فإن في شهر الله المحرم يوم عظيم من أيام الله عز وجل وهو المسمى بيوم عاشوراء هذا اليوم المبارك الكريم الذي جاء كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبن عباس رضي الله عنهما قال : ((لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء فسألهم فقالوا هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون فقال النبي صلى الله عليه و سلم نحن أولى بموسى منهم فصوموه))…
خطبة بعنوان : ( فضل شهر الله المحرم)
العناصر:
1- ماهية الأشهر الحرم 2- تغير المشركون للأشهر الحرم 3- معنى النسيء 4- تحريم الظلم في هذا الأشهر الحرم 5- فضل الطاعات في الأشهر الحرام 6- فضل يوم عاشوراء 7- فوائد.
أما بعد:
يقول الله جل في علاه: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )) سورة التوبة آية(36).
في هذه الآية المباركة من كتاب الله عز وجل من الأحكام الشيء العظيم الذي ربما يجعله من لم يقلب صفحات كتب العلماء الذين شرحوا وفسروا هذه الآية المباركة .
من حديث أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس بأيام منى فقال :
(( إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ وَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ))[1]
فعندما سألهم أي يوم هذا فسكت وظنوا أنه سيسميه بغير اسمه والسب في هذا أنه قال لهم إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض ظنوا أن الأمور كلها قد رجعت إلى نصابها وأن هذا النصاب لم يكونوا يعلمونه من قبل قالوا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فسكت صلى الله عليه وسلم وفي هذا السكوت لفتة من أجل أن ينتبه الناس ومن أجل أن تصغي الآذان ومن أجل أن تستحضر الأذهان والقلوب لسماع ما سيقال لها فإنك لو سألت ولدك أو سألت تلميذك أو سألت زميلك عن أمر فأخفق عن الجواب.
فأطرقت وسكت بدأ ذهنه يعمل و يشتغل ويتحفز لماذا سأل أ لأنه لا يعلم أم لأن هنالك أمرا آخر؟
فإذا ألقيت عليه الجواب التصق في ذهنه ودخل في خزائن معلوماته ومن الصعب بعد ذلك أن ينسى مثل هذا الموقف .
وهذا أسلوب نبوي عظيم في إلقاء المعلومات وفي تعليم أفراد هذه الأمة وفيه منهج عظيم لسلوك منهجه صلى الله عليه وسلم في تقرير الأمور وفي تحصيل العلم وفي تذكير المعلومات قالوا فسكتنا فقال : أليس يوم حرام؟
قالوا : بلى .
قال: فأي بلد هذا؟
والأمر كله يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض قالوا: الله ورسوله أعلم لأنهم ظنوا أنه سيسميه يغير اسمه .
قال: أليس هذا البلد الحرام ؟
قالوا: بلى كل هذه معلومات نعرفها ونعلمها .
قال : ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا)).
هذا يعني تعظيم حرمات الدماء وتعظيم حرمات الأعراض وتعظيم حرمات الأموال لأنه صلى الله عليه وسلم ربطها بثلاث محرمات كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
حين خطب النبي عليه الصلاة والسلام الناس في هذه الخطبة البليغة القصيرة التي لها معاني ومغازي و فيها الدلائل العبر الشيء الكثير يقول أهل التفسير:
(( إن أهل الجاهلية هذه إذا حلت في الناس تلخصت الأمور وضاعت الحقائق وصار الحرام حلال والحلال حراما وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا لأنها جاهلية والجاهلية مشتقة من الجهل أن أهل الجاهلية كانوا يعيثون بأشهر الله الحرام كما يشاءون يغيرون شرع الله كما يريدون يقننون لأنفسهم بما يشهون لا يلتزمون بشريعة الله عز وجل وهم كانوا على شرع من الله حنيف كانوا على ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء أفضل الصلاة وأتم التسليم هؤلاء أهل الجاهلية كانوا يعرفون أن الله تعالى خلق هذه الأشهر يوم خلق السموات والأرض أهل الجاهلية كانوا يعرفون أن الله تعالى خلق هذه الأشهر يوم خلق السموات والأرض حين خلق السموات والأرض خلق هذه الأشهر وجعلها بهذه الهيئة التي نعرفها اليوم التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كانوا يعرفون هذا لكن الهوي ولكن الجهل هو الذي يزين لِلإنسان أن يغير الحقائق ويقلب الأزرق حتى تتمشى مع هواه حتى يتمشى مع شهواته فالحلال ما يحل والحرام ما يحرم ولذلك شرع الله ثابت وشرع الناس متغير فما كان من حلال في زمان آخر وما كان منكر في زمان يصر معروفا في زمان آخر وما كان معروفا في عرف فهو منكر في تجمع آخر فتجد هكذا كما قال الله عز وجل :((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً )) سورة النساء آية(82).
أخلاقيات المسلمين لا تتبدل لا تتحول أعراضهم نعم قد تتغير و تتبدل لأنها عرف وليس بشرع مادام هذا هو يوم لا يتناقض مع شريعة الله عز وجل شرعهم احتكامهم كل أمر ثابت لا يتغير ولا يتبدل أبد صحيح أن هنالك مساحة لأهل العلم يصولون فيها ويجولون وهم يدرون بين أجر و أجرين ولا عتب في هذا ولا حرج لكن الثابت هو الثابت الذي لا يتغير أما شريعة البشر فهي إما أنها تتوافق مع جمهور الناس كما هو حاصل في البلاد التي تحتكم إلى الديمقراطية أو أنها تتوافق مع أفكار ثلة معينة كما هو حاصل مع الدول التي تنهج الاشتراكي.
إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا يوم خلق السموات والأرض أما كفار قريش وكفار العرب كانوا يمشون مع أهوائهم فكانوا نعم يعظمون الأشهر الحرم لكنهم إذا احتاجوا على انتهاكها ينتهكونها وهنالك من يفتي ويشرع لهم فيقول لهم شهر الله المحرم هذا الشهر الذي نحن فيه نجعله شهر صفر ويجعل بدل شهر صفر أو يجعل بدله شهر جماد الآخرة أو يجعل بدله شهر شعبان وهكذا ويجعل صفر بدلا من شهر ذي الحجة المحرم لأننا نحتاج فيه للقتال ونحتاج فيه لأن نظلم الناس ونحتاج فيه لأن نغير فيه على الناس نجعل بدل شهر ذي العقدة نجعل صفر ونجعل بدل ذي الحجة جماد أخر وهكذا يبدلونها وكانوا يحجون بيت الله تعالى زهدا و ورعا و تقى يقيمون بعض الأعمال لإظهار الزهد والتقى الصلاح وعبادة الله عز وجل تماما كما هو العرف اليوم جار في المجتمعات التي فيها شيء من الجاهلية يظهرون شيئا من الطقوس التي ربما لا تمت للإسلام ولا للدين بصلة .
كل هذا الاحتفالات إذا كنا قد رمينا بكتاب الله تعالى وراءنا ظهريا ورمينا به عرض الحائط وقننا لأنفسنا قوانين نستحل الربا ونستحل ما حرم الله تعالى هذا أمر لا ينكره أحد من الناس عالما أو جاهلا فالمجتمعات تعج بمثل هذه المخالفات والمعاصي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فكانوا يغيرونا وهذا هو الذي سماه الله عز وجل بقوله : (( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) سورة التوبة آية (37).
يعني هم كفار ولكنهم يزدادون كفرا يتغير شريعة الله عز وجل نسء الأشهر النسء معناه : التأجيل والتأخير ومنه ربا النسيئة أي أنهم يؤخرون الأشهر الحرم إلى غير وقتها ولأنهم يحتاجون إلى أن يرتكبوا محام الله تعالى فيها أن جمهور العرب الجاهلية كانوا يعظمون الأشهر الحرم ألا طائفة منهم كانت منهم كانت تسمى بقبائل البتل وهذا القبائل كانت متشددة جدا فكانت تحرم ثمانية أشهر وما هذا مطلوب منهم المطلوب منهم أن يجرموا ما حرم الله أن يحلوا ما أحل الله ولذلك أنكر الله عز وجل عليهم من هنا كانت حجهم تقع في غير الأشهر الحرم في غير ذي الحجة لأنهم ينسئون فإذا كان شهر ذي الحجة يحتاجون فيه للقتال .
قالوا: لا هذه السنة شهر ذي الحجة هو شوال مثلا وشهر ذي الحجة قد أخرناه إلى جماد آخر إذا نحج في جماد آخر فيحجون في جماد آخر والله تعالى إنما فرض على الأمم كلها أن تحج في شهر ذي الحجة فإنه من هذا طبعا لا يثبت في سند من الأسانيد وليس له أساس من الصحة و الله أعلم أنه يوم حج النبي عليه الصلاة والسلام توافق حجه مع حج اليهود والنصارى قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (( هذا قول غريب لكن الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم إنما حج في هذا الشهر المبارك وفي شهر ذي الحجة فتوافق حجه لأنه حج حينما استقر الزمان كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض و كان من جملة الأسباب أنه لم يحج أن الأصنام كانت لا تزال موجودة حول بيت الله تعالى وكانت تعبد من دون الله تعالى فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بفاتحة براءة وأمرهم بأن يكسروا الأصنام وأنه لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان لأنهم هكذا كانوا يظهرون الزهد والورع بهذه البدع المنكرة التي ما أنزل الله بها من سلطان يحجون عراة رجالا ونساء يطوفون حول بيت الله عراة ليس على ظهورهم ولا على عوراتهم قطعة من قماش ِأبدا حتى كانت المرأة تطوف بالبيت و تقول :
يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله)
لكن هذا زهد بارد وزهد مرفوض لماذا تفعلون كذلك ؟
قالوا: لأن هذه الثياب الثياب التي فوقنا عصينا الله تعالى فيها وهل هناك أظلم وأعظم الشرك بالله تعالى وتبديل شريعة الله عز وجل ونسأ الأشهر الحرم وانتهاك محارمها ؟
إننا يا معشر المسلمين لو سألنا لماذا جميع المسلمين يعظمون رمضان؟
ويحرمونه ويجعلون له مكانة في أنفسهم لقلنا إن هذا كثرة الطرق عليهم من كثرة البيان عليهم ولأن فيه عبادة من العبادة تنكسر فيه الأنفس وتنكسر فيه الشهوات وتذل فيه الرقاب ولأن الله تعالى جعل من خصائص رمضان أن يصفد مردة الشياطين وهذا أمروا واضح ولذلك كثير من العصاة يتولون في رمضان كثير من أرباب الشهوات يقلعون عن شهواتهم إما في رمضان وإما في نهار رمضان على أقل تقدير يسمعون القرآن ويعرضون علن الأغاني وتجد الكثير لا يكذبون لكنهم في لليل يكذبون وتجدهم لا يسرقون لكنهم يسرقون في الليل وتجدهم لا يظلمون لكنهم وفي الليل يظلمون هذا جهل كبير أيها الإخوة لكن هنا من الأحكام ما ينبغي أن تعلموه أيها الأحباب وهذا قليل من يطرقه و هو أن الله تعالى لما قال : (( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )) سورة التوبة آية (36).
أي بقاء الأشهر على هذا النمط من دين الله القيم الذي لا اعوجاج فيه وينبهنا الله تعالى في هذا إلى أنه ينبغي أن نرتبط وأن نلتصق بهذه الأشهر التي جعلها تعالى محلا للعبادات فليس يناير ولا فبراير ولا مارس ولا سبتمبر ولا أكتوبر ولا نوفمبر ليس لنا علاقة فيه لا من قريب ولا من بعيد إنما علاقتنا بالأشهر القمرية التي جعلها الله عز وجل محلا للعبادات وترتبط فيها العبادات نعم يمكن لثبات الأشهر الإفرنجية أن تكون أعمالنا مرتبطة فيها ارتباطا ليس ارتباطا أصليا وإنما ارتباط فرعي ولذلك لثباتها فقط لأن الأشهر العربية تتغير ولهذا ينبغي العناية بها لأنها من دين الله عز وجل عليها يقوم الصيام وعليها يقوم الحج وعليها يقوم كثير الطاعات و القربات :((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) سورة البقرة آية(189).
ما خلقها الله عز وجل عبثا لذلك ينبهنا الله أن هذا من شريعة الله عز وجل لآن لو يسأل كل واحد منا كم اليوم من شهر ذي الحجة وإلا المحرم ربما يقول ما قد خرجنا من ذي الحجة والله أعلم يقول: أخر انتصف شهر شوال وآخر يقول: نحن في البداية فتقول له: كم لم يستطع أن يحدد؟
لأن لارتباط لنا في هذه الأشهر لكن لو سألنا عن الأشهر الإفرنجية لقال لك: هذا اليوم هو يوم كذا وفي هذا لفتة أيها الإخوة :
أن ديننا مرتبط بهذه الأشهر ولهذا وجب علينا أن ترتبط بها وأن نؤرخ بها لا بأس أن نؤرخ بجوارها الموافق كذا وكذا عام بكذا وكذا ولكن أول التاريخ عندنا التاريخ اليوم هذه كذا من شهر كذا عام كذا الموافق لكذا من شهر كذا من سنة كذا فقط لكن التقليد في الأشهر الإفرنجية فإن هذا جهل عظيم وإطباق وإيغال في التشبه بأعداء الله تعالى الأمر الأعظم الذي أريد أن أنبهه عليه هو قول الله تعالى بعد قوله ((…ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ…)) سورة التوبة آية (36).
في شهر رمضان الناس كثير منهم لا يظلمون الناس وهذا كما قلنا لكثرة الطرق في هذا الباب أما الأشهر الحرم فقليل من يطرق على الناس أن هذه الأشهر الحرم ينبغي على المسلم أن يترفع فيها عن الظلم أيا كان يقول أهل التفسير أن الظلم في هذه الأشهر الحرم أعظم جرما وأعظم إثما من غيرها من الشهور تماما كما أن الظلم في مكة في البلد الحرام حرمته أعظيم كما قال الله عز وجل :((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)) سورة الحج آية (25).
انظر على سياق الآية وإلى ألفاظها ومن فيه أي في الحرم قال : مجرد الإرادة ومجرد الهم ليس الفعل ومن يريد فيه بإلحاد يظلم نذقه من عذاب أليم فكيف إذا فعل قال أهل التفسير فهكذا في الأشهر الحرم الظلم فيها أعظم إثما وأعظم جرما والنسيئة فيها أعظم من السيئة في غيرها وإن كان الظلم في جميع أيام السنة محرم إلا أنه في هذه الأشهر أشد حرما وأعظم آثما من غيرها من الأيام فهل عقلنا مثل هذه الأمور ؟
خصوصا ما كان في الدماء وما كان في الأموال وما كان في الأعراض فيا ويل من ظلم نفسه في هذه الأشهر و يا ويح من أكل لحوم الناس وأعراضهم وسلب أموالهم في هذه الأشهر والمباركات المحرمات يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ))[2]
وهذا يدل على أن أعظم الطاعات تكون في الأشهر الحرم من صيام وقيام ودعاء وصلاة وسلام على النبي صلى عليه وآله وسلم ودعوة إنفاق أعظم وأِجل تكون في الأشهر لكن الناس أكثرهم لا يعون مثل هذه الأمور فتجدهم في الأشهر الحرم أو في غيرها ما شون على أنفسهم الوتيرة والنظام لا أعلم أن لهذه الأشهر مكانة وحرمة عند الله عز وجل احذر من نفسك في هذه الأيام بادر بالأعمال الصالحات في هذه الأيام كما أن البلد الحرام الصلاة فيها بمائة ألف صلاة يعني أن العبادة فيها تعظم كذلك الطاعات في الأشهر الحرم تعظم تكثر أجرها وكذلك المعاصي في الأشهر الحرم الذنوب فيها عظيمة جدا فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركون كافة كما يقاتلونكم كافة .
هنا يتساءل الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى هل قتال المشركين في هذه الأشهر مباح أم هو محرم قال على قولين لأهل العلم : منهم من قال : أنه منسوخ لأن الله تعالى بعد أن قال : فلا تظلموا فيهن أنفسكم قال: وقاتلوا المشركين كافة .
ولأن النبي عليه الصلاة والسلام حاصر أهل الطائف في شهر الله المحرم ابتدأ في شوال إلي ذي القعدة ودخل الشهر الحرام وهو مازال محاصرا لأهل الطائف ومن أهل العلم من قال لا بل التحريم لا يزال على ما هو عليه فيحرم القتال في الأشهر الحرم إلا إذا ابتدأنا المشركون فيها كما قال الله تعالى : ((فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) سورة التوبة آية (5).
ولأنه إذا ابتدأنا المشركون فيها فإننا نحاربهم فيها ونقابلهم فيها ولأنه أيضا إذا ابتدأنا المشركون في الأشهر الحلال وامتد القتال إلى الأشهر الحرم فلا شيء في هذا وهذا في نظر والله أعلم أنه هو القول الراجح هذا الشهر الحرام شهر الله المحرم فيه أيها الإخوة كما قلنا من الفضائل الشيء الكثير فهو من أشهر الله الحرام والصيام فيه من أفضل القربات بل الصيام فيه فضل شيء بعد صيام رمضان فينبغي علينا أن ننتبه لمثل هذه الأمور وأن الظلم وإن الإثم وأن المعاصي في هذه الشهر الحرام وفي غيره من الأشهر الحرم أن إثما أعظم وأن وزرها أكبر.
أقول قولي واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وآله وصحبه من والاه وبعد:
فإن في شهر الله المحرم يوم عظيم من أيام الله عز وجل وهو المسمى بيوم عاشوراء هذا اليوم المبارك الكريم الذي جاء كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبن عباس رضي الله عنهما قال : ((لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء فسألهم فقالوا هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون فقال النبي صلى الله عليه و سلم نحن أولى بموسى منهم فصوموه))[3]
وكان هذا أول صيام يوجبه الشرع على المسلمين بوحي من الله و بإيجاب من النبي صلى الله عليه سلم كان فرضا على المسلمين أن يصوموا هذا اليوم وفي حديث الربيع بنت عفراء قَالَتْ : (( أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ))[4]
هذا كله امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وطلبا لأجر هذا اليوم المبارك فكان صلى الله عليه وسلم أشد حرصا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما :((ما كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حرصا على صيام يوم على غيره من الأيام مثل حرصه على رمضان ويوم عاشوراء))
فكان يصوم صلى الله عليه وسلم وما نسخ فرض صيام هذا اليوم إلا لما فرض الله صيام رمضان كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قال : ((فلما فرض الله صيام رمضان كان من شاء صام هذا اليوم ومن شاء أفطره))
ولكن بقيت فريضة الفضل مبين في قوله صلى الله عليه وسلم : ((وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ : يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ : قَالَ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ : يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ))[5].
إذا فصيام يوم عاشوراء كفارة لسنة مضت ويوم عرفة كفارة لسنة مضت وسنة باقية .
ولكنه صلى الله عليه وسلم من حرصه على أن يكون له منهاج وطريقة واضحة تختلف عن طريقة اليهود والنصارى قال : ((لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ قَالَ يَعْنِى يَوْمَ عَاشُورَاءَ))[6].
وفي حديث ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوما أو بعده يوما))[7].
والعلماء أن صيام يوم عاشوراء على ثلاث مراتب:
أفضلها من صيام يوم قبله ويوم قبله يوما بعده وأوسطها من صام يوما مثله أو يوما بعده وأقلها من صام يوما بعده وهذا خارج عن نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن صيام أو إفراد السبت إذا وافقه مثل هذه الأيام لأن المنهي عنه في قول صلى الله لعيه وسلم :(( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة ( اللحاء القشر على العود ) أو عود شجرة فليمضغه))[8]
المقصود فيه من أراد أن ينشأ أو يبتدئ عبادة تطوعية لا أن يتوافق مع فضيلة من الفضائل وعلى هذا بعض أهل العلم أن إذا وافق يوم عاشوراء يوم السبت لا بأس أن يصوم لو لم نصم يوما قبله أو يوما بعده وكذلك إذا وافق عرفة لما في عرفة لما في هذا من الفضيلة فالحاصل أيه الإخوة أننا في شهر عظيم إن هذا الشهر قد ابتدأ أول أيامه يوم الأربعاء معنى هذا أن يوم الخميس القادم هو التاسع منه وأن الجمعة الآتية هو يوم العاشر منه وأن يوم السبت هو اليوم الحادي عشر منه ولذلك في هذا الحديث الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما تنبيه هذا التنبية العظيم الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما وهذا من دقة نقلهم للأحاديث النبوية أنه قال اليهود :للنبي صلى الله عليه وسلم: (( أن موسى صام هذا اليوم شكرا لله ))
ولذلك أيها الإخوة :
أحببت في نهاية هذه الخطبة المباركة أن سرد لكم بعض الفوائد سردا سريعا مأخوذة من الآيات ومن هذه الأحاديث.
الفائدة الأولى : أن شهور السنة اثنا عشر شهرا.
الفائدة الثانية :أن توقيت المسلمين وحساباتهم بالأشهر العربية القمرية لأن الأشهر الإفرنجية الشمسية وإن اعتماد الأشهر الإفرنجية إنما هو نوع من التقليد وأن هذه لا يمت لديننا بصلة .
الفائدة الثالثة : أن هذه الشهور بهذه الطريقة من ديننا لا ينبغي أن نفرط بها لأنه ينبغي علها حسابات العبادات الصوم والحج ولذا قال الله تعالى ذلك الدين القيم أي الذي لا اعوجاج فيه.
الفائدة الرابعة: تحريم الدماء وهي محرمة على طوال الأيام والأعوام لكنها في الأشهر الحرم أشد تحريما .
الفائدة الخامسة: تحريم الأموال بشكل عام طوال العام ويشتد تحريمها في الأشهر الحرم.
الفائدة السادسة : تحريم الأعراض كذلك في سائر الأعوام وفي الأشهر من باب أعظم.
الفائدة السابعة: تحريم القتال في الأشهر الحرم إلا إذا ابتدأنا فيها الكفار أو إذا امتد القتال من قبلها من الأشهر الحلال إلى الأشهر الحرم.
الفائدة الثامنة : تحريم الأشهر الحرم ومنها شهر الله المحرم.
الفائدة التاسعة : تحريم مكة وأن العبادات فيها أعظم أجرا وأن الذنوب فيها أعظم إثما.
الفائدة العاشرة :تقرير أننا سنلقى ربنا كما قال صلى الله عليه وسلم في خطبته (( وإنكم ستلقون ربكم فيجازيكم على أعمالكم))
الفائدة الحادية عشر: تقرير أن الله سيسألنا عن أعمالنا وهذا فيه المحاسبة أن ناسب أنفسنا قيل أن تحاسب.
الفائدة الثاني عشر: التحذير من الاقتتال لما قال : (( لا ترجعوا بعد كفار يضرب بعضكم بعضا))
الفائدة الثالث عشر: تقرير قيام صلى الله عليه وآله وسلم بالبلاغ لأنه قال في خطبته ((ألا هل بلغت قالوا: نعم قال: اللهم فاشهد)).
الفائدة الرابع عشر: أنه أمر الشاهد ن يبلغ الغائب وبهذا أيضا أنتم مأمورون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تبلغوا من كان غائبا : ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أو عن من سامع أي أن المبلغ ربما يحفظ ولكن الذي يبلغ بعد ذلك ربما يكون احفظ وافهم.
الفائدة الخامسة عشر: تقرير أن المبلغ وقد يكون أو عي من السامع.
الفائدة السادسة عشر: أن الشهور وقد لخبطتها قريش عن محالها بسبب النسيء.
الفائدة السابع عشر: أن الزمان ( أي الشهور) استدارت كهيئتها يوم خلق الله السموات والأرض فقررها النبي صلى الله عليه آله وسلم.
الفائدة الثامنة عشر : تعظيم أمر المعاصي وعظم جرمها في الأشهر الحرم أكثر غيرها من الشهور.
الفائدة التاسع عشر: أن الأعمال الصالحة في هذه الأشهر أجرها أعظم.
الفائدة العشرون: أن النعم تجازي بالشكر والعبادة لا باللهو واللعب وهذا ما خوذ من قول اللهو : أن موسى عليه وسلم صام اليوم شكرا فالإنسان عندما يمن عليه نعمة من النعم فيجازيها بالشكر ويجازيها بالطاعة لا يجازيها بالمعصية سواء كان ذلك ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أو كان ذلك معراجه صلى الله عليه وسلم أو نعم الله عليك بنعمة ما سوار نجحت أو جاءك ولد أو نجح ولدك أو دفع عنك نقمة أو مشاكل ذلك فتجازيها بالطاعة بالصوم والصلاة والصدقة وما شاكل ذلك لا تجازيها بالبدع والخرافات.
الفائدة الحادي العشرون: أن الناس نحترم رمضان احتراما شديدا فلا يقترفون فيه الآثار لكن لجهلهم بالأشهر الحرم لا يبالون يجرمها.
الفائدة الثاني والعشرون: يجب مخالفة أهل الكتاب وأن مخالفتهم من شريعة الله عز وجل.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
والحمد لله رب العالمين



اضافة تعليق