – (( إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا ))[2] فوضح -صلى الله عليه واله وسلم- – أن لهذه الأمة عيدان يأتيان بعد عناء من التعبد الأول في رمضان بعد الصيام والقيام والاعتكاف وإيتاء زكاة النفس وزكاة المال إلى أخر ذلك – والعيد الأخر هو عيد الأضحى الذي يأتي بعد حج بيت الله الحرام فشرع فيها- صلى الله عليه واله وسلم – الترفيه والترويح عن النفس وقال(( ليعلم يهود أن في ديننا فسحة ))[3] فقال -صلى الله عليه واله وسلم- إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر اله- عز وجل- ، ولم يشرع فيها نوع عبادة أو مزيد عبادة على سائر الأيام ، بل حتى في عيد الأسبوع ( الجمعة ) لم يشرع فيها- صلى الله عليه واله وسلم – سوى مزيد الصلاة ((فإن من صلى علي صلاة ٌ صلى الله عليه بها عشراً ))[4] .
وشرع فيها قراءة سورة الكهف لأنها تجعل للعبد المؤمن الذي يقرأ هذه السورة نوراً مابين ذلك اليوم والجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ، أو كما قال- صلى الله عليه واله وسلم – ومن قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أنار الله له ما بينه وبين البيت العتيق أو كما قال -صلى الله عليه واله وسلم- – ولكن كما ذكرت أنفاً لا يزال الناس يحدثون في دين الله- تبارك وتعالى- ، أعياد ومناسبات تخدش في تدينهم وتخدش في معتقدهم ، وتحدث سلوكيات ما أنزال الله بها من سلطان ، ولم يشرع الإسلام تلك الأيام ولم يكن على ذلك الأمر أئمة الهدى والدين كأبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وغير ذلك من الأئمة لم يكونوا على ذلك الأمر فابتدع الناس أعياداً تشبهوا فيها باليهود تارة وبالنصارى تارة أخرى وبأصحاب الملل الأخرى تارة أخرى، ولم يشرعها الإسلام لا من قريب ولا من بعيد وإنما قد تكون فيها نوع مناسبة مثل : منتصف شعبان ، وسبع وعشرين رجب وأول جمعة من رجب ويوم ميلاده- صلى الله عليه واله وسلم – ولكن من استقرأ سنة النبي صلى الله عليه واله وسلم- ونظر في سيرة أصحابه – رضي الله عنهم – ونظر في أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الإسلام لم يجد ذكراً لهذا اللهم إلا التحذير والتشنيع على من يحدث في مثل تلك الأيام عبادات ، فعلى سبيل المثال: حين سُأل النبي- صلى الله عليه واله وسلم – عن صيامه ليوم الإثنين ، لماذا أنت تصوم يوم الإثنين ، فقال- صلى الله عليه واله وسلم- ((فإني ولدت يوم الاثنين وأوحى إلى يوم الاثنين وهاجرت يوم الاثنين وأموت يوم الاثنين ))[5] حتى قال العلماء من أراد أن يشكر الله- عز وجل – على ميلاد النبي- صلى الله عليه واله وسلم- في هذا اليوم فليكن من جنس النبي- صلى الله عليه واله وسلم- .بصيام هذا اليوم لا أن يحدث فيه مالم يأذن به الله -عز وجل – ولم يأذن به رسوله -صلى الله عليه واله وسلم – فكان السر في صيام النبي- صلى الله عليه واله وسلم- لهذا اليوم أنه قال : فإني ولدت يوم الاثنين وأوحى إلى يوم الاثنين وهاجرت يوم الاثنين وأموت يوم الاثنين )) إذاً شكر الله فيه – أن نصوم هذا اليوم شكراً لله- عز وجل – ولذلك كان النبي- صلى الله عليه واله وسلم – يداوم على صيام هذا اليوم مالم يكن في سفر – صلى الله عليه واله وسلم- فكان يؤثر عنه هذا ، وأما بقية الأيام فإن هذه الأيام إما انه لم يثبت فيها تأريخ محدد بالضبط كما هو الحال على سبيل المثال في قضية- الإسراء والمعراج- الذي أعتاد الناس أن يؤرخوا له بالسابع والعشرين من شهر رجب هذا الشهر الذي نحن فيه ، وبالتالي فإن أهل العلم مجمعون على أنه لم يتحدد إطلاقاً متى أسري و متى عرج بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم – لابشهر ولا بعشر يعني العشر الأولى أو الوسطى أو الأخيره ولا بيوم لم يتحدد إطلاقاً نعم أسري به نعم عرج به لكنه غير معروف بالتاريخ ولا يستطيع أحد من المؤرخين لا من القدماء ولا من الجدد أن يثبتوا بالإسناد الصحيح متى عرج ومتى أسري بالنبي- صلى الله عليه واله وسلم- وهذا لا يدل على نفي الحادثة فإن الحادثة قد ثبتت بالقرآن الكريم ، فقال الله تعالى ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا )) سورة الإسراء اية (1) فحادثة- الإسراء والمعراج – ثبتت في القرآن وفي أصح الكتب بعد كتاب الله- عز وجل – في صحيح البخاري أنه- صلى الله عليه واله وسلم – عُرج به إلى السماء الدنيا ثم الثانية إلى السابعة ووجد الأنبياء والرسل في تلك السماوات وفرضت عليه الصلوات الخمس وفي حادثة المعراج ثبت بعد ذلك بعد مراجعة فيما بين نبينا- صلى الله عليه واله وسلم – وما بين موسى – عليه السلام- رجوعاً إلى الله- عز وجل،- حتى ثبت خمساً وخمسين في الأجر ، فهذه حادثة ثابتة ولكن مهما كان ، فلو أنه ثبت الشهر الذي عرج فيه واليوم الذي عرج فبه فإنه لا يجوز لأحد من الناس أن يحدث أمراً لم يفعله النبي- صلى الله عليه واله وسلم – ولم يفعله الصحابة الكرام- رضوان الله عليهم – ولم ينص على ذلك الأئمة الذين قد شهدت لهم الأمة بالإمامة والديانة والإخلاص والتقي لله- عز وجل – فإنه ليس ثمة نص عن أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم بأنه يزداد في هذا اليوم نوع من أنواع التعبد لله -عز وجل – لا بصيام ولا بقيام ولا بصدقة ولا بشيء من هذا، فيوم الجمعة يوم من أيام الأسبوع ومع هذا نص الشرع ، نص النبي- صلى الله عليه واله وسلم- – على أنه لا يزاد في نهاره صيام ولا ليلة الجمعة بقيام ، فإذا كان هذا في أفضل أيام الأسبوع ففي غيرها من الأيام من باب أولى ، والأصل في عبادة المسلمين أنهم لا يتعبدون لله- عز وجل – إلا بما شرع ربنا تعالى – أو بما شرع نبيه- صلى الله عليه واله وسلم- وبالتالي فإن الله تعالى يحثنا على اتباع الوحيين .
قال تعالى ((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3) )) سورة الأعراف أية (3)
وقال تعالى ((وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) سورة الحشر أية (7)
وكان من جملة ما نهانا عنه -صلى الله عليه واله وسلم – نهانا عن الابتداع في دين الله -عز وجل- فمثل هذه الاحتفالات التي تدور وتحصل إمَّا إنها نوع من أنواع اللعب وهذا لا يجوز ، وإما إنها تعبد والتعبد لا يثبت إلا بنص ثابت صحيح يثبت في كتاب الله -عز وجل- أو بسنة رسوله- صلى الله عليه واله وسلم – وقد نص صلى الله عليه واله وسلم- بقوله (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) [6]
أي من أحدث في هذا الدين ما ليس منه فهو مردود عليه وصاحبه آثم وليس له من الأجر من شيء .
– وقال أيضا – صلى الله عليه واله وسلم -(( وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ ))[7]
– فالذي يشرع مثل هذه التشريعات يأثم ويأخذ ويتحمل إثم من تبعة وعمل بهذه التوجيهات وهذه السنن التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .
وإن كان الجميع يأثمون لكن المشرع لمثل التشريعات ، يأخذ إثمه وإثم من يتبعه لا ينقص من أوزارهم من شيء ، تماماً كما لو سن الشخص في الإسلام سنة حسنة والمقصود في السنة الحسنة أي أنه لا يبتدع من ذات نفسه وإنما يحي سنناً أماتها الناس ، تماماً كما كان سبب ورود هذا الحديث .
وسبب ورود هذا الحديث قال كنا عند النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فِى صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِى النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ « (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) وَالآيَةَ الَّتِى فِى الْحَشْرِ (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ – حَتَّى قَالَ – وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ – قَالَ – ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ».[8]
فليس ثمة شيء في الإسلام في التعبد اسمه ابتداع حسن فالبدع في الإسلام كلها سيئة وكلها خطرة وإنما السنة الحسنه فهي أحياء السنن في بيوت الله- عز وجل- ، إحياء السنن في الأنفس أحياء السنن في المجتمعات ، أحياء السنن في البيوت التي ماتت أو كادت تموت ، فمن أحياها وحث الناس عليها هذه هي السنة الحسنة التي حث عليها شرعنا الحنيف .
إن الإسلام لا يمكن أن تقوم له قائمة مالم يعود الناس إلى ذلك المنهاج الصافي الذي كان عليه نبينا صلى الله عليه واله وسلم – وكان عليه الصحابة الكرام- رضوان الله تعالى عليهم – هذا الإمام مالك – رحمه الله – يقول (( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها )) وأولها لم يؤثر أنه حدثت فيهم بدعة من البدع التي انتشرت في الآونة المتأخرة ، ولم يسكت العلماء على مثل هذه المبتدعات التي حدثت في دين الله- عز وجل – بل ألفوا فيها المؤلفات المتخصصة في هذا الجانب فبينوا ما أحدث الناس من البدع في صلواتهم وفي صيامهم وأذانهم وفي كثير من مجالات التعبد والسلوكيات والأخلاقيات والمظاهر إلى أخر ذلك ، أوضح العلماء وبرئت ذمتهم بين يدي الله- عز وجل- .
– إن حادثة- الإسراء والمعراج- تعد من أكبر المعجزات التي ستظل على مر التاريخ معجزة لهذا النبي الكريم – صلى الله عليه واله وسلم – ولسائل أن يسأل لماذا لم يكن المعراج مباشرة من مكة إلى السماوات العلى ؟ وإنما ابتدأ الله- عز وجل – بالإسراء من مكة إلى البيت المقدس وكان المعراج من بيت المقدس إلى السماوات العلى لماذا كان هذا كله ؟ وذلك لا أمرٍ هام هو أن الله تعالى – أراد أن يفحم المعاندين والمكابرين ، لأنه لو عرج بالنبي- صلى الله عليه واله وسلم – مباشرة إلى السموات العلى لما كان ثمة سؤال ولا حرج بل إن الناس إذا كذبوا النبي- صلى الله عليه واله وسلم- فإنه ليس ثمة دلال تدل على صدقه أساساً ، فإن هذا من الأمور الخارقة ولو كان يقال للناس في ذلك الزمان إن الإنسان سيسافر من صنعاء إلى أمريكا خلال ثمان عشرة ساعة أو خلال تسع عشرة ساعة ويصل إلى هناك لقيل إن هذا نوع من أنواع السحر والدجل لأن عقول الناس لا تصدق مثل هذا خصوصاً في بيئة يعيشها الناس على السير بالأقدام أو الجمال أو الحمير أو ما شاكل ذلك فكانت حادثة الإسراء أولاً فلما أسري بالنبي- صلى الله عليه واله وسلم- بالبراق وكان هذا البراق أيضاً من معجزات الله وآياته أنه كان يضع حافره حيث ينتهي بصره ، فذهب إلى بيت المقدس وصلى بالأنبياء إماماً ثم عاد فلما أصبح يخبر الناس فيما حدث له وأنه أسري به إلى البيت المقدس ارتد من ارتد من ضعفاء الإيمان عن دين الله تعالى – وصار بعضهم يصفق بيديه وبعضهم يمسك برأسه من هول هذه القضية عليه ، ولكنهم وهذا هو السر في الابتداء بالإسراء قالوا : إن كنت صادق فصف لنا المسجد الأقصى ؟ ائتنا بأوصافه فإنه لم يسافر قبل ذلك -صلى الله عليه واله وسلم – وجاؤا إلى أبي بكر الصديق- رضي الله عنه -، من أجل تشكيكه في دينه فقالوا : ألا تنظر إلى صاحبك أنه يقول أنه أسري به ليلاً وعاد إلينا صباحاً وأخبرنا بالحادثة فقال : أقال هذا بنفسه قالوا : نعم قال : إن كان قد قال فقد صدق ، إنني آمنة وأثق به فيما هو أشد من هذا الوحي من السماء فكيف لا أمن به في مثل هذه الحادثه .
وصدق- رضي الله عنه – أن هذا هو عين العقل إذا كان الإنسان يثق بدينه بهذا الرجل فكيف لا يثق به في أمر من أمور العادات الخارقة ، صف لنا فصار يصف ويسألونه ماذا هنا ماذا هناك وبالطبع أنهم لم يحيطوا علماً بالمسجد كله وبما فيه من الأعمدة وإلى أخر ذلك ، ولكنه كان يصف لهم ما يتذكره ولم يكن -صلى الله عليه واله وسلم- يظن أنه سيسأل هذا الأسئلة ، ولكن منهم من كان يسأله أسئلة أخرى ، لأنه كان مدركاً لأشياء لم يدركها غيره ماذا في هذه الجهة وماذا في تلك الجهة وماذا في السطح ، فصورة المسجد بقدرة من الله تعالى – انتقلت إلى قرب من النبي- صلى الله عليه واله وسلم – فصار يصفه لهم كأنه يراه رأي عين ، يقول : هنا كذا وهنا كذا وبالتالي ما صار عندهم إلا الجحود والنكران لأنه أتي بالحقائق بل زادهم على هذا فقال : أنني سأصف لكم أين هي عيركم الآن الساعة وماذا حدث لها ، ومتى ستقدم عليكم ، إنها في مكان كذا وأضلوا بعيراً وهو بعير فلان أن فلان في المنطقة الفلانية وسيقدمون عليكم في وقت كذا ، فكان كما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم – فلما عرج به -صلى الله عليه واله وسلم – ما قال أحد منهم شيئاً لأن أمر التكذيب الذي حدث منهم إنما هو معاندة ضلال مبين ، بل أن هؤلاء الناس الذين كذبوا بهذه الحادثة وبهذه المعجزة نسوا أمراً هاماً لإنهم إنما كذبوا الرسول- صلى الله عليه واله وسلم – وتناسوا أن الله- عز وجل- قال ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) )) سورة الإسراء اية (1)
فلم يسري النبي- صلى الله عليه واله وسلم – وإنما أسرى به الله- عز وجل – هذا الإله – جلا وعلا – هو نفسه الذي يؤمنون أنه خلق السموات العلى وخلق الأرض وخلق البحار وخلقهم وخلق كل شيء في هذا الوجود ، هم يؤمنون بهذا ، فإذا كانت هذه هي قدرة الله – عز وجل – فقدرته على أن ينقل محمداً- صلى الله عليه واله وسلم – من مكة إلى المسجد الأقصى ويعود بلحظات إنها من أبسط الأمور على الله- عز وجل – ولكنهم لمعاندتهم إنما كذبوا النبي- صلى الله عليه واله وسلم – ولم يكذبوا قدرة الله -عز وجل – نسياناً منهم وجهلاً ، هذه الحادثة نستفيد منها ونتعلم منها ، أمراً هاماً ، وهو أهمية الصلاة التي ما شرعها الله- عز وجل – إلا في هذا المكان العالي السامي ، وشرعها لهم بدون واسطة وشرعها في هذه الليلة التي هي من أهم وأفضل الليالي عند النبي- صلى الله عليه واله وسلم – إن الله تعالى شرفه بان وصل إلى هذا المكان الذي لم يصل إليه أحد قط من البشر لا قبله ولا بعده ، أنه تجاوز الأنبياء قبله فإذا كانت أرواح هؤلاء الأنبياء في السماء الدنيا والثانية والثالثة إلى أخره – لقد بلغ – صلى الله عليه واله وسلم- إلى سدرة المنتهى إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام التي تكتب فيها الحسنات والسيئات ، أهمية الصلاة وأن الصلاة الواحدة بعشر صلوات ، وليس من باب أن الحسنة بعشر أمثالها ، لأنه لو كان الحسنة بعشر أمثالها لما كان للصلاة مزيد فضل على غيرها من الحسنات ، ولكن هنا الصلاة بعشر صلوات والحسنة في هذه الصلوات بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله- عز وجل- ويستفاد من هذا الحديث أيضاً أهمية النصيحة للمسلمين حتى ولو لم يطلب منك أحد من المسلمين تبادر أنت بالنصح تماماً كما حدث من موسى- عليه السلام – حينما نزل ومر عليه النبي- صلى الله عليه واله وسلم – فقال : ماذا فرض عليك ربك ؟ قال : خمسون صلاة في اليوم والليلة قال : أرجع فإني قد جربت الناس من قبلك فلم يستطيعوا سل ربك التخفيف فبهذا مشروعية النصح المباشر ولو لم تطلب منك النصيحة فإنك تبادر بالنصح للمسلمين من باب المحبة والمودة لهم . والرحمة بهم ، من هذا أيضاً أنه ما كان يمر على سماء من السموات إلا ويسأل من هذا ؟ جبريل من معك ؟ محمد- صلى الله عليه واله وسلم -، أو بعث إليه ، قال : نعم فيقولون : مرحباً به نعم النبي الصالح والعبد الصالح وفي هذا مشروعية الترحيب بأهل الفضل بأهل العلم فيمن له مكانة في النفس كالوالدين والأقارب والأرحام بهذه اللفظة أو بما سواها من الألفاظ التي تقاربها ، مرحبا أهلاً وسهلاً، حللت أهلاَ ونزلت سهلاً ، وهنا فائدة ذكرها العلامة ابن القيم رحمة الله – قال : إنهم قالوا له : مرحباً بالنبي الصالح والعبد الصالح ولم يقولوا أهلاً وسهلاً لماذا ؟قال : لأنهم ما قالوا سهلاً لأنه كان محمولاً في الأصل ، ولفظ سهلاً أي معناها : نزلت منـزلاً سهلاً ومكاناً سهلاً وهو غير ماشي بأقدامه – صلى الله عليه واله وسلم – وإنما كان محمولاً ولذلك تناسب المقام أن يقال له : مثل هذه اللفظة .
– أيضاً يستفاد من هذه الحادثة التي حصلت للنبي -صلى الله عليه واله وسلم – أنه ينبغي أن نتذكر أبرز المعجزات التي حصلت للنبي -صلى الله عليه واله وسلم- هذه المعجزات التي كان من ورائها ، أنها أثارت شبه المعاندين وضعفاء الإيمان هذه الشبه التي تمحص إيمان الناس ، فتبرز من هو مؤمن ومن هو ضعيف الإيمان ريما يسقط في الطريق هكذا جميع الفتن التي تحدث في أوساط المسلمين ، الناس يتمايزون فيها على فريقين :
– فمنهم من يثبت على إيمانه كما حصل لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
– ومنهم من يسقط كما حصل لأولئك الذين ارتدوا عن دين الله- عز وجل .
– وكانت معجزات الأنبياء قبل النبي- صلى الله عليه واله وسلم – كان نهايتها الهلاك لمن لم يؤمن أمّا نبينا- صلى الله عليه وآله وسلم-، فإنه لقبه الله- عز وجل – رحمة الله العالمين فإنه لما أتاه ملك الجبال فقال لو شئت لأطبقت على أهل مكة الجيلين وأهلكتهم جميعاً قال : لا إني أرجوا الله- عز وجل- أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله -سبحانه وتعالى -.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد :
فإن مثل هذه الحادثة وهذه المعجزة التي حدثت للنبي- صلى الله عليه واله وسلم- وإن شكك حولها المشككون فإنهم لا يستطيعون أن ينكروا أن مثل هذا ممكن الأمر الذي جعل كبار الباحثين وكبار الراصدين للحوادث التي تحدث في هذا الكون يشهدون بكثير من القضايا التي نطق بها القرآن ، والتي نطقت بها سنة النبي- صلى الله عليه واله وسلم – ومن أواخر ذلك أن الباحثين في أمريكا أثبتوا أن القمر حدث له انشقاق وحين دراسة حدوث هذا الانشقاق ردَّوا تاريخه إلى نفس السنين التي كان فيها النبي- صلى الله عليه واله وسلم – وأنه في حال التحامه مرة أخرى أنه حدث انزياح لالتئام القمر فحصل نوع من النتوء قصار جزء منه أعلى قليلاً والنصف الأخر منخفض قليلاً ، وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على صدق النبي- صلى الله عليه واله وسلم – وإن هذه علامة ودليل من أدلة نبوته- صلى الله عليه وسلم – ، إن هذه المعجزة الخالدة لهذا النبي- صلى الله عليه واله وسلم – ستبقي القرآن الكريم المعجزة الخالده الذي تحدى الله به العرب والعجم وتحداهم أن يأتوا بآيه من مثله ، ولم يستطع أحد أن يأتي بمثله من قبل ولن يستطيع أفصح الفصحاء فأبلغ البلغاء أن يأتي بآيه من مثله في الوقت الحاضر أو فيما تبقى من الحياة ، فهي أكبر معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه واله وسلم -.
– أيها الأخوة الفضلاء :
أن العودة إلى دين الله تعالى – تعبداً وعقيدة وسلوكاً من الأهمية بمكان لهذه الأمة إذا أرادت أن تنهض من جديد وإذا أرادت أن يكون لها السيادة والريادة ، والقيادة لسائر الأمم ، فعليها أن تعود من جديد إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله- صلى الله عليه واله وسلم -.
– ألاّ تصغي إلى الأعداء وإلى شبههم وما أكثر الشبه التى يطرحونها على أبناء هذه الأمة ، في هذه الآونة المتأخرة ، في مجالات مختلفة وتجد كثير من أبناء هذه الأمة ممن ابتعدوا عن العلوم الشرعية وعن العودة إلى أهل العلم الراسخين فيه تجدهم قد تشربوا بتلك الفتن وتشربوا بتلك الشبهات ، وصاروا ينشروها ويعممونها في أوساط هذه الأمة خصوصاً على العوام منهم ، وهذه فتنة ما بعدها فتنة في الحقيقة وما انتهت شبهه وفتنة إلاّ وتجددت أخرى فالواجب الأخذ بأيدي هؤلاء الناس ، حتى يعودوا إلى جادة الصواب وتحذير الأمة من الوقوع بمثل هذه الفتن والمخالفات ، التي يتصدرها هؤلاء الشباب خصوصاً من هم حدثاء أسنان ومن هم أبعد ما يكون عن العلوم الشرعية ، أنما هم يتبعون تلك الشبهة التي ينشرها هؤلاء الأعداء تارة فيما يخص المرأة وتارة فيما يخص الأحكام الشرعية وتارة فيما يخص الميراث وتارة فيما يخص الحقوق حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الإنسان إلى أخر ذلك ، ووالله لن يستطيع أحد أن يأتي بالتشريعات التي فيها قمة العدل مثلما جاء به الإسلام ، في جميع المجالات والجوانب ، إذا كانت الدساتير والقوانين في كثير من بلاد الغرب اليوم ترجع إلى القوانين الإسلامية وترجع إلى شريعة الإسلام ليس حباً في الشريعة وإنما لما فيها من العدل ولما فيها من إرساء الأمن والاستقرار في أوساط المجتمعات فنجن نفعل ذلك تديناً لله تعالى – وتعبداً له سبحانه وتعالى- لأن هذا هو شرع الله -عز وجل- الذي أمرنا الله تعالى بسلوكه
– أيها الإخوة الفضلاء
إن العودة إلى الدين ضرورة حتميه وفريضة شرعية لأن سر قوة هذه الأمة بعودتها إلى دين الله- عز وجل -.
والحمد لله رب العالمين .
[1] أتحاف الخيرة المهرة الجزء (1) الصفحة (398)
[2] التبويب الموضوعي للأحاديث الجزء (1) الصفحة (12570)
[3] إطراف المسند المعتلي بأطرف المسند الحنبلي الجزء (9) الصفحة (110) حدبث رقم (11704)
[4] الجمع بين الصحيحين والبخاري الجزء (
[5]– جامع الأحاديث الجزء (41) الصفحة (208)
[6] أحاديث مختاره من الصحيحين الجزء (1) الصفحة (55)
[7] صحيح مسلم الجزء (3) الصفحة (86) الحديث رقم (2398 )
[8] صحيح مسلم الجزء (3) الصفحة (86) الحديث رقم (2398 )



اضافة تعليق