تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

رمضان والإنفاق

شهر رمضان – أيها المؤمنون – شهر النفقات بأنواعها تفطير الصائمين إطعام الجائعين إيصال الصدقات إلى مستحقيها المسح على رأس اليتيم والتربيت على كتفه مع طمأنينة النفس واحتساب الأجر عند الله -عز وجل -…

خطبة بعنوان : ( رمضان والإنفاق )

العناصر:

  1. جود النبي- صلى الله عليه وسلم
  2. فتنة المال
  3. فضل الإنفاق
  4. أنواع الإنفاق
  5. أصناف الناس في المال
  6. أفضل الغنى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) سورة آل عمران آية (102).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).

الأحزاب الآيات (71-72 )

 أما بعد

-فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وآلة وسلم -, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلاله في النار.

– فها هو العقد الأول من هذا الشهر- المبارك الكريم -يكاد يمضي بغروب شمس هذا اليوم ويبقى وسطه وآخره ، وهذا الشهر كما أخبر ربنا -سبحانه وتعالى – عنه أنه شهر القرآن وشهر الرحمة وشهر المغفرة فشهر رمضان كله مغفرة ورحمة وعتق من النار هيأ الله- سبحانه وتعالى- هذا الشهر- المبارك الكريم- وجعل فيه من الأسباب ما يعين على تنوع الطاعات وعلى يسرها وسهولتها ولا يحرم من هذا الشهر إلا محروم هذا الشهر الذي كان يستغله سلفنا الصالح أيما استغلال كانوا ينقطعون عن كل الخلائق وعن كل ما يشغلهم عما فيه تقرب إلى الله- عز وجل – ينقطعون حتى عن كثير من الطاعات التي هي من أجل القربات فما كانوا يفتحون دروس العلم وما يفعلون كثيراً من الأعمال التي تقربهم إلى الله -عز وجل – سوى الانشغال بالصوم وتصحيحه وتهذيبه بتربية النفس بقراءة القرآن العظيم ، ولهذا كانت تظهر صفات النفس في هذا الشهر جلياً وإن كانت من هذه الصفات ما هم متصفون به أصلاً في غير رمضان روى ابن عباس- رضي الله عنهما- قال : كان رسول الله– صلى الله عليه واله وسلم- : جواداً أي كريماً منفقاً وكان أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبريل -عليه السلام- فيتدارس معه القرآن الكريم قراءة تلاوة حفظاً سماعاً معرفة لتفسيره وآدابه وأحكامه والأوقات المطلوبة من المؤمنين فيه هي التي تزكي هذه الأنفس هي التي تسهل عليها هذا الطاعات وتسهل عليها القربات وتيسرها لها .

لو جئت على سبيل المثال إلى إنسان منفق في سبيل الله- عز وجل- لو سألته كم أنفقت لقال : لا أدري لماذا ؟ لأن يده سخية ولو قلت له هل نقص مالك أو زاد؟ لقال بل زاد لماذا ؟ لأن الله تعالى هو المخلف ولأن الله تعالى هو المنفق هذه الصفة التي كانت في رسول الله- صلى الله عليه واله وسلم – كان جواداً وكريماً حتى وصف- صلى الله عليه وسلم- بأنه ما قال لا قط إلا في تشهده أشهد أن لا إله إلا الله وإلا فما قال- صلى الله عليه واله وسلم- لا إطلاقاً لدرجة أنه -صلى الله عليه واله وسلم – دخل عليه رجل وكان- صلى الله عليه واله وسلم- قد أهديت له جبة أهدي له كوت طويل فقال هذا الرجل أكسونبها يا رسول الله -صلى الله عليه واله وسلم – أعطني هذه الجبة فقال -صلى الله عليه واله وسلم- نعم ثم دخل فخلعها ثم أعطاها إياه فغضب الصحابة- رضي الله عنهم- قالوا سألته وأنت تعلم أنه ليس له سواها وتعلم أنه -صلى الله عليه واله وسلم- لا يقول لا وهذا الرجل كان له بهذا السؤال مغزاه لم يكن طمّاعاً بالجبة لا بطولها ولا بعرضها ولا بلونها ولا بجدتها إطلاقاُ لما تكلموا ونهروه قال : إنما أردت أن أكفن فيها لأنها جبة لأمست بشرة رسول الله- صلى الله عليه واله وسلم- هكذا كان رسول الله- صلى الله عليه واله وسلم .

–       أيها الأخوة – إن الله تعالى ببتلي عباده في هذه الحياة الدنيا أشد ما يبتليهم به قضية المال وقضية الإنفاق لأنه كما يقال : المال شقيق النفس يظن الإنسان أنه بفقد المال يفقد حياته ويفقد روحه وأعظم ابتلاء من الله -عز وجل الإنفاق في سبيل الله والإنفاق من هذا المال الذي ندعي أنه مالنا وهو في الحقيقة لمن وعى ولمن عقل أن المال مال الله وإنما نحن مستخلفون فيه (( وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ )) سورة الحديد أية (8 )

–        ربنا تعالى حين خلق هذه الأرض وجعل فيها أرزاقها وأقواتها في ستة أيام سواء للسائلين إنه قسم هذه الأرزاق وقسم هذه الأموال وفق حكمته البالغة فكم من إنسان بذل الأسباب وسعى واجتهد ولم يأته بعد هذا الجهد إلا ما كتب الله تعالى له وكم من عبد بذل قليلاً من الأسباب وقليلاً من التعب فا أعطاه الله تعالى من رزقه الواسع أموالاً كثيرة وكل هذا ابتلاء من الله تعالى ربنا الحكيم الرءوف هو الذي قسم هذه الأرزاق وهو سبحانه – يعلم أن من الناس لا يصلح له إلاِّ الغنى وإن من الناس لا يصح له إلا الفقر وعجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وأن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن .

لكن الابتلاء هنا هو هذا الشكر والصبر والشكر على هذه النعم بأن تظهر هذه النعمة على صاحبها بان يشكر الله -عز وجل- بأن يراعي أحوال الناس والفقراء ويعرف حق الله تعالى في هذا المال (( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) )) سورة الذاريات أية (19)

هذا الحق ينقسمُ إلى قسمين :

قسم واجب ـ وقسم مستحب أما القسم الواجب فهو زكاة المال وأما المستحب فهو ما زاد على هذا ولذلك فإن الناس بالنسبة لهذه الأموال كلها ثلاثة أنواع كما اخبر- صلى الله عليه وسلم- قال : الخيل لثلاثة والخيل من المال الخيل لثلاثة : لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل أو على رجل وزر

–       أمَّا التي له أجر : فهو الذي أحتبسها في سبيل الله -عز وجل- يجاهد فيها ويعيرها في سبيل الله – وأما التي له ستر فهو الذي يقضي عليها مصالحه وأغراضه وأما التي عليه وزر فهو الذي حبسها محاداة لله وهكذا قل في الأموال ، الأموال كذلك جميع أنواع الأموال لرجل أجر وهو الذي عرف حق الله ولرجل ستر وهو الذي يأخذها وينفق فيها على نفسه وعلى أهله وأولاده كي لا يمدوا أيديهم للناس لا يتكففون الناس وعلى رجل وزر وهو الذي يستخدمها في معصية الله – عز وجل – يحاد بها ربه- عز وجل – المنعم الكريم- سبحانه و تعالى – بجميع أشكال وألوان المحاداة ، هكذا الأموال إذا علمنا – أيها الأخوة – أن الله تعالى – عقد صفقة معنا عقد صفقة وسجلها في التوراة وسجلها في الإنجيل وسجلها في القرآن صفقة لا رجعة بعدها تجارة . من وفّى بها ومن أدّاها بحقها ولم ينقص شيئاً من شروطها فإنه هو الرابح وهو المفلح في الدنيا والآخرة بيعة لا رجعة فيها ولا نكوص فيها(( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بإن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقران ومن أوفى بيعه من الله فاستبشروا ببيعكم اذي الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )) ولكن كثيراً منَّا قد نكث هذه البيعة وتراجع عنها وربنا تعالى ليس بحاجة إلينا ولا إلى أموالنا ولا إلى عبادتنا وإلا إلى طاعتنا فمن عمل خيراً فهو لنفسه يجده بين يدي الله -عز وجل – ومن فعل غير ذلك فإنما هي أعماله يحصيها الله- عز وجل- له ثم يوفيه إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله تعالى – ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه .

–       شهر رمضان هو شهر الإنفاق بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى وليس الإنفاق إنفاق المال فحسب بل الإنفاق له صور عدة ومنها :

–       أن تنفق شيئاً من وقتك في سبيل الله -عز وجل- وقت تستقطعه لصلة رحم وقت تستقطعه من أجل زيارة صديق من أجل الذهاب إلى زيارة مريض وعيادته و من أجل نصح هذا من أجل إيصال الخير إلى ذاك هو نوع من أنواع الإنفاق يأجرك الله -عز وجل- عليها – وصور الإنفاق في رمضان وفي غير رمضان صور عدة فمن ذلك على سبيل المثال رعاية الأسر وكفالة المتعففين والأسر المتعففة والأيتام كما قال النبي- صلى الله عليه واله وسلم- (( الساعي على الأرملة واليتيم كالصائم الذي لا يفطر وكالقائم الذي لا يفتر ))

–       وكم عسى أن تعطي لهذا الفقير أو لهذا أو لهذا اليتيم أو لتلك الأرملة إنه أمر يسير وما نقصت صدقة من مال – والله تعالى – إذا انفقت نفقة هو الذي يخلف عليك (( وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) )) سورة سبأ أية (39)

هو الذي يخلف كل ما تنفقه في سبيل الله- عز وجل- ومن هذه النفقة كذلك وأفضلها كما قال

ذ لك الرجل للنبي- صلى الله عليه واله وسلم- قال: عندي دينار قال أنفقه على نفسك قال : عندي آخر قال أنفقه على أولادك قال : عندي أخر قال (( الأدنى فالأدنى )) أفضل الصدقة أن تكون على قريب وخاصة إذا كانت من الزكاة أن يكون هذا القريب لا تجب عليك نفقته فإن الزكاة لا تصح على الولد ولا تصح على الزوجة ولا على الوالدين ولا على الأخوات إذا كن تحت رعايتك أنت. جاءت امرأة سعد فقالت يا رسول الله – إن سعداً يقول إنه أحق بزكاة مالي قال : نعم لك أجران : أجر الصلة وأجر النفقة . والصدقة تكون أعظم في الأجر عند الله- عز وجل – كما أخبر صلى الله عليه واله وسلم- حين قال له رجل : (( أي الصدقة أعظم قال أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ))[1]

يعني سؤال أتحب أن تموت ولك أولاد صغار يتربون على اليتم وربما ضاعوا وربما انحرفوا أو تتمنى أن الله تعالى يفسح لك في العمر قليلاً حتى تربي هؤلاء الأولاد وحتى يصلوا إلى سن تأمن عليهم ، لا شك أن العاقل يقول : الثاني أنا أريد أن يتوفاني الله تعالى وأولادي كبار آمن عليهم سلوكهم جيدة يتصرفون تصرفاً حسناً هذا تماماً مثله مثل الصدقة يعني بعض الناس يوصى وصية هذه وصية بثلث مالي بنصف مالي لكن متى تنفذ تنفذ بعد الموت والله أعلم تنفذ أو لا تنفذ هل أولادك يبرون أو لا يبرون بك نفذت فإذا نفذت من الذي سيسعى وراء ترتيبها ووراء إداراتها وحسن إدارتها والتصرف بها حتى تخرج عن حد الخوف- الله أعلم – هذه مثله تماماً مثل الأولاد

فأفضل شيء أن تتصدق وأنت صحيح إن كان عندك مشروع للعمر فأجعله الآن في حياتك لا تجعله بعد موتك اجعله الآن في الحياة أدره إدارة سليمه رتبّ أوراقه حتى تأمن عليه ، هذا هو العمل الصحيح وأما أن توصي بالثلث وهذا الثلث ربما يضيع وربما لا يأتيك شيء فيه من الأجر والله أعلم ولهذا النبي- صلى الله عليه واله وسلم- قال (( يقول ابن آدم مالي مالي قال : وليس له من ماله إلاّ ما أكل فأفنى ، وما لبس فأبلى وما تصدق فأبقى ))

إن الصدقة هي الباقية ، أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا : ما منا من أحد كلنا أموالنا أحب إلينا من أموال ورثتنا ، قال: فمالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت ، هذا المال الذي أنت تؤخره أنت المحاسب عليه وورثتك يأخذونه حلالاً زلالاً لا يسألون عنه أنت المسئول عنه ، من أين اكتسبته وفيما أنفقته أمّا أولئك الذين أخذوه ،أخذوه مع برود أعصاب فأخذوه وأنت المحاسب عليه ، دخل صلى الله عليه واله وسلم – على عائشة -رضي الله عنها – فوجدها قد ذبحت شاه فقال : ما أبقيتم لنا قالت: أبقينا الكتف قال : لا أبقيتموها كلها إلا الكتف ذاك الذي أرسلتموه صدقة وهو الباقي وأما هذا ماأكلت فأفنيت) .[2]

–       شهر رمضان – أيها المؤمنون – شهر النفقات بأنواعها تفطير الصائمين إطعام الجائعين إيصال الصدقات إلى مستحقيها المسح على رأس اليتيم والتربيت على كتفه مع طمأنينة النفس واحتساب الأجر عند الله -عز وجل – ، أن يأتي هذا الفقير فيمد يديه إليك فتخرج شيئاً من يدك فتضعها في يده وأنت لا تمن عليه بل هو الذي يمن عليك أنه أتى من أجل أجرك ومن أجل أن يرفع عنك فرضاً فرضه الله – عز وجل – عليك كيف بك – أيها المسلم أيها الغني كيف بك إذا أدركت وقتاً لا تجد من يقبل صدقتك ماذا ستفعل في هذا الوقت تجد الملايين والمليارات ولكنك لا تجد من يقبلها تضع في يده فيقول: أنا غني لا أحتاج إلى مالك ، ماذا ستفعل؟ إنها منحة وفرصة لك أيها الغني فلتفرح ولتطرب وتخرجها بقلب راضٍ مسرور أن تجد الفقير واليتيم والأرملة والمحتاج والمجاهد في سبيل الله – وطالب العلم وغير ذلك أن تجدهم في هذا الزمان لتضع ما أوجب الله تعالى عليك تماماً كما جئت الآن لتسعى إلى صلاة الجمعة تماماً تضع هذا الفرض في يد صاحبه .

–       شهر رمضان- هو شهر الإنفاق لقد كان من السلف من ينفق نفقه من لا يخشى الفقر نبينا- صلى الله عليه واله وسلم -، مارضي أن يكون ملكاً نبياً وإنما اختار أن يكون عبداً رسولاً ولهذا كان يجمع بين يديه أموالاً كثيرة وكان منفقاً في سبيل الله –عز وجل – عائشة رضي الله عنها – عشرة الآف دينار تأتيها فتنفقها في مجلس واحد.- عبد الرحمن بن عوف – تأتي قافلته وتجارته في وقت مجاعة فيأتيه التجار ليشتروا منه يقولون له لك بالدينار دينار وبالدرهم درهم ربح مائة بالمائة قال : لقد أعطيت أكثر يأتوه اليوم الثاني الدينار بدينارين والدرهم بدرهمين وهو يقول لهم قد أعطيت أكثر من هذا فقالوا من هذا الذي يعطيك أكثر؟ قال الله-عز وجل- أعطاني بالدينار عشرة وبالدرهم عشرة فأشهدكم أنها لله- عز وجل – تنفق لله -عز وجل- بأحمالها و أحلاسها وقافلتها وكلها لله -عز وجل – مع هذا عاشوا عيشة عزة وماتوا ميتة عزة وكان هذا المال يخدمهم وليس هم الذين يخدمون المال كم من الناس اليوم من يتجمع عنده المال ومع هذا لا يستطيع أن يستفيد منه اللهم إلا إذا كان مضطراً بل إن من الناس من لا يشكر الله على مثل هذه النعم فيحرمه الله- عز وجل- حتى الخرقة التي يلبسها على بدنه يبخل بها على نفسه وإن جئت تسأله فإنه يسخط على الله- عز وجل – والله تعالى – قد فتح عليه وأوسع عليه من خزائنه ومن فضله ومن رزقه ومع هذا فإنه لما كان لا يشكر الله عز وجل- لم تظهر هذه النعمة لا على بدنه ولا ثوبه ولا على أولاده فعيشته في ضنك وفي ضيق .

  أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى و بعد:

–       أيها الإخوة الفضلاء-

إن أفضل الغنى هو غنى النفس كما أخر النبي- صلى الله عليه واله وسلم – قال : (( ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ))[3]

 يعني المطلوب هو غنى النفس حتى الغني الذي يرزقه الله- عز وجل- المال ، إذا رزقه الله تعالى غنى النفس وذلك هو الخير وذلك هو الفضل وإلا فإن الشخص إن لم يكن غنياً في نفسه فإنه يبقى مشتتاً ويبقى مجهداً لكن غني النفس هو الذي يعرف حق نفسه فيعطيها ويعرف حق ربه فيؤديه ويعرف حق أقاربه فيؤديه لهم ويعرف حق الفقير والمسكين فيؤديه إليه هذا هو الغنى الحقيقي

:فشهر رمضان هو شهر الإنفاق شهر التوبة شهر قراءة القرآن شهر التراويح شهر التهجد شهر الاعتكاف شهر يتوب فيه المؤمن إلى ربه-عز وجل- بألوان وأًصناف القربات ومن أفضلها نفعاً لعباد الله- عز وجل- هذا المال الذي توصله إليه .

–       إن النفقة- أيها الإخوة – تبارك في المال كما أخبر النبي- صلى الله عليه واله وسلم- (( ما نَقَصَ مال من صدقة )) [4]

أي أنه كلما تصدقت لا ينقص وإنما يزيد هذا المال ، ومنها أيضاً أن الله تعالى – يرفعك (( اليد العليا خيرا من اليد السفلى اليد العليا المنفقة واليد السفلى السائلة ))[5]

 فهي رفعة من الله – عز  وجل- الإنفاق في سبيل الله تعالى – مدعاه لمحبة الله ولمحبة الناس ولهذا فإن المنفق محبوب عند الناس ومحبته عند الناس دليل على أن الله أحبه- فإن الله تعالى –إذا أحب عبداً نادى أهل السماء إني أحب فلاناً فأحبوه فينادي جبريل- عليه السلام – بالناس إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبوه قال : ثم يوضع له القبول في الأرض فيحبه الناس وهذه المحبة لا يلزم أن تكون بالمال فحسب بل قد يكون بأي خير توصله إلى الناس سواء كان ذلك بحسن خلقك بحسن تعاملك معهم بما توصله إليهم من الخير والنفع والشفاعات بما توصله إليهم من العلم والدعوة إلى الله –  عز  وجل – إلى أخر ذلك كل هذه مما يورثك محبة الله- عز وجل –

–       أيضاً الإنفاق يشعرك بنعم الله- عز وجل- عليك فلو رجعت قليلاً إلى الوراء وعرفت أنك في يوم من الأيام كنت فقيراً أنك كنت في يوم من الأيام محتاجاً فأغناك الله -عز وجل – فتعطي مما أخلف الله عليك ومما أنفق الله -عز وجل- عليك فتعرف حق هؤلاء الناس ، أيضاً الصدقة تطفي غضب الله عز وجل – وترفع البلاء عنك (( داووا مرضاكم بالصدقة ))[6] فمن كان مريضاً فعليه بالصدقة من كان عنده مريض من أهله فعليه بالصدقة يرفع عنك البلاء عن مالك يرفع هذا كله بالصدفة في سبيل الله- عز وجل – وأنا كما قلت لكم – أيها الأخوة – أن الإنفاق سلوك مكتسب ليس جبلي قليل هم الذين عندهم سلوك الإنفاق جبلي لكن تنفق قليلاً ثم تزيد ثم تزيد حتى يصير هذا سلوكاً يومياً عندك ، والله تعالى هو الذي يبارك فلو سألت محسناً ومنفقاً كم أنفقت ؟.

–        لقال لك الحمد لله لا أحصي والمال لا يزال ينمو ويتكاثر من فضل الله- عز وجل – والنفقة سبب من أسباب الغنى فمن أراد أن يغنيه الله -عز وجل – فعليه بالصدقة (( يا أبن آدم انفق أُنفق عليك ))[7] ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً ))[8]

–       أنفـق ولا تخشـــى إقـلالاً   فقد قسمت بين البرية آجال وأرزاق

–       لا ينفع البخل في دنيا موليــة   ولا يضـر مع الإقبــال إنفــاق

وقال آخر

تمتـع بمالـك قبل الممـــات    وإلا فما مال إن أنت مت

شقيت به ثم خلفــته لغـيرك     بعداً وسحقاٌ ومقتاً

فجاءوا عليـك بزور البكــاء     وجدت عليهم بم قد جمعت

وأوهبتـهم كل مـا في يديـك     وخلوك رهناً بما قد كسبت

شهر رمضان شهر الإنفاق وإن الصدقات في هذا الشهر- المبارك الكريم- يضاعفها الله- عز وجل – تضاعف الأعمال في هذا الشهر قال- صلى الله عليه واله وسلم-                      ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي ))[9]

وقال أيضاً- صلى الله عليه واله وسلم- (( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )).[10]

 هذا الخير وهذه البركة الزائدة للشهر الكريم ليس لغيره من الشهور.

فأسأل الله- عز وجل- أن يخلف على كل المنفقين خيراً



[1] صحيح البخاري الجزء الثاني الصفحة 515 حديث رقم 1353

[2] موسوعة أطراف الحديث الجزء الأول صفحة 111245 رقم الحديث (110765)

[3] صحيح البخاري الجزء (5) الصفحة (2368) رقم الحديث (6081)

[4] جامع الأصول في أحاديث الرسول الجزء (6) الصفحة (455) رقم الحديث (4660)

[5] التوبيب الموضوعي للأحاديث الجزء (1) الصفحة (6148)

[6] السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي الجزء (3/382/6832)

[7] صحيح مسلم الجزء (3) الصفحة (77) رقم الحديث (2355)

[8] أحاديث مختارة من الصحيحين الجزء (1) الصفحة (27)

[9] موارد الظمان إلى زوائد ابن حبان الجزء (1( الصفحة (251) باب العمرة في رمضان حديث رقم 1020

[10] الجمع بين الصحيحين البهاري ومسلم الجزء (3) الصفحة (57)

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق