لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم كل الحرص على أن تكون تربية أصحابه تربية متكاملة ، بحيث يظهر التوازن في حياة الفرد ، فلا تفسد التصورات والمفاهيم.
غير أنه قد يظهر نوع من انحراف في بعض التصورات والمفاهيم، نتيجة النظرة السطحية في بعض القضايا ، لكن بعضهم يتضح له الأمر فيؤوب ويصحح مفاهيمه ، والبعض الآخر يصر على فهمه السقيم، فيورده موارد الردى.
في غزوة حنين غنم المسلمون غنائم كثيرة ، حيث وزع النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها على المؤلفة قلوبهم ، مما أوجد في أنفس – هي من الأنصار – شيئا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قالوا : وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله وعشيرته . يعني : وزع أكثر الغنائم فيهم . فلما وضح لهم النبي صلى الله عليه وسلم السر في قسمة تلك الغنائم على المؤلفة قلوبهم ، تبين لهم الأمر ، واتضحت لهم الحكمة ، حتى بدا عليهم الوجل والندم ، وبكوا حتى ابتلت لحاهم بدموعهم ، فقال لهم صلى الله عليه وسلم : يا معشر الأنصار ، أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير ، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : رضينا برسول الله حظا وقسما.
لكن ذا الخويصرة كان موقفه مغايرا تماما ، فلقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم متعاليا مترفعا منصبا نفسه قاضيا وحاكما ، فقال : يا محمد اعدل ، فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله .
ففرق بين من يجد في نفسه شيئا ، ثم يتبين له لأمر فيرجع ، وبين آخر فسدت مفاهيمه وانحرف فكره ، فجعل نفسه ميزانا يقيس الناس به.
وفي زماننا هذا ظهرت مجموعة من الشباب يتسمون بالصلاح والتقوى مع الاعتدال ، وهذه ظاهرة طبيعية صحية ، لكن الخطورة تكمن في وجود آخرين انحرفت بعض تصوراتهم ومفاهيمهم ، جعلوا من أنفسهم قضاة ومفتين ، يصدرون الأحكام جزافا ، يبدعون ويضللون حسب أهوائهم ، ليس لهم ضابط يضبطهم.
فالواجب على العلماء والدعاة إلى الله ، معالجة مثل هذه الظاهرة تماما كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصار ، فلعل الله تعالى أن يهدي هؤلاء الشباب الذين نحسبهم– والله حسيبهم – غيورين على دين الله.
والله من وراء القصد،،
وكتب / د. عقيل بن محمد المقطري
اضافة تعليق