الخطبة مسموعة :[audio:a9.mp3]
تقوى الله-عز وجل أن يحاسب ويعاقب كل من ينزل الضرر بالأفراد فضلاً عن الأمة ، إن من تقوى الله –عز وجل- أن تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة…
خطبة بعنوان : ( تأملات في حديث اتق الله )
أيها الإخوة إن الله –تعالى-امتن على هذه الأمة بمبعث محمد –صلى الله عليه وآله وسلم –فمبعثه-صلى الله عليه وآله وسلم- منة من الله تعالى- ونعمة جزيلة منه –سبحانه وتعالى- يستحق عليها أن يشكر وأن من نعم الله عز وجل- في حق هذا النبي الكريم –أنه كان في غاية النصح والتبيين والتوجيه لهذه الأمة وكان حريصاً أن تكون هذه الأمة على خلق عظيم وتتصف بالصفات الحسنة الكريمة وإن من نعمة الله –عز وجل- أنه أعطى للنبي –صلى الله عليه وآله وسلم- الكلمات التي هي قليلة المبنى وهي عظيمة المعنى فأعطاه جوامع الكلم فكان –صلى الله عليه وآله وسلم- يتكلم بالكلام الوجيز الذي يحتوي على المعاني العظيمة ومن ذلك أنه –صلى الله عليه وآله وسلم- عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم(( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن))[1] هذا الحديث النبوي الكريم من عمل به ومن استوفى العمل به وعمل به بجميع جوانبه وكلماته وعباراته فإنه ينال الخير والفلاح في الدنيا والآخرة لقد كان هذا الحديث حقاً من جوامع كلمه –صلى الله عليه وآله وسلم – فقد حوا على جوامع المعاملة في هذه الحياة المعاملة معاملة النفس مع الله –عز وجل – ومعاملة النفس مع نفسها ومعاملة النفس مع عباد الله –عز وجل- .
أمّا الشطر الأول : كيف يتعامل العبد مع الله- عز وجل- فهي أساس المعاملة تقوى الله-عز وجل- اتق الله حيثما كنت سواء كنت على ظهر الأرض أو في السماء أو في البحر أو في أي مكان عليك أن تكون مراقباً لله –عز وجل – فهو –سبحانه وتعالى- يراك ويرى حركاتك وسكناتك ويرى ويعلم ما يدور في خلدك ما يدورفي ذهنك ما يدور في قلبك(( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) سورة الشعراء الآيات(218-220) فهو –سبحانه –يراك ويرى حركاتك ويعلم خواطر نفسك فعليك بتقواه –سبحانه – عليك بمراقبته في السر والعلن في الغيب والشهادة في الليل والنهار وفي جميع أوقاتك اتق الله –تعالى0 لأنه لا تخفى عليه خافية فهو-سبحاه وتعالى- يرى من فوق سبع سموات يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء ويرى جريان الدم في عروقها وكل جزء من أجزائها اتق الله حيثما كنت وذلك بأن تجعل بينك وبين عقابه-تعالى- وقاية تقيك وذلك بأن تفعل المعروف وأن تنتهي وتنزجر عن الأمور التي نهى الله عنها كما قال طلق بن حبيب في تقوى الله (( أن تعمل بطاعة الله عز وجل- على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تتقي معصية الله- على نور من الله تخاف عقاب الله )).
أيها المؤمنون إن العبد مهما اشتد حرصه على تقوى الله عز وجل – فإنه لا بد أن يقع في معصية الله عز وجل –لذلك عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))[2] عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم(( قال كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون))[3]
إن من تقوى الله –تعالى- ومراقبته ألا يقتل المسلم أخاه المسلم وألا يريق دمه وألا ينتهك عرضه وألا يقلق أمنه هذا كله من تقوى الله عز وجل – ومهما كانت منزلة الآمر سواء كان لقتل النفس أو لإراقة الدم أو لانتهاك العرض أولإقلاق الأمن مهما كانت منزلة الآمر فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولا عذر لمن يفعل ذلك بحجة أنه مأمور بل إن هذا الآمر سيأتي يوم القيامة متبرئاً من هذا الجاني كما قال الله-عز وجل- ((إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ)) سورة البقرة آية (166) كل من أمر بمعصية الله- عز وجل – وكل من أطاع في فعل تلك المعصية ستقوم بينهما معركة يوم القيامة يراها الناس أجمعون وسيتبرأ المتبوع من التابع مهما كانت منزلته ومهما كان منصبه ومهما كان جاهه وإن هذا هو ما سيفعله الشيطان الرجيم بأولئك الذين وسوس لهم فأطاعوه (( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) سورة إبراهيم آية (22) اللوم على هذه النفس لأنها لم تتق الله –عز وجل لأنها لم تراقب الله –عز وجل- لم تكن على يقين أن الله-تعالى- يراها وأن الله يسمع ما يتكلم به ويعرف خلجات نفسه وما يدور في خاطره لو كان مراقباً لله –عز وجل- لما حصل منه أي أمر يخالف ذلك ولا شك ولا ريب أن المصيبة حينما تكون عامة تكون من أشد الظلم ومن أظلم الظلم فالله-تعالى- حرم الظلم على الفرد وتحريمه مع الجماعة من باب أولى .
إن من تقوى الله-عز وجل أن يحاسب ويعاقب كل من ينزل الضرر بالأفراد فضلاً عن الأمة .
إن من تقوى الله –عز وجل- أن تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة . إن هذا هو جانب أو كيفية تعامل هذه النفس مع الله-عز وجل- أن تتقيه أن تراقبه في السر والعلن بالليل والنهار أن تراقبه في كل وقت من الأوقات ثم جاء في جانب التعامل مع النفس قوله-صلى الله عليه وآله وسلم – (( وأتبع السيئة الحسنة تمحها )). انظر إلى هذا الفضل من الله –تعالى- هذا الإنعام الكريم الحسنات ماحية للسيئات (( وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)) سورة هود آية (114) عن أبي البسر قال : أتتني امرأة تبتاع تمرا فقلت إن في البيت تمرا أطيب منه فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له قال استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا فلم أصبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة حتى ظن أنه من أهل النار ؟ قال وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا حتى أوحى الله إليه { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } إلى قوله { ذكرى للذاكرين } قال أبو اليسر فأتيته فقرأها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحابه يا رسول الله ألهذا خاصة أم للناس عامة ؟ قال بل للناس عامة))[4].
الحسنات تذهب السيئات وأتبع السيئة الحسنة تمحها إنه فضل من الله تعالى وإنعام منه –سبحانه وتعالى- إن الحسنات مطهرة للعبد من الذنوب وأدران المعاصي .
يقول العلّامة ابن القيم –رحمه الله- تعالى –إن في الدنيا ثلاثة أنهر من تطهر بها طهرته وهي الحسنات الماحية والتوبة النصوح والمصائب المكفرة فمن تطهر بها في الدنيا طهرته وإلا فإن الله-تعالى- يطهره في نهر جهنم يوم القيامة
وفي جانب المعاملة مع الناس يقول النبي –صلى الله عليه وآله وسلم –(( وخالق الناس بخلق حسن )).
أي عاملهم بالمعاملة الحسنة وبالخلق الرفع وضابط ذلك أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك وأن تأتي لهم بما تحب أن يأتوك به فهذا جماع حسن الخلق ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[5] فليس من الخلق مع الناس أن تكذب عليهم وخاصة الكذب العام الذي ينتشر في الآفاق عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة فإن هذا ليس من الخلق في شيء وليس من الإيمان في شيء ليس من الخلق الحسن بث الشائعات وليس من الخلق الحسن الحرب النفسية وليس من الخلق الحسن احتقار الآخرين وعلى كل حال فانظر إلى المعاملة التي تريدها لنفسك والخلق الذي تريد أن تعامل به فعامل به الآخرين فليس منّا من يرضى أن يعامل بفظاظة أو بغلظة وليس منّا من يغش أو يخون أو يخدع وليس منّا من يرضى أن يعامل بالكذب والتدليس . وحسن الخلق عرّفة بعضهم هو كف الأذى وبذل الندى أمّا كف الأذى عن الناس ألا تتعرض إليهم بأي نوع من أنواع الأذى لا أذىً جسدياً ولا أذىً قولياً ولا أذىً فعلياً . وبذل الندى أن تتعامل معهم بالألفاظ الطيبة والأقوال الجميلة والمعاملة الحسنة التي يجب أن يعاملوا بها وتحب أن يعاملوك بها . نسأل الله-تعالى- أن يرزقنا تقواه وأن يوفقنا لفعل الحسنات بعد السيئات وأن يرزقنا الأخلاق الحسنة .
أقول قولي هذا وأستغفر الله .
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد …
أيها المسلمون هذا الحديث العظيم وهذه الكلمات الجوامع من كلمه –صلى الله عليه وآله وسلم – من حققها في نفسه فقد حقق الخير والفلاح في الدنيا والأخرى إنها كلمات جامعات اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن . إن تقوى الله-تعالى- هي وصية الله للأولين والآخرين(( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً (131) سورة النساء آية (131) وهي وصية رسول الله-صلى الله علية وآله وسلم لهذه الأمة اتق الله حيثما كنت إن هذا الكلام خرج منه –صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً به الأمة سواء كانوا حكّاماً أو محكومين أغنياء أو فقراء وجهاء أو وضعاء فهي عامة لهذه الأمة بأسرها إن الخلق الكريم هو سرمبعث
رسول الله –صلى الله عليه وسلم –إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))[6] لقد جاء النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – إلى تلك الأخلاق الفاضلة التي كان يتمتع بها أهل الجاهلية فقواها وشد من أزرها وجاء إلى تلك الأخلاق السيئة فاجتثها من جذورها بحكمة وموعظة حسنة منه –صلى الله عليه وآله وسلم- حتى خرّج أجيالاً متراحمة في ما بينها كانوا إذا أرملوا أي إذا جاعوا وإذا شحت فيهم لقمة العيش جمعوا ما عندهم من الزاد القليل والمتوسط والكثير فقسموه بينهم بالسوية أين هذا المجتمع الرفيع الذي لا يكاد يوجد مثله على ظهر الأرض ولن يتكرر على ظهر الأرض لقد امتدح الله الأشعريين وهم من أبناء هذا البلد من أهل تهامة بهذا الخلق العظيم إنها منقبة ومدحة لأبناء هذا البلد أنهم يتراحمون في ما بينهم وهذا بالطبع لا يعني أن جميع أبناء هذا البلد كلهم لكن هذا هو الطابع العام فإن من أهل العلم ممن شرح هذا الحديث وممن شرح قول النبي –صلى الله عليه وآله وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم))[7]
جعلوه في أهل تهامة في أهل الساحل لأنهم بسطاء ولأن قلبهم رقيقة ولأنهم يتعاملون مع طبيعة سهلة لا يتعاملون مع الجبال ولا يتعاملون مع القسوة فالإنسان يتأثر بالطبيعة التي يعيش فيها ولا شك أنه يوجد في بقية البلدان من يتصف بمثل هذه الصفات الحسنة فليست حكراً على أهل هذا البلد بل هي سمة عامة في هذه الأمة لكنها أكثر تواجداً في أهل تهامة وكما يوجد قساةً في بقية البلدان يوجد قساة في هذه البلدة أيضاً فوجد من يحتكر سلع الناس ودواء الناس فأوجدوا أزمة خانقة من لاشيء وعصفوا بهذه الأمة هذه القلوب على أصحبها أن يعالجوها وأن يرققوها بتقوى الله وربطها بالله بالإيمان بالله بالخوف من الله –سبحانه وتعالى- لا يحتكر إلا ظالم لا يحتكر إلا خاطئ على التجار أن يتقوا الله-عز وجل – وأن يخرجوا السلع للناس قبل أن تأتي فتنة دهماء تأكل الأخضر واليابس على الموسرين أن ينظروا إلى الفقراء والمحتاجين قبل أن لا يتمكنوا من ذلك إن الحسنات يذهبن السيئات وإن الوقوف في مثل هذه الأزمات مع الطبقة المطحونة البائسة إنه من صميم الإيمان وإنه من دواعي حفظ المال وحفظ البلد من دواعي عواقب وخيمة نسأل الله تعالى –أن تصل هذه الرسائل إلى الأغنياء إلى الموسرين إلى المسئولين لا تظنوا أن المسئولية قد أخليت من عاتقكم فأنتم مسئولون بين يدي الله-تعالى- وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)) سورة الصافات آية (24) علينا جميعاً أن نتقى الله –تعالى- وأن نربط أنفسنا بكتاب الله-تعالى- وعلينا أن نتضرع بين يدي الله-تعالى- في خلواتنا عسى الله-تعالى- أن يكشف الغمة عن أبناء هذا البلد ونسأله-سبحانه وتعالى- ألا يمكن لمن يريد أن ينزل الضرر بهذا البلد ونسأله- سبحانه- أن يقذف الرعب في قلبه وأن يخذله .
اللهم من ولي من أمر هذه الأمة أمراً فرفق بهم فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه اللهم عليك بكل من يختلق الأزمات في هذا البلد اللهم ارزقنا الأمن والإيمان يارب العالمين .




اضافة تعليق