تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

الذوق السليم 2/1

إن كلمة الذوق كلمة جميلة تحمل في طياتها معاني اللطف وحسن المعشر وكمال التهذيب وحسن التصرف وتجنب ما يأتي بالإحراج وجرح الأحاسيس من لفظ أو إشارة أو نحو ذلك.

الذوق السليم

العناصر:

1-شمولية الإسلام 2-معنى الذوق 3- فساد ذوق من صرف العبادة لغير الله 4-الذوق في الصلاة 5- الذوق في المساجد.

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران (102).

وقال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء(1).

وقال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) سورة الأحزاب آية (71).

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

عباد الله:

جاء الإسلام ليعالج جوانب الحياة كلها محسوسها و معنويها عبادتها وسلوكها ومعاملاتها ظاهرها وباطنها .

جاء الإسلام ليعمر الحياة ويبني الحضارة ويرتقي بالإنسانية .

جاء الإسلام ليهذب ذوق الإنسان الظاهر والباطن.

فالإنسان قبل مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلا القليل منهم لم يكن عندهم ذوق في كثير من الجوانب.

أيها الإخوة :

إن كلمة الذوق كلمة جميلة تحمل في طياتها معاني اللطف وحسن المعشر وكمال التهذيب وحسن التصرف وتجنب ما يأتي بالإحراج وجرح الأحاسيس من لفظ أو إشارة أو نحو ذلك فإذا مدح إنسان قيل فلان صاحب ذوق وإذا ذم إنسان قيل فلان قليل الذوق أو ليس عنده ذوق.

والذوق في المعنويات أكثر منه في المحسوسات كذوق الطعام والشراب وفي المعنويات يدور حول العقل والروح والقلب.

إخوة الإسلام:

جاء الإسلام ليكمل ويتمم مكارم الأخلاق ومنها الذوق .

فالذي يعبد الأصنام والأوثان والشجر والحجر والشمس والقمر هذا منعدم الذوق لأنه ترك عبادة خالقه سبحانه الذي خلقه ورزقه وجمله وكمله .

وربنا تعالى إنما خلق الخلق لعبادته فقال:((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) )) سورة الذاريات الآيات (56-58).

فهؤلاء الذين يعبدون الأصنام معترفون أن الله هو الذي خلقهم .

قال تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)) سورة الزخرف (87).

وقال تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ))سورة لقمان آية (25).

والسؤال الذي يطرح نفسه : فلم يعبدون معه غيره إذا؟

والجواب: ما فعلوا ذلك إلا لأنهم ما عندهم ذوق فاعتذروا قائلين ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )) سورة الزمر آية (3).

فإذا كان من يعبد الله ويعبد غيره عديم الذوق فالمنكر الجاحد لوجود الله الشيوعي العلماني أقبح منه وإن كان عنده جوانب من الذوق لأنه إذا أنعدم الذوق في توحيد الله فلا ينفع الذوق في الجوانب الأخرى واسمع إلى قول الله عز وجل ((وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)) سورة المنافقون آية (4).

وفي جانب الربوبية:

فالكفار في الجملة يؤمنون ويوحدون الله في هذا الجانب فما هناك من يقول إن الصنم خلقه أو يرزقه أو ينزل المطر…إلخ.

لكن الشيوعيين الدهريين لا يؤمنون بهذا الجانب تبعا لجحودهم بوجود الإله .

لكن في المقابل يوجد من أبناء هذه الأمة من هو عديم الذوق في هذا الجانب فهناك من يعتقد أن الأولياء بيدهم الضر والنفع أو أنهم يعلمون الغيب أو يفرجون الكرب …إلخ.

هكذا في جانب أسماء الله وصفاته.

ثم تعالوا معي لنرى معاني الذوق في الصلاة التي شرعها الله عز وجل .

1) أليس المسلم مأمور حال إتيانه الصلاة أن يكون على طهارة تامة كما قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) سورة المائدة آية (6).

وجاءت السنة لتبين هذه الآية فشرع النبي عليه الصلاة والسلام السواك كي يزيل رائحة الفم فلا يؤذي من بجواره فقال عليه الصلاة والسلام ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء))[1] وفي روية ((عند كل صلاة)) وشرع المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين وتخليل أصابع القدمين.

2) أخذ الزينة : والزينة المطلوبة هنا هي ما يستطيعه الإنسان من حسن ملبس وطيب ريح ولا يأتي المسجد بثياب رثة متسخة ولا بربح كريهة فإن ذلك ليس من الذوق.

أيها الإخوة لابد أن نفرق بين صحة العبادة وبين مسألة الذوق فبعض الناس يأتي للصلاة بثياب متسخة للغاية وبرائحة كريهة ولو قيل له أنت ضيف اليوم عند فلان أو المسئول الفلاني يدعوك لما ذهب بتلك الثياب ولا بتلك الرائحة وأنت في هذا الموقف ضيف الله فإذا تجملت للمخلوق وتركت التجمل للخالق فهذا من قلة الذوق قال عليه الصلاة والسلام ((إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده))[2]

3) طيب الريح ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام(( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ – وَقَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ – فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ))[3]

فكل ما يؤذي بني آدم يؤذي الملائكة ، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآلله وصحبه وبعد:

أيها الإخوة الكرام ومن معاني الذوق التي شرعها الله عز وجل .

 

4) المحافظة على طهارة المسجد:

فالمسجد بيت الله ومن قلة الذوق أن ينظف أحدنا بيته ويقذر بيت الله واسمع إلى قوله عليه الصلاة والسلام ((إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَىْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِىَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ))[4].

المحافظة على السيكنة العامة في المساجد فلا يجوز التشويش على المصلين قال عليه الصلاة والسلام : ((إن المصلي إذا صلى يناجي ربه فليعلم أحدكم ما يناجيه يجهر بعضكم على بعض يريد إنكار الجهر بعضهم على بعض ))[5]

فالمسجد مكان عام لكل الناس فلكل إنسان مسلم الحق في أن يأخذ حقة القارئ والمصلي والداعي والذاكر قال عليه الصلاة والسلام ((لِيَلِنِى مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ – ثَلاَثًا – وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ))[6].

وهذا الحديث لا يعني أن الأسواق يجب أن يكون فيها الهشات وإنما يحكي حال الأسواق في ذلك الحين.وكذلك ينبغي المحافظة على المساجد ومرافقها فقد نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن البصق في قبلة المسجد فقد رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام :(( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا))[7]

وبعض الناس هداهم الله يمسح المخاط في جدار المسجد أو في سجاد المسجد وقد عدها النبي عليه الصلاة والسلام خطيئة ورأى النبي عليه الصلاة والسلام نخاعة في جدار المسجد  فغضب عضبا شديدا وحكها بيده عليه الصلاة والسلام وأخذ رياحانا ومسح بها أثر النخامة.

ومما ينتبه له أيضا الاقتصاد في استعمال الماء والكهرباء قال تعالى ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )) سورة الأعراف(31).

وقال سبحانه ((وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً )) سورة الإسراء آية (26)

وقال عليه الصلاة والسلام ((يكون في آخر الزمان قوم يعتدون في الدعاء والطهور))[8]

فالاعتداء في الطهور أي الإسراف في الماء والزيادة على ما ورد في السنة وهو غسل العضو ثلاث مرات وكذلك ينبغي الحفاظ على المظهر  الحسن للمسجد فالله جميل يحب الجمال فتعليق الإعلانات في الجدران والأبواب ليس من الذوق وإنما الذوق السليم أن يكون في اللوحة والمخصصة لذلك.

ولا يجوز الكتابة على جدران المسجد ولا على أبوابه ولا جدران أبواب الحمامات فذلك ليس من الذوق.

ومن آداب المسجد أيضا عدم قطع صلاة أحد قال عليه الصلاة والسلام ((لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ))[9]

فليس من الذوق المرور بين يدي المصلي ولكن يشق الصفوف شقا.

هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .

 

 

 


[1]– البخاري 2/682

[2] – سنن الترمذي 5/123

[3] مسلم 2/80

[4] – مسلم 1/163

[5] – صحيح بن خزيمة 3/350

[6] -مسلم 2/30

[7] – البخاري 1/415

[8] – ابن حبان 15/166

[9] – البخاري 1/520

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق