بسم الله الرحمن الرحيم
السلوك الحسن وفوائده
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
مستمعي الكرام :حلقتنا اليوم عن السلوك الحسن وفوائده
إن الأخلاق الحميدة والسلوك الطيب الحسن بعث النبي عليه الصلاة والسلام ليتمه فعن أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:( إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ مَكارِمَ ( إنما بعثت ): أي أُرسلت. ( لأتمم ): أي لأجل أن أكمل. ( الأخلاق ): بعد ما كانت ناقصة، وأجمعها بعد التفرقة. وعنه رضي الله عنه أيضا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم ) قال المباركفوري ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ): لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الناس، ( وخياركم خياركم لنسائهم ): لأنهن محل الرحمة لضعفهن.
يخطئ منا من يفصل العبادة في الإسلام عن السلوك. ذلك أنه دائما ما تُقرن نصوص القرآن والسنة الكلام عنهما. وفي الحديث المتقدم، نجد عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق. ذلك أن الهدف من الرسالة هو تزكية النفس والوصول بها إلى درجة من الرقي والتطور تسمح لها بالتعبد السليم لله. وهذه هي غاية الخلق.
ولكن نجد دائما انحرافات كبيرة عن منهج الرسالة الخاتمة فبعد مرور أربعة عشر قرنا من الزمان، حدثت انحرافات متعددة ومتنوعة عن الهدف الأصيل الذي جاء الإسلام ليتممه، ألا وهو إرساء مبدأ حسن الخلق بين أفراد البشر. ولم يصبح هدف البشر الآن إلا التعبد دون أدنى اهتمام بتحقق الثمرة المرجوة من العبادة، ألا وهو حدوث تزكية النفس!!
أهمية حسن الخلق:
إن المتأمل في نصوص القرآن، يجد أن تزكية النفس مقدمة على تعلم العلوم الشرعية للقرآن والسنة. وتأمل قوله تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } [ البقرة:151] ، وقوله: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [ آل عمران: 164 ]، وقوله: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي اْلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } ] الجمعة: 2 [. نجد أنه سبحانه حينما تكلم عن إرسال الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، حدد مهمته في التزكية ثم تعليم الكتاب والسنة. وانظر الفرق بين ذلك، وبين قول البشر الذين يتعجلون العلم ويريدونه قبل حدوث تزكية النفس، كما جاء على لسان إبراهيم عليه السلام، كما في قوله عز وجل: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ } ] البقرة: 129 [، حيث قدّم تعليم الكتاب والسنة على التزكية.
وتزكية النفس بدايتها ونهايتها التوحيد. ويدخل في ذلك تطهير النفس من أمراضها وتحقيقها بكمالاتها. ومنعها المحرمات وإقامتها للطاعات. والأمر واسع جدا. وتزكية الأمة بإقامة شرع الله كاملا، والأمر كذلك واسع.
والتزكية في الحقيقة شيء زائد على العلم. فالعلم يعطي القواعد والبيان لكل شيء. أما التزكية فهي تطبيق هذا العلم على النفس البشرية، وأمراضها، وأغراضها، ومعرفة بالتطبيب وطرقه، ومعرفة بالكمال وكيفية النقل إليه، وأدوات ذلك، وفراسة خاصة بكل نفس لنقلها من حال إلى حال. وهذا شيء للكسب فيه نصيب. ولكن عطاء الله هو الأساس ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) البقرة: 269 ولم يشرع الإسلام العبادات بكافة صورها طقوسا ولا شعائر مجردة من المعنى والمضمون، بل إن كل عبادة تحمل في جوهرها قيمة أخلاقية مطلوب أن تنعكس على سلوك المسلم المؤدي لهذه العبادة، وأن تتضح جليا في شخصيته وتعاملاته مع الغير، وأيضا فيما يرسمه لذاته من إطار يحرص على الالتزام به ولا يحيد عنه.
إن العبادة هي علاقة بينك وبين ربك، أما السلوك فهو علاقة بينك وبين الناس. ولابد أن تنعكس العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين أفراد المجتمع، فتحسنها وتهذبها، وإلا فما علاقة أن الصلاة – مثلا – تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما في قوله تبارك وتعالى:( إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت: 45 فالفحشاء والمنكر هما جماع الأقوال البذيئة والأفعال السيئة، وهما لا يظهران إلا في التعامل مع الناس في المجتمع.
كما أن العبادة، وإن كانت هي علاقة بينك وبين ربك، إلا أن السلوك يتجلى فيها أيضا. ففي الصلاة، أنت مأمور بأداء الصلاة في جماعة، لكي تحتك بالناس وتتفاعل معهم. والمرأة مأمورة بعدم الخروج للمسجد متعطرة متبرجة حتى لا تفتن الرجال. وفي الزكاة، إذا أعطيت المحتاج مالا ثم مننت عليه، فقد أبطلت صدقتك. وفي الحج، أنت مأمور بضبط الأخلاق أثناء الزحام. وهكذا، ففي كل عبادة، يتجلى مظهر من مظاهر السلوك، الذي يجب أن تتحلى به وتلتزم به.
فضل الخلق الحسن:
وتتعدد النصوص في فضل الخلق القويم والحث على التحلي والتمسك به:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله! إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها.
قال: هي في النار. قال: يا رسول الله! فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصَدّق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها.
قال: هي في الجنة. فانظر كيف لم تُجدِ كثرة العبادة مع انعدام حسن السلوك!! بل انظر ماذا فعل حسن الخلق رغم قلة العبادة ( والأثوار: جمع ثور، وهو القطعة من الأقط، والأقط: اللبن المجفف .





اضافة تعليق