تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

غرس العقيدة في الطفل

الخطبة مسموعة : [audio:00213.mp3]

إن نعمة الأبناء نعمة عظيمة ولذلك وجب شكر الله- تعالى – على هذه النعمة الجليلة ووجب رعاية هذه النعمة التي أنعم الله – بها على عبادة فكانت قضية التربية هي القضية التي تؤرق الأمم…

خطبة بعنوان : غرس العقيدة في الطفل

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

فإن الله تعالى – جعل المال والبنين زينة لهذه الحياة فقال – سبحانه – ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً )) سورة الكهف آية (46)

إن نعمة الأبناء نعمة عظيمة ولذلك وجب شكر الله- تعالى – على هذه النعمة الجليلة ووجب رعاية هذه النعمة التي أنعم الله – بها على عبادة فكانت قضية التربية هي القضية التي تؤرق الأمم ذلك لأن هذا الإنسان مهمته على هذا الكون عظيمة تقتضي إعداداً مسبقاً لكي يقوم هذا الإنسان بهذه المهمة على الوجه الذي يتطلب منه من أجل ذلك كانت مرحلة الطفولة هي أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان من أجل هذا لزم أن يبقى هذا الولد تحت رعاية والدية أطول مدة من الزمان والطفولة إنما سميت بهذا الاسم مأخوذة من النبات اللين الذي لا يقوم عوده فسميت الطفولة لأنها خامة قابلة للتشكيل والتربية مأخوذة من ربا بمعنى نما أو مأخوذة من حسن القيام وتدبير الشئون إلى أن يتجاوز الطفل هذه المرحلة ومرحلة الطفولة منذ أن يسقط على ظهر هذه الأرض مولوداً إلى أن يبلغ وإلى أن يتجاوز سن الطفولة فإذا بلغ الطفل خرج عن هذه السن وخرج عن الطفولة قال تعالى ((وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ …)) سورة النور آية ( 59)

 بمعنى تجاوزا هذه السن فإن الطفولة تنتفي عنه في مثل هذه الحال الطفولة- أيها الإخوة _ عالم عجيب وغريب هو أشبهه ما يكون في عالم البحار فمهما خاض الباحثون في أعماق البحار يبقوا على مر الأيام والسنين يكتشفون عجائب قدرة الله – تعالى – وعجائب الأسرار التي أودعها الله – تعالى – في هذه البحار هكذا الطفولة إنها عالم عجيب فيه من الأسرار ما فيه وفيه ما يتعلمه الإنسان الكبير من الطفولة ما فيه وفيه من إظهار حكمة الله تعالى – وفيه إظهار ما أودع الله – تعالى – من السلوكيات والأخلاقيات عند هؤلاء الأطفال الشيء العجيب إن أهم ما يهتم به المربي المسلم إن أهم قضية يجب أن يغرسها في الطفولة توحيد الله – تعالى – ومعرفة الله – تعالى – وإن كانت هذه الفطرة موجودة ومغروسة في الطفل .

كما قال الله – تعالى – ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )) سورة الروم آية (30

 وقول النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصراه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء))[1]

 أي أن التحريف لهذه الفطرة المكنونة في نفس الطفل إنما تقع بعد أن يخرج من بكن أمه فيقع التحريف لهذه الفطرة من خلال البيئة التي يعيش عليها هذا الطفل فأبواه لم يذكر أحداً سواهم قال : أبواه لم يذكر أحداً من المحيط الذي يعيش فيه سوى الأبوين لأنهما هما المعنيان في هذه القضية ما ذكر الإخوان وما ذكر الأعمام وما ذكر الأخوال وما فرح أحد بهذا المولود مثل فرح الأب والأم ومن هنا كانت العناية ابتداءً من إيقاظ الفطرة التي هي مكنونة في نفس الطفل من خلال ما سن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بالأذان في أذن المولود هكذا علمنا نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – ما هذا إلا إيقاظ لهذه الفطرة أن يقال له : وإن كان ربما لا يستطيع أن يتكلم وربما يقول : إنه لا يعي إن الطفل وهو في بطن أمه أثبتت بعض الدراسات أنه يتأثر بما حوله وبما يسمع سواء كان هذا السماع سماعاً طيباً أو غير طيب فإنه يتأثر به ومن هنا جاء إسماعه لهذا الخير وإن كان لا يستطيع أن يعبر أو أن ينطق أن يقال له : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – حي الصلاة حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله  .

الله أكبر توقظ الفطرة أنه ليس ثمة شيء أكبر من الله تعالى- فالله تعالى – أكبر كل شيء هذا إذا كان في الجاهلية وهو يقول هذا القول : رأيت الله أكبر كل شيء وتغرس في نفس الطفل هذا المعنى وتوقظ الفطرة المكنونة في نفسه بأن الله تعالى – أكبر كل شيء فهو الذي يطاع الطاعة المطلقة وهو الذي يخاف منه الخوف المطلق وهو الذي يرجى الرجاء المطلق وهو الذي يعبد العبادة الخالصة وهو الذي يجل ويعظم وتقدم أوامره وهكذا . أشهد أن لا إله إلا الله غرس لمبدأ التوحيد وأنه لا أحد يعبد في هذا الكون سوى الله – تعالى – وإن رأى هذا الطفل شيئاً من المعبودات حوله فإنه في هذه الحال تستيقظ هذه الفطرة بأنه لا يعبد سوى الله – تعالى – أشهد أن لا إله إلا الله أي أنا موقن بأنه لا معبود بحق إلا الله وإن عبد غير الله فبباطل . أشهد أن محمداً رسول الله الذي أرسله الله خلتماً للأنبياء والمرسلين حقه أن يطاع فيما أمر وينتهى عما نهى عنه وزجر ثم يؤكد على تعظيم الله تعالى – وتوحيده هذا أول ما يغرس في هذه الدنيا في سمع هذا المولود وفي قلبه أن توقظ هذه الفطرة قلنا إن الطفولة مرحلة حرجة ومرحلة عصيبة ينبغي أن تغرس فيه القيم لأن مهمة هذه الطفولة ستأتي فيما بعد وأنها قضية هامة وشائكة إنها إقامة عبادة الله إقامة هذا الكون وفق مراد الله تعالى – تحقيق العبودية لله تعالى –  ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ))

 سورة الذاريات آية  (57)

فالمستقبل الذي يستقبل هذه الطفولة يعني عمارة الكون وفق منهاج الله – تعالى – ما حدث الفساد في البر والبحر إلا نتيجة انحراف في هذه الطفولة في الزمن المبكر فورثت هذه الانحرافات ما نراه من السلوكيات العجيبة وما نراه من إحداث الأضرار بالأمة وبالناس والأموال والأعراض إلا نتيجة هذا الانحراف إن العود الرطب يمكن أن تقومه وتشكله كما تريد هكذا الطفولة يمكن أن تغرس فيها ما تريد ولذلك كانت العناية ملقاة في البداية على عانق الأبوين من أجل تشكيل هذه الطفولة التشكيل الصحيح إن الطفولة كما يقول أبو حامد الغزالي – رحمه الله تعالى – إنها نفس بريئة فيها قلب فارغ تستطيع أن تشكله كما تريد ولذلك هذه الطفولة تستحق أن تسمى مدرسة متكاملة فانظر إلى الكتب التي ألفها المؤلفون من الإسلاميين وغيرهم إنك تكاد تجزم بأن أكثر الكتب بيعاً ورواجا وأكثر عدداً توجد في المكتبات العالمية ما يتعلق في قضية التربية وتستمر هذه التربية حتى مراحل متأخرة لكن الغرس في الصغر ليس كالنقش في الكبر ولعلك تلاحظ أنك أحياناً قد تجد من عنده نوع انحراف في سلوكه أو في عبادته أو ما شاكل ذلك فمن الصعب جداً أنك تصلح هذا الخلل لأنه يجر الماضي معه اجتراراً ولأنه يبدأ بالجدل والإلزامات التي يحاول أن يلزمك بها معنى هذا هكذا يقول كثير منهم : معنى هذا أنك تضللني وتضلل أبي وتضلل جدي وأبو جدي وهلم جر ثم يعني يطرد هذه القضية طرداً إلى ما لا نهاية لها وهذا أمر غير لازم بحال من الأحوال مرحلة الطفولة وقلب الطفل فارغ أنت الذي تشكله وأنت الذي توجه وأنت الذي تغرس فيه هذه القيم مرحلة الطفولة أشبه ما يكون بالأسفنج فإن شفطت بها من الأرض ماءً تأخذه وإن شفطت حليباً تأخذه وإن وضعت مداداً تأخذه كل شيء تأخذه من على الأرض فلابد أن يكون التشكيل في هذه المرحلة ولا بد أن يكون الاعتناء في هذه المرحلة من أجل هذا كان نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – والطفولة كما تعرفون لا تفرق بين حلال ولا حرام يمر ومعه الحسن أو الحسين في الطريق فيلتقط تمرة فيضعها في فمه ويريد أن يبلعها فيقول – صلى الله عليه وآله وسلم – ((كخ كخ ) . ليطرحها ثم قال ( أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة))[2] يعلمه كيف يكون عفيفاً ؟ كيف يكون ما يدخل بطنه حلال أحله الله تعالى – يعلم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عمه العباس وهو غلام كما في الحديث عن ابن عباس قال : كنت خلفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف))[3]

 هذا الكلام الموجز والبليغ لو أراد شخص أ ن يشرحه ويفسره لاقتضى أن يشرح الإسلام كله أحفظ الله في أوامره ونواهيه أحفظ الله في ذاته وفي أسمائه وصفاته يحفظك خذ بشريعة الله وأعمل بها يحفظك الله تعالى – في الوقت الذي تحتاج فيه إلى حافظ تعرف إلى الله في الرخاء اعبده تعرف إلى أسمائه وصفاته وتعبد له بهذه الأسماء والصفات يعرفك في الشدة وفي وقت النوازل ويجعل لك من كل عسر يسراً ويجعل ك بعد الكرب فرج بأذنه – سبحانه وتعالى – يقول له : واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف إن غرس محبة الله تعالى – في نفس الطفل لها أهمية عظمى وذلك أن هذا الطفل في الأصل متعلق بأبيه تعلق شديد خاصة في العشر السنين الأولى من أجل هذا كان لزاماً على الأبوين أن يعلما ويلقنا هذا الطفل محبة الله تعالى – لأنه وإن كان يجوز له شرعاً محبة أبويه لكن التربية الإسلامية تفرض شيئاً أهم من هذا إن تعلق الطفل بالأبوين تعلق مؤقت مرهون بموت الأبوين أو أحدهما ولكن هذا الطفل محتاج إلى الرعاية كما كان محتاج لرعاية أبويه فهو محتاج احتياج أعظم لرعاية من خلقه ورزقه ومن يرحمه أكثر من رحمة أبويه لذلك كان لزاماً أن تغرس فيه محبة الله تعالى – لأن الله تعالى – حي ودائم ولا يموت – سبحانه وتعالى – أن يعلق أيضاً بحب الله تعالى – لأن حب الله تعالى إذا غرس في نفس الطفل وعلم الطفل أن القرآن هو كلام الله تعالى – يلزم من ذلك أنه يحب الله تعالى – وبالتالي يعمل بتوجيهات الله تعالى – حب الله تعالى يغرس في نفس الطفل المراقبة والخوف والخشية والرغبة والرهبة وينبغي أن يركز في مرحلة الطفولة على الرغبة دون الرهبة لأن الرهبة ربما تؤثر انحرافاً في سلوك هذا الطفل رغبه بمحبة الله تعالى – لأنه هو الذي خلق والذي رزق ولأنه هو الذي يرعاه ولأنه هو الذي خلق الكون من حوله وخلق له كل شيء في هذا الكون فيحب الله تعالى – لتغرس في نفس الطفل مثل هذه المعاني التي تكون كفيلة بأذن الله تعالى – تنشئه التنشئة الصالحة .

 إن هؤلاء الأبناء ينبغي أن يعدوا الإعداد الصحيح لأن ما يستقبلهم من الأمر كما قلنا آنفاً إنه أمر عصيب وعظيم لذلك لا يقوم بهذه المهمة إلا أفراد قلة أمتنا اليوم لا تعاني من قلة العدد إنما تعاني من قلة المؤثرين الذين يقضونها في الأوقات الحرجة في أوقات الملمات من لنا بمثل صلاح الدين على سبيل المثال الذي أنقض الأمة وهي كانت بأمس الحاجة إلى رجل يوقظ ضميرها وبحاجة على رجل يجتمع الناس حوله من أجل قضية عظيمة ترتفع بها هامة هذه الأمة فهي بحاجة إلى أمثال هؤلاء وهؤلاء لا يمكن أن يتخرجوا إلا إذا تشكلوا منذ الصغر

مدرسة الطفولة – أيها الإخوة – تكتشفون فيها أشياء عظيمة وكثيرة أفكارهم – إبداعاتهم – تصوراتهم – تظهر في وقت الصغر لذلك كما نبهنا مراراً في بلاد الغرب تكتشف القيادات ويكتشف النوابغ منذ فترة الطفولة ولذلك يعزل هؤلاء الأطفال في كدارس خاصة يعطون فيها ما يحتاجونه من المعامل والمختبرات والأموال وما شاكل ذلك من اجل أن تنمى هذه المواهب إننا نريد أن نوجد أحياناً أناساً أشبه ما يكون بالموسوعات هذا محال لكن كيف تصنع مثلاً إنساناً مخترعاً ؟ كيف تصنع إنساناً قائداً ؟ كيف تصنع إنساناً كاتباً ؟ كيف تصنع مفكراً يتخصص في هذا الجانب فينبغ ويتخرج في فترة وجيزة ؟ لأنه تكتشف هذه المواهب منذ الصغر وليس أي احد يكتشف مثل هذه المواهب نبهنا مراراً أنه يجب على الأبوين ومن حول الأطفال أن يجيبوا على كل تساءل يسأله الطفل احذر من أن تسكت الطفل فتسكت إبداعه وتقتل مواهبه في الصغر إنه يحتاج إلى إجابات كثيرة يتساءل عنها أجب عنه بقدر عقله وبقدر ما يفهم لا تضخم له المسألة ولا تعطيه من المعلومة ما لا يستطيعها عقله إن الولد إذا سأل عليك أن تنبه له وعليك أن تنظر إلى وجهه وإنك لترى أحياناً هذا الكفل حين يسألك وأنت معرض عنه إنه ليمد يده إلى وجهك ويديره إيه كأنه يقول لك : أنت غير منتبه إلي أنت غير مبال بي فعليك أن تتوجه إليه وأن تعطيه الإجابة الشافية التي تتناسب مع عقله بهذه الطريقة تتقد قريحته وتبقى هذه المواهب تنمو شيئاً فشيئاً وتترعرع معه وغننا لنرى كثيراً من الأبناء بما كان عندهم في البداية مواهب وذكاء لكن بسبب الكبت والإسكات سكتت هذه الإبداعات بالتدرج أو مرة واحدة فورث عند الطفل نوع من عدم الاستطاعة على الإبداع والتفكير ولذلك نعاني من كثير من الأبناء أنهم تأخروا في دراستهم أو أنهم لا يفهمون لأن هنالك حلقة ردمناها وحلقة مفرغة تركناها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – كان هو المعلم بقوله وأفعاله كان يعتني بهذه الطفولة عناية عظيمة لقد كان يوماً يخطب قال حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الحسن والحسين [ رضي الله عنهما ] عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال ” صدق الله { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } رأيت هذين فلم أصبر ” ثم أخذ في الخطبة))[4] إنها عناية بهذه الطفولة

 وفي الحديث الآخر عن أبي قتادة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم– كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها))[5]

 هكذا يعلمنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – العناية بهذه الطفولة لأن الطفولة ليست مجرد توجيه وليست مجرد طلبات ولكنها هي أيضاً بحاجة إلى أن تفعل أشياء هي في نفسها ومن أهم ذلك اللهو واللعب هكذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم – يراعي مثل هذه القضايا حتى أنه – صلى الله عليه وآله وسلم – كما في الحديث قالت عائشة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( دعهم أمنا بني أرفدة )) .

 

أسأل الله تعالى لنا ولكم السداد والتوفيق أقول قولي وأستغفر الله

 

الخطبة الثانية :

 الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى

 وبعد :

أيها الإخوة المسلمون :

إنه مما يؤرق الآباء الجادين في تربية أبنائهم أن بعض الأبناء ربما يحدث عنده نوع من التمرد ونوع من عدم الطاعة وهذا ليس بغريب بسبب أن البيئة التي نعيش فيها ومن حولنا تغيرت إلى حد كبير إن العالم قبل قرون مضت على سبيل المثال 200 سنة ليست كالوضع الذي نعيشه لقد كانت معيشة الناس في بيئات محدودة وفي نطاق ضيق وبالتالي في بلاد المسلمين لم يكن هنالك من الأشياء الدخيلة التي دخلت عليهم فكان الناس يعيشون في بيئة أشبه ما يكون بالدائرة المغلقة وكان يوجد بينهم من التعاون على البر والخير ربما نحن أدركنا هذه الفترة وإن كان الناس ربما أعني حتى الآباء لا يعتنون في مسألة تربية الأبناء وإن كان لم يظهر ولم تنتج الأمة في مثل تلك المرحلة أناس عندهم من النبوغ والذكاء والفطنة إلا أن الغالب على الناس الصلاح لكن الآن الطفل لا شك أن من الأشياء التي تؤرقه والتي تؤثر في شخصه قضية التناقض والتضارب والتصادم والانفصام في الشخصيات التي تغذي ربما روحه وعقله التربية في الإسلام ليست لجانب معين ليست تربية للبدن فحسب وإنما هي تربية شاملة ومتكاملة الجسم والعقل الآن تجد أن العالم بين يدي هؤلاء الأطفال كما يقولون : قرية صغيرة وبالتالي تتأثر أفكاره وعقله وألفاظه بما يشاهد صارت القضية في يد الطفولة مسالة سهلة وبسيطة وأعداء الله تعالى – يستطيعون تشكيل أفكار الأطفال من خلال ما يرغبون ومن خلال ما يفرحون به ومن خلال ما يهوونه في الشارع تجد من الأشياء المشوهة لهذه الطفولة ربما في المدرسة تجد أشياء تشوه هذه الطفولة من خلال الخلطة وهلم جر وبالتالي أن التبعة والعبء يزداد ثقلاً على الأبوين ومن هنا جاءت هذه المعاناة والصحبة التي تمشي مع هذا الولد أو مع هذه البنت كذلك يكون فيها نوع من أنواع التأثير على هذه الشخصية لذلك كان الأبناء بحاجة ماسة إلى طول الجلوس والمناقشة وطول الصحبة يحتاج إلى نوع انفتاح من الأبوين ومن الأبناء أيضاً أن يكون هناك نوع من الانفتاح والحوار وألا يكبت أي شخص في هذه الحلقة ما يدور في نفسه حتى توضع الحروف على النقاط هذه القضية -أيها الإخوة – تحتاج منا إلى أن نستعين بالله عز وجل – وأن نهتم بها وأن نفرغ شيئاً من الجهد والوقت من أجل هذه الطفولة ومن أجل غرس القيم في نفوس هؤلاء الأبناء إن أرجنا أن نوجد أبناء صالحين يقومون بخدمة أنفسهم وأهليهم وأوطانهم أنتكون لهم أماكن مرموقة وبصمات في هذه الحياة

اللهم اغفر لنا ذنوبنا دقها وجلها علانيتها وسرها وأولها وآخرها  .

والحمد لله رب العالمين



[1] –  البخاري 1/465

[2] – البخاري 2/542

[3] – سنن الترمذي 4/667

[4] – سنن أبي داود 1/358

[5] – سنن أبي داود 1/304

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق