نعم لقد كانت تلك الأمة آية من آيات القدرة الإلهية أنشأت في الأرض ما شاء الله أن تنشئ وسادت في الأرض ما شاء الله أن تسود قدمت للإنسانية عقيدة طاهرة نقية وتصورا سليما وموازين حققت العدالة والأمن والاستقرار.
القرآن يربي الأجيال
العناصر:
1- صمود القرآن أمام خصومه 2-الحكمة من إنزال القرآن 3- خطورة العجب بالنفس 4- عداوة الشيطان للإنسان.
((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2))) سورة الكهف الآيات(1-2).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل :((مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) سورة فاطر آية (2).
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله كان خلقه القرآن صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم ومن سار على سبيله إلى يوم الدين.
أما بعد :
أيها الناس:
اتقوا الله واهتموا بكتاب الله قال الله عز وجل ((إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30))) سورة فاطر الآيات (29-30).
وقال صلى الله عليه وسلم ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))[1]
فالقرآن الكريم المعجزة الخالدة الذي صمد أمام جميع التيارات الباطلة مع كثرة خصومة وقد تحدى خصومه وقت نزوله بأن يأتوا بمثله فعجزوا ((قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)) سورة الإسراء (88).
ثم خفف فتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا ((أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)) سورة هود (13).
فتحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة من مثله فلم يستطيعوا أن يأتوا ولو بآية ((وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)) سورة البقرة (23) وقال: ((أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) سورة يونس (38).
ولا يزال التحدي قائما .
لقد حفظ الله القرآن من كيد الأعداء وأصحاب الأهواء قال تعالى:((كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ))سورة الحجر (12).
لقد أنزل الله القرآن لتكوين أمة مؤمنة بربها تصمد أمام الأحداث تهدي إلى الحق وتجادل من أجله وتدافع عن الحقوق فأوجد أمة متعاطفة متراحمة فيما بينها قوية شديدة على عدوها قال الله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )) سورة الفتح آية (29).
نعم لقد كانت تلك الأمة آية من آيات القدرة الإلهية أنشأت في الأرض ما شاء الله أن تنشئ وسادت في الأرض ما شاء الله أن تسود قدمت للإنسانية عقيدة طاهرة نقية وتصورا سليما وموازين حققت العدالة والأمن والاستقرار.
إن القرآن قادر اليوم بإذن الله تعالى أن يربي أمة كذلك على غرار تلك الأمة ولكن لا بد من الشباب الذي يحمل معاني هذا القرآن وتوجيهاته ولا بد من الطائفة التي تعيش مع القرآن الكريم في جو الحقيقة التي عليها آيات القرآن ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18))) سورة الأنعام الآيات (17-18).
فالإيمان الراسخ بالله والتوكل عليه سبحانه والاعتصام به وحده والإيمان بقدره والتصديق بوعده ووعيده هي المعاني التي كانت خلق النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه والقرون المفضلة وهذه الصورة لو استقرت في قلب إنسان لصمد أمام جميع الأحداث وأمام جميع الخصوم فعن ابن عباس قال : ((كنت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فقال: يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ))[2].
هذه هي الصورة التي يريدها الإسلام لكل فرد مسلم وهي الصفة التي كان عليها محمد صلى الله عليه وسلم كما رباهم عليها القرآن وهذه هي الصفة ا لتي تقلق الأعداء .
فالقرآن الكريم يوقظ الهمم العالية ويحرك المشاعر الحية ويخاطب العقول السليمة ويربط العبد بربه ويربط الأحداث بخالق الكون فهو خالقها ومدبرها.
قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) )) سورة فاطر الآيات (5-6).
إن استشعار الإنسان بالعداوة بينه وبين عدوه يجعله يزن الأمور بموازين العدالة وما ينظر من العواقب فيزيد وسوسة الشيطان بميزان القرآن فلا يتخبط في تصرفاته تخبط التائه ولا يلتمس الشاطئ التماس الغريق بل يكون ثابتا على اتجاه مستقيم ومسيره على نور وتصرفاته على سداد وأعماله على نجاح .
ولكن المصيبة كل المصيبة فيما إذا أصيب بالغرور وأعجب بنفسه وأغري بتصرفاته وادعى الكمال لنفسه والعصمة من الخطاء فيخطئ ويرى أنه مصيب ويسئ ويرى أنه محسن سواء فيما بينه وبين ربه أو فيما بينه وبين الناس وهذه هي نقطة الضعف التي يدخل منها عدوه من الجن والإنس ويزين أعماله ويحسنها في عينه فلا يفرق بين الحق والباطل ولا يعرف الطيب من الخبيث والنافع من الضار ((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) سورة فاطر آية (8).
الغرور هو مفتاح الشر وهو طريق الفشل والهزيمة فمن أعجب برأيه ورأى كل عمل يعمله هو الحق والصواب هلك لأنه لا ينظر في عمله ولا يقيسه بالمقاييس هذا هو البلاء الذي يصبه ا لشيطان على الإنسان و هو المقود الذي يقوده إلى الظلال والخسران.
فالجاهل الذي يعلم جهله والمسئ الذي يعلم إساءته يعيد النظر ويتوب . والجاهل الذي لا يعلم جهله والمسئ الذي لا يعلم أساءته لا يرجع ولا يتوب فيتمادى في إساءته حتى ترديه إلى الهلاك وكل ذلك بإرادة الله عز وجل و مشيئته وهو الحليم الخبير)).
إن الثلاثة الذي تخلفوا في غزوة تبوك عرفوا الإساءة فتابوا فتاب الله عليهم والذين رجعوا من منتصف الطريق في غزوة أحد تمادوا في غيهم فهلكوا.
فاتقوا الله أيها المسلمون :
إن المسلم دائما في معركة مع الشيطان فيعد له عدته من ذكر الله وقراءة القرآن ودائما يتوقع المعركة مع عدو الرحمن فيعد له عدته بما استطاع من قوة وإيمان والذي لا يكون كذلك قد استسلم لعدوه ووقع في حباله والله المستعان .
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم قلت ما سمعتم واستغفروا الله لي ولكم ولسائر المسلمين .
الخطبة الثانية:
إخوة الإسلام:
فإذا كان الإنسان له عدو فله في أمره أحد طريقين إما أن يتخذه عدوا ويقابله بالمثل وإما أن يرضيه وينزل على رغبته فيكون تابعا له يقوده إلى أسوء مآل.
وقد ينقاد إلى عدوه رغبة في رئاسة وعزة ورفعة في هذه الدنيا ولكن العزة بيد الله وملكه يعطيها من يشاء فمن أرادها فليطلبها من مالكها وليعمل الأسباب لينالها قال الله تعالى: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ )) سورة فاطر آية (10).
والأسباب لنيل العزة مذكورة في قوله تعالى ((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)) سورة الحج آية (41).
فاتقوا الله أيها المسلمون وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا .
والرجوع إلى الحق خير من التمادي بالباطل ((فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ))
وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم الله بذلك قديما ولم يزل قائلا حكيما ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) سورة الأحزاب آية (56).
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا وأجعل الحياة لنا زيادة في كل خير وأجعل الموت راحة لنا كل شر وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
[1]– البخاري 4/1919
[2] – الترمذي 4/667
اضافة تعليق