تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

الإنفاق في سبيل الله

لقد قسم الله عز وجل الأرزاق بين عباده وفق حكمته البالغة ولا معقب لحكمه فمن الناس من لا يصلح له إلا الغنى ولولا ذلك لكفر ومن الناس من لا يصلح له إلا الفقر ولو أغناه الله لطغى وربما كفر.

الإنفاق في سبيل الله

العناصر:

1- تكليف بني آدم امتحان .

2- المال مال الله عز وجل ونحن مستخلفون فيه

3- اختلاف الناس في الأرزاق .

4- أصناف تجاه أموالهم .

5- وساوس الشيطان لسد باب الإنفاق .

6- فوائد الإنفاق .

7- صور من إنفاق الصحابة .

8- حاجة المسلمين اليوم للمال .

9- صور الإنفاق.

 

 

الحمد لله رب العالمين على فضله وإحسانه خلقنا ورزقنا وأمرنا بالإنفاق مما أعطانا ليدخر ثوابه لنا .

و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ما ترك خيرا إلا وبينه لنا وحثنا عليه ولا شرا إلا ونهانا عنه وحذرنا منه.

صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وسلم تسليما كثيرا…

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى جعل التكليف امتحانا لبني آدم وجعل رضاه فيما كان مخالفا لهواه فمن انساق وراء هواه لم ينجح ومن خالف هواه نحج وفاز.

وإن من أبلغ الامتحانات التي امتحن الله عباده مما يخالف الهوى إنفاق المال في سبيل الله عز وجل فالمال شقيق النفس قال تعالى ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) سورة التوبة آية (111).

 

إخوة الإسلام :

لقد حث الله سبحانه وتعالى عباده بالإنفاق في سبيله ودعاهم إلى التجارة الرابحة معه سبحانه فقال : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11))) سورة الصف الآيات (10-11).

قال سبحانه : ((هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ))سورة التوبة آية (38).

ووعدهم إنهم فعلوا ذلك بالثواب العظيم فقال سبحانه: ((مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) سورة البقرة آية (261).

 

فالمال ـ أيها الإخوة الفضلاء ـ مال الله ونحن مستخلفون فيه كما قال الله تعالى: ((آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)) سورة الحديد أية (7).

لقد قسم الله عز وجل الأرزاق بين عباده وفق حكمته البالغة ولا معقب لحكمه فمن الناس من لا يصلح له إلا الغنى ولولا ذلك لكفر ومن الناس من لا يصلح له إلا الفقر ولو أغناه الله لطغى وربما كفر.

وقسم الأموال إلى حلال وحرام وجعل من الناس من يبذل الأسباب والجهد فلا ينال إلا القليل ومنهم من يبذل جهدا يسيرا فيعطى أكثر من حاجته ابتلاءً.

ولذلك قال أحد الحكماء : مثل الزرق الذي تطلبه مثل الظل يمشى معك وأنت لا تدركه فإذا وليت عنه تبعك.

فالناس في صرف أموالهم أصناف كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ((الخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال بها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنه انقطع طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر . ورجل ربطها تغنيا وتعففا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهروها فهي لذلك ستر . ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر ))[1]

قال أهل العلم : المال كله كذلك.

فمن الناس من يكون ماله فيه أجر وهو من لم يأخذه إلا من حله ولم يضعه إلا في محله وابتغى به وجه ربه سبحانه وآخر من ماله له ستر وهو من أراد به والتعفف عما في أيد الناس والاستغناء عنهم والحرية والاستقلال في الرأي ولم يأخذه إلا من حله.

ومن الناس من هو عليه وزر وهو ما حصل عليه من غير حله و صرفه فيما لا يرضى الله سبحانه.

 

واعلموا حفظكم الله:

أنه لا يستوي من أنفق في حال الرخاء ومن أنفق في حال الشدة قال الله تعالى ((وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )) سورة الحديد آية (10).

إن الذين ينفقون في وقت الشدة يصدق فيهم قول : النبي عليه الصلاة والسلام (سبق درهم مائة ألف قالوا : يا رسول الله كيف يسبق درهم مائة ألف ؟ قال : رجل كان له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به وآخر له مال كثير فأخذ من عرضها مائة ألف ))[2]

إن الشيطان حريص على صد الإنسان عن الإنفاق في سبيل الله فهو يعد الإنسان بالفقر كما قال تعالى: ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) سورة البقرة آية (268).

فالإنفاق في سبيل الله من الأمور التي يفوت بها الإنسان على الشيطان كيده ثم إنه ينبغي لمن وفقه الله للإنفاق في سبيله أن لا يجاهر بصدقته وأن يحاول إخفاؤها قد الاستطاعة .

قال تعالى : ((إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) سورة البقرة آية (271).

وقال صلى الله عليه وسلم : ((سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه))[3].

ثم اعلموا حفظكم الله أن أعظم الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشي الفقر وتأمل والغني قال عليه الصلاة والسلام وقد سئل أي الصدقة أعظم أجرا :((أن تصدق وأنت شحيح أو صحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا كانت بالحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان ))[4]

فإنك لن تتغلب على محاولة الشيطان إلا عندما تكون صحيحا شحيحا .

كما أنه ينبغي على المنفق أن أينفق من أوسط ماله ويبتعد عن شراره قال الله تعالى : ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))سورة البقرة آية (268).

أي لا تقصدوا السيء من المال المعيب  لتنفقوه في سبيل الله.

أنفق ولا تخشى إقلالا فقد قسمت             بين البرية آجال وأرزاق

لا ينفع البخل مع دنيا مولية                        ولا يضر مع الإقلال أنفاق.

وفي الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام : ((أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ قَالَ فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ))[5]

إن الإنسان الذي ينفق ابتغاء مرضاة الله ينفق ولو وصلت نفقته إلى من لا يستحقها فإنه يثاب عليها ويتقبلها الله منه.

إن للإنفاق في سبيل الله فوائد وثمرات عظيمة منها:

1- رفع الدرجات.

2- سبب من أسباب الغنى.

3- رد البلاء.

4- الزيادة في المال.

5- وضع القبول لصاحبها . وغير ذلك من الفوائد

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

عباد الله تعالى:

تعالوا معا نقلب صفحات نورانية من تاريخ المنفقين لأموالهم في سبيل الله وعلى رأسهم وفي مقدمتهم رسولنا عليه الصلاة والسلام فقد روت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت : ((أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما بقي منها ؟ قالت ما بقي منها إلا كتفها قال بقي كلها غير كتفها ))[6]

وهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها جاءها عطاء وهي صائمة في شدة الحر وكانت قدر عشرة آلاف درهم فوزعته في مجلسها ولم تمسك من شيء .

وهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان تاجرا فأتته عير في عام المجاعة تحمل أنواع الأرزاق والبضائع فأتاه تجار المدينة  يساومونه  في العير الدينار بدينار والدرهم بدرهم  فقال : قد أعطيت كثر من ذلك فقالوا : نجعل عن الدرهم درهمين وعن الدينار دينارين فقال : أعطيت أكثر من ذلك .

فقالوا نحن تجار المدينة وليس فيها من سوانا فمن أعطاك أكثر من ذلك؟

فقال :ربي أعطاني عشرة أضعاف ما قلتم .

فأنفقها بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله.

وهذه زينب بنت جحش رضي الله عنها التي كانت تكنى بأم المساكين لإنفاقها على المساكين .

وهذا على بن الحسين رضي الله عنهما ينفق على مائة بيت من فقراء المدينة وكانوا لا يعلمون أنه الذي ينفق عليهم رضي الله عنه .

وهذا عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ينفق على فقراء المدينة وفقراء مكة وعلى فقراء الحجيج وعلى فقراء أهل الشام.

وهذا الزهري رحمه الله كان من الأجواد المشاهير وكان يكثر من الإنفاق على طلاب العلم .

وهذا عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى كان إذا خرج إلى الحج أخذ من رفقته الحجاج أموالهم فإذا رجعوا من الحج رد عليهم أموالهم كلها.

 

عباد الله :

إن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلى الإنفاق فقد تكالبت عليهم الحاجة من كل حدب وصوب فالفقر جاثم على صدور أهل هذه البلاد واليتم في هذا البلاد يستعر والأرمل في الأزقة تنتشر من أجل أن تشحذ للقمة العيش حتى العاملين والموظفين رواتبهم لا تكلفيهم فعلى من وسع الله عليهم أن يتفقدوا إخوانهم وينفقوا من أموالهم في سبيل الله فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ))[7]

إن كثيرا من المسلمين اليوم يحتاجون إلى نفقاتكم سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.

أيها لأخوة الكرام :

جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ))[8].

فانفق ينفق الله عليك .

اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت يا أرحم الراحمين.

والحمد الله رب العالمين.

 

 


[1]– البخاري 2/835

[2] – صحيح ابن خزيمة 4/99

[3] – البخاري 2/517

[4] – مسند الأمام أحمد 2/447

[5] – البخاري 5/2366

[6] – سنن الترمذي 4/644

[7] – مسلم 4/1999

[8] – البخاري3/469

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق