تابعنا على

إنتاجات الشيخ خطب مفرغة

صناعة المعروف

الخطبة مسموعة : [audio:00215.mp3]

صناعة المعروف صدقة  يتصدق  بها  الإنسان عن أعضاء بدنه

صناعة المعروف

العناصر:

1– تعريف صناعة المعروف.

2- الأنبياء صناع المعروف.

3- فضل صناعة  المعروف.

4- حكم صناعة  المعروف.

5- آداب صناعة المعروف.

الحمد لله رب العالمين على فضله  وإحسانه لا أحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه  وأشهد أن لا إله  إلا الله  وحده  لا شريك له  وأشهد أن محمدا عبده ورسوله  صلى الله عليه  وعلى آله  وأصحابه  وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد::

عباد ا لله :-

صناعة المعروف يقصد بها  خدمة  الآخرين  وقضاء حوائجهم  وهي حسية و معنوية ….

فالحسية : مثل الإطعام  وسقاية  الماء  وسداد  الديون  والإصلاح  بين المتخاصمين .

والمعنوية : كالدلالة على الهداية   والتعليم  وكف  الشر عن الآخرين .

ولاشك أن الأنبياء  صلوات  الله عليهم هم صناع  المعروف فقد حازوا قصب السبق  في ذلك  ولنا فيهم الأسوة الحسنة  والقدوة قال الله تعالى (() أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)))[1]

فهذا نوح  عليه السلام : يبذل المعروف في سبيل هداية قومه ((أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) ))[2]

وذاك موسى عليه السلام : يصنع المعروف كذلك ((…) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)))[3]

وعيسى  عليه السلام ((وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31)))[4]

أي واجعلني نفاعا  للناس أينما اتجهت وحللت.

أما نبينا عليه الصلاة والسلام فقد كان الحصن الحصين في ذلك فكان عليه  الصلاة  و السلام أشد  الأنبياء حرصا على قضاء  حوائج الناس فقد قيل لأمنا عائشة رضي الله عنها  وعن أبيها هل كان  النبي عليه الصلاة والسلام يصلى وهو قاعد ؟ قالت نعم بعد ما حطمة  الناس ))[5]

أي أتعبه الناس  بكثرة حوائجهم .

تصف خديجة  بنت خويلد  رضي الله عنها (( والله لا يخزيك الله أبدا  إنك لتصل  الرحم  وتحمل الكل  وتحمل  الكل  وتكسب  المعدوم   وتقرئ الضيف  وتعين على نواب الحق))[6]

فقد في الحديث ((أحب الناس  إلى الله أنفعهم  للناس وأحب الأعمال إلى  الله  سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه  كربه  أو تقضى عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي في حاجة  أحب إلي من أن أعتكف  في  هذا المسجد شهرا و من مشى مع أخيه في حاجة  حتى يثبتها له  ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام ))[7]

فهذه امرأة  تأتي  إليه عليه الصلاة والسلام فتقول له (( إن لي إليك حاجة  فلم يضجر عليه الصلاة و السلام  منها .

ويصفه ابن أبي  أوفى  بقوله ((.. ولا يأنف أن يمشي مع  الأرملة  والمسكين فيقضى له الحاجة ))[8]

 

إخوة  الإسلام :

لقد وردت أحاديث  كثيرة  تدل على فضل  صناعة  المعروف من ذلك :

ما جاء عليه الصلاة والسلام (( من كان  في حاجة أخيه كان الله في حاجته من فرج عن مسلم كربه  فرج الله عليه كربة من كربات يوم  القيامة  من ستر مسلما  ستره الله يوم  القيامة ))[9]

وقوله عليه الصلاة والسلام (( صنائع المعروف تقي مصارع السوء  وصدقة السر تطفئ غضب الرب ))[10]

 

بل دعا عليه الصلاة والسلام لصنائع المعروف  و رغب أن يكون  الإنسان  منهم فقال  عليه  الصلاة  والسلام (( إن من  الناس مفاتح  للخير مغاليق للشر وإن من الناس مغاليق للخير مفاتح للشر فطوبى  لمن جعل الله مفاتيح  الخير على يديه …))[11]

وصناعة المعروف صدقة  يتصدق  بها  الإنسان عن أعضاء بدنه كما  جاء  في الحديث  الصحيح  عنه  عليه الصلاة والسلام أنه قال (( يصبح على كل سلامى من أحدكم  صدقة  كل تهليلة صدقة  وكل تكبيرة صدقة  وأمر بالمعروف صدقة  ونهي عن المنكر صدقة  و يجزئ عن ذلك  ركعتان من  الضحى )) [12]

إن صناعة المعروف  معاملة  مع الله  قبل  أن تكون مع الخلق  ولذا فالمعروف يبذل  ولو كان لكافر قال الله تعالى  ((يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8)))[13]

أخي الكريم لا تحتقرن شيئا  ولو كان يسير إنه عند الله كبير قال عليه الصلاة والسلام  (( بينما رجل يمشي  بطريق وجد غصن  شوك على الطريق  فأخذه فشكر الله له فغفر له ))[14]

وقال عليه الصلاة والسلام ((لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة  في شجرة  قطعها من ظهر  الطريق  كانت تؤذي الناس))[15]

وحكى عليه الصلاة و السلام  قصة الرجل  الذي كان  يداين الناس  فكان  يقول : لغلمانه  من وجدتموه  معسرا فتجاوزوا عنه  لعل الله أن يتجاوز عنا  فلقي الله فتجاوز عنه ))[16]

بل أن صناعة المعروف لا تقتصرعلى  الإنسان  بل تتعداه  إلى الحيوان  أكرمكم الله  ورفع قدركم ففي الحديث الصحيح  أنه  عليه الصلاة والسلام  قال (( بينما رجل يمشي في الطريق  اشتد عليه العطش  فوجد بئرا فنزل  فيها  فشرب  ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش  فقال الرجل  لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي  يلغ مني فنزل  البئر فملأ خفه  ماء فسقى  الكلب  فشكر الله له  فغفر  له : قالوا  يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجر ؟ فقال في كل ذات كبد رطبة أجر))[17]

وقال عليه الصلاة والسلام (( ما من مسلم يغرس عرسا إلا كان ما أكل  منه صدقة وما سرق منه له صدقة  و ما أكل السبع منه صدقة  وما أكلت الطير منه فهو  صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان صدقة )) [18]

وأصغى عليه الصلاة والسلام  الماء للهرة

وما قصة الجمل  الذي جاء يشتكى  للنبي عليه الصلاة والسلام  صاحبه  منكم ببعيد فعن يعلى  بن مرة  الثقفيى  قال : ثلاثة أشياء رأيتهن  من رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بينما نحن نسير  معه  إذ مررنا ببعير  لبني علية  فلما رآه البعير جرجر ووضع  جرانه  فوقف عليه  رسول صلى الله عليه  الصلاة السلام فقال أين صاحب هذا البعير  فجاء  فقال عليه الصلاة و السلام بعنيه  فقال  بل أهبه  لك  وإنه لأهل  بيت ما لهم  غيره  قال  ( أما إذا ذكرت هذا  من أمره  فإنه شكى  كثرة العمل  وقلة العلف فأحسن إليه).[19]

وإذا جئنا  لنعرف الحكم  الشرعي  لهذه الخصلة  العظيمة  فإنه تدورعليه أحكام  الشريعة  الخمسة  فقد  يكون  واجبا أو مستحبا وقد يكون محرما أو مكروها ..إلخ :

قال الله تعالى ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7))[20]

الماعون اسم  لما يتعاوزه الناس .

وإن من  أبرز صفات  أهل  النار  أنهم  لا يصنعون المعروف قال الله تعالى ((  مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) ))[21] فجعل عدم  إطعامهم للمساكين  سببا  من أسباب ورودهم في النار و العياذ بالله.

والمقصرون في صناعة المعروف يعاتبون من قبل المولى عز وجل  ففي الحديث القدسي  يقول الله تعالى (( ابن آدم مرضت فلم تعدني  قال : يارب كيف  أعودك  وأنت  رب العالمين  ؟ قال مرض عبدي فلان فلم تعده  أما علمت أنك لو عدته  لوجدتني عنده ))[22]

ثم أعلموا حفظكم  الله أن هناك آدابا لصناعة المعروف  ينبغي مراعاتها منها:

1- أن المعروف معاملة لله لا توزن بالقلة ولا بالكثرة قال عليه الصلاة والسلام (( اتقوا النار ولو بشق تمرة )[23]

2- قبول الشيء وأن كان قليلا: قال عليه الصلاة والسلام (( لو دعيت إلى كراع لأجبت  ولو  أهدي إلى كراع لقبلت ))[24]

3- أن صاحب المعروف مأجور ولووقع في يد من لا يستحقه .

4- عدم المن للمعروف فإن ذلك يبطله .

5- الإخلاص  قدر الاستطاعة  وغيرها من الآداب.

ولا تقتصر صناعة المعروف على ما ذكرنا بل الشفاعة  تعتبر من صناعة  ا لمعروف : فقد ورد عن  النبي عليه الصلاة والسلام (( اشفعوا تؤجروا ويقضي الله علي لسان رسوله ما يشاء))[25]

كان عليه الصلاة والسلام  مثالا يحتذى به في الشفاعة  فكم من شفاعة قضاها لأصحابه.

أخوة الإسلام :

إن من المؤسف  كثيرا أنك  تجد من وسع الله عليهم  يحبسون أموالهم  عن الإسهام في الخير  ويحرمون  أنفسهم  من الثواب  وهم قادرون  على ذلك فيكون ممن  جمع فأوعى  .

فيا حسرة  على من كان جماعا  للمال  مناعا  للخير  لا يقدم  لنفسه ما يجده عند الله  خيرا  وأعظم  أجرا  .

فاتقوا الله  عباد الله   وقدموا لأنفسكم  وأعلموا أنكم  ملاقوه  وبشر المؤمنين.

فاللهم  أكرمنا  ولا تهنا  وأعطنا ولا تحمنا  واجعلنا مفاتح  للخير مغاليق  للشر  وتقبل منا إنك أنت السميع  العليم .


[1] – الأنعام آية ( 90)

[2] – نوح آية (2_3)

[3] – القصص آية (23)

[4] – مريم آية (31)

[5] – أحمد  6/171

[6] – البخاري 1/3

[7] – صحيح الترغيب 2/359

[8] – سنن النسائي 3/108

[9] – البخاري 6/227

[10] – المعجم الأوسط 1/289

[11] – سنن بن ماجة 1/86

[12] – مسلم 2/158

[13] – سورة الإنسان آية (7-10)

[14] – البخاري 2/63

[15] – مسلم 4/2021

[16] – مسلم 3/1296

[17] – البخاري 2/870

[18] – مسلم 3/1188

[19] – مسند أحمد 4/173

[20] – سورة الماعون آية (4-7)

[21] – سورة المدثر آية (42-44)

[22]– مسلم 4/1990

[23] – البخاري 3/425

[24]– البخاري5/1985

[25] –  البخاري 2/520

اضافة تعليق

اضغط هنا للتعليق