تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

كفى بالموت واعظاً

يأتيك الموت وأنت في البر وأنت في الجو وأنت في البحر وفي أي مكان تكون وكان أجلك هكذا لابد أن يأتيك الموت…

خطبة بعنوان : ( كفى بالموت واعظاً)

العناصر:

  1. الغاية من خلق الله للناس.
  2. حقيقة الدنيا.
  3. تذكر الموت.
  4. تذكر القبر.
  5. سعة رحمة الله للناس.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تََسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).

 إنّا عرضنا الأمانة عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72))) سورة الأحزاب الآيات (71-72).

 أما بعد

-فإن اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وآلة وسلم -, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

– أيها الأخوة الفضلاء  نعلم جميعاً أن ربنا – جل وعلا- خلق الإنسان لغاية  علمها من علمها وجهلها من جهلها  هذه الغاية هي عبادة الله – عز وجل- ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )) سورة الداريات آية (56)

خلق الله تعالى آدم وأسكنه جنته ولكنه لما عصى الله -عز وجل- وأتبع وساوس الشيطان أهبطه الله إلى هذه الدنيا وسميت الدنيا لدنوها ودناءتها  دناءتها ليست لما فيها  من الخيرات  ومن الكنوز وما أودع الله -عز وجل فيها من الخير ولكن دناءتها لأ نها محل يعص الله فيه – جلا وعلا- محل فيه الظلم وفيه الجهل  بالله- عز وجل – ولهذا أهبط آدم -عليه السلام- وأهبط معه زوجه وكانت ذريته  تعيش على هذه الأرض فهذه الدنيا ليست هي الدار الحقيقية التي يعمل الإنسان  ويجتهد من أجل البقاء فيها  فهي لا تبقى لأحد  ولا تدوم لأحد إنما هي دار ممر  معبر يعبر به الإنسان  من هذه الحياة الفانية  إلى الحياة الباقية وإننا لنرى يومياً جنائز تحمل وتشيع وتغسل  وتدفن  القليل من يتعظ بها . وكفا بالموت واعضاً هذا الإنسان لا يخلد على ظهر البسيطة مهما كان جنسه أو لونه أو لغته أو جاهه وسلطانه أو غير ذلك فلا يمكن  أن يخلد . إن الموت مكتوب على كل واحد من بني آدم.

((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) )) سورة آل عمران آية (185)

هذه الحياة – أيها الأخوة الكرام- ربنا- جل وعلا- ضرب بها مثلاً .

((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) ))سورة الحديد آية (20)

  • ·        فهذه الحياة هذا هو مثلها  أنها لابد أن تنصرم ولا بد أن تنقضي  ولا بد أن يأتي لها يوم ينتهي بها التاريخ  ثم يرجع العباد إلى الله – جل وعلا – يرجعون  بما يحملون من أعمال  إمَّا أن تكون صالحة  وإمَّا أن تكون غير ذلك .

ولحقارة هذه الدنيا عند الله-  جل وعلا – أعطاها ربنا  -جل وعلا – لمن أحب ومن لم يحب قال نبينا- صلى الله عليه وآله وسلم –                                                                                           (وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا أَعْطَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ.)[1]

ولهذا تجد الكفار أكثر الناس   ارتياحا في هذه الدنيا سواء كان ذلك بملذاتها المختلفة   أو المتنوعة أو بطول البقاء فيها إلى آخر ذلك  .

فإن أقل الناس أعماراً على ظهر الأرض هم المسلمون كما ذكر نبينا- صلى الله عليه وآله وسلم  (عمر أمتي من ستين سنة إلى سبعين) [2] .

هذه الدنيا ماهي إلا مزرعة للآخرة  هذه الدنيا فيها  ابتلاء وفيها  امتحان وفيها اختبار لهذا العبد هل يطيع  ربه أم لا يطعه؟ ، هل يكتسب الطاعات أم يكتسب السيئات ؟ يقول النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – ( ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً  فيأكل منه إنسان أو حيوان أو طير إلا كان له به صدقة فهي مزرعة للآخرة يقدم  بها الإنسان أعمال تقربه إلى الله تعالى  وتنفعه بين يدي الله سبحانه وتعالى .

فهذه الدنيا مهما تنافس فيها الناس واكتسبوا فيها من الأموال   ومن الخيرات فليس لهم إلا ما قدموا  – قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- ، مَا لِلرَّجُلِ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ قَالَ : ((” مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَأَمْضَى)) [3]

 وقال- صلى الله عليه وآله وسلم- ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه فقال رسول الله- صلى الله عليه و سلم- اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت ) [4]

فهذا الإنسان  في هذه الحياة ينتظر ويرتقب الموت في أي لحظه من اللحظات .

الموت يأتي  لهذا الإنسان  بطرق متنوعة ومتعددة  والموت واحد فهذا يأتيه في أوج شبابه وقوته وهذا يأتيه موته في طفولته وهذا ينام فلا يصبح وهذا يسافر فلا يرجع وهلَّم جر وآخر يموت بطعنة وآخر برصاصة  وآخر بحادث  وهلَّم جر

– أيها الأخوة

 لما كانت  هذه الدنيا لا  تساوي  عند الله تعالى جناح بعوضة . كان- صلى الله عليه وآله وسلم – . يحث الناس على كثرة تذكر الموت  فكان يحثهم على كثرة زيارة القبور  هذه المقابر التي  تثاقلت أرجلنا عن  زيارتها ، ومن النظر فيها  ومن الدخول في أوساطها  لنقول : هذا قبر فلان وهذا قبر فلان ، هذا الغني وهذا الفقير وهذه المرأة وهذا الشيبة وهذا الطفل الصغير وهذا الرفيع  وهذا الوضيع كلهم في بقعة واحدة تحت الجنادل في بطن الأرض هذه الحياة  التي كل إنسان سيكون  مصيره  هكذا النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – يحثنا دائماً على الإكثار من ذكر الموت  ( يقول أكثروا  من ذكر هاذم اللذات )[5] ويقول أيضاً – صلى الله عليه وسلم – ((إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر بالآخرة ))[6] .

الأعمار تمضي – أيها الأخوة الكرام – والإنسان ينكر تقدم عمره  ويكره أن يذكر له  أن عمره صار متقدماً . وأنه لم يبق له إلا جزء يسير من عمره ، يكره هذا ولا نغالط إلا أنفسنا . من تذكر الموت  هانت عليه الأمور  تذللت له الصعاب  تقربت له الأمور البعيدة أحتقر هذه الدنيا ولم يزاحم عليها ولم يقاتل عليها  واكتفى بما أحل الله له .

ولهذا كان- صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الموت ويذكِّر بالموت.

  • ·        إن موعود الله حق سكرات الموت  لابد أن تأتي لكل إنسان ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) )) سورة ق آية (19) تفر وتهرب ، يهرب الإنسان من هذا ولكن هذا قدر محتوم  على كل إنسان لابد أن تأتيه هذه السكرات ، نعم إنها السكرات التي يعاني الإنسان مرارتها ويتجرع غصصها حتى الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام -لما نزل  بالنبي- صلى الله عليه وسلم -كان يغطي وجهه  ثم يكشف وجهه ويقول : لا إله إلا الله إن للموت لسكرات . هذه السكرات سيعاني منها كل  إنسان والموفق من وفقه الله  – عز وجل – للنطق بالشهادة أن يثبته الله -عز وجل  في هذا الوقت . ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) )) سورة إبراهيم أية (27)

يثبته في هذه الحياة بأن يقول : لا إله إلا الله  لأجل هذا كان  – صلى الله عليه وآله وسلم – يستعيذ  بالله دبر كل صلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال))[7] أعظم فتنة  على الإنسان في هذا الوقت حين يأتيه الشيطان فيصده عن أن ينطق  بلا إله إلا الله والمثبت من ثبته الله- عز وجل – قال ابن عباس -رضي الله عنهما – في قول الله تعالى  . ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) )) سورة إبراهيم أية (27) قال هي قول لا إله إلا الله ويثبته الله تعالى – كذلك في الآخره وأول منازل  الآخرة  القبر حين يأتيه الملك ويقول له : من ربك ؟ ومادينك؟ وما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ يأتي الشيطان للإنسان  في هذا الوقت فيقول له : مت يهودياً فإن أباك مات يهودياً  أو مت نصرانياً فإن أباك مات نصرانياً فلا يثبت الله تعالى _ إلا الذين أمنوا يثبتهم بقول لا إله إلا الله .

  • ·        الموت- أيها الإخوة -, آتٍ على كل أحد من الناس  ليس بين الموت وبين أحد من الناس نسب وليس بينه وبينه أي واسطة إطلاقاً

 ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) )) سورة الانبياء أية ( 35 )

حتى الانبياء كما قلنا ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) )) سورة آل عمران أية ( 144 ) .

فالموت جار على كل أحد ولا يمكن  لأحد أن يخلد أبداً  وما يروى  من القصص عن الخضر عليه السلام  وعن غيره إنما هو من الخرافات التي ليس لها خطام ولا زمام وليس لها إسناد بإي حال من الأحوال وكل هذا هراء  وكذب فلا يعيش  أبد الدهر أحد إلا الله- عز وجل- ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (27)  )) سورة الــرحمن أية ( 26 – 27) .

هذا الموت لا يمكن لا أحد أن يفر منه أبداً .

((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ )) سورة النساء أية ( 79 )

يأتيك الموت وأنت في البر وأنت في الجو وأنت في البحر وفي أي مكان تكون وكان أجلك هكذا لابد أن يأتيك الموت ، يروي في القصص الإسرائيلي أن سليمان- عليه السلام -كان في مجلسه  فجا  ملك الموت إلى مجلسه وكان ينظر إلى رجل ويحملق فيه وكان هذا الرجل مضطرباً خائفاً من نظرا  ملك الموت فطلب من سليمان خدمة  قال : ماذا تريد؟ قال: مر جنودك أن ينقلوني إلى الهند  فنقلوه إلى الهند  فخرج ملك الموت  ثم عاد في اليوم التالي ، فقال له سليمان – عليه السلام-  لقد نظرت في وجهك بالأمس  نظرات مريبة  وكنت تنظر إلى  رجل قال : نعم  إن الله- تبارك وتعالى- أمرني أن أقبض روحه في الهند فتعجبت أنه ماكث ها هنا عندك ثم ذهب إلى المكان الذي  أمرني الله أن أقبض  فيه فوجدته هنالك فقبضت روحه، مهما حاول الإنسان أن يهرب من الموت فأنه ملاقيه .(( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8) )) سورة الجمعة أية (8)

لابد أن يلقاك الموت في الساعة المحددة  .(( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34) )) سورة الأعراف أية (34)  لابد من تذكر الموت ولابد من العمل  لما بعد الموت .

  • ·        إن هذه القضية  من تذكرها هانت عليه الأمور وتقرب إليه البعيد وتذلل له الصعاب لأنه في هذه  الحال لاشك  ولا ريب سيجهد نفسه في العمل لكي يتقرب إلى الله- عز وجل – بلطاعات هذا الإنسان- أيها الإخوة- انظروا إليه كيف ينشأ في بطن أمه ؟ لقد كان حيواناً منوياً خرج من صلب أبيه ثم علق في البويضة في بطن رحم الأم ، فالتصق فيها فبقى فيها مدة من  الزمن وتشكل في علم الله عز وحل – نطفة فعلقة فمضغة فعظام فكسيت العظام لحماً فنفخ فيه الروح  فخرج هذا الإنسان طفلاً صغيراً  ليس له حول ولا قوة .

تربى وترعرع حتى صار رجلاً  شاباً كبيراً  يافعاً تكبرو تغطرس و تعالى على الله – عز وجل –  ارتكب الذنوب واقترف المعاصي وظلم الناس ثم فجأة ينزل به الموت وتحل به السكرات  فيعرف حاله ويعرف قدر نفسه هذا الإنسان حينما تقبض هذه الروح  يوقن بهذه الحقيقة  ((كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) )) سورة القيامة أية (26-27-28)

 ظن أي: أنه  أعتقد أنه سيفارق هذه الدنيا ((وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) )) سورة القيامة أية (29)

هذا الإنسان بعد أن كان ينظر إلي عطفيه ينظر بتكبر إلى صحته إلى جماله إلى ملابسه إذا به يصير جثة هامدة ، تخيل حالك وأنت تجرد من ثيابك .

تخيل حالك وأنت في هذه الحال تترك الأموا تترك القصور تترك الدور  تترك الجاه تترك كل شيء ، حينما يأتيك المغسل يقلبك ظهراً لبطن  جنباً إلى جنب لا تملك  لنفسك حراكاً تغسل وتكفن  في هذه الحال ينوح النائح يبكي الباكي أنت مشغول بحالك . يقول- صلى الله عليه وسلم- ((إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين يذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق فإن كانت صالحة تقول:قدموني قدموني وإن كانت غير ذلك قالت:ياويلها أين تذهبون بها )هذاحال كل جنازة  تحمل على أعناق الرجال ولهذا كان من السنة الإسراع بالجنازة فإن كانت صالحة فخيراً تقدمونه إليه وإن كانت غير ذلك فشراً تطرحونه عن أعناقكم

  • ·        إن هذه الدنيا لا تدوم  ولا تبقي لأحد- أيها الإخوة الفضلاء –  لهذا ذكرنا الله- عز وجل- في آيات كثيرة في- القرآن العظيم – بالموت وبهوان هذه الدنيا عنده –سبحانه وتعالى  – والنبي- صلى الله عليه وسلم – كذلك أخبرنا بحقارة هذه الدنيا وحثنا على تذكر الموت وعلى المسارعة  والمبادرة في الأعمال الصالحة .

أسأل الله- عز وجل- أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه ومن ولاه. وبعد

إن الإنسان – أيها الإخوة- مصيره المحتوم أن ينزل إلى تحت هذه الأرض وأن يبقى في تلك الحفرة المظلمة الضيقة  هذه الحفرة التي تستقبل هذا الإنسان تستقبله بضمة لا ينجو منها أحد تختلف فيها الاضلاع ، يقول- صلى الله عليه وسلم- ((إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها لنجا سعد بن معاذ))[8]

سعد بن معاذ الذي اهتز له عرش الرحمن ومع هذا لم ينج منها .

هذا القبر أول منازل الآخرة إذا دخل هذا الإنسان القبر وأهيل عليه التراب  وتولى عنه الأهل والأحباب  يلحق هذا الإنسان  إلى مقبرته ثلاثة أشياء  ولده وماله وعمله  فيبقى معه العمل ويرجع المال والولد  الأولاد يذهبون  في حالهم والمال يقسم ولا يبقى مع هذا الإنسان إلى عمله .

هذا الإنسان  إذا تول عنه الناس  الذين شيعونه إلى حفرته  إنه ليسمع قرع  نعالهم ولذلك  شرع قبل أن يتولى الناس الموعظة في هذا المكان .

كان– صلى الله عليه واله وسلم- قبل أن ينصرف من القبر  إذا ولى الناس  صاح فيه  أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدو ا . أعدوا العمل لهذه الحفرة  ويدع بالثبات للميت  أن يثبته الله تعالى  –  لإنه في هذه الحال يسأل كما قال- صلى الله عليه واله وسلم- ( استغفروا الله لأخيكم  وسلوا له التثبيت فأنه الآن يُسأل )[9]

فإذا نجح وفاز وأجاب أجابه صحيحة  أول ما يفاجأ به أن تفتح له فتحة إلى النار  فيخاف  ويفرق فيقال له : هذا مكانك  لو أنك عصيت الله -عز وجل-  ثم تسد وتفتح له فتحة إلى الجنة فيأتيه من روحها وريحانها وأما الكافر والمنافق فأول ما يفاجأ به  تفتح له فتحة إلى الجنة  فيفرح فيقال له : هذا مقعدك  من الجنة لو أطعت الله -عز وجل – ثم توصد وتفتح له فتحة إلى النار  فيأتيه من سمومها وحرها وزمهريرها  – نعوذ بالله تعالى من ذلك .

  • ·        إن هذه الحفرة الضيقة  المظلمة لتصير  على صاحبها إمِّا  روضة من رياض الجنة  أو حفرة من حفر النار ، كما صح ذلك عن النبي- صلى الله عليه واله وسلم – كما في جامع الترمذي  (( القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ))[10]
  • ·        إنها فرصة مناسبة – أيها الإخوة – أن أدعو نفسي أولاً وأدعو إخواني ذكوراً وإناثاً بالإنابة والتوبة  إلى الله- عز وجل – مادام  عندنا فسحة  ومادام في العمر فسحة أن يراجع كل إنسان نفسه وإن يحاسبها وأن يلومها  وأن يلزمها طاعة الله – عز وجل  – فباب التوبة  لايزال مفتوحاً لإحدنا  مالم تطلع الشمس من مغربها  أو تبلغ الروح الحلقوم والله تعالى – ينادينا بأحب الأسماءإلينا ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً )) سورة التحريم آية (8 )
  • ·        ويقول سبحانه وتعالى  ((قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) )) سورة الزمر ايه (53)
  • ·        سبب نزول هذه الآيات أن الكفار  جاءوا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-  فقالوا : يا محمد والله إن هذا الدين الذي تدعوا إليه أنه لدين حسن لو أنا نعلم أن ربك يغفر لنا ذنوبنا  فإننا قد قتلنا  فأسرفنا وزنينا فأسرفنا وشربنا  الخمر فأسرفنا  وعملنا كذا وكذا فأسرفنا  فسكت- صلى الله عليه وسلم – حتى نزلت هذه الآيات .

إن احدنا  ريما يؤدي طرفاً من الطاعات  ثم يغتر  بهذه الطاعات  يغتر بها ويظن  أنه قد بلغ منـزلاً عظيماً في  طاعة الله- عز وجل – لو علم الإنسان أنه مهما  عمل من الأعمال  ولو أنه  بقي منذ عرف نفسه إلى أن يلقى الله- عز وجل-  يعمل أعمالاً  صالحة لما كانت هذه  الأعمال تنجيه  من سخط الله – عز وجل- وعقوبته  .

النبي- صلى الله  عليه واله وسلم  – يقول ((لَن يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ )) [11].

يعني أن الأعمال  ماهي  إلا سبب فقط  وإلا فأن الإنسان يتعلق برحمته الله -عز وجل- ومع هذا فإن الإنسان  ملزم بطاعة الله – عز وجل  – وعليه أن ينوع من هذه الأعمال  والطاعات  ويضرب لنفسه من كل عمل  بحظ ونصيب . ربنا تعالى  بقول في الحديث  القدسي ((يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيك بقرابها مغفرة))[12] ، فعلينا أن ننيب إلى الله -عز وجل –  وأن نحاسب أنفسنا  وأن نتذكر الموت دائماً لأن هذه الحياة لا تدوم لأحد أبداً   ولو كانت الدنيا  تدوم  لأحد لدامت للأنبياء  -صلوات الله وسلامه عليهم-  فهم المصطفين وهم الأخيار .

والحمد لله رب العالمي.


[1] إتحاف الخيرة المهرة الجزء (7) صفحة (427)

[2] ضعيف سنن الترمذي الجزء (1) الصفحة (262)

[3] أمثال الحديث لأبي الشيخ الاصبهاني الجزء (1) الصفحة (82)

[4] الأدب المفرد الجزء (1) الصفحة (65) حديث رقم (153)

[5] مسند الشهاب الجزء (1) صفحة (391) رقم الحديث (668)

[6] إتحاف الخيرة المهرة الجزء (2) الصفحة (511)

[7] الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم الجزء (3) الصفحة (65)

[8] إتحاف الخيرة المهرة الجزء (2) الصفحة (493)

[9] الجامع الصغير وزيادته الجزء (1) الصفحة (890) رقم الحديث (8891)

[10] سنن الترمذي الجزء (4) الصفحة (639) رقم الحديث (2460 )

[11] مسند أحمد الجزء (12) الصفحة (449) رقم الحديث (7479)

[12] سنن الترمذي الجزء (5) الصفحة (548) حديث رقم (3540)

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق