الخطبة مسموعة : [audio:00202.mp3]
إن حسن الاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – سبيل موصل إلى رضوان الله تعالى – وموصل إلى جنات النعيم ولا يمكن لأحد من الناس مهما كان علمه ومهما كانت مكانته أن يدرك مراد الله تعالى – إلا عن طريق رسوله- صلى الله عليه وآله وسلم –…
خطبة بعنوان : الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم – الأسوة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
فإن حسن الاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – سبيل موصل إلى رضوان الله تعالى – وموصل إلى جنات النعيم ولا يمكن لأحد من الناس مهما كان علمه ومهما كانت مكانته أن يدرك مراد الله تعالى – إلا عن طريق رسوله- صلى الله عليه وآله وسلم – فإن الله تعالى أوكل للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – أن يبين للناس ما أنزل إليهم قال سبحانه وتعالى (( … وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) سورة النحل آية (44) وهنالك بعض الآيات والأحكام في كتاب الله تعالى لا يستطيع الإنسان أن يفهم مراد الله تعالى منها إلا بواسطة سنة رسوله- صلى الله عليه وآله وسلم – التي نقلت إلينا عن طريق أصحابه الكرام –رضي الله عنهم –وتم نقل ذلك من التابعين عن أصحاب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – حتى وصل الأمر إلينا واضحاً جلياً مدوناً بتلك الكتب التي اتفقت الأمة بجميع طوائفها على تواتر صحتها إلى من كتبها وإلى من نقلها حتى أولئك الخصوم على سيبل المثال لا ينكرون أن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى – هو الذي صنف كتابه الجامع الصحيح أو أن أبا داود السجستاني رحمه الله تعالى – هو الذي ألف كتابه السنن فجميع الطوائف التي تنتسب إلى الإسلام تقر بذلك . إن حسن التأسي بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – أمر تعبدنا الله تعالى – به قال سبحانه وتعالى ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)) سورة الأحزاب آية (21 )
ويقول سبحانه وتعالى ((وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) سورة الحشر آية (7) ويحسن بنا ونحن في بداية عام هجري جديد أن نتذكر هذه القضية وأن نمعن النظر فيها وأن نتدبر فيها حالنا مع التأسي بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – إن حياته صلى الله عليه وآله وسلم – كلها أسوة وقدوة في جميع حركاته وسكناته لم يكن ثمة شيء في حياته- صلى الله عليه وآله وسلم – مغلقاً لم تكن أي قضية في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم – غير معروفة اللهم إلا ما كان مخفي عن إفشائه وعن إظهاره ويعرفه المرء طبيعة وسليقة أو كان من الأمور العادية التي لا يحتاج فيها الإنسان إلى تأسي ولا يحتاج فيها الإنسان إلى قدوة فقدوة المسلمين رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم – لا قدوة لهم سواه مهما كانت مكانة هذا الإنسان لا صحابي من أصحابه ولا ولد من أولاده ولا عالم من علماء الأمة لا أسوة في أحد من هؤلاء لأن هؤلاء مطلوب منهم التأسي بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – وإذا تأسينا بواحد من هؤلاء الصالحين إنما نتأسى به لأنه كان متأسياً بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حياة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – ليس فيها أمر غامض إطلاقاً حياته صلى الله عليه وآله وسلم – نعرف منها ما لا نعرف من حياة آبائنا وأمهاتنا وأبنائنا وأقرب الناس إلينا هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – كان بسيطاً في حياته لقد كان المترفون يعيشون في حياته فكانوا يأكلون أفضل الأطعمة ويلبسون أفخر الثياب ويتطيبون بأطيب الطيب لكنه صلى الله عليه وآله وسلم – جعله ربه سبحانه – أسوة لعامة الناس فعامة الناس من الطبقة البسيطة والفقيرة ولو أراد صلى الله عليه وآله وسلم – أن يكون كعلية القوم لاستجاب الله تعالى – له مطلبه ولقد جاءه جبريل عليه السلام – قال له : لو شئت لجعلت لك جبال مكة ذهباً وفضة هكذا خير -صلى الله عليه وآله وسلم – بين أن يكون ملكاً نبياً وبين أن يكون عبداً رسولاً فأشار إليه جبريل – عليه السلام – بالتواضع فقال : بل عبداً رسولاً أجوع يوماً فأصبر وأشبع يوماً فأشكر حياته- صلى الله عليه وآله وسلم – كانت في غاية البساطة فكان يأكل من الطعام ما أتاه لك يكن يتخير أفخر الأطعمة ولا أفخر الأشربة بل كان يأكل مما جاء فقد جاء في الحديث أنه -صلى الله عليه وآله وسلم ((ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه))[1] كان صلى الله عليه وآله وسلم – يمر عليه ثلاثة أشهر لا يوقد في بيته النار قيل وما تأكلون قالت : نأكل الأسودين التمر والماء كان من تواضعه في مأكله أنه كان يقول : ((لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت))[2] كراع الشاة ما عسى فيه يهدى للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – فيقبله بل يثيب عليه بل يدعو لصاحبه . كان- صلى الله عليه وآله وسلم – متواضعاً في ملبسه فكان يلبس مما يلبس عامة الناس يلبس إزاراً ورداءً وكان يلبس أحياناً جبة يتجمل بها للعيد والوفود الذين يفدون عليه – صلى الله عليه وآله وسلم – كان متواضعاً مع جميع الناس كان يجلس في مجالس المنافقين ويجلس في مجالس الكفار ففي ذات مرة دخل على مجلس فيه خليط من المسلمين والمنافقين فخمر عبد الله بن أبي بن أبي سلول أنفه وقال لا تغبر علينا مجلسنا ولا تغشانا في مجالسنا بعد أن سلم عليهم- صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول أحد المسلمين : بل أغشانا يا رسول الله في مجالسنا هذا رسول الله تعالى في تواضعه تأخذ الجارية بيده- صلى الله عليه وآله وسلم – فتطوف به في المدينة كلها ليقضي لها حاجتها حتى يوصلها إلى أهلها ولا يردها ولا يقول لها أنا مشغول وأنا بالمكانة التي تضنيها أنا رسول الله بل كان متواضعاً – صلى الله عليه وآله وسلم – هذا رجل من الأعراب يأتيه فيأخذ بتلابيبه ويهزه هزاً شديداً ويقول له : أعطني من مال الله ليس من مالك ولا مال أبيك فما يكون منه إلا أن يتواضع- صلى الله عليه وآله وسلم – ما كان ثمة حرس يأخذون هذا ويضربون ذاك ويزجون به في السجون بل يقول لهم : أعطوه فيقول هذه الأعرابي : أعطيت فما وفيت فيقول : زيدوه فيزاد ويزاد حتى يقول له : أرضيت فيقول : نعم رضيت هذا من تواضعه- صلى الله عليه وآله وسلم – كم أوذي صلى الله عليه وآله وسلم – في نفسه وعرضه ومع هذا لم يكن لينتصر لذاته ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله تعالى – انظروا إلى سكنه كان يسكن في غرف بسيطة وكان- صلى الله عليه وآله وسلم- إذا أراد أن يصلي من ضيق الغرفة كانت زوجته عائشة- رضي الله عنها – تمتد أمامه فإذا أراد أن يسجد غمزها من أجل أن تلف رجلها ليسجد- صلى الله عليه وآله وسلم- غرفة في غاية من البساطة والواضع مع أن من حوله المترفين مع أن من حوله من سكان القصور من الأمراء ومن الزعماء كانت قصورهم في غاية من الفخامة هذا أحد الصحابة يدخل على بيته- صلى الله عليه وآله سلم – وقد أثر الحصير على جنبه -صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول يا رسول الله : ألا تدعو الله تعالى أن يوسع عليك فإن أصحاب فارس والروم يعيشون ويسكنون وينامون في وثير الفراش فقال صلى الله عليه وآله وسلم _ هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة لو شاء صلى الله عليه وآله وسلم – لشرب في أواني الذهب والفضة ولأكل في ملاعق الذهب والفضة لكن من تواضعه- صلى الله عليه وآله وسلم – وأن هذا لا يليق به بل ولا بأتباعه من المتعبدين لله عز وجل – حرم ذلك -صلى الله عليه وآله وسلم – أيضاً كانت حياته في غاية من التواضع كيف لا وهو الذي يقول للمسلمين من تواضع لله رفعه الله تعالى كان يجلس كما قلنا مع الفقراء والعبيد الذين هم في الطبقات الدنيا وكانت قريش تقول له : إنا نحب أن نجلس في مجالسك لو أنك تطرد هؤلاء الناس لا نريد أن يؤذينا بروائحهم ولا أن ننظر في وجوههم فهم من طبقة العبيد الذين كان بعضهم من يخدمنا فأنزل الله تعالى قوله ((وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ )) سورة الأنعام آية (52) من أحب من هؤلاء أن يأتي فليأت مع هؤلاء الناس ليتواضع وليأت ليسمع خطاب الله تعالى – مع هؤلاء الناس ولما جاءه ابن أم مكتوم وكان قد أعرض عنه- صلى الله عليه وآله وسلم – رغبة منه في أن يسمع النخب من قريش عاتبه الله تعالى فقال سبحانه ((عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى )) سورة عبس الآيات من (1-4) تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم – أنه كان يعيش مع جميع طبقات الناس لم يكن يعيش في غرف مغلقة ولا في قصور عاجية إنما كان يعيش مع الناس وكان يعايش همومهم -صلى الله عليه وآله وسلم – ومن تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم – ما حدث له من ذي الخويصرة حينما قسم -صلى الله عليه وآله وسلم – غنائم حنين فقال هذا الرجل :إن محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – ما عدل إنما وجد نسبه فأعطاهم وما أعطاكم فقال له : اعدل يا محمد فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى – والله لو كان هذا الكلام لمن أدنى من الملوك اليوم والرؤساء والسلاطين والزعماء لطارت رقبة هذا الإنسان ولزج به في السجون ولاقى ألواناً وأصنافاً من العذاب لأنهم لا يبالون بشيء إلا بزعامتهم وكراسيهم إلا من رحم الله تعالى – فيغض الطرف عنه -صلى الله عليه وآله وسلم – يغور عمر فيقول : يا رسول الله إذن لي أن أضرب عنق هذا المنافق فيقول : صلى الله عليه وآله وسلم : لا ؟ لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه وغنه ليخرج من ذرية هذا أناس تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لقد كان هذا الرجل المعارض لقسمته صلى الله عليه وآله وسلم- كانت سجدته في جبهته كركبة الجمل وكان قد نحل جسمه من كثرة الصيام وصدق- صلى الله عليه وآله وسلم – لقد خرجت من ذرية الخوارج وقاتلهم علي- رضي الله عنه – في تلك الوقعة المعروفة لقد كانت حياته- صلى الله عليه وآله وسلم – في غاية من العدل يأتي أسامة بن زيد -رضي الله عنه – ليشفع في المخزومية التي سرقت لم يتجرأ أحد من الناس أن يشفع لها فيغضب – صلى الله عليه وآله وسلم – أتشفع في حد من حدود الله تعالى – والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها هذا عدله هذه حياته- صلى الله عليه وآله وسلم – أين قضاة اليوم وحكام اليوم من حياته- صلى اله عليه وآله وسلم – أتظنون أن الأسوة في رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – هي لعامة الناس إن ثمة قواسم مشتركة في التأسي بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – موزعة بين عليه القوم بين الرؤساء والوزراء والمسئولين والقضاة وعامة الناس والمدراء وصغار الموظفين والرجال والنساء والأطفال هذه أسوة لجميع الناس لجميع من آمن بالله وباليوم الآخر ثم إنه أيضاً- صلى الله عليه وآله وسلم – كان يقول للناس : إنكم تختصمن إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته فأقضي بما أسمع فمن اقتطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما اقتطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها حياته- صلى الله عليه وآله وسلم – كانت واضحة كل الوضوح في الخارج وفي الداخل أما في الخارج فالناس يشاهدونه ويشاهدون حياته- صلى الله عليه وآله وسلم – أما في داخل بيته فليس ثمة شيء محجوب لأن الله تعالى أمر نساءه- رضي الله عنهن- أن يذكرن وأن يوضحن ما يدور للناس من حياته- صلى الله عليه وآله وسلم – كما قال الله تعالى ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)) سورة الأحزاب آية (34) الحكمة هي سنته- صلى الله عليه وآله وسلم – كيف كانت حياته- صلى الله عليه وآله وسلم – الناس اليوم أغلقوا عليهم أبوابهم لا ندري ماذا يصنعون ؟ لكن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – ترصد الأبواب وعندنا أخباره- صلى الله عليه وآله وسلم – كي نتأسى به -صلى الله عليه وآله وسلم – كان إذا دخل بيته أول شيء يفعله أنه يستاك من أجل أن يكون رائحة فمه طيبة من أجل ألا يؤذي أحداً فهو الطيب الطاهر الذي ضرب أروع الأمثلة في حياته في نظافة مظهره وبدنه في تطيبه- صلى الله عليه وآله وسلم – مع بساطة الحياة في ذلك الوقت تقدم المائدة يقسم على إحدى زوجاته إلا أن تأكل من هذا اللحم فتأكل وتنهش نهسة واحدة ثم تضعه فيأخذه -صلى الله عليه وآله وسلم – فوضع فهمه حيث وضعت فمها ويأكل منه ملاطفة وملاعبة لها- صلى الله عليه وآله وسلم – وقبل خروجه للصلاة كان يقبلها وكان أملك الناس لإربه عن عائشة- رضي الله عنها – قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم -يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه))[3]
كان يغتسل هو وعائشة- رضي الله عنها – من إناء واحد ويقول لها : دعي لي وتقول له : دع لي هذه كلها حياة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – نتأسى به ونقتدي به -صلى الله عليه وآله وسلم – كانت إذا حاضت امرأته أمرها أن تتزر إلى ما فوق ركبتها فيتمتع بها- صلى الله عليه وآله وسلم – إيغالاً في مخالفته لليهود الذين كانت المرأة إذا حاضت طردوها من البيت إن هذا غاية من الامتهان للمرأة ومن الاحتقار لهذه المرأة بل كانت المرأة في الإسلام تغسل الثوب وتطهو الطعام وتعيش في البيت وتنام مع زوجها ويستمتع بها زوجها ما دون الجماع هذه الحياة لا نعرفها إلا عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – ما نعرف حياة أحد مثلما نعرف حياته -صلى الله عليه وآله وسلم – إنه كان- صلى الله عليه وآله وسلم – في أخلاقه المثل الأعلى في تواضعه في توازنه لم يكن- صلى الله عليه وآله وسلم – مغرقاً في جزئية من حياته إطلاقاً وإنما كان يصلي وينام ويصوم ويفطر ويتزوج النساء وكان يدخل ويخرج ويكسب الرزق ويمشي في الأسواق ويتعامل مع الناس ويستقبل الوفود ويجهز الجيوش ويربي الصغار والكبار والذكور والإناث على طاعة الله ويفض الخصومات بين الناس يربي أصحابه رضي الله عنهم – التربية المتوازنة التي ليس فيها خنوع وخضوع إلا لله تعالى – ثم لسنته- صلى الله عليه وآله وسلم – لم يرب أتباعه على السمع على أن يكونوا خانعين على أن يكونوا ضعفاء على أن يكونوا مغلقين لعقولهم بل كانوا يناقشون في أكثر من قضية بل كان هو- صلى الله عليه وآله وسلم – يطرح القضايا من أجل المشاورة وقد كانوا يقولون له : هل هذا المنزل في هذه المعركة أنزلك الله إياه أم أنه الحرب والخدعة والمكيدة فيقول : بل هي الحرب والخدعة والمكيدة لأنه لو كان إنزال من الله تعالى – فلا كلام لكنه لما كان الحرب والخدعة والمكيدة قالوا له : ليس بمنزل سليم علينا أن نتقدم فنترك الماء وراءنا فنشرب ولا يشربون فيأخذ بالرأي- صلى الله عليه وآله وسلم – فلم يتعنت عليهم بل في أكثر من موقف كانوا يأخذون ويردون وكان- صلى الله عليه وآله وسلم – يعلمهم هذا الطريق طريق الشورى التي أمر الله تعالى بها إنه- صلى الله عليه وآله وسلم – كان في غاية من المرح لم يكن متوجماً ولم يكن متجهماً وإنما كان وجهه منبسطاً لكل أحد هاهو ذا يمشي في الطريق فيجد صغيراً من الأبناء وكان هذا الطفل يلعب بطير صغيراً وكان كل ما مر- صلى الله عليه وآله وسلم – وجده يلعب وفي يوم خرج فلم يجد هذا الطير معه ووجده يبكي فقال له- صلى الله عليه وآله وسلم – ملاطفاً يا أبا عمير ماذا فعل النغير طير صغير فيقول : مات يا رسول الله ينظر- صلى الله عليه وآله وسلم – يوماً إلى عجوز فيقول- صلى الله عليه وآله وسلم – ملاطفاً لها إنه لا تدخل الجنة عجوز فتبكي وتصرخ فيقول لها : إن الناس إذا دخلوا الجنة يصيرون شباباً فتستريح وتبتسم وفي الحديث عنه- صلى الله عليه وآله وسلم-
أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية من البادية فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج فقال النبي صلى الله عليه وسلم
إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه ) . وكان صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلا دميما فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال : من هذا ؟ أرسلني فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يشتري هذا العبد ؟ )
فقال : يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
لكن عند الله لست بكاسد ) . أو قال : ( أنت عند الله غال ))[4] هذا كانت حياته- صلى الله عليه وآله وسلم – وليس ككثير من الناس أنه دائماً متجهم الوجه أنه دائماً يكشر عن أنيابه كان صلى الله عليه وآله وسلم في غاية من ملاحظة أمور الناس ومتابعتها أولاً بأول يسمع الناس ضجة في المدينة وجبة سقطة كأنها سقطة جبل فيخاف الناس ويهابون فيهرع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قبل هؤلاء ويأخذ الفرس مؤتزرا فقط وينطلق قبل الناس إلى موقع الحدث فيرجع- صلى الله عليه وآله وسلم – والناس في الطريق فيقول : ارجعوا لن تراعوا لن تراعوا ليس ثمة شيء مخيف وإن وجدته لبحراً أي ذلك الحصان الذي ركبه -صلى الله عليه وآله وسلم- سمع بمرض غلام يهودي كان يخدمه فجاء يزوره ويقول لهذا الغلام : قل لا إله إلا الله فينظر الغلام إلى وجه أبيه كالمستأذن فيقول : أطع أبا القاسم فيقول هذا الغلام : أشهد أن إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقبض روحه في الحال فيخرج- صلى الله عليه وآله وسلم – فرحاً مسروراً ويقول الحمد لله الذي أنقضه بي من النار زار أبا طالب عمه- صلى الله عليه وآله وسلم – في مرض موته كما تعرفون وكان يزور سعداً في الخيمة التي ضربت له في المسجد هذه حياة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لنا فيه الأسوة والقدوة في عبادتنا كما قال صلى الله عليه وآله وسلم (( … وصلوا كما رأيتموني أصلي…))[5] وكان يقول في الحج ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه))[6]
في الذكر كلنا يذكر كما كان يذكر- صلى الله عليه وآله وسلم – نتبعه ولا نبتدع أذكاراً من عند أنفسنا . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم منكل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد :
فأقول مرة أخرى إنه ليس لنا أسوة غير رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم – هو الذي تعبدنا الله تعالى بأن نتأسى به وقد كان المسلمون من قبلنا يتأسون به -صلى الله عليه وآله وسلم – حتى أن بعضهم كان يحب الشيء لحب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – له من ذلك أن أنساً- رضي الله عنه – كان يرى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – يحب أكل الدباء فيقول أنس : والله لقد أحببت أكل الدباء منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – يأكلها ويحبها .عبد الله بن عمر الذي أشتهر أنه كان شديد التأسي بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – حتى في أمور العادة التي ليس فيها تقرب ولا تعبد لله- عز وجل – من ذلك أنه كان ينزل في أسفاره في المكان الذي نزل فيه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – والنبي صلى الله عليه وآله وسلم – ما نزل هذا المكان تعبداً وإنما نزل فيه أنه تعب أو أن الوقت حان للنزول بل كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما – يذهب ليبول في المكان الذي بال فيه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – طبعاً ليس هذا تعبداً ولا تأسياً ولا تقرباً وإنما أتباع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – حذو القذة بالقذة لقد حنقت اليهود وغضبت أشد الغضب من هذا التأسي فقالت : لقد علمكم نبيكم- صلى الله عليه وآله وسلم – كل شيء قال سلمان – رضي الله عنه- نعم حتى قضاء الحاجة أمرنا ألا نستقبل القبلة ببول أو غائط ولا نستدبر ها يعني أسوتنا بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – كما يعبر بعضهم من كرسي الحكام إلى كرسي الحمام أما كرسي الحكام (( … إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ…)) سورة يوسف آية (40) وكرسي الحمام لا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط وما بين ذلك تأسي به -صلى الله عليه وآله وسلم – مآتمنا – أيها الإخوة – كيف نتأسى بها بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم ؟ كما فعل رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم – قتل جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه – ويجتمع الناس النساء والأطفال يبكون على موته والنبي صلى الله عليه وآله وسلم – ما يقول إلا : حسبنا الله ونعم الوكيل إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ترسل له فاطمة تقول له تعال فإن ابني على شفا الموت يرجع الرسول فيقول : قل لها إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب مجيء أنا لا يرد من قضاء الله تعالى شيئاً فتقول : إلا أقسم عليك إلا أن تأتي فيأتي فيأخذ الصغير ونفسه تقعقع حتى خرجت روحه وصعدت إلى خالقها فيذرف دمعاً – صلى الله عليه وآله وسلم – فيقال له : ما هذا يا رسول الله تبكي وقد نهيتنا ؟ فيقول : إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن لكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا ابنه إبراهيم يتوفى فينظر إليه صلى الله عليه وآله وسلم – فما يقول إلا مثل هذا الكلام إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإن لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ماتت من بناته صلى الله عليه وآله وسلم – من ماتت ومع هذا ما كان إلا أن يقول : حسبنا الله ونعم الوكيل وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم – في الحديث عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : أما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أخلق الله له خيرا منها قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ))[7] فإذا تذكرت مصيبة فلا تقولن إلا حسبنا الله ونعم الوكيل دمعت العين لتدمع العين حزن القلب ليحزن القلب ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا نهى صلى الله عليه وآله وسلم – عن شق الجيوب ونتف الشعر ولطم الخدود لأن هذا فيه تسخط لقضاء الله تعالى وقدره إن من الطوائف من ابتدعت هذه الأيام في تأبين مقتل الحسين – رحمه الله تعالى – كلنا يحزن لمقتل الحسين- رضي الله عنه – إننا نحزن لموت مسلم عادي كيف إذا كان عالماً كيف إذا كان من أسرة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – لكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا إن ما نلاحظه ونشاهده على الشاشات إنما هو تشويه بالإسلام لطم الصدور والخدود خمشها ذبحها بالسكاكين ذكوراًً إناثاً أطفالاً ليس هذا من الإسلام في شيء أبداً إنما هو ابتداع لقد مات أبو الحسين- رضي الله عنهما -مقتولاً وهو خارج يوم جمعة إلى صلاة الفجر ومع هذا نجد هؤلاء الناس لا يحزنون لموته وأبوه أفضل منه لقد قتل عثمان ظلماً – رضي الله عنه – ومع هذا لا يحزنون عليه وقتل عمر- رضي الله عنه – قتله أبو لؤلؤة المجوسي الذي يزعمون أن قبره عندهم وهم يعظمونه مع هذا لا يحزنون لموت عمر- رضي الله عنه – أقول مرة أخرى كلنا يحزن لمقتل الحسين- رضي الله عنه – لكن لا نقول إلا ما يرضي الرب- جل جلاله – لا نبتدع ولا نأتي بطرائق شتى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم – مات ومع هذا لا نجد هؤلاء يحزنون عليه كما يحزنون على الحسين- رضي الله عنه – أهذا تأسي بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم ؟ إنه الحب الكاذب ينبغي أن نكون متأسين ومقتدين بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – من الاقتداء والتأسي بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – أن نصوم يوم التاسع ويوم العاشر لأنه صلى الله عليه وآله وسلم – صامه وأرشد لصيامه هكذا لمن كان متأسياً بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم – وصوم يوم عاشوراء لا علاقة له بمقتل الحسين- رضي الله عنه – بل مبدؤه قبل أن يوجد الحسين – رضي الله عنه- حينما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم – إلى المدينة فوجد اليهود يصومونه قال : لماذا تصومونه ؟ قالوا : هذا يوم أنجى الله تعالى فيه موسى – عليه السلام – من فرعون فقال : نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصومه وقال : لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعشر مخالفة لليهود فغداً هو التاسع وبعد غد العاشر فعليكم يا معشر المسلمين أن تصوموا هذين اليومين تأسياً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم – ونيلاً للفضل والأجور فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم – ((صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله))[8] ولقد حاول الروافض أن يروجوا لهذه البدعة الشنيعة المنكرة فكذبوا على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- ولا تكاد أحاديثهم تصل إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – من هذه الأحاديث التي كذبوها قالوا : إن الشمس كسفت حتى بدت النجوم في السماء وهذه كذب وزور وبهتان قالوا : إنه لما قتل الحسين – عليه السلام- ما أخذ حجر إلا ووجد الدم تحته ما ندري كم مد الحسين هذا ؟ إن الدم الذي في الإنسان 5/ 6 لترات لكن دم الحسين – عليه السلام – توسع حتى وجد تحت كل حجر قالوا أيضاً كذباً إن أرجاء السماء صارت حمراء من دم الحسين – عليه السلام – قالوا : كانت الشمس تطلع وكأن شعاعها دم وقالوا : إن الأرض أظلمت ثلاثة أيام ونحن نريد إثبات هذا من التاريخ قالوا : إن الفاطميين في مصر ادعوا أن رأس الحسين عندهم في مصر ونصف جثته في الأردن ورجليه قالوا : في العراق فما ندري كم كان طول الحسين – عليه السلام ؟
أيها الإخوة : التأسي بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – سبيل المؤمنين وأما الابتداع سواء في الصلاة أو في الأذكار أو في المآتم أو في جميع ما يعيشه الإنسان فهذا مما لا علاقة به بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم- ولا بالتقرب إلى الله عز وجل – ولا يقبل الله تعالى من العمل إلا ما كان خالصاً صواباً على سنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم .
اللهم استر عيوبنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .




اضافة تعليق