الخطبة مسموعة :[audio:k-alshetaa.mp3]
إن البرد يذكرنا بأحوال شريحة كبيرة من المسلمين خاصة وهي تلك الطبقة الفقيرة التي تفترش الأرض وتلتحف السماء وتلك الأسر التي ربما غطت سقوف بيوتها بالطرابيل أو الزنك أو حتى بالأخشاب أو الإسمنت لكن نوافذ تلك البيوت لا تزال مفتوحة.
الشتاء .. والذكرى
العناصر:
1- شدة الحر والبرد من فيح جهنم 2- فوائد الفصول 3- بعض أحكام الشتاء 4- البرد والفقراء
5- حكم ودروس عبر.
عباد الله:
أيها الإخوة الفضلاء :
إن من آيات الله سبحانه وتعالى: تقلب الليل والنهار ومن آيات الله تقلب فصول السنة بين حر وبرد هذه آيات من آيات الله سبحانه وتعالى يتذكر فيها المؤمنون كثيراً من الدروس والدلالات والعبر ويستفيدون من تقلب الليالي والأيام والفصول أولئك هم العقلاء الذين يعقلون خطاب الله سبحانه ((وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)) سورة فصلت آية (37) .
تقلب الليل والنهار وتقلب فصول السنة بين حر وبرد واعتدال كل ذلك لحكم جعلها الله سبحانه في هذه الفصول والأيام عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ))[1]
هذه أسباب لا يمكن معرفتها إلا بالوحي وإن كان الناس اليوم يتحدثون أن من أسباب ارتفاع الحرارة والبرودة في الكون ما يطلقون عليه بالاحتباس الحراري، فإن هذه ظواهر طبيعية وربط للأسباب بمسبباتها.
ولا تنافي بين الأمرين بل يجوز للإنسان أن ينسب السبب إلى مسببه إذا كان السبب صحيحا وكان لا يتنافى مع الحس ولا يتنافى مع العقل ولم يكن مبنيا على الحدس والظن ولم يكن كذلك مبنيا على نظريات ضعيفة ولا على الخرافات وإنما كان من الأسباب الطبيعية الصحيحة فلا بأس أن ينسب الإنسان السبب إلى مسببه وذلك مثلما يطلقون عليه بالأرصاد الجوية في تقلب الرياح وفي تشكل السحاب وفي تنبؤ نزول المطر وكمياته وما شاكل ذلك فإن هذا ليس من علم الغيب في شيء بل هو من ربط السبب بمسبباته وهذا أمر جائز عقلا وشرعا.
وهكذا عما يتحدثون عنه عن ارتفاع حرارة الكون وبرودته وما تهدده الحرارة وارتفاعها من انهيار الثلج في القطبين وما تهدده الفيضانات من جراء ذلك إنما هو من ربط السبب بمسببه وهذا أمر طبيعي هذه أمور عرفت عقلا ولا يمنع منها الشرع ولكنها ليست كل الأسباب فمن الأسباب ما يكون معلوما ومن الأسباب ما ليس بمعلوما أساسا بل لا يعلمه الإنسان إلا بوحي من الله سبحانه وتعالى كهذا الحديث الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام (( اشتكت النار إلى ربها)) النار مخلوق من مخلوقات الله تعالى خلقها الله تعالى لحكمة .
وتخاصمت الجنة والنار كما تعرفون إلى الله بل افتخرت كل واحدة على الأخرى كما جاء في الحديث ((اختصمت الجنة والنار إلى ربهما فقالت الجنة يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار: – يعني – أوثرت بالمتكبرين فقال الله تعالى: للجنة أنت رحمتي وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها قال: فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها فتقول: هل من مزيد ثلاثا حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها إلى بعض وتقول: قط قط قط))[2]
هذه الشكوى هذا المقال نؤمن به على أنه حقيقة ولا مانع من ذلك أن تكون الأشياء غير الناطقة تنطق بإذن الله سبحانه وتعالى فالله هو الذي أنطق هذا الإنسان وجعل منهم خرسا وبكما لا يتكلمون ولا يسمعون فهو القادر سبحانه أن يجعل الجماد ينطق وهذه آية من آيات الله سبحانه بل هذه الجمادات تسبح بحمد الله قال تعالى: ((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)) سورة الإسراء (44).
قال بن عبد البر : (هذه الشكوى بلسان المقال) .
وقال القرطبي (( لا مانع يمنع من أن النار ينطق وتشتكي بشكوى حقيقة ).
وبهذا قال الأمام النووي رحمه الله تعالى (( إنها اشتكت وتكلمت ونطقت نطقا حقيقا) وبهذا نؤمن كما نؤمن أن النبي عليه الصلاة والسلام خاطب جبل أحد حينما اهتز به وكان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم اهتز فقال النبي عليه الصلاة السلام: ((اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان))[3].
هذا الكلام نؤمن به أن جبل أحد سمعه سمعا حقيقيا وأطاع النبي صلى الله عليه وسلم فثبت بإذن الله عز وجل وهكذا حين رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم جبل أحد فقال :(هذا أحد جبل يحبنا ونحبه ).
إذا هذه الشكوى حقيقة إنها اشتكت كما قال النبي عليه الصلاة و السلام: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لي بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير))[4]
وإن كان أيضا من جملة الأسباب هذا الذي يسمونه بالاحتباس الحراري وأشد ما تجد من البرد إنما هو من زمهرير جهنم وإن كان من جملة الأسباب أيضا هذا الاحتباس الحراري فلا تنافي على كل حال بين المسببات الطبيعية والحقيقة الواقعية التي ليست مبنية على خرافة ولا على نظريات ضعيفة فلا مانع يمنع أن الإنسان ينسب السبب إلى مسببه .
أما إذا كان مبنيا على حدس وظن كاذب فإن هذا أمر منهي عنه قال الله تعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً )) سورة الإسراء (36).
أيها المؤمنون:
إن تقلب الفصول فيه من الحكم الشيء الكثير ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى فقال:((ثم تأمل بعد ذلك أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول وما فيها من المصالح والحكم إذ لو كان الزمان كله فصلا واحدا لفاتت مصالح الفصول الباقية فيه فلو كان صيفا كله لفاتت منافع ومصالح الشتاء ولو كان شتاء لفاتت مصالح الصيف وكذلك لو كان ربيعا كله أو خريفا كله ففي الشتاء تغور الحرارة في الأجواف وبطون الأرض والجبال فتتولد مواد الثمار وغيرها وتبرد الظواهر و يستكثف فيه الهواء فيحصل السحاب والمطر والثلج والبرد الذي به حياة الأرض وأهلها واشتداد أبدان الحيوان وقوتها وتزايد القوى الطبيعية واستخلاف ما حللته حرارة الصيف من الأبدان وفي الربيع تتحرك الطبائع وتظهر المواد المتولدة في الشتاء فيظهر النبات ويتنور الشجر بالزهر ويتحرك الحيوان للتناسل وفي الصيف يحتد الهواء ويسخن جدا فتنضج الثمار وتنحل فضلات الأبدان والأخلاط التي انعقدت في الشتاء وتغور البرودة وتهرب إلى الأجواف ولهذا تبرد العيون والآبار ولا تهضم المعدة الطعام التي كانت تهضمه في الشتاء من الأطعمة الغليظة لأنها كانت تهضمها بالحرارة التي سكنت في البطون فلما جاء الصيف خرجت الحرارة إلى ظاهر الجسد وغارت البرودة فيه فإذا جاء الخريف اعتدل الزمان وصفا الهواء وبرد فانكسر ذلك السموم وجعله الله بحكمته برزخا بين سموم الصيف وبرد الشتاء لئلا يتنقل الحيوان وهلة واحدة من الحر الشديد إلى البرد الشديد فيجد أذاه ويعظم ضرره فإذا انتقل إليه بتدريج وترتيب لم يصعب عليه فإنه عند كل جزء يستعد لقبول ما هو اشد منه حتى تأتي جمرة البرد بعد استعداد وقبول حكمة بالغة وآية باهرة وكذلك الربيع برزخ بين الشتاء والصيف ينتقل فيه الحيوان من برد هذا إلى حر هذا بتدريج وترتيب فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين))[5]
هذه مصالح جمة وهذه فوائد عظيمة من خلال تنوع هذه الفصول فلو كان الزمان كله صيفا لما أنبت الشجر ولو كان كله شتاء لما نضجت الثمار ولو كان ربيعاً أو خريفاً كله لما حصلت مثل هذه المنافع وهذه الفوائد.
هذه المنافع والفوائد تجلي لنا عظمة الخالق سبحانه وتعالى لهذا الكون الذي يسيره والذي يدبره هذا الخالق العظيم سبحانه الذي لم يخلق شيئاً عبثاً أبداً بل خلق كل شيء لحكمة بالغة .
وهنا بعض الأحكام التي نحتاجها في فصل الشتاء والصيف منها: في فصل الصيف يسن التأخير بإقامة صلاة الظهر كما جاء في حديث أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ))[6]
فتأخر قليلا حتى رأوا فيء التلال أي الجبال الصغيرة رؤى فيئها أي الشمس قد مالت إلى الغروب كثيراً حتى بدا ظلها ثم قال : أن شدة الحر من فيح جهنم فإذا رأيتم ذلك فابردوا بالصلاة.
وأما في فصل الشتاء فالسنة أن تتقدم الصلاة لأن الجو يكون معتدلاً ولا يكون حاراً فيضر بالناس .
ومن الأحكام ثانيا :أن صلاة الجمعة لا تؤدى في وقتها شتاء وصيفا وخريفا وربيعا لفعل النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يؤخرها إطلاقا بل كان أحياناً من سنته صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة ـ صلاة الجمعة ـ ويقدم الخطبة قبل الزوال قبل دخول وقت الجمعة لأن الجمعة يجتمع إليها الناس بأنفسهم ويأتون من أجل هذه الطاعة وهذه العبادة وسماع الموعظة وما يستفيدونه ويحتاجونه إليه من الأحكام وبالتالي كان لزاماً على الإمام ألا يحرج الناس ولا يضيق عليهم بل يؤدي الصلاة في وقتها بل شرع له إذا اجتمع الناس وتكاثروا أن يقدمها قليلا حتى لا يضيق على عباد الله تعالى:
الحكم الثالث: أن في أيام البرد يحتاج الإنسان أن يستخدم الماء الدافئ ولا حرج في هذا بل هذا أمر مطلوب وأمر محبوب إلى الله تعالى لأن الله جعل هذا الدين يسر وحيثما كان اليسر فثم دين الله وثم رحمة الله وثم محبة الله تعالى قال الله تعالى: ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ…))سورة البقرة آية 185.
بمعنى أن استخدام الإنسان الماء البارد بقصد التعبد والتقرب لله سبحانه وتعالى ونيل الأجر والثواب أن هذا الأمر ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من الأمور المبتدعة التي ابتدعها بعض الطوائف الضالة التي تعذب نفسها بما لا يرضي الله تعالى به فالله يريد بنا اليسر ولا يرد بنا العسر.
لقد كان من سنته صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم لكن بعض الطوائف الضالة التي تعذب نفسها بالصيف بلبس ثياب الشتاء وتلبس في الشتاء لباس الصيف لماذا؟ قالوا : تربية للنفس لا يمكن أن تتربى هذه النفس إلا بما ربي به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته فلم يأمرهم بهذا أبدا ولم يفعل أحد منهم مثل هذا إطلاقا بل إنهم كانوا يحيون حياة معتدلة في غاية الاعتدال لا رهبانية ولا خروج إلى البراري والقفار ولا دخول في الكهوف ولا الاختلاء في الغرف المظلمة ولا ترك الحياة والاختلاط بالناس ولا ترك كسب الرزق ولا شيء من هذا .
هذه كلها أمور ابتدعها الناس ما أنزل الله بها من سلطان لا يمكن أن يظهر فرح ولا حزن ولا تعبد إلا بالطريقة التي كان عليها النبي عليه الصلاة والسلام فقد فرح صلى الله عليه وسلم فرحا ما بعده فرح قال الله تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))سورة يونس آية (58).
انتصارات ما بعدها انتصارات لم يظهر إلا الشكر لله عز وجل بالطاعة وأصابه من الهم والغم والحزن ماتت بعض زوجاته وبناته وبعض أبنائه وبعض أصحابه وأحبابه ولم يفعل شيئا مما تفعله بعض الطوائف الضالة كما تفعل الشيعة في ذكرى مقتل الحسين في عاشوراء من لطم الخدود وشق الجيوب والضرب بالسلاسل والطعن بالسكاكسن والدعاء بدعوى الجاهلية لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه شيئا من هذا أبدا فدل هذا على أن هذه القضايا ليست من الدين في شيء وإنما ابتدعها الناس.
الحكم الربع : استخدام الماء الدافئ في الشتاء من أجل الوضوء والاغتسال أمر يحبه الله تعالى واستخدام الماء البارد بقصد نيل الأجر والثواب ليس من السنة في شيء.
الحكم الخامس: المسح على الجوارب وعلى الخفين (الشرابات) أمر مسنون ويسن للمقيم أن يمسح يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ويبتدأ الحكم من أول مسحة فلو أنك اغتسلت لصلاة الجمعة مثلا ثم ليست الشراب وجئت المسجد وبقيت على وضوئك وصليت العصر بنفس الوضوء ثم انتقض وضوؤك بعد صلاة العصر فكان أول وضوء توضأته قبل صلاة المغرب فمن هنا يبتدأ الحكم فأنت تمسح من قبل صلاة المغرب هذا اليوم إلى نفس الوقت من اليوم الثاني إذا يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها بالنسبة للمسافر هذه رحمة الله وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم.
ودع عنك تلك الطوائف الضالة التي لا تعمل بمثل هذه السنة هذه السنة وردت فيها أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغت حد التواتر ولذلك أدخلها العلماء في المسائل العقدية فهي مسألة فقهية وعقدية في نفس الوقت ومن خالف في هذا وأنكر المسح على الخفين فإنه يكون قد أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة إن الأحاديث المتواترة تفيد العلم اليقيني القطعي الذي لا يسع المسلم جهله مهما كان جاهلا فلو جئت بإنسان عجوز في بادية لم يقرأ ولم يكتب فسألته عن حكم الكذب أهو حلال أم حرام لقال لك هو حرام ولو سألته عن الربا لقال حرام ولو سألته عن الخمر لقال حرام ولو سألته عن الزنا لقال حرام لكنك لو سألته عن الدليل على تحريمه لما أتاك بدليل لا من آية و لا من حديث وهذا الأمر الذي يعبر عنه العلماء بأنه الأمر القطعي اليقيني المتواتر الذي يفيد العلم القطعي الضروري الذي يضطر الإنسان إلى العمل به والقول به يقطع النظر عن الأدلة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إذا هذه رخصة وحكم من أحكام البرد وهو المسح على الخفين أو الجوربين .
ومن الحكم و الدروس والعبر أيها المؤمنون التي نستفيدها من دخول هذه الفصول وخاصة فصل الشتاء :
الحكمة الأولى : أن تقلب الزمان آية من آيات الله عز وجل .
الحكمة الثانية : أن مرور الأيام وتقلب الفصول يذكرنا دائما بأن الحياة ستنتهي وتذكرنا بأولئك الناس الذين كانوا يعيشون معنا قبل أيام و أسابع وشهور وسنين أنهم مضوا إلى الله سبحانه وتعالى :
الحكمة الثالثة : أيضا من الحكم أنها تذكرنا بنعم الله التي تترا وتتنوع هذه الخضار وهذه الفواكه التي نراها تتجدد .
الصيف له فواكهه ونباتاته والشتاء له نباتاته وفواكه والصيف له لباسه والشتاء له لباسه فأنت ترى أن نعم الله تتجدد عليك فإذا جاء البرد وبدأت تستخدم ثياب الشتاء تذكرت أن هذه نعمة من نعم الله تعالى ولولا هذه النعمة لتضررت تضررا شديدا .
الحكمة الرابعة: تذكروا استغلال الأوقات بدوران هذه الأزمنة قال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً)) سورة الفرقان آية (62).
طول الليل في الشتاء وقصره في النهار يذكرك أيضا بمزيد التقرب ويذكرك بأنك تستقبل الشتاء بما فات عليك في الصيف من العبادات.
قصر النهار في الشتاء مع برودته يعينك على الصيام وطول الليل يعينك على القيام وعلى أخذ قسط من الراحة وان تأخذ أيضا قسطا من عبادة الله.
الحكمة الخامسة : من الحكم أنه يذكر الأغنياء بفضل الله عليهم فيجودون على الفقراء والمحتاجين .
الحكمة السادسة: يشكر الفقراء ربهم ويصبرون على أقدار الله تعالى وعجباً لأمر المؤمن أن أمره كله له خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن.
الحكمة السابعة: من الحكم إبراز التكافل بين المسلمين وإظهار التعاون بينهم سواء كان هذا الفصل أو الفصل الآخر. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله و الصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
أيها المؤمنون:
إن البرد يذكرنا بأحوال شريحة كبيرة من المسلمين خاصة وهي تلك الطبقة الفقيرة التي تفترش الأرض وتلتحف السماء وتلك الأسر التي ربما غطت سقوف بيوتها بالطرابيل أو الزنك أو حتى بالأخشاب أو الإسمنت لكن نوافذ تلك البيوت لا تزال مفتوحة يدخل منها البرد أولئك الذين يعيشون في بيوت من الصفيح وأولئك الذين يعيشون في المناطق المرتفعة الباردة تذكرنا بهم في مثل هذه الفصول والله تعالى يقول وهو يصف المؤمنين : ((وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25))) سورة المعارج الآيات( 24-25).
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام : ((من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له ))[7].
إن عندنا في بيوتنا ملابس هذه الملابس ربما صرنا لا نحتاج إليها قد تكون صوفية غليظة أو غير ذلك وعندنا فرش وعندنا بطانيات كذلك لا نستخدمها أولم تعد بنا حاجة إليها لأننا اشترينا غيرها أين تذهب هذه الأشياء التي لا ترغب فيها أقل ما يجب أن يستفيد منها غيرنا وإن كان الواجب علينا أن نعطي مما تجود الأنفس ((لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) سورة آل عمران آية (92).
لكن ليس أقل من ألا ترمى هذه الأشياء في القمائم بل على المحسن أن ينظفها وان يجددها قدر المستطاع وأن يدفعها إلى الفقير فإنه سيستقبلها بقلب وبصدر رحب سترى أسارير وجهه وسترى بسمة ترتسم على وجهه وسترى دموع الفرح تنهمر من عيونه حتى وإن كانت هذه الأشياء مستعمله وإن كان بك استحياء أن تأخذها إليه فلا أقل من أن تدفعها لمن يمكن أن يوصلها إليه كالمؤسسات والجمعيات الخيرية التي ستوصل مثل هذه الأشياء إلى المحتاجين وسيصل إليك ثوابها بإذن الله عز وجل.
أيها المؤمنون :
إننا ونحن في مشارف البرد وأيام البرد والمتوقع أن تكون البرودة أشد مما كانت عليه في العام الماضي ولذلك فإنه ينبغي علينا أن نخصص للفقير والمسكين والأرملة واليتيم من الملابس ومن الفرش ومن الأموال ومن البطانيات وغير ذلك من أجل إبراز التكافل والتعاون بيننا كمسلمين فإن المنظمات التنصيرية التي تسعى جاهدة في مثل هذه الأبواب لاستلاب دين وعقائد المسلمين لأنها تصل إليهم بمثل هذه المساعدات ومثل هذه المعونات ولا يمكن أن يقطع عليها الطريق إلا بالتكافل والتكامل .
وإنني أهيب بأهل الفضل والإحسان من الأغنياء وأهيب بالمؤسسات والمراكز الخيرية والجمعيات في هذه المحافظة وفي غيرها أن تخصص بندا لهذا الأمر سنويا وأن تجعل من جملة مشاريعها أن تسد حاجة الفقراء والمساكين في فصل الشتاء وأن ترفع عنهم ما يعانون في مثل الفصل.
والحمد لله رب العالمين .
[1]– البخاري 1/199
[2] – البخاري 6/2711
[3] – البخاري 3/1344
[4] البخاري 3/1190
[5] – مفتاح دار السعادة 1 / (208-209)
[6] – البخاري 1/550
[7] – مسلم 3/1354
اضافة تعليق