الخطبة مسموعة : [audio:00249.mp3]
إن شهر رمضان هو شهر الجود وشهر البذل وشهر العطاء لقد كان من جود الله – تعالى – في شهر رمضان ان ابتعث محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – في هذا الشهر ومن جوده إنزال القرآن في هذا الشهر وكان – صلى الله عليه وآله وسلم – جواداً كريماً…
خطبة بعنوان : رمضان شهر الإنفاق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
فإن شهر رمضان هو شهر الجود وشهر البذل وشهر العطاء لقد كان من جود الله – تعالى – في شهر رمضان ان ابتعث محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – في هذا الشهر ومن جوده إنزال القرآن في هذا الشهر وكان – صلى الله عليه وآله وسلم – جواداً كريماً وكان أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبريل – عليه السلام – يتدارس معه القرآن فيمر على الآيات التي تحث على الإنفاق وتحث على الصدقة وتحث على تفقد أحوال الأسر المتعففة الذين لا يعرفهم كثير من الناس وعلى إعطاء الفقير واليتيم والمسكين والمحتاج من السائلين كان يجود – صلى الله عليه وآله وسلم – وكان يؤثر نفسه على غيره بل على أهله هذا هو نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – كان يقدم السائل الفقير على أهله وعلى نفسه – صلى الله عليه وآله وسلم – كيف لا يكون هذا الشهر شهر الجود والله – تعالى – قد جاد ويجود على عباده في هذا الشهر بالمغفرة والرحمة والعتق من النار جود ما بعده جود في كل ليلة من ليالي رمضان لله – تعالى – عتقاء من النار – نسأل الله تعالى – أن يجعلنا وإياكم والسامعين منهم في كل ليلة يجود ربنا فيعتق خلقاً كثيراً لا يعرف حدهم وعددهم إلا الله – تعالى – هنيئاً لمن كان من هذا الصنف والمحروم من حرم في هذا الشهر الكريم في كل ليلة عتق من النار ولله في كل ليلة عتقاء من النار بم استحق هذا الإنسان أن يعتق ؟ استحق العتق لأنه جواد استحق العتق لأنه كريم لأنه سخي لأنه أحس بحاجة الغير فعاش لنفسه وعاش لغيره فاستحق أن يكون من عتقاء الله من النار وهذا هو اختزال لحياة الإنسان في الدنيا مختزلة في أنك تطلب الله – عز وجل – وتستعيذ به من النار هذا هو الخلاصة ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ )) سورة آل عمران آية (185)
هذا هو الفوز والفلاح المطلوب لا يمكن – أيها الإخوة – أن يكون ثمة شخص في الوجود ممن سبق وممن هو حي وممن سيأتي لا يمكن أن يكون أجود من محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – هذا الجود جبل عليه صفة من صفاته –صلى الله عليه وآله وسلم – حتى قبل مبعثه – صلى الله عليه وآله وسلم – حينما عاد – صلى الله عليه وآله وسلم – من غار حراء خائفاً ترتعد فرائصه وطلب من زوجه خديجة – رضي الله عنها – قال لهم : زملوني زملوني خاف قالت : وهي تستحضر الصفات التي اتصف بها محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – يعني – كان يخشى على نفسه أن يكون هذا جن – سحر شيء من هذا قالت : كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتقرئ الضيف وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق لا يخزيك طالما وأنت تحمل هذه الصفات لا يمكن أن يخزيك الله أبداً صاحب نجده وصاحب شهامة وصاحب كرم
فيا أيها الإنسان – الله أعطاك فابذل من عطيته
فالمال عارية والعمر رحال
فالمال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجري يعذب منه سلسال
يقول الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى :
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب كما قيل يغطيه السخاء
كل عيب يغطيه السخاء ويغطيه الجود ويغطيه الكرم هذا أنس – رضي الله عنه – يصف محمداً صلى الله عليه وآله وسلم – بهذا الوصف وهو الذي عاش معه – صلى الله عليه وآله وسلم – خادماً ملازماً له يقول : إنه كان أجود الناس وفي صحيح مسلم يقول أيضاً : عن موسى بن أنس عن أبيه (( قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة))[1]
تصور هذا المال العرب جلهم مفتتنون بالمال فجاء يسأل – رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فأعطاه وادياً مليئاً بالغنم هذا كله لك أخذه الرجل وعاد به إلى أهله فقال : يا أيها الناس أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر هذا جوده – صلى الله عليه وآله وسلم – ويقول أنس : لقد كان الرجل يسلم لا يريد إلا الدنيا فما يأتي الليل حتى يكون الإسلام أحب إليه مم هذا ؟ هذا من نظره لصفات البشير النذير – صلى الله عليه وآله وسلم – الرءوف الرحيم حين يرى جوده ويرى كرمه ويرى بساطته ويرى تواضعه وهو نبي الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ليس ملكاً من ملوك الأرض إنه أكرم خلق الله أجمعين ينسج للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إزار من أجل أن يلبسه – صلى الله عليه وآله وسلم – نسجه الناسج لأنه رأى حاجة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لهذا الإزار فيلبسه – صلى الله عليه وآله وسلم – ويخرج إلى الناس بهذه الحلة الجديدة فيستحسنه رجل فيقول : يا رسول الله : أعطنيها ما أحسنها فيدخل – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى بيته ثم يلملمها ويعطيها لهذا الرجل قالوا له : بئس ما صنعت ؟ لقد علمت حاجة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إليها ومع هذا سألته وتعلم أنه لا يرد سائلاً قال : والله ما طلبتها لألبسها ولكني طلبتها لتكون كفني قال : فكانت كفنه . إن من معاني الصيام – أيها الإخوة – أن يحس الغني بحاجة الفقير إلى المال إلى الواجب إلى ما أوجبه الله عليك إلى أخت الصوم إلى أخت الصلاة إلى أن يخرج زكاة ماله الواجب .
إن كثيراً من الناس للأسف لا يحسنون التصرف فيما أوجب الله عليهم فترى بعض الناس يخرج ملايين من زكاة ماله لأناس لا يستحقون بل يجب عليهم أن يدفعوا الزكاة يدفع من الزكاة لأناس متنفذين لغرض قضاء مصالح هذه ليست بزكاة هذه اسمها رشوة الزكاة لثمانية أصناف فقط لا تحل لغني ولا يتوصل بها إلى حاجة إطلاقاً فهنالك من يعطي للفقير المعدم ألف ريال وهو متأفف يعطيه وهو يظن أنه يحسن إلى هذا الفقير العكس هذا الفقير هو محسن إليك كونه يقبل صدقتك الواجب أن تستقبله بوجه بشوش بوجه فيه السرور والفرح أن يأخذ ما تمده يدك إليه أن تعطيه وأن معرض أن تتلمس الحاجات بنفسك فتطوف بين الفقراء لتنظر قصورهم ولتنظر أوانيهم بنفسك من أجل أن تنظر حاجة الناس فتشكر نعمة الله – تعالى – عليك .
كريم الأمهات مهذب تدفق يمناه الندى وشمائله
هو البحر من أي الجهات أتيته فلجته المعروف والجود ساحله
جواد بسيط الكف حتى لو أنه دعاها لقبض لم تجبه أنامله
هذه هي أوصاف النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لا يعرف القبض ولا يعرف البسط .
اعلم يا من أغناك الله – تعالى – وأوجب عليك الزكاة أنك غير متفضل على هذا الفقير بل هو المتفضل عليك لو شاء لرماها في وجهك ولما قبلها واذهب وابحث عمن يقبل صدقتك الواجب في حق الفقير والمعدم أن يغنى لا أن يعطى الفتات فرق بين من يعطي الفقير وبين من يعطي متنفذاً من يعطي شخصاً غنياً أرصدته بالملايين أما تستحي من الله – تعالى – أن تأتي يوم القيامة لتقول : أعطيت فلاناً وأعطيت فلاناً هل هذا من مصارف الزكاة فلنتق الله – جل وعلا .
صنائع المعروف تقي مصارع السوء ولو كانت يسيرة تعمل الشيء اليسير يقول – صلى الله عليه وآله وسلم – : ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))[2]
نصف تمرة تعمل عملاً عظيماً عند الله –عز وجل – كيف لو أدخلت السرور على هذا الفقير للأسف الشديد لا يوجد في بلدنا مؤسسة زكوية نزيهة إطلاقاً وبعد هذا نأتي ليقال : حثوا الناس على أن يدفعوا الزكاة للدولة على الدولة أن تنظم بيتاً للزكاة صندوقاً للزكاة سميه ما شئت ويكون على رأسه النزهاء الشرفاء المشهود لهم بالخير وهنا سنقول للناس هنا موضع صدقاتكم أما في مثل هذه الظروف والأوضاع أن يحث الناس من أجل أن يدفعوا زكواتهم إلى هنالك ثم تسرق ثم تنهب ثم توضع في غير موضعها على كل غني أن يدفع زكاته بنفسه هذا الذي هو يسقط عليك الفرض ويسقط عنك السؤال بين يدي الله – تعالى – يقول – صلى الله عليه وآله وسلم – : (( … تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره ( حتى قال ) ولو بشق تمرة …))[3]
المتصدق لابد أن يكون بشوش الوجه لا يمن فالمن مبطل للصدقة يبطلها لابد أن يهش ويبش في وجه هذا الفقير كما كان نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – هذه صفاته
أخو البشر محمود على كل حالة ولن يعدم البغضاء من كان عابساً
فرق بين أن تنظر إلى شخص دائماً بشوش عريض الابتسامة للصغير والكبير والغني والفقير محبوب إنسان عابس مكفهر الوجه هذا إنسان يستوحش الناس منه وينفر الناس منه .
أخو البشر محمود على كل حال ولن يعدم البغضاء من كان عابساً
ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ولم أرى مثل الجود للعرض حارساً .
الجود يحرس العرض الإنفاق يحرس العرض ولا يلزم أن يطلع الناس على ذلك فالمحبة أمراً يقذفها الله – عز وجل – في قلوب الناس وفي الحديث عن أبي هريرة
: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض))[4]
أيها الكرماء :
هذا الشهر شهر الإنفاق وشهر الصدقة وشهر الجود وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه – قال : انتهيت إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –وهو يقول في ظل الكعبة ((هم الأخسرون ورب الكعبة هم الأخسرون ورب الكعبة ) . قلت ما شأني أيرى في شيء ما شأني ؟ فجلست إليه وهو يقول فما استطعت أن أسكت وتغشاني ما شاء الله فقلت من هم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال ( الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا))[5]
يتصدق المال يزداد بكثرة الإنفاق اجعل المال وسيلة لا غاية وسيلة للوصول إلى الله – عز وجل – كلما أنفقت كلما أنفق الله عليك كل يوم ينادي من السماء أنفق ينفق عليك بعض الناس يشبه المال بالبئر إذا تركتها لم تنزح منها ظلت مكانها وإذا نزحت منها تكاثر الماء فيها إنها سنة الله – تعالى – ولن تجد لسنة الله تبديلا .
أسأل الله لي ولكم السداد والتوفيق اللهم اجعلنا في الشهر المبارك الكريم من الأجود ين ومن الأسخياء يا رب العالمين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد :
أيها الكرام :
إن صدقة السر تطفئ غضب الرب وإن شهر رمضان يجود به الإنسان بجميع أنواع الجود ولا يقتصر الجود على المال بل جود النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حين قال فيه ابن عباس – رضي الله عنهما – وكان أجود ما يكون في رمضان الجود بالمال والجود بالجاه والجود بالعلم وجميع أنواع الجود الإنسان الجواد الذي ربما أحياناً يكون نجدة لك وواقفاً معك في وقت الملمات والأزمات حينما يتنكر لك القريب والبعيد فيأتي شخص للوقوف معك فقط بالمؤازرة بالكلام هذا من أرفع أنواع الجود حينما تريد أن يأتي شخص من أجل أن يدخل شيئاً من السرور إلى قلبك هذا من الجود
كنز المال – أيها الإخوة – وعدم الاعتراف بأن في هذا المال حق للسائل والمعروف للفقير هذه كارثة لا تحل الكوارث في البلدان إلا حينما يكون المال دولة بين الأغنياء حينما لا يعرفون فقيراً ولا مسكيناً وربما ركنوا على الدول والدول لا تلتفت إلى مثل هذا خاصة في بلاد الإسلام وللأسف الشديد إن اليمن – أيها الإخوة مهددة بخطر عظيم مهددة بمجاعة ما لم تتكاتف الجهود ما لم ينظر كل إنسان إلى من يعرفه فيجود عليه مما أفاء الله عليه والله – تعالى – هو الغني الحميد
أبيات تنسب إلى ابن عباس – رضي الله عنه- قال :
إذا طارقات الهم ضاجعت الفتى وأعمل فكر الليل والليل عاثر
وباكرني – أي المحتاج – في حاجة لم يجد بها سواي ولا من نكبة الدهر ناصر
فرجت بمالي همه من مقامه وزايله هم طروق مسامر
وكان له فضل علي بظنه بي الخير إني للذي ظن بي شاكر
يعني حينما يظن بك إنسان فيأتي إليك وهو يظن أنك ستفرج همه فلا تكسفه ولا ترده صفر اليدين هذا إنسان أحسن الظن بك فاجعل نفسك عند حسن ظنه بك وأكرمه وجد عليه مما جاد الله عليك .
اللهم تقبل صلاتنا وصيامنا واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم من النار يا رب العالمين .
[1] – مسلم 4 / 1806
[2] – البخاري 2 / 514
[3] – مسلم 2/ 704
[4] – البخاري 3/ 1175
[5] – البخاري 6/ 2447





اضافة تعليق