لماذا نريد أن نكسب القلوب هل لأجل الدنيا وزينتها ومناصبها هل من أ جل أن نظهر حسن أخلاقنا ؟ أم هناك شيئا آخر؟
الطريق إلى القلوب
العناصر :
1- لماذا نريد أن نكسب القلوب.
2- الطريق إلى كسب الأخلاق .
3- العقيدة والأخلاق.
4- واقعنا والأخلاق.
5- الدعاة الصامتون.
6- إمكانية تغير الأخلاق.
الحمد الله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
عباد الله:
يقول الله سبحانه وتعالى ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4))) سورة القلم
ويقول سبحانه ((وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159))) سورة النساء
وهذه آيات يخاطب الله سبحانه بها نبيه عليه الصلاة والسلام يحبه فيها بمكارم الأخلاق وجمع القلوب وتعميق روابط الأخوة الإسلامية فالمسلم يحتاج إلى الحوار الهادي التعامل الطيب ويحتاج إلى أن يظهر محاسن هذا الدين نعم إننا بحاجة لأن نكسب قلوب بعضنا بل أن نكسب قلوب أهل الأديان نريد أن نكسب قلوب الناس لا بالمجاملة والمداهنة بل نريد أن نكسب القلوب بمكارم الأخلاق قال عليه الصلاة والسلام ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))[1]
لماذا نريد أن نكسب القلوب هل لأجل الدنيا وزينتها ومناصبها هل من أ جل أن نظهر حسن أخلاقنا ؟ أم هناك شيئا آخر؟
أننا أيها الأخوة نريد أن نكسب القلوب ابتغاء وجه الله سبحانه تقربا وتعبدا فإن الله سبحانه يحب محاسن الأخلاق ويبغض سفاسفها .
وتباعا لنبينا علية الصلاة والسلام فقد كان أحسن الناس خلقا وكسبا لحب نبينا يوم القيامة (( إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا))[2]
وتطبيقا لتعاليم شرعنا وآداب ديننا قولا وعملا وسرا وعلنا فقد قال عليه الصلاة والسلام (( وخالق الناس بخلق حسن ))[3]
وشوقا للجنات وتثقيلا للميزان يوم أن نلقى الله عز وجل قال عليه الصلاة والسلام ((أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق))[4]
إننا نلاحظ ونسمع الشكايات من جميع طبقات المجتمع :
الطالب يشكوا من سوء أخلاق مدرسه
الموظف يشكو من سوء أخلاق مديره.
الزوج يشكو من سوء أخلاق زوجته والزوجة تشكو من أخلاق زوجها.
والصديق يشكو كم سوء خلق صديقه وهكذا.
أيها الإخوة :
لنحرص على التخلق بالأخلاق الفاضلة وترويضها هذا أولا .
ثانيا : لنداوم على القراءة في كتب الأخلاق .
ثالثا : لنكثر من الدعاء بأن يحسن أخلاقنا.
إن قضية الأخلاق قضية مهمة جدا بل لها صلة وثيقة بالإيمان والعقيدة قال ابن القيم رحمه (( الدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين))
ولا شك أن للأخلاق صلة وثيقة بالعقيدة فسوء الخلق بدل عن نقص في الإيمان وسوء المعتقد فلربما وجدت شابا يظن إنه قد حقق التوحيد وفيه من الأخلاق السيئة الشيء ا لكثير وغفل هذا عن شمولية الدين لجميع مناحي الحياة يقول الله تعالى ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162))) سورة الأنعام
أن الناظر إلى واقع الناس اليوم يجد بونا كبيرا بين واقع الناس وأخلاقهم فالحضارة القائمة التي توالت في إنجازاتها زادت الناس لهثا وراء المادة والشهوات لكن بأن طريق وبأي صورة وهذا هو غالب واقع الناس.
في خضم هذا الضجيج يبحث الناس عن مثل في الأخلاق فلعلهم لا يجدوا إلا أولئك الذين وفدوا إلى بلاد المسلمين يبشرون لدين النصرانية .
لقد أثرت الماديات والحضارات على أخلاقنا وتعاملنا مع بعضنا بشكل كبير حتى ظن البعض أنه لا يمكن الجمع بين التقدم الحضاري والكسب المادي وبين التحلي بالأخلاق قال أحدهم :
لئن كانت الدنيا إليك ثروة وأصبحت فيها بعد عسر أخا يسر
لقد كشف الإثراء عنك خلاقا من اللؤم كانت تحت ستر من الفقر.
أيها المسلمين من يقرأ عن الدين الإسلامي خصوصا في الأخلاق والمعاملات يعجب عجبا شديدا من عظمة هذا الدين ودقة مراعاته للمشاعر والعواطف وحرصه على نشر المحبة والمودة …
يقول عليه الصلاة والسلام ((إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف))[5]
فلماذا يأخذ بأنفه وما علاقة الأنف بما صنع إنها عظمة هذا الدين ودقة العناية بمشاعر النفس والحفاظ على أحاسيسها بأنفه ليوهم من بجواره أنه به عارف فلا يفضح أمره يحرج ويخجل .
قال الخطابي : وهو شرح هذا الحديث من الأخذ بالأدب في ستر العورة وإخفاء القبيح والتورية بما هو أحسن وليس داخلا في باب الرياء والكذب وإنما هو من باب التجمل واستعمال الحياة وطلب السلامة من الناس .
ارض لناس جميعا ما ترض لنفسك إنما الناس جميعا لكنهم أبناء جنسك
غير عدل أن توخي وحشة الناس بأنسك فلهم نفس كنفسك ولهم حس كحسك
من ينظر في الواقع يعجب من الإفلاس الأخلاقي من الأمة ويرى واقع من انبهر بالحضارة الغربية بسلبياتها وإيجابيتها .إننا ندعو إلى التقدم والأخذ بمفاتيح لعلوم والحضارة لكننا ترفض استيراد العادات السيئة والانحلال الأخلاقي باسم الحرية وحقوق المرأة..
أن من أخلاقنا وآدابنا وعادتنا وتقاليدنا ما يجعلنا نفخر ونعتز بالمكانة السامية التي شرفنا الله بها فقد اختار لنا مقاما محمودا قال الله تعالى ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)))سورة البقرة
أيها الإخوة :-
إننا نملك كنزا عظيما هو كنز الإيمان لكنه الإيمان حقيقة لا صورة الإيمان الذي لامس حلاوته شغاف القلوب فظهرت تلك الحلاوة على جوار ذلك المسلم .
كيف وصل الإسلام إلى جنوب الهند وسيلان وجزر المالدين وسواحل الصين والفلبين وإندونيسيا؟
لقد وصل الإسلام عن طريق التجار المسلمين .
إن المتتبع لسيرته عليه الصلاة والسلام وجد أنه كان يلازم حسن الخلق في سائر أحواله وخاصة في دعوته إلى الله تعالى فأقبل الناس ودخلوا في هذا الدين أفواجا فكم دخل من الناس في الإسلام بسبب الخلق.
فهذا عمرو بن العاص رضي الله عنهما ((لما أسلم قال (( والله ما كان على وجه الأرض أبغض إلي منك فقد أصبحت الآن أحب الناس إلي )) .
وذلك الذي قال (( اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا))[6]
لماذا قال هذا إنه التأثر بأخلاق المصطفى عليه الصلاة والسلام وآخر يقول ((فبأبي وأمي هو ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن معلما منه))
وآخر يقول ((يا قوم أسلموا فأن محمد يعطي عطاء من لا يخشى الفقر))[7]
وآخر يقول (( والله لقد أعطاني وكان أبغض الناس إلي فما برح بع طني حتى أنه لأحب الناس إلي)).
وذك يقول ((جئتكم من عند خير الناس))
كل الأمور تزول عنك وتنقضي إلا الثنـاء فإنـه لك باقــي
ولـو أنني حـويت كل فضيلة ما اخترت غير محاسن الأخلاقي
إننا بحاجة إلى أن نجسد عمليا إن من هم مظاهر علاقة المسلم بالكافر غير المحارب كف الأذى والظلم وعدم التقوى عليه وعلى حقوقه .
في البخاري قصة عمر رضي الله عنهما وأنه أهدى لأخ له مشرك حلة وفي البخاري أيضا عن عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما ذبحت له شاة فلما جاء قال : أهديتم لجارنا اليهودي.
أيها المسلمين ألم يقل الله عز وجل (( وقولوا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)))[8] وقال ((وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً (53)))[9]
أين نحن من قول نبينا عليه الصلاة والسلام (( أن الله كتب الإحسان على كل شيء ))[10]
انظر أيها : الحبيب إلى فن التعامل مع النفوس هذا عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ورث عداوة الإسلام عنه أبيه ثم فر هاربا من دعوة الإسلام وعندما سمع بأخلاق النبي عليها لصلاة والسلام وأنه لا يرد شخصا مهما عمل ضد الإسلام فأقبل على النبي عليه الصلاة والسلام فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن قال مرحبا بالغائب المهاجر))
فيا أيها الموظف الكريم : في أي مكان كنت إنك لم تجلس في مكانك إلا من أجل خدمة الناس ..ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام ((ابتسامتك في وجه أخيك صدقة ))[11]
وقال عليه الصلاة والسلام (( والكلمة الطيبة صدقة ))[12]
ويا من رزقه الله وجاهة اعلم أن زكاتها الشفاعة والإعانة للمحتاجين فالشفاعات من أعظم العبادات إذا قصد بها وجه الله
فرضت علي زكاة ما ملكت يدي وزكاة جاهي أن أعين وأشفع
فـإذا ملكت فجد فإن لم تستطع فجهد بوسعك كله أن تنفع
فهل بالإمكان أن نغير من أخلاقنا ؟
والبعض يقول (( لا أستطيع)) وهناك من يرى إمكان التغير .
والحق أن الأخلاق على نوعين :
1- فطري
2- مكتسب
والله تعالى يقول ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14))) سورة الأعلى
وقال سبحانه ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9))) سورة الشمس
وإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحرى الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه.
وهناك سؤال وهو كيف نؤثر في الناس:
أولا: بالابتسامة قال عليه الصلاة والسلام (( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ))
ثانيا: البدء بالسلام: قال الحسن البصري رحمه الله تعالى (( المصافحة تزيد المودة )).
ثالثا: الهدية فهي ذهب الغل وتزيد في المحبة قال عليه الصلاة السلام ((تهادوا تحابوا))[13]
رابعا : الصمت وقلة الكلام فإذا رأيت شخصا ملازما للصمت فأعلم أن وراء ذلك خير كثير.
خامسا : حسن الاستماع وأدب الإنصات قال عطاء بن رباح إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأنى لم أسمع قبل أن يولد))
سادسا: حسن السمت:
قال عليه الصلاة السلام ((إن الله جميل يحب الجمال))[14]
سابعا: بذل المعروف وقضاء الحوائج:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
ثامنا: بذل المال: قال تعالى ((وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39))) سورة سباء
تاسعا: إحسان الظن بالآخرين:
فلا تظن بكلمة خرجت من أخيك وأنت تجد لها في الخير محملا سوء أبدا .
عاشرا: إعلان المحبة والمودة قال عليه الصلاة والسلام ( إذا أحب أحدكم أخاه فليأته في منزله وليخبره أنه يحبه )[15]
الحادي عشر:المدارة وهي لا تعني المجاملة بل قد تحتاجها مع أناس لا ستطيع مواجهتهم مباشرة فتضطر إلى مداراتهم لتسلم من شرهم .
[1]– السلسلة الصحيحة 1/75
[2] – سنن الترمذي4/370
[3] – الترمذي 4/355
[4] – سنن الترمذي 4/363
[5] – أبو داود 1/666
[6] – الإرواء 1/190
[7] -مسلم 4/1806
[8] -سورة البقرة آية (83)
[9] سورة الإسراء آية (53)
[10] مسلم 3/1548
[11] -الترمذي 4/340
[12] – السلسلة الصحيحة 3/23
[13] – الترغيب 3/434
[14] – مسلم 1/93
[15] – أحمد 5/145
اضافة تعليق