الحياء خلق كريم يبعث على ترك الأمور القبيحة فيحول بين الإنسان وارتكاب المعاصي ويمنعه من التقصير في حق ذي الحق…
خطبة بعنوان : الحياء
العناصر:
1- تعريف الحياء 2- الحياء خاصية البشرية 3- أبواب الحياء 4- فضائل الحياء 5- أمور تعين على الحياء 6- حياء الله من العبد 7- حياء الأنبياء 8- حياء السلف.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71))) سورة الأحزاب الآيات (70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
عباد الله:
نقف معكم اليوم مع خلق فاضل من أخلاق الإسلام بقوامه تقوم الحياة وبفقدانه يعيش المرء ميتا وكان يدب على وجه الأرض إنه خلق الحياء.
فالحياء خلق كريم يبعث على ترك الأمور القبيحة فيحول بين الإنسان وارتكاب المعاصي ويمنعه من التقصير في حق ذي الحق يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحي فافعل ما شئت ))[1].
ولهذا الحديث معالم كثيرة عند أهل العلم منها:
1-أنه أمر بمعنى الخبر لأن الذي يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو الحياء فإذا تركه كان كالمأمور بفعله كل محضور.
2-هو تهديد أي أصنع ما شئت فإن الله يجزيك على ما تفعل .
3-أنه حث على الحياء.
فمن لزم الحياء كانت أسباب الخير معه موجودة كما أنه من لزم البذاءة كان وجود الخير فيه معدوما.
فبقوة الحياء يضعف ارتكاب الشر وبضعف الحياء يقوى ارتكاب الشر.
ولله در القائل:
ورب قبيحة ما حال بيني
وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الدواء لها ولكن
إذا ذهب الحياء فلا دواء
ولذلك فمن لزم الحياء صان عرضه ودفن مساوية ونشر محا سنة ومن ذهب حياؤه هان على الله وعلى الناس وعلى نفس.
إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا
وتستحي مخلوقا فما شئت فاصنع
إذا كنت تأتي المرء تعظيم حقه
ويجهل منك الحق فالعزم أوســـــــــــــــــع
إن الحياة خاصية بشرية:
وقال تعالى : ((فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ )) سورة الأعراف آية (22).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))[2].
وقال أبو سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه : (( لولا الحياء في أن يأثروا علي كذبا لكذبت عليه)).
وأول ما يجب أن يستحيى منه هو الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم : ((استحيوا من الله حق الحياء.
قال قلنا :يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله.
قال :ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ))[3].
كما أن للحياء أبواب وهو من الإيمان.
قال صلى الله عليه وسلم : ((الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان ))[4].
وإن للحياء فضائل عديدة منها :
1-أن الله سبحانه وتعالى يحب الحياء :قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ))[5].
2-أن الحياء خلق الإسلام : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا ، وَخُلُقُ الإِسْلامِ الْحَيَاءُ))[6].
3-إن الحياء من الإيمان: ففي الحديث أن رسول الله عليه و آله وسلم برجل يعظ أخاه في الحياء فقال : ((دعه فإن الحياء من الإيمان ))[7].
4- الحياء لا يأتي إلا بخير: قال النبي صلى الله عليه و سلم (( الحياء لا يأتي إلا بخير ))[8]
5- الحياء يقود إلى الجنة: ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : ((الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء . والجفاء في النار))[9].
فإذا أردت أخي الكريم أن تتصف بهذا الخلق العظيم فما عليك إلا بمراقبة الله عز وجل وشكر نعمه.
ثم اعلموا رحمكم الله أن هناك أمور لا تعد من الحياء منها :
1-عدم قول الحق والجهر به قال الله تعالى : ((وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ)) سورة الأحزاب آية (53).
قال الحافظ: (( ولا يقال رب حياء يمنع من قول الحق أو فعل الخير لأن ذلك ليس شرعيا)).
2-الحياء من طلب العلم: قالت عائشة رضي الله عنها : ((نعم نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين )).
وقال مجاهد : (( لا يتعلم العلم مستحي ولا متكبر)) والله سبحانه وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه .
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : (( وأما حياء الرب من عبده فذلك نوع آخر لا تدركه الأفهام و لا تكيفه العقول فإنه حياء كريم وبر و جود وجلال فإنه تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا ويستحيي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام )).
وكان صلى الله عليه وسلم أتم الناس حياء حتى وصفه أبو سعيد بقوله : ((كان أشد الناس حياء من العذراء في خدرها))[10].
وكذلك نبي الله موسى عليه السلام فقد كان حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بين اسرائيل فقالوا : ((كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فخرج موسى في إثره يقول ثوبي يا حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا والله ما بموسى من بأس وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا ))[11].
وفي الشرع يسحب لمن أراد الاغتسال أن يستر فالله أحق أن يستحيا منه ففي الحديث : ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ))[12]
وهذا كان الجيل الأول هم القدوة الذين ورثوا مكارم الأخلاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أشد الناس حياء فبز منهم نماذج رائعة في الحياء حتى أن الملائكة كانت تستحي من بعضهم.
فهذا عثمان رضي الله عنه يقول عنه النبي عليه الصلاة والسلام : ((أَلا أَسْتَحْيِي مِمَّا تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلائِكَةُ))[13]
وقال صلى الله عليه وسلم : ((وأصدقهم حياء عثمان ))[14]
فاحرص أخا الإيمان على الحياء ولله در من قال:
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فافعل ما تشاء
فلا والله ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما ستحيى بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء
سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.
[1] – البخاري 3/1284
[2] – البخاري 5/2268
[3] – سنن الترمذي 4/638
[4] – البخاري 1/12
[5] – سنن أبي داود 4/70
[6] – معجم الطبراني الكبير 1/31
[7] – البخاري 1/17
[8] – البخاري 5/2267
[9] – البخاري 2/1400
[10] – البخاري 5/2268
[11] – البخاري 1/107
[12] – سنن أبي داود 4/70
[13] – المعجم الكبير 17/52
[14] – سنن الترمذي 5/665
اضافة تعليق