لا يوجد إنسان على ظهر هذا الكون إلا وهو متدين شاء أم أبى ليس هنالك حرية مطلقة وليس هنالك تفلت مطلق فالإنسان بطبعه وطبيعته وتركبيه متدين أصلا حتى أولئك الذين نفوا وجود الآلهة ونفوا شيئا اسمه دين هم في الحقيقة متدينون فمن أين تأتيهم الأوامر والنواهي ومن أين تأتيهم المحظورات من أولئك الطواغيت الذين تجبروا عليهم و وضعوا لهم دساتير وقوانين يحظرون لهم ما يشاؤون ويحلون لهم ما يشاؤون…
خطبة بعنوان : ( أخطاء في المفاهيم حول التدين)
العناصر:
1- الغاية من الخلق 2- تعريف التدين 3- مميزات هذا الدين 4- حفظ لهذا الدين 5- خطورة هذه المفاهيم .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
فمن المعلوم لدينا جميعا أن الله تعالى ما خلق الجن والإنس إلا لغاية هي عبادته سبحانه وتعالى : ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58))) سورة الذاريات الآيات (56-58).
فالله تعالى إنما خلق الناس جميعا من أجل هذه الغاية وهي عبادته سبحان وتعالى وتحقيق هذه العبودية من أجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب وخلف الجنة لمن أطاعه والنار لمن عصاه .
هذا الذين الذي كلف الله تعالى به الإنس والجن هو ما أوحى به إلى آدم وما أوحي به نوح وما أوصى به إلى سليمان وإلى داود وما أوصى به إلى إبراهيم وموسى وعيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم وهو دين الإسلام وإن كانت الشرائع تختلف قال الله تعالى :((لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )) سورة المائدة آية (48).
ولكن الأصل هو دين الإسلام: ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )) سورة آل عمران آية (19).
وقال الله تعالى: ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ))سورة آل عمران آية (85).
أيها الإخوة الفضلاء له معنيان في اللغة العربية:
المعنى الأول : هو الجزاء والأمر كما يقال كما تدين تدان قال تعالى :((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)) سورة البقرة آية (4).
وقال تعالى أيضا: ((يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ )) سورة النور آية (25).
أي جزاءهم وهذا المعنى الأول من معاني الدين والتدين.
المعنى الآخر هو استلام والانقياد و الرضا بأوامر الله تعالى ونواهيه فالإسلام يشمل الأوامر كما يشمل النواهي وليس الإسلام خاصا بالأوامر دون النواهي فالإسلام أفعل وتروك والإسلام أقوال وأفعال ظاهرة وباطنه هذا هو الدين ارتضاه الله عز وجل لنا وإذا معنى الدين أو التدين له معنيان كما قلنا في اللغة أما الجزاء وهذا ليس هو المطلوب وإنما هذا من المعاني لكن الدين الذي كلفنا الله به هو بالمعنى الثاني الإسلام والانقياد والرضا بأوامر الله عز وجل ونواهيه والعمل وفق ذلك أمرا ونهيا وتركا هذا هو الدين الذي كلفنا به الله ومن هنا أيها الإخوة فإن الإنسان بطبعه ضعف كما خلقه الله عز وجل على هذا الهيئة قال الله تعالى: ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً )) سورة النساء آية (28).
فإذا كان الإنسان ضعيفا إذا يحتاج إلى قوي يلتجئ إليه لدفع فإذا كان هذا الإنسان ضعيفا إذا يحتاج إلى قوي يلتجئ إليه لدفع الضر وجلب النفع وما شاكل ذلك .
ولهذا حديث للناس قديما فهوما ولا تزال الفهوم خاطئة التجأ بعضهم الناس إلا من يظنون أنه قوي فالتجأ بعضهم إلى الشمس والتجأ بعضهم إلى القمر والتجأ بعضهم إلى الجن والتجأ بعضهم إلى الإنس والتجأ بعضهم إلى الأشجار إلى آخر ذلك ظنا منهم أن هذه الأشياء بجلب نفعا أو تدفع ضرا إنسان ولكن الله جل وعلا خالق هذه الأشياء كلها هو الذي أمرنا وكلفنا أن نلتجئ إليه جل وعلا فيما نؤمل وفيما نخاف فهذا من معاني الدين .
ولهذا لا يوجد إنسان على ظهر هذا الكون إلا وهو متدين شاء أم أبى ليس هنالك حرية مطلقة وليس هنالك تفلت مطلق فالإنسان بطبعه وطبيعته وتركبيه متدين أصلا حتى أولئك الذين نفوا وجود الآلهة ونفوا شيئا اسمه دين هم في الحقيقة متدينون فمن أين تأتيهم الأوامر والنواهي ومن أين تأتيهم المحظورات من أولئك الطواغيت الذين تجبروا عليهم و وضعوا لهم دساتير وقوانين يحظرون لهم ما يشاؤون ويحلون لهم ما يشاؤون.
فالإنسان بطبيعته يلتجئ إلى من هو أقوى منه أو من يرى أنه أفضل منه أو أنه يدفع عنه ضرا أو يجلب له نفعا هذه الطبيعة لا يمكن الهروب منها إطلاقا فلا شيوعي ولا بوذي ولا قومي كل هؤلاء متدينون في الأصل لكن هذه الديانات إما أن تكون ديانات سماوية أو ديانات مصطنعة يصنعها الناس.
هذه الديانات السماوية إما أن تكون محرفة وإما أن تكون غير محرفة لوم يتكفل بحفظ وصيانة هذا الدين ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) سورة الحجر آية (9).
فالتوراة اليوم مئات والأناجيل بالمئات وهلم جر هذه كلها من صنائع البشر الذين حرفوا الكتب وغيروا معانيها بل صارت كلها من كلام هؤلاء البشر .
هذا الدين أعني الإسلام له ميزان هذه الميزان لم تظهر في أي ديانة من الديانات الموجودة اليوم على ظهر الأرض أعني الديانات التي وضعها الناس أو الديانات التي تحرفت وإلا فالأصل أن الديانات من دون تحريف لها مثل الميزان من هذه الميزان التي توجد في هذا الدين أن هذا الدين يصلح معتقد الإنسان كيف يعتقد في الله جل وعلا كيف يعتقد في اليوم الآخر كيف يعتقد بعالم الغيب إلخ ذلك.
فهو يصلح هذا الجانب فيبقى بهذا الجانب ومن هنا من تفلت عن الشريعة وتفلت على الدين ولم تستسلم وتنقاد للنصوص الشرعية التي جاء بها القرآن أو جاءت بها السنة وجدت عنه من الأفهام المنحرفة التي أبعدتهم كثيرا عن الصراط المستقيم الذين جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والذي رسمه الله تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) سورة الأنعام آية (153).
فكثير من الناس تفرقوا شذر مذر واتبعوا السبل التي على رأس كل سبيل منها شيطان يدعوا الناس إليها من أجابهم إليها قذفوه في النار فهؤلاء يعتقدون في الجن هؤلاء يعتقدون بالأولياء والمقبورين والصالحين وهؤلاء يعتقدون بالأشجار والأحجار والشموس والأقمار والسحرة والمشعوذين كما هو معروف من أحوال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كل هذا نتيجة عدم الاستسلام التام للنصوص الشرعية التي جاء بها القرآن أو جاءت بها السنة .
إذا من الخصائص والميزان لهذا الدين أنه يعتني بتصحيح العقيدة لمن استسلم له لمن ارتضى به سلم له ظاهرا وباطنا .
أيضا أن هذا الدين من ميزاته أنه بجمع بين إصلاح النفس ظاهرا وباطنا فلا يعتني بالباطن دون الظاهر أو العكس بل الدين اعتنى بالظاهر كما أنه اعتنى بالباطن فمن اعتني بالظاهر دون الباطن فهو منحرف ومن اعتني الباطن دون الظاهر فهو منحرف فدين الإسلام دين التميز دين الوسطية ودين الاعتدال لا يطغى فيه شيء على شيء ومن هنا جاء قول النبي صلى الله وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال :((إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ))[1].
فالإسلام لم يعتن بالباطن أو بالنفس فقط أو بالقلب لم يعتن أيضا بالظاهر أو بالشكل فحسب بل اعتنى بالأمرين معا وهذه من الميزات التي تميز بها هذا الدين .
لو جئت مثلا إلى الرهبانية وجئت مثلا إلى البوذية أو ما شاكل ذلك تعتني بالروح دون الظاهر وإن كان الظاهر في ديننا عنوان للباطن كما قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) [2].
من ميزات هذا الدين أنه أقام الحجج والبراهين ودفع الشبه وناقش كل إنسان في قلبه أو في عقله ومن هذا الشبهات أو هذه الأمراض ناقشه بكل بوضوح وبكل تجرد ناقش كل فتى وكل إنسان بتلك الحجج والبراهين ودحض كل الشبه من أجل أن يقيم والحجة على الناس قال الله تعالى : ((لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )) سورة النساء آية (165).
فهذا الدين فيه من الوضوح ما فيه ليس فيه التباس ليس فيه غموض ليس فيه بعض الألفاظ التي تجر الناس كلهم وإن كان ثمة نصوص قليلة فيها شيء من الغموض فالمرجع فيها إلى أهل العلم كما قال سبحانه وتعالى :
((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) سورة النحل آية (43).
وقال سبحانه وتعالى :((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) سورة آل عمران آية (7).
أيضا: من ميزات هذا الدين عموم دعوة النبي عليه الصلاة والسلام موسى عليه وسلم جاء إلى فئة معينه وعيسى عليه السلام إلى فئة معينة وإبراهيم عليه السلام جاء إلى فئة معينة وشعيب عليه السلام جاء إلى فئة معينة .
لكن هذا النبي عليه الصلاة والسلام جاء عامة للناس كما قال صلى الله عليه وسلم : ((وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة))[3]
وقال الله تعالى : ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) سورة سباء آية (28).
فمن خصائص وميزات هذا الدين عمومه وأنه يشمل جميع الناس العرب والعجم وجميع الألوان واللغات يشملهم جميعا .
أيضا من مميزات هذا الدين الدوام و الختام إنه دائم وأنه ختمت به الديانات التي كانت قبلنا وما من نبي من الأنبياء إلا وبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم وكان يقول لقومه:(( يوشك أن يخرج نبي اسمه أحمد فاتبعوه وأمنوا به كما نص على ذلك القرآن الكريم وهو خاتم أي ختم الله به الرسالات كما قال تعالى :((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) سورة الأحزاب آية (40).
وقال صلى الله عليه وسلم :((أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي ))[4].
فهذه مميزات هذا الدين .
أيضا: من مميزات هذا الدين الاهتمام بالقواعد الأصول دون الفروع فإن الفروعيات كثيرة عير متناهية تتجدد بتجدد الزمان المكان والأحداث ولكن اعتني الدين يوضع الضوابط والقواعد والأصول التي يرجع إليها أهل الاستنباط وأهل العلم فما من قضية ترد وما من نازلة تنزل على المسلمين في أي مكان إلا ووجد لها من الضوابط والقواعد والأصول ما يرجع إليها .
في تنزيل الحكم بالشريعة وما وضعت هاهنا إلا من أجل أن تحكم الشريعة والحكم والحاكم إنما يصعد لإقامة الدين وسيادة الدنيا والناس بهذا الدين فينزل الأحكام على جميع المؤسسات إعلاميا واقتصاديا وسياسيا داخليا و خارجيا وفي مجال القضاء إلى آخر ذلك ينزل هذه الأحكام في كل هذا المؤسسات من أجل أن تدار الحياة وفق هذا الدين فالتزام واضح في ديننا بين الشريعة والسلطان وإن كان الأب يورد إلينا من هذه الأفكار التي يريدون من خلالها فصل الدين عن الدولة يريدون من خلالها أن تطبق أنظمة الغرب في بلاد المسلمين ينحي القرآن و ينحى السنة وتصبح بعد ذلك القضية مثل ما عندهم دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر وقضية التدين هذه تصبح حرية شخصية فمن شاء دين من شاء فلا شيء عليه.
والبوادر على كل حال واضحة الملامح في هذه الآونة المتأخرة بالذات .
إذا فما هو التدين الحق الذي أمرنا الله تعالى به.
وأيضا : نشأ عن الخلط والخيط والخطأ في فهم التدين بعض المفاهيم الخاطئة وهذه ظاهرة للعيان تحتاج إلى شيء من العلاج من هذه المفاهيم الخاطئة أن الناس يعني يخصصون التدين بفئة معينة وهذا نتج عن الفهم الخاطئ للتدين فعندهم التدين من له شكل خاص مظهر خاص وطريقة خاصة وكأن البقية ليس لهم دخل ولا تدخل بقضية الدين ومن هنا نشأت مصطلحات قديما وحديثا فكان في السابق على سبيل المثال أذكر وأنا صغير في الابتدائية كان يقال للشخص الذي فيه ملامح التدين إخوانجي وهذه طبعا جاءتنا من مصر وشاعت وانتشرت بين الناس إخوانجي يعني منتسب للخوان المسلمين وكأن هذا الصنف مارق عن الاعتدال ومارق عن التدين الحق .
ثم ظهرت ثورة الخميني فصار يقال للناس خميني وهكذا يتحدث وصارت اليوم بفلان مطوع و فلان متمسك و فلان مشدد ومن أخرها أصولي وإرهابي كل من ظهر عليه ملامح التدين يقال هذا أصول وهذا إرهابي وكأن بقية الناس لا علاقة لهم بالدين ومن هنا نشأت مفاهيم أخرى لعلنا نتعرض لها.
هذا التخصيص للدين والتدين بفئة معينة من الناس أظهر عند الله نوع من أنواع التحزب تحزب الناس الآن يظنون أنه محصور في السبع والأربعين حزبا خلاص وانتهى لا هناك نوع من التحزب وإن كان لا يسمى بهذا المسمى ولكن يظهر ملامح التحزب الممقوت من ولاء وبراء وبغض ومناصرة وحب من خلال ما أطلقوه عليه بأن هؤلاء متدينون متمسكون ونحن غير متدينين وغير متمسكين يعني مثلا لو أن متدينا وقع في خطأ معين أقاموا الدنيا ولم يعقدوها وكأن هذا المتدين وملاك لا يخطأ ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يعني مثلا ضعفت نفسه فزنا وضعفت نفسه فسرق وضعفت نفسه فشرب الخمر وضعفت نفسه فأكل الربا وضعفت نفسه واشتط غضبه وتكلم بكلام بذيء أقاموا الدنيا ولم يعقدوها و عادك مطوع و عادك ملتحي وملتزم .
لكن نفس الخطأ يقع على إنسان ما به هذه المسحة هذا أمر عادي وأمر طبيعي مالك قال: أنا لست متدين لست متمسك لست مطوع فنشأ حزب هنا وحزب هناك وهذا أمر واضح أن الإنسان ربما في كثير من الحارات يعرف فلان مثلا يشرب الخمر ويشرب المخدرات يؤدي الناس يقولون : هذا طرطور أكرمكم الله ومن تلك الألفاظ ولكن شخص آخر ربما يقع منه أدنى من هذا بكثيرة يقيمون الدنيا ولا يقعدونها وربما تكلم عليه بالصحف والمجلات.
نشأ عن هذا التخصيص أيضا تفريق الناس كما قلنا إلى فئتين نشوء الطبيعية أيضا بين المسلمين رجال دين وناس متفلتين ليس عليهم دين وليس عليهم حساب وليس عليهم نقد ونشأ عن هذا أيضا أن هذا الدين صار مخصصا بفئة معينة حتى صرنا عياذا بالله تعالى مثل غيرنا رجال دين وناس آخرين متفلتين ليس لهم علاقة .
من المفاهيم الخاطئة أيضا التركيز على العبادة الظاهرة وترك أمر الباطن والإسلام جاء لمعالجة الأمرين يعني مثلا تجد بعض الناس يحافظ على الصلوات الخمس جماعة وكأن الدين هذا هو عنده لكن يأكل الربا يغتاب الناس يظلم الناس ينهب يسرق يزور يفعل كل الآثام والجرائم ومع هذا تجده في صلاة الفجر في الصف الأول وكأن هذا هو التدين وما سوى ذلك هذا ليس من التدين يعني عنده سوء الظن بالناس عنده أيضا من إثارة الفتن بين الناس أعمال القلب ما يعتني بها كثير من الناس صار البعض يعتني بالأعمال الظاهرة بالصلاة بالصوم بالأشياء التي يراها الناس أما أعمال القلب التوكل على الله عز وجل الخوف من الله مراقبة الله عز وجل هذا ليس له عناية به وهذا ناتج عن المفهوم الخاطئ للتدين والعبادة كما وصفها بعض أهل العلم إنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأموال والأفعال الظاهرة والباطنة يعني عمل الجوارح وعمل القلب.
أيضا: من المفاهيم الخاطئة المبالغة في الشكليات عند بعض الناس ممن فهم التدين فهما خاطئا الشكليات يعني الإنسان المتدين له مظهر معين بمقاس معين وهذا من الخلط والخبط في فهم التدين النبي عليه الصلاة والسلام لبس الجباب الذي يشبه الكيتان لبس الرداء لبس السروال لبس الإزار ليس لبس العمامة البيضاء والسوداء إلخ.
لم يكن له شكل معين في لباسه ولهذا كان الأعرابي إذا جاء يدخل إلى المكان فيسأل أيكم محمد لأنه غير متميز عن الناس فيقال : هذا هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم لكن الآن لا الآن تجد بعض الناس مثلا لو قلت في دول الخليج مثلا لو أن إنسانا يلبس إزرة و شميز وأخر مثلا بهيئة يمنية لصار هذا ثوب شهرة بين أولئك الناس يعرف به لأن الناس صار عندهم عادة معينة يلبسونها قضية العادة غير وقضية التعبد شيء آخر نحن نتكلم على شيء اسمه تعبد بعض الناس .
إذا قيل له مثل فلان بن فلان صار يلبس البنطال.
قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله عز وجل انحرف هذا الإنسان إن لله وإنا إليه راجعون لو لبس الكوت و الكرفتة قالوا: علق الصليب في صدره وهلم جر .
وما علموا أن العلماء ينظرون لمثل هذه القضايا غير هذه النظرة التي ينظر إليها هؤلاء الناس الدين لم يفهموا حقيقة التدين فبعض الألبسة التي لم تكن معروفة في زمن ما صار الناس يلبسونها وصار من عادات المسلمين وصار من لباس المسلمين وعلى سبيل المثال بالأمس القريب كان هناك ضحية كبيرة في بعض الأماكن حول قضية الكرفتة ثم لما نأتي ننظر إلى الكلام العلماء نستخرج لهم كثير من فتاوى والعلماء الكبار الذين لهم إجلال واحترام في نفوس هؤلاء الناس مثل الشيخ ابن عثيمين وابن باز وغيرهم من اللجنة الدائمة تقول : إن هذا صار من لباس المسلمين يعني من اِلأمور الجائزة لا غبار عليها لكن تأتي ها هنا مسألة أخرى وهي قضية الانتقائية .
فيقال : أخطاؤوا في هذه المسألة فينتقي من هاهنا فتوى ومن هنا آخرى حتى تصير القضية مزاح باختيار وانتقاء الفتاوى على كل حال من الأخطاء التي شاعت في فهم التدين مسألة الشكليات.
الشكليات ترجع إلى العادة ليس فيها أمر تدين أبدا وإنما هي قضية عادات لا بالثوب ولا بالعمامة ولا بأي شيء فيه تدين وتعبد لله تعالى ورد من النصوص أنه صلى الله عليه وسلم قال : ((خير ثيابكم البياض فكفنوا فيها موتاكم والبسوها))[5]
لكن أيضا ورد نص آخر: ((كل ما شئت والبس واشرب ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة ))[6]
بعض الناس يقول: لا العمامة هذه من الدين وصلاة بعمامة بسبعين ألف صلاة هذا من أبطل الباطل منسوب إلى النبي عليه الصلاة والسلام كذبا وزورا وبهتانا والعمامة من العادات الأثواب من العادات الأزر من العادات الأنعلة من العادات كل هذه عادات :((كل ما شئت والبس واشرب ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة ))[7].
وما لم يكن هذا اللباس خاص بالكفار باليهود بالنصارى بالهندوس إلى أخر ذلك .
ألم يكن أيضا ثوب شهرة فقد نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام هكذا بعض الناس ينظر كما قلنا إلى قضية للباس أنها قضية جوهرية وربما حكموا على بعض الناس بالردة والفسق والانحراف والضلال وربما ذهبوا إليه ينصحه لعل الله تعالى أن يرجعه إلى الحق وهو ما فعل منكر ولا ارتكب خطأ لكن نتيجة الفهم الخاطئ في قضية التدين…
أقول قول هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفي وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فإن من المفاهيم الخاطئة التي نشأت عن الفهم الخاطئ للتدين أيضا النزوع إلى بعض الترهيب والإسلام لم يأذن بالترهيب فقط بل جاء بشيرا ونذيرا والإسلام هو دين البشر ليس دينا نصرانيا فالإسلام هو دين التبشير ((بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا))[8] .
بشيرا ونذيرا فبعض الناس من فهمه الخاطئ للتدين يلجأ إلى النصوص ما عنده إلا الترهيب النار الوعيد العقوبة إلخ.
وهذا نزوع وانحراف شديد كما أنه أيضا اللجوء إلى نصوص التي فيها التبشير دون الترهيب أيضا نوع من أنواع الانحراف فالدين قائم على جناحين جناح الترهيب وجناح الترغيب مثل الطير لا يستطيع أن يطير بجناح دون آخر .
فمن الفهم الخاطئ أنك تجد بعض الناس يلجأ إلى هذه النصوص أنه إذا رأى خطأ فلا يعالجه إلا بالترهيب لا يعالجه بالترغيب والترهيب من الأفهام الخاطئة أيضا التشديد والتنفير على النفس وعلى الآخرين والابتعاد عن التيسير والنبي صلى الله عليه وسلم كان كما قالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : (( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا))[9].
فدائما الإنسان إذا اختار الأيسر كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى حيثما كان اليسر فثم دين الله عز وجل ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ…)) سورة البقرة آية (185).
فبعض الناس لا يحسن إلا التعسير والتشديد.
أيضا من المفاهيم الخاطئة التشديد على النفس وإبعادها عن التمتع بملذات الحياة من لباس ومأكل وما شرب ومسكن ومركب إلى أخر ذلك لا يشرد عليها وكأن الدين كامل في هذا فتراه إذا لبس لا يلبس إلا الثياب المتسخة لا يحسن كيف يغسل ثيابه لا يحسن كيف يظهر بالمظهر الجميل لا يحسن كيف يأكل الطعام ولا يحسن كيف يشكل بيته وكيف ينظف بيته لا يحسن هذا.
فالأمور عنده هكذا يمشى على السليقة يعني لو زاد الحرف في قضية معينة صار هذا نوع من أنواع الانقلاب في نظره ونوع من أنواع الانحراف ويعني عياذا بالله تعالى شيء من الآثام.
فلا يحسن إلا دائما أن يعيش في بيئة فيها من التعسير على النفس وعدم إعطاءها ما يريحها فليس هذا من دين الله عز وجل فالنبي صلى الله عليه وسلم كان دائما يختار الأيسر وكان يلبس الجديد وكان يتطيب وكان يدهن وكان يلبس أحسن ما يجد بحسب البيئة الموجودة في بيئته صلى الله عليه وسلم والله جل وعلا قد قال في محكم كتابه: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )) سورة الأعراف آية(31).
والزينة ها هنا فسرت بأنها أحسن ما يجد الإنسان وكان النبي عليه الصلاة والسلام ثياب خاصة جديدة نظيفة يلبسها يتجمل بها الوفود وليوم الجمعة.
من مظاهر الانحراف أيضا والمفهوم الخاطئ للتدين التمسك بالوسائل القديمة في قضايا الدعوة ورفض الوسائل الحديث رفض الوسائل القديمة جملة وتفصيلا وهذا ما جعل المسلمين يتأخرون كثيرا عن غيرهم من الناس فإذا كان اليوم العصر صار عصر التقنية وعصر الالكترونات وصارت يعني التجارة الرائجة في هذا الجانب هؤلاء يرفضون قضية القنوات القضائية يرفضون قضية الإنترنت والمواقع الدعوية وغير ذلك يرفضون الولوج والدخول في مثل هذه الوسائل جملة وتفصيلا فإذا كنت أن مثلا الآن أتحدث مع لو بالغنا نقول : مثلا مع خمسمائة إنسان حاضر الآن فهذه الوسائل الحديث تخاطب ملايين الناس لكن هؤلاء لا يفهمون مثل هذا القضايا.
ومناقشة كثير من القضايا ورد الشبهات التي تثار حول الإسلام في المواقع الإلكترونية والتي يتصفح بعضها أحيانا في اليوم عشرات الملايين من الناس من يحارب هذه الشبه ومن يدفع هذه الشبه إن لم يدخل في هذه المواقع الذين عندهم كفاءات و عندهم خبرة وقدرة على رفع و درء مثل الشبهة فهذا نتج عن الفهم الخاطئ للتدين .
أيضا : رفض تطور الذات في القضايا الإدارية وإحسان والطرق في التعامل مع الناس كم من الدورات التأهيلية التي تعقد هنا وهناك سواء كانت بالفلوس أو بالمجان لكن هذا الصنف من الناس يرفض هذا الكون هذه القضايا ما كانت موجودة في النبي صلى عليه وآله وسلم و لم تكن موجودة في عهد السلف الصالح .
نعم يوجد منها ما هو ابتزاز ونهب لأموال الناس.
أنا لا أشك في هذه ولا منفعة من ورائها يعني نفعها يكاد يكون منعدما لكن لا يعني هذا عدم الاستفادة من الدورات التأهيلية في مجالات متعددة كتنمية المواهب القيادات الإدارية وما شاكل ذلك هذه كلها تنفع الإنسان تغير من نمط حياته و أسلوبه في التعامل مع الناس.
أيضا: من الأخطاء أو المفاهيم الخاطئة في التدين أن بعض المتدينين يتعامل مع الناس بنفسية الحاكم عليه لا بنفسيته الداعية المصلح الرحيم ولهذا كان يقول أحد العلماء قديما: ((إن أهل السنة أعرف الناس بالحق وأرحمهم بالخلق)).
وإنهم ليذكرون من الأدلة التي يحتاج إليها الخصم أكثر مما يذكرها ذلك الخصم نفسه فهم يذكرون الخصم بالأدلة يقولون :هذا الحديث صحيح وهذا غير صحيح لكن على هذه الطريقة وعلى هذه الوتيرة هذه بعض المفاهيم الخاطئة التي نشأت عن الفهم الخاطئ للتدين ولا شك أن مخاطر هذه المفهوم عظيمة جدا على الدين وعل الناس الدين يخاطبهم هذا الشاب الذي يفهم هذه الفهوم الخاطئة فتحتاج إلى معالجات تختلف من شخص إلى أخر.
والحمد لله رب العالمين



اضافة تعليق