تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

السعادة في اختيار الزوجة

لقد أرشد الإسلام من يريد النكاح إلى اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين القويم والخلق الكريم والمنشأ الطيب الودود الولود.

السعادة في اختيار الزوجة

العناصر:

1-السعادة في الحياة مطلب 2- النكاح من سنن المرسلين 3- اختيار الزوجة 4-صفات المرأة 5- حق المرأة في الاختيار 6- أسباب حلول البركة في الزواج 7- عرض الرجل ابنته على الصالحين 8- نصيحة للآباء.

 

الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن يجد له وليا مرشدا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله.

وبعد:

إن السعادة في هذه الحياة مطلب يسعى إليه كل حي غير أنها لا تحصل إلا بما شرع الله والأخذ بما وضع الله من سنن وإن مما شرع من أسبات السعادة وجبلت النفوس عليه الارتباط برابط الزوجية فإنه من أسباب السعادة والطمأنينة والسكينة وهدوء البال متى ما تحقق الوئام بين الزوجين فالزواج نعمة أمتن الله بها على عباده قال الله تعالى : ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) سورة الروم آية (21).

روى ابن حيان في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((أربع من السعادة : المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء وأربع من الشقاوة : الجار السوء والمرأة السوء والمسكن الضيق والمركب السوء))[1].

وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ))[2]

عباد الله:

إن النكاح من سنن المرسلين قال الله تعالى : ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ )) سورة الرعد آية (38).

وقال سبحانه حاكيا عن زكريا :(( وَ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )) سورة الأنبياء (90).

وقد أمر الله بالنكاح فقال سبحانه: ((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا )) سورة النساء آية (3).

ورغب النبي عليه الصلاة والسلام بقوله وفعله وحث عليه فقال عليه الصلاة والسلام ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج))[3].

وروى البخاري ومسلم أيضا من حديث عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ عَمَلِهِ فِى السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ : ((مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّى أُصَلِّى وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى ))[4].

أيها المسلمون عباد الله :

لقد أرشد الإسلام من يريد النكاح إلى اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين القويم والخلق الكريم والمنشأ الطيب الودود الولود فقال في الحديث الذي رواه البخاري في الرضاع ومسلم كذلك في الرضاع عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ))[5]

وعن معقل بن يسار رضي الله عنه مرفوعا ((تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّى مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ))[6].

فعلى الزوج أن يسأل عن الأخت المسلمة التي ينوى الارتباط بها عن دينها وخلقها ويتأني في اختيار شريكة حياته وأم أولاده ومؤتمن سره فالمشاعر المتأججة والعواطف الجياشة سرعان ما تخبوا إذا لم تقم على أساس ميتين.

إن البيت السعيد هو الذي تعتقد ربته أنها بالنسبة لزوجها أم وأخت وصديقة وحبيبة فيعيش لها الزوج بمثابة الأب والأخ والصديق والحبيب وتصوروا معي أسرة تنشأ على هذه المعاني ماذا يكون أبناؤها وما عناية الإسلام وحثه على اختيار المرأة الصالحة ذات الدين والخلق إلا لما يؤمل منها من القيام بالحقوق الزوجية ورعاية شئون الزوج وتربية الأولاد وبناء الأسرة على أسس من التقوى والإيمان.

فما ينفع المال من غير دين وما ينفع الحب من غير دين وأما الجمال مع قبح النفس فمثله مثل قنديل على قبر مجوسي.

فإن كان ثمت مال وحسب ودين مع الجمال فما أحسنه لكن طلب الدين أولا وهذا الذي جعل أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه- يزوج ولده عاصم بنت بائعة اللبن وإليكم أحدث القصة لما نهى عمر رضي الله عنه في خلافته عن خلط اللبن بالماء وخرج ذات ليلة في حواشي المدينة وأسند طهره إلى جدار ليرتاح فإذا بامرأة تقول لابنتها ألا تمذقين اللبن بالماء فقالت الجارية كيف أمذق وقد نهى أمير المؤمنين عن المذق فقالت الأم فما يدري أمير المؤمنين ؟

فقالت الجارية إن كان عمر لا يعلمه فإن إله عمر يعلم ما كنت لأفعله وقد نهى عنه فوقعت مقالتها من عمر فلما أصبح دعا ولده عاصم ابن عمر فوصف له مكانها وقال: اذهب يا بني فتزوجها فتزوجها عاصم بن عمر فولدت له بنتا فتزوجها عبد العزيز بن مروان بن الحكم فأتت بعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الذي ما عرف التاريخ له نظيرا.

روى الإمام مالك عن عمر مرفوعا: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ ، الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ.))[7].

وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم : – أنه كان يقول (( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة . إن أمرها أطاعته . وإن نظر إليها سرته . وإن أقسم عليها أبرته . وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ))[8] .

ولذا قال الشاعر:

وإن تزوجت فكن حـاذقا        وسل عن الغصن وأقرانه

واسأل عن الصهر وأحواله        من جيرة وذوي قــربه

وصدق من قال لولده : وهذه تنسب إلى لقمان (( يابني أتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل المشيب يابني استعذ بالله من شرار النساء و اسأل الله من خيارهن فأجهد نفسك في الحصول على الصالحة الطيبة تلق السعادة أبد الحياة )).

 

أيها المسلمون :

هناك صفات ينبغي أن تتوفر في المرأة المسلمة منها:

أن تكون ودودا ولودا: فالودود هي التي تتودد إلى زوجها وتكثر من التودد بالكلمات التي تريح قلبه وتثلج صدره فلا تسب ولا تحتقر ولا تستصغر …إلخ.

وأما الولود فتعرف بأمرين:

الأول : خلو جسدها من الأمراض التي تمنع الحمل وهذا يرجع فيه إلى الطبيبة المتخصصة.

الثاني: النظر في حال الأم والأخت والخالة.

 

واعلموا عباد الله حفظكم الله :

أن للمرأة حق في اختيار شريك حياتها فقد رغب الإسلام في تزويجهن بالأكفاء وقبول الخاطب والحذر من رده إذا كان صالحا في دينه مستقيما في خلقه وحذر من الاغترار بالصفات التي تواطأ عليها كثير من الناس. فقال عليه الصلاة والسلام ((إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه  إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض))[9]

ومما يؤسف له عضل بعض أولياء الأمور لمن تحته من النساء لأغراض مادية.

عباد الله:

إن من أسباب حلول البركة في الزواج والتوفيق بين الزوجين وجعلهما يتحليان بالشمائل الإسلامية تيسير المهور والبعد عن مظاهر الإسراف والتبذير فيه يقول عليه الصلاة والسلام ((أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة ))[10]

عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : (( لا تغالوا في صداق النساء فإنه لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم))[11].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .


 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآلله وصحبه وبعد:

 

إخوة الإسلام:

لا عيب في أن يعرض الرجل ابنته على الرجل الصالح الذي يرى فيه صلاحا لابنته.

ولقد قص الله علينا قصة موسى مع شعيب حين عرض شعيب إحدى ابنته على موسى عليه السلام لأن شعيبا رأى في موسى الصفات الصالحة وكذلك ما رأته ابنته حين سقى لهما.

قال: عمر رض الله عنها وقد مات زوج ابنته حفصة : (( لقيت عثمان فعرضت عليه حفصة)).

فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟

فقال : سأنظر في أمري.

فلبث ليالي ثم لقيه فعرض ذلك عليه فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج.

فلقيت أبا بكر فقلت له : إن شئت أنكحتك حفصة ؟

فصمت ولم يرجع إلي شيئا .

فكنت عليه أوجد منى لعثمان.

فلبث ليالي ثم خطبها النبي عليه الصلاة والسلام.

فأنكحتها إليه.

فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت علي في نفسك حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟

فقال: نعم .

فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله ولو تركها لقبلتها.))[12]

وهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام يختار لابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنه صاحب الدين والخلق والشجاعة والإيمان.

وهذا سعيد بن المسيب يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويزوج ابنته على رجل فقير هو عبد الله بن وادعة ولكنه صالح تقي فاختاره على الوليد بن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان .

فرمى ابن المسيب بالجاه والسلطان والمال عرض الحائط.

 

وإليكم هذه القصة العجيبة:

[ رجل يقال له مبارك كان يحرس بستانا لمولاه فطلب منه مولاه رمانة حامضة فجاءه برمانة حلوة فقال: له أنت ما تعرف الحلو من الحامض.

قال :لا.

قال: ولم؟

قال :لأنك لم تأذن لي فيه.

فعظم قدره عند مولاه لما رأى من أمانته حتى كان له بنت خطبت كثيرا.

فقال: له يا مبارك من ترى نزوج هذه البنت؟

فقال: الجاهلية كانوا يزوجون للحسب واليهود للمال والنصارى للجمال وهذه الأمة للدين فأعجبه عقله.

وقال: لأمها مالها زوج غيره.

فتزوجها فجاءت بعبد الله وكان واحد وقته].[13]

وقبل أن أنزل من هذ المكان المبارك أتوجه بهذه النصيحة للآباء الكرام بأن يتخيروا لبناتهم الشباب الصالحين ذوي الدين والخلق وأن يكون هو المقياس الأساس في اختيار الأزواج فإنها أمانة في أعناق الآباء والأمهات سيسألون عنها أمام الله عز وجل يوم القيامة فكلكم راع ومسئول عن رعيته.

فقد جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله يستشيره في زواج ابنته فقال له لمن أزوج ابنتي فقال له الحسن البصري رحمه الله بالمؤمن التقي الذي يخاف الله فإن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين والحمد لله رب العالمين .

 


[1]– ابن حيان 9/340

[2] – صحيح مسلم 4/178

[3] – البخاري 5/1949

[4] – البخاري 5/1949 ومسلم 4/129

[5] – البخاري 12/575 و مسلم 2/1086

[6] – سنن أبي داود 2/175

[7] – البيهقي4/11

[8] – ابن ماجة 1/596

[9] – ابن ماجة 1/632

[10] – أحمد 6/145

[11] – النسائي 3/314

[12] – البخاري 4/1471

[13] – شذرات الذهب 1/289

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق